بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
نقطة البدآية :
لقد كان مطلع نور الزهراء (ع) مع بدايات الرسالة الخطيرة، والجهاد العنيف والمشقات والعذاب الذي امتد ظله إلى بيت النبي (ص) ، ومع كل هذا فقد كانت أجدر أولاد الرسول جميعاً بمكابدة أشد المصائب، واحتمال أشق المحن.
وحينما نريد أن نستعرض الأحداث والآلام التي عاصرتها (ع) وهي بعد في أدراج الحياة؛ حيث كانت تنظر إلى:
ـ محاولات أبيها (ص) لإيقاظ الناس من سبات الكفر.
ـ وما يعانيه (ص) من عداوة صارخة من صناديد الكفر والضلال.
ـ وصنيع أمها ووفائها ورساليتها لهذا الأب الكريم، وما تقوم به من مسح آلام الرسول (ص) وشجونه بقلب ينبض حباً وحناناً.
ـ وترى تلك الأوساخ والقاذروات وهي تطرح على جسد أبيها الرسول الكريم (ص) ، وهو ساجد في خشوعه عند الكعبة المشرّفة.
ـ وذاقت (ع) مرارة الحصار، لمدة عامين، في شِعب أبي طالب مع أبيها وأمها وعمها أبي طال وبني هاشم.
ـ وعاصرت رهبة الخوف على حياة أبيها من أن تناله قريش بالأذى والقتل.
ـ ورأت ملامح الصبر والجلد النبوي ومصارعته للأحداث الجسام.
إنّ كل هذه الأحداث الأليمة والموجعة يختصرها الرسول الأعظم بكلمة ناطقة: "ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت".
فلم تعش الزهراء (ع) طفولة الأطفال في لعبهم ولهوهم وعبثهم، بل انطلقت منذ فتحت عينيها على الحياة تنظر إلى آلام أبيها العظيم (ص) ومعاناته وما يواجهه من أذى في طريق الدعوة، فنشأت منذ نعومة أظفارها نشأت رسالية في مشاعرها وعواطفها ومواقفها وكل حركتها .. لقد كانت على بصيرة بهذا الطريق الشاق وما يؤول إليه المصير، وكانت رعايتها لأبيها (ص) يفوق الوصف، لقد تقمصت دور شخصية الأم ورحبت بهذا الدور العظيم، ويكفي دلالة أنّ الرسول (ص) وصفها بـ (أم أبيها)، فهذه الكنية تفتح لنا آفاق الاستغـراق، بحيث لا يدرك الإنسان شاطئ حقيقته ومرامه.
ولنا أن نتصور كم كانت عاطفة فاطمة (ع) وكم كان قلبها حتى استطاعت أن تملأ روح هذا النبي الكريم (ص) وتشعره بالاطمئنان وتحوطه بالرعاية، لقد كانت أمومتها له واحتضانها له شيئاً فوق العادة، ونحن نعلم عادة أنّ المرأة عندما تكون أماً فإنّ الولد سيكون محور حياتها، بينما الصورة البديعة هنا أن يكون الوالد محور حياة ابنته.
وبعبارة مختصرة: كانت (ع) للإسلام عندما وقفت مع رسول الله (ص) وخففت عنه الأذى الذي لحقه من المشركين، وكانت للإسلام عندما بذلت وأنفقت وجاهدت في سبيل الله، وكانت للإسلام بكل وجودها وكيانها وحياتها .. وبعبارة مختصرة نقول: إنّ علياً وفاطمة وخديجة وأبا طالب وقود الانطلاق لرسالة النبي (ص) لا تقف أمام معنوياتها حواجز الدهر. ولذا يحدثنا حفيدها الإمام السجاد (ع) عن بدايات سنين الزهراء (ع) فيقول: "لم تزل فاطمة (ع) تشبّ في اليوم كالجمعة، وفي الجمعة كالشهر، وفي الشهر كالسنة".
وفيه دلالة على ما تحمله الزهراء (ع) من وعي تثقب به الحياة بوعيها للظروف والأحداث، وبملاحظتها الفاحصة في الاستفادة من هذه الأحداث، والتي جعلت منها امرأة ناضجة وهي بعد في درج حياتها الأولى.وتقول السيدة الجليلة أم سلمة: "تزوجني رسول الله وفوّض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها، وكانت والله أدأب مني وأعرف بالأشياء كلها".
