من الاسباب المهمة التي دفعت بني العباس الى الاسراع في قتل مولانا الامام الجواد (سلام الله عليه) هو ما احدثته امامته المبكرة من ضجة بين المسلمين، مع انتشار اخبار اجاباته العلمية الدقيقة التي ابهتت جميع العلماء واثلجت صدور الاصدقاء الذين رأوا في امامهم التاسع بأنه يجدد صور ما حكاه القرآن الكريم عن عيسى ويحيى (عليهما السلام) وعلى نطاق اوسع بكثير، فقد جرت معه عليه السلام وهو دون العاشر كثيراً من هذه الحوادث وفي مجالس متعددة كان يجيب على ادق المسائل العلمية الشرعية التي عجز عنها العلماء وبين للامة ان وراثة علوم مدينة الحكمة المحمدية الهية لا تتأثر بعمر الامام.
كما ان هذه الظاهرة المجددة لتأريخ الانبياء (عليهم السلام) قد أثار الحقد والحسد في قلوب الاعداء وخاصة رجال البلاط العباسي الذين خشوا من آثارها على حكمهم لما ستؤدي اليه من اتساع توجه قلوب المسلمين اليه خاصة مع ما كانوا يجدون فيه سلام الله عليه من الاخلاق المحمدية بجميع نواحيها.
ومن هنا جاء قرار تصفية الامام التقي (عليه السلام) بكل وسيلة واغتياله بسرعو وهو في ريعان الشباب.
ومن جهة اخرى، فان امامنا الجواد (عليه السلام) قد كهد بتلك المناظرات وما اظهره في صغر سنه من العلوم والمعارف المحمدية؛ مهد بذلك لامامة ولده الامام الهادي (عليه السلام) الذي خلفه وهو ايضاً دون العاشرة، فتقبلت الامة امامته دون ان تسأل والده الجواد عليهما السلام عن صغر سنه.
لقد سلم مولانا الامام التقي امامنا الهادي مواريث الامامة قبل ان يتحرك الى بغداد في سفره الاخير وأخبر أصحابه بخلافته له، وقد نصت على ذلك نصوص كثيرة، منها ما رواه الكليني في الكافي عن الثقة التقي اسماعيل بن مهران قال: «لما خرج ابو جعفر (الجواد) عليه السلام من المدينة الى بغداد في الدفعة الاولى من خرجيته قلت له ـ عند خروجه ـ: جعلت فداك اني اخاف عليك في هذا الوجه [اي اخشى من قتل بني العباس لك] فإلى من الامر بعدك؟
فكر عليه السلام بوجهه ضاحكاً وقال: «ليس حيث ظننت في هذه السنة».
(اي انه سينجو من القتل في هذه المرة)، قال ابن مهران: فلما اخرج الثانية الى المعتصم صرت اليه، فقلت جعلت فداك انت خارج فالى من الامر بعدك؟
فبكى، ثم التفت الي فقال: «عند هذه يُخاف عليّ، الامر بعدي الى ولدي علي»
أيام خالدة