اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
لماذا صَبرُ فاطمة ؟!
إنَّما يُراد الصبْر للمصائب
رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه سمع رجلاً يقول في دعائه: اَللهمّ إنّي أسألك الصبر، فقال له: « سألتَ اللهَ البلاء، فاسألِ العافية » ( كنز العمّال للمتّقي الهندي / خ 3130 ). كذلك رُوي أنّ عليَّ بن الحسين عليهما السلام رأى رجلاً يطوف بالكعبة وهو يقول: اَللهمَّ إنّي أسألك الصبر! فضرَبَ عليه السلام على كَتِفِه وقال له: « سألتَ البلاء! قل: اَللهمَّ إنّي أسألك العافية، والشكرَ على العافية » ( بحار الأنوار للشيخ المجلسي 285:95 / ح 1 ـ عن: دعوات الرواندي:292، روايةً عن الإمام عليّ بن موسى الرضا صلوات الله عليه ).
أجل.. فالصبر إنّما يُراد إذا نزلت المصيبة، ويُسأل اللهُ الصبرَ إذا وقعت النائبة، ويُوصى به إذا كان توقّعٌ لنكبةٍ أو فاجعة! وقد مرّت رسالة الإسلام بمراحل خطيرة وأدوارٍ عصيبة، وكان لابدّ من الصبر: على الطاعة مرّة، وعن المعصية مرّةً أخرى، وعلى أذى الأعداء مرّةً ثالثة. وأُريد الصبر بعد ذلك لِعِظم الأحكام الإلهيّة: العقائديّةِ والأخلاقيّة، النظريّةِ والعمليّة، النصّيّة والتفسيريّة.. فقد حدث في الأمّة اضطرابٌ وشكّ وارتدادٌ أحياناً بُعَيدَ رحيل رسول الله صلّى الله عليه وآله، فكان لابُدّ من تثبيت الحقائق الإسلاميّة العظمى، ولابُدّ مِن ردّ الانحراف والتحريف والتزييف، وذلك يُراد له موقفٌ كبير، وكبيرٌ جدّاً لا يستطيع أن يقفه إلاّ أهلُ بيت النبوّة والرسالة.. ومنهم فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وعليهم.
وبديهيٌّ أنّ الموقف الكبير يُراد له صبرٌ كبير، وتَحمُّلٌ عظيم؛ لأنّ نتائج ذلك الموقف مع بعض الناس ستكون نتائجَ مُرّةً قد ينتهي بعضها إلى أن يتعالَوا على حدود الله حتّى يُفتَضَحوا، وقد يتجاسرون ـ وذلك كلُّه حصل وكان وجرى! ـ على حُرمات الآل عليهم السلام، وقد ينتهي بعضها الآخَر إلى الشهادة قتلاً ظالماً على يدِ مَن لا يخشى اللهَ تعالى، ولا يَرقُب في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذِمّة!!
وأمامَ هذا كلِّه كان صبرُ فاطمة.. ما أعظَمَه وما أعظَمَها! فقد كان للهِ عزّوجلّ حبّاً له ورضىً بكلّ قضائه، وكان رَشحاً من ذلك الإيمان الأسمى، وطاعةً لِما أمَرَ اللهُ تعالى به ورسولُه صلّى الله عليه وآله.. أجَل، وتلك أخباره.
هكذا رَوَوا
• عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: رأى النبيُّ صلّى الله عليه وآله على فاطمة عليها السلام كساءً من أجلّة الإبل، وهي تَطحن بِيدَيها وتُرضع ولَدَها، فدَمِعت عينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال: « يا بِنتاه، تَعجّلي مرارةَ الدنيا بحلاوة الآخرة »، فقالت: « يا رسولَ الله، الحمدُ للهِ على نَعمائهِ، والشكرُ للهِ على آلائهِ »، فأنزل الله: وَلَسَوفَ يُعطِيكَ ربُّك فَتَرضى ( مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 120:3 ـ عنه: بحار الأنوار 85:43 / ح 8. وعلى ما في المناقب: تفسير الثعلبي، وتفسير القُشَيري، والآية في سورة الضحى:6 ).
• وعن عائشة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله في مرضه الذي قُبِض فيه قال: « يا فاطمةُ يا بنتي، أحني علَيّ »، فأحنَتْ عليه، فناجاها ساعةً ثمّ انكشفت عنه تبكي... ( إلى أن قال صلّى الله عليه وآله لها: ) « يا بُنيّة، إنّه ليس مِن نساء المؤمنين أعظم رزيّةً منكِ، فلا تكوني أدنى مِن أمرأةٍ صبراً »، قالت عليها السلام راوية: « ثمّ ناجاني في المرّة الأُخرى فأخبرني أنّي أوّلُ أهله لُحوقاً به، وقال: إنّكِ سيّدةُ نساءِ أهل الجنّة » ( مجمع الزوائد للهيثمي الشافعي 23:9 ـ ط مكتبة القدسي بالقاهرة، الأنوار المحمّديّة للنبهاني:582 ـ ط الأدبية ببيروت، فتح الباري لابن حجر العسقلاني 111:8 ـ ط مصر، ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي:198 ـ ط إسلامبول.. وغيرها ).