وهو دليل آخر على أنّ الزهراء (ع) كانت أسوة حسنة لمثل سيدة جليلة كأم سلمة وهي المحنكة المرضية من زوجات رسول الله وصاحبة المواقف الرفيعة في محبة أهل البيت .
ولقد تمتعت الزهراء (ع) بخصلتين:
الأولى: شبهها بالرسول الأكرم (ص) :
فلم يكن شبهاً عابراً بل هو اندماج كامل بين شخصية فاطمة (ع) وشخصية أبيها (ص) .. ولقد أفصحت الروايات المستفيضة عن ملامح الرسالة في شخصها وما تأثرت به من شخصية أبيها العظيم في كل شيء، حتى تأثرت به في طريقة مشيه..فهذا الشبه الخَلْقي، يصفه جابر بن عبد الله الأنصاري فيقول: ما رأيت فاطمة تمشي إلا ذكرت رسول الله ، تميل على جانبها الأيمن مرة وعلى جانبها الأيسر مرة.وأما الشبه المعنوي، فتصفه السيدة عائشة بقولها: "ما رأيت من الناس أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (ص) من فاطمة (ع)".
وفي قول آخر لها: "ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وسمتاً وهدياً ودلاً برسول الله من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكانت إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبّلتها وأجلسته في مجلسها".
وتستمر هذه العلاقة في تجذرها وعمقها في كل أدوار حياة الرسول الأعظم (ص) حتى وفاته.
إنّ الكلمات توضح عمق العلاقة الروحية بين رسول الله (ص) وابنته فاطمة (ع) ، وتوضح لنا أي درجة وصلت إليه الزهراء(ع) من الوعي الثاقب بحيث إذا تحدثت فإنّها تفرغ عن وعي رسول الله (ص) وفكره ورساليته فكأنّ الزهراء (ع) كانت قلباً نابضاً لأبيها، وترجمة صادقة عن وجوده المادي والمعنوي حيث ادّخرها الله عز وجل لتلعب دوراً رسالياً لصدّ المناوئين بعد وفاة أبيها بما أوتيت من ملكات عالية.
وإذا كان منطق الزهراء (ع) وحديثها هو وعي محمدي فلأنّ اللسان يترجم عن الوعي المخزون، يقول أمير المؤمنين (ع) : "مغرس الكلام القلب، ومستودعه الفكر، ومقوّمه العقل، ومبديه السان، وجسمه الحروف، وروحه المعنى، وحليته الإعراب، ونظامه الصواب".
الثانية: كثرة أوصافها:
الروايات في وصف الزهراء(ع) مستفيضة، وقد تصل إلى أكثر من عشرين وصفاً، إلا أنّ أدق هذه الأوصاف ما جاء على لسان الإمام الصادق (ع) إذ يقول: "لفاطمة (ع) تسعة أسماء عند الله عز وجل: فاطمة، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدِّثة، والزهراء، ـ إلى أن يقول ـ لولا أنّ أمير المؤمنين (ع) تزوجها لما كان كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض".
ولا شكّ أنّ هذه الأوصاف وغيرها تعكس عن مدلول حقيقتها، ومن هنا اهتم أئمة أهل البيت (ع) بتفسير هذه الأوصاف الشريفة فهي:
أ ـ قد فطمها الله بالعلم والمعرفة.
ب ـ وهي أفضل نسأ العالمين عفة وفضلاً وديناً.
ج ـ وبارك الله لها في ذريتها.
د ـ وتحدّثها الملائكة كما كانت تحدّث مريم بنت عمران.
هـ ـ وهي الصادقة قولاً وعملاً.
و ـ الوضيئة الوجه، وكانت تزهر في عبادتها كما يزهر الكوكب الذري.
ز ـ وصلت إلى أسمى درجات العرفان مع الله سبحانه وتعالى فهي (الراضية)، والتي هي خصلة فوق مرتبة الصبر.
ولا شكّ أنّ هذه الأوصاف لا يمكن أن تجتمع في سقف واحد إلا مع من مَلَك أوصافاً كأوصافها، فكان علي (ع) الكفؤ لهذه البضعة (ع) حيث تقارن النور بالنور.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله الف خير وبارك الله فيكم على الطرح الاكثر من رائع
جعله الله فى ميزان اعمالكم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
قل للمغيّب تحت أطباق الثرى * إن كنت تسمع صرختي وندائيا