اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تدلّ الدلائل التاريخية والعقلية والمنطقية، على أنّ النبي الاَكرم «صلى الله عليه وآله وسلم» لم يعبد غيرَ اللّه منذُ ولد حتى رحل إلى ربّه، وكذلك ما كان عليه آباوَه وكفلاوَه.
فجدّه عبد المطلب، طلب من اللّه وهو في الكعبة أن يرد هجوم أبرهة ويهزم جيشه، فقد كان الموحّد الذي لا يلتجىَ في المصائب والمكاره إلى غير كهف اللّه. كما أنّه كان يستسقي بالتوسّل إلى اللّه تعالى. وقد اعترف الموَرّخون بذلك، فقد ذكر اليعقوبي: «ورفض عبد المطلب عبادة الاَوثان والاَصنام، ووحّد اللّه عزّوجلّ، ووفى بالنذر، وسنّ سنناً نزل القرآن بأكثرها، وجاءت السنّة الشريفة من رسول اللّه بها،وهي الوفاء بالنذر، ومائة من الاِبل في الدية، وألا تنكح ذاتُ محرم، ولا توَتى البيوت من ظهورها، وقطع يد السارق،والنهي عن قتل الموَودة، وتحريم الخمر، وتحريم الزنا والحدّعليه، والقرعة، وألاّ يطوف أحد بالبيت عرياناً،وتكريم الضيف،وألا ينفقوا إذا حجّوا إلاّ من طيب أموالهم،وتعظيم الاَشهر الحرم، ونفي ذات الرايات».
كل ذلك يوَكد تماماً توحيده وإيمانه باللّه واعترافه برسالة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» .
وكذلك كان عمّه أبو طالب، فله مواقف كثيرة بارزة قبل البعثة، تكشف عن عمق إيمانه وتوحيده، فقد اعتبر حامي الدين والمدافع عن المسلمين، آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واعتبره في قمة الكمال الاِنساني، بالاِضافة إلى أنّه أحلّه من قلبه محلَ الابن والاَخ، فكان يصحبه معه إلى المصلّى، ويستسقي به، حيث كانت دعوته تُستجاب دون تأخير، كما اصطحبه معه في سفره إلى الشام، كما أنّ دفاعه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن مادياً، فلم يقصد من وراء ذلك كسباً مادياً من مال وثروة، كما لم يهدف للحصول على جاه ومقام وإحراز مكانة اجتماعية مرموقة، لاَنّه كان يمتلك في المجتمع أعلى المناصب، فقد كان رئيساً لمكّة المكرّمة، بل إنّه فقد منصبه ومكانته بسبب موقفه الموالي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم الاستجابة لقومه في تسليمه «صلى الله عليه وآله وسلم» لهم، ممّا استوجب سخط الزعماء عليه واستياءهم منه، وإظهار العداء له ولبني هاشم عامة.
فالقول بأنّ تضحية أبي طالب في سبيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنفس والنفيس كان بدافع علاقة القربى والعصبية القبلية، تصوّر باطل، إذ أنّذلك كان بدافع اعتقاده الراسخ برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي اعتبره مظهراً كاملاً للفضيلة والاِنسانية، وأنّ دينه أفضل برنامج للسعادة. ولما كان يحب الحقيقة والكمال والحقّ، فقد كان من الطبيعي أن يدافع عن تلك الفضائل وينصرها بكلّ جهوده وقواه.
كما أنّ هناك مواقف محددة توَكد المعنى السابق:
فقد أصدر تهديداً بمحاربة رجال قريش بالسلاح، إذا أقدموا على أي سوء نحو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد حافظ على حياته «صلى الله عليه وآله وسلم» لفترة 42 عاماً، ودافع عنه، وخاصةً في سنوات البعثة العشرة، فهو قد تولى مهمة كفالته والدفاع عنه والمحافظة على حياته بصدق وإخلاص، بالنفس والمال، وإيثاره على نفسه وأولاده والاِنفاق عليه من ماله، منذ صِغَره «صلى الله عليه وآله وسلم» وحتى الخمسين من عمره. ولذا كان لفقده أكبرُ الاَثر على سير الدعوة الاِسلامية.