• وعن أبي جعفر ( الإمام الباقر ) عليه السلام قال: « جَمَع رسولُ الله صلّى الله عليه وآله عليَّ بنَ أبي طالبٍ وفاطمةَ والحسن والحسين عليهم السلام، وأغلَقَ عليهم البابَ وقال: يا أهلي وأهلَ الله، إنّ الله عزّوجلّ يقرأ عليكمُ السلام، وهذا جبرئيلُ معكم في البيت ويقول: إنّ الله عزّوجلّ يقول: إنّي جعلتُ عدوَّكم لكم فتنة، فما تقولون ؟ قالوا: نصبر يا رسول الله لأمر الله وما نزل من قضائه حتّى نَقْدِم على الله عزّوجلّ ونستكمل جزيل ثوابه، وقد سمعناه يَعِدُ الصابرين الخيرَ كلَّه. فبكى رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى سُمِع نحيبه مِن وراء البيت، فنزلت هذه الآية: وجَعَلْنا بَعضَكُم لِبَعضٍ فتنةً أَتَصْبِرونَ وكانَ ربُّك بَصيراً ، إنّهم سيصبرون، أي سيصبرونَ كما قالوا صلوات الله عليهم أجمعين » ( روى هذا الحديث الشريف السيّد هاشم البحراني في كتابَيه: تفسير البرهان 158:3 / ح 1، واللوامع النورانيّة في أسماء عليٍّ وأهل بيته القرآنيّة:257 / ح 525، والآية في سورة الفرقان:20 ).
• وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال لفاطمة عليها السلام: « إن جبريل كان يعارضني القرآنَ كلَّ سنةِ مرّةً، وإنّه عارضني العامَ مرّتين، ولا أراني إلاّ حَضَر أجَلي، وإنّكِ أوّلُ أهلِ بيتي لَحاقاً بي، فاتّقي اللهَ واصبري؛ فإنّه نِعمَ السَّلَف أنا لكِ » ( كنز العمّال للمتقي الهندي 107:12 / خ 34214 ).
• وقال سلمان الفارسي: دخلتُ على رسول الله صلّى الله عليه وآله في مرضه الذي قُبِض فيه... ( إلى أن قال رضوان الله عليه: ) دخَلَت فاطمة عليها السلام ابنته فيمَن دخل، فلمّا رأت ما برسول الله صلّى الله عليه وآله من الضَّعف خنَقَتها العَبرةُ حتّى فاض دمعها على خدّها، فأبصر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال: « ما يُبكيكِ يا بُنيّة ؟! أَقرّ اللهُ عينَيكِ ولا أبكاكِ »، قالت: « وكيف لا أبكي وأنا أرى ما بِكَ من الضَّعف! »، قال لها: « يا فاطمة، توكّلي على اللهِ واصبري كما صَبَر آباؤُكِ من الأنبياء وأُمّهاتُكِ مِن أزواجهم.. ». ( أمالي الطوسي:607، تفسير البرهان 212:4 / ح 6 ).
• ورُوي عن عبدالله بن مسعود قوله في ظلّ الآية الشريفة: إِنّي جَزَيتُهمُ اليومَ بِما صَبَروا : يعني جزيتُهم بالجنّة اليومَ بصبرِ عليِّ بن أبي طالبٍ وفاطمة والحسن والحسين في الدنيا على الطاعات وعلى الجوع والفقر، وبما صبروا عن ( ترك ) المعاصي، وصبروا على البلاء لله في الدنيا، أنّهم همُ الفائزون والناجون من الحساب. ( شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي 408:1 ـ ط بيروت، تفسير البرهان 122:3، والآية في سورة المؤمنون:111 ).
• وكتب ابن قيّم الجوزية ـ وهو من مشاهير علماء السنّة المتعصّبين ـ في مؤلّفه ( زاد المعاد في هدى خير العباد 40:1 ) بعد ذِكر أحوال فاطمة الزهراء عليها السلام:... فَرفَع اللهُ لها بصبرها واحتسابها مِن الدرجات ما فُضِّلَت به على نساء العالمين.
فسلامٌ على السيّدة الصابرة التي نتشرّف بزيارتها قائلين:
« اَلسَّلامُ عليكِ يا مُمتَحَنة، إمتَحَنكِ الذي خَلَقَكِ فَوَجَدكِ لِما آمتَحَنكِ صابرة، أنا لكِ مُصدِّقٌ صابرٌ على ما أتى به أبوكِ ووصيُّه صلواتُ الله عليهما، وأنا أسألُكِ إنْ كنتُ صَدَّقتُكِ إلاّ أَلْحقتِني بِتصديقي لهما لِتُسَرَّ نفسي، فآشهَدي أنّي طاهرٌ بِوَلايتِكِ، ووَلايةِ آلِ بيتِكِ، صَلواتُ الله عليهم أجمعين » ( جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع للسيّد ابن طاووس:38 ـ 39 ).
شبكة الامام الرضا عليه السلام