السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد ذكر الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) للإنسان الكثير من المواهب والاستعدادات والقابليات
الغريبة والعجيبة والمحيّرة، كما أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بيّن أنّ الطريق الصحيح لكسب
المعارف العميقة والبعيدة الغور والإصغاء لنداء الحق وكسب الكمالات الأُخرى يكمن في طريق واحد، وهو طريق العبودية للّه سبحانه.
وتوجد في الكتب الأخلاقية والعرفانية جملة معروفة ـ التي وللأسف غالباً ما تفسر تفسيراً غير صحيح ـ
وهي:
«اَلْعُبُودِيَّةُ جَوْهَرَهٌ كُنْهُهَا الرُّبُوبِيَّةُ».
وليس المقصود من الربوبية هنا الإلوهية، لأنّ الإنسان الممكن يستحيل عليه أن يتجاوز حدود الإمكان، بل
المقصود منها: التوجّه إلى اللّه وكسب الكمالات والقدرات والطاقات العليا والسامية، ونحن هنا نشير إلى
الآثار البنّاءة والعجيبة والمحيّرة النابعة من طي طريق العبودية للّه سبحانه وسلوك الصراط المستقيم استناداً إلى الآيات القرآنية، والتي منها هيمنة الإنسان وسيطرته على نفسه وروحه وبدنه والعالم:
1. الهيمنة على النفس
إنّ النتيجة والثمرة الأُولى للعبودية هي هيمنة الإنسان على الرغبات والميول والنزعات النفسانية، ثم
السيطرة على «النفس الأمّارة» وتقييدها وولاية الروح الإنسانية على النفس بحيث يصل الإنسان إلى
درجة قصوى من الكمال الروحي يتمكّن من خلاله الإمساك بزمام «النفس الأمّارة» وكبح جماحها،بحيث
يكون اختيارها بيده، وانّ هذه المرحلة من مراحل الكمال الإنساني يطلق عليها مصطلح «الولاية على النفس».
ولقد أشارت الآيات القرآنية إلى هذه المرحلة من مراحل التكامل البشري حيث قال سبحانه:
( ...إنّ الصَّلوةََ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ... )
بمعنى أنّ الصلاة تخلق في الإنسان ظاهرة وحالة يمكن للمصلّي من خلالها الابتعاد عن الذنوب والمعاصي.
كذلك يقول سبحانه:
( ...كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كَما كُتَبِ عَلىَ الّذين مِنْ قَبْلِكُم لَعّلكُم تَتَّقُونَ )
إنّ الصيام نوع من العبودية والطاعة للذات الإلهية المقدّسة والذي يخلق في الإنسان ملكة التقوى والسيطرة
والهيمنة على النفس والإمساك بزمامها، وحفظ النفس من السقوط في مهاوي الذنوب والخطايا، ثمّ الولاية
على النفس والتغلّب على الهوى وخفّة العقل.
2. البصيرة الخاصة
من ثمار العبودية للّه سبحانه أن يكتسب الإنسان ـ و في ظل الصفاء الروحي والنور الإلهي ـ رؤية
وبصيرة خاصة، يميّز من خلالها الحق عن الباطل وتجنّبه السقوط في المعاصي والذنوب والانحراف.
يقول سبحانه:
( يا أَيُّها الّذِينَ امَنُو إِنْ تَتَّقُوا اللّه يَجعَلْ لَكُمْ فْرقاناً... )
إنّ المراد من (الفرقان) هو هذه البصيرة الخاصة والرؤية النافذة التي تجعل الإنسان يعرف الحق والباطل
معرفة جيدة، وفي آية أُخرى يقول سبحانه
( وَالذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا... )
نسالكم الدعاء ولكم مثله