وهو ما دفع ابن أبي الحديد المعتزلي أن ينشد بيتين يوضح تضحيته هو وابنه علي (عليه السلام) :
و لـولا أبـو طـالب وابنــُه لما مثلُ الدّين شخصاً وقاما
فـذاك بمكـة آوى وحامـى وهذا بيثرب جسّ الحِمامـا
ويمكن التعرّف على إيمانه و إخلاصه عن طريق أشعاره وخدماته القيّمة في السنوات العشر الاَخيرة من عمره، فمن قصائده المطولة نختار البيتين التاليين:
ليعلم خيارُ النـاس أنّ محمـّداً نبيُّ كموسى والمسيحِ بن مريم
أتـى بهـدى مثلمـا أتيــا بــه فكلّ بأمر اللّه يهدي ويعصم
لقد كان إيمانه قوياً لدرجة أنّه رضى بأن يتعرض كل أبنائه لخطر القتل والاغتيال ليبقى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دون أن يمسّه أعداوَه بأيّ سوء. كما أنّه أوصى أولاده عند وفاته قائلاً: أُوصيكم بمحمّد خيراً فإنّه الاَمين في قريش، وهو الجامع لكلّما أوصيكم به. كونوا له ولاةً، ولحزبه حماةً، واللّه لا يسلك أحد منكم سبيله إلاّرَشَد، ولا يأخذ أحد بهديه إلاّسعد.
وبينما كفّره البعض من علماء السنة، إلاّ أنّ منهم من حكموا بإسلامه وبإيمانه، مثل: «زيني دحلان» مفتي مكة (المتوفّى 1304هـ)، وقد تمادى بعض منهم في توسيع دائرة الكفر فشملت آباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، و كان ذلك من آثار الحكومات الاَموية والعباسية التي عملت بكلّ جهدها لتأكيد كفر أبي طالب والاِعلام ضدّ إيمانه، لاَنّه كان والد الاِمام علي (عليه السلام) الذي اجتهدت الاَجهزة الاِعلامية لتلك الحكومات في الحط من شأنه دوماً، وخاصةً إنّ إسلامه مع أبيه كان يعد فضيلة بارزة من فضائله.
أمّا علماء الشيعة الاِمامية والزيدية فقد اتّفقوا على أنّه كان من أبرز الموَمنين برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يخرج من الدنيا إلاّبقلب يفيض إيماناً بالاِسلام وإخلاصاً للّه تعالى وحباً للمسلمين.
وأمّا أقاربه وما قدّموه من أفعال وأقوال توَكد موقفه الاِيجابي، فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دفنه بنفسه. كما أنّ الاِمام الحسين (عليه السلام) أجاب عندما سئل عن إيمانه قال: «واعجباً، إنّ اللّه تعالى نهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافرٍ، وقد كانت «فاطمة بنت أسد» من السابقات إلى الاِسلام لم تزل تحت أبي طالب حتى مات».
وقال (عليه السلام) : «ألم تعلموا أنّ أمير الموَمنين علي (عليه السلام) كان يأمر أن يحجّ عن عبد اللّه وأبيه».
وقال الاِمام الصادق (عليه السلام) : «إنّ مَثَل أبي طالب مَثَل أصحاب الكهف أسرّوا الاِيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين،وكذلك أبو طالب».
ومن المعروف، أنّه للتعرف على عقيدة فردٍ ونمط تفكيره،ينبغي الاعتماد على:
ـ دراسة آثاره العلمية والاَدبية وما تركه من أقوال وكلمات.
ـ و أسلوب عمله وتصرفاته في المجتمع.
ـ و آراء أقربائه ومعارفه حوله.
وكلّ تلك الجوانب أكدت إسلام أبي طالب، حامي الرسول العظيم «صلى الله عليه وآله وسلم» ، فتسقط كلّ الاَقاويل والاَحاديث التي بثّها أعداوَه للحط من شأنه وإلصاق الكفر به.
وكذلك كان أبو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عبد اللّه، فقد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّه انتقل في الاَرحام المطهّرة ممّا يوَكّد طهارة آبائه وأُمّهاته من كلّدنس وشرك.
وقد أشار الشيخ المفيد إلى أنّ الاِماميّة تتفق على أنّ آباء رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» من لدن آدم إلى عبد اللّه بن عبد المطلب كانوا موَمنين باللّه وموحّدين إيّاه، واحتجّوا في ذلك بالقرآن و الاَخبار.
رشح المنتدى بنية تعجيل فرج أمامنا(ع)(عج)
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم