من الواضح أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم يأمر باتباع سنة الخلفاء الأربعة ، بل أكثر من ذلك أنه كان يعتبر ما سيسنونه من سنة إنما هو إحداث في الدين ومخالفة له بعد موته، فكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يظهر التخوف من ذلك.
يروي الإمام مالك في " الموطأ " : أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال لشهداء أحد : هؤلاء أشهد عليهم .
فقال أبو بكر الصديق : ألسنا يا رسول الله إخوانهم ، أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا ؟ فقال رسول الله ( ص ) : بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي ! فبكى أبو بكر ، ثم قال : إننا لكائنون بعدك .
فها هو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يخبر أبا بكر ومن معه بإحداثهم من بعده ، وأبو بكر هذا هو الخليفة الأول من الحلفاء الأربعة ، فكيف يأمر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الناس باتباع سنة أبي بكر ويخبره في نفس الوقت بالإحداث من بعده ؟ ! فهل يتناقض الرسول يا ترى ؟ ! أم إن قوله الحق ؟
وفي الحقيقة إن هذا الخطاب الصادر من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأبي بكر لا بد من الوقوف عنده طويلا والتمعن في معانيه ومقاصده : " لا أدري ما تحدثون بعدي " ، فيا للعجب : أليس هو التغيير والتبديل ، أم ليس هو مخالفة السنة النبوية ؟ ! ومن هم - يا ترى - هؤلاء الذين يشملهم هذا الخطاب الجمعي الذي يحمل نبأ الإحداث ؟ ولو كان هذا الإخبار لا يشمل إلا أبا بكر وحده لكان كافيا في نقض حديث اتباع الخلفاء ، غير أن عمر وأبا بكر كانا متصافقين متوافقين في كل خطوات حياتهما منذ أن جمعهما الإسلام ، ويكفي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد آخى بينهما . فهل يمكن أن يكون هذا الإنباء النبوي الشامل لأبي بكر في قوله : " لا أدري ما تحدثون بعدي " لا يشمل عمر ، وهو الذي وافق أبا بكر في كل صغيرة وكبيرة ، وهو الذي خلفه أبو بكر من بعده ؟ فعمر من محدثات أبي بكر ، كما كان أبو بكر من محدثات عمر يوم بايعه في السقيفة وشيد له أركان الخلافة بلا نص ولا حق . إذا لا نستطيع أن نصرف هذا الإخبار النبوي عن عمر بن الخطاب ليتقلب فيه أبو بكر وحده ، على أن دائرة الإخبار النبوي تتسع لتشمل الكثير من الصحابة .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا حجر ضب تبعتموهم . قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ ! " .
وهذا إخبار صريح منه ( صلى الله عليه وآله ) بانحراف الكثير منهم .
دعوة الى سبيل المؤمنين - المستبصر طارق زين العابدين