اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
ومن الملاحظ -هذه الأيام- وجود حالة العطش لتقبل المعارف والمعاني الإلهية، وهذه ظاهرة غير طبيعية، فالمجالس -بحمد الله- تزداد في كل سنة، والجمهور يزيد بشكل ملفت، وإن هذه -إن شاء الله- من علامات البشرى لظهور إمامنا (عج)، حيث أصبحت القلوب تقبل على أهل البيت (ع) وعلى الإسلام الصحيح.
- قلنا بأننا في حالسفر قهري منذ أن سقطنا من بطون أمهاتنا ونحن لا نعلم شيئاً، وقد أشار أمير المؤمنين (ع) إلى هذه الحقيقة حين قال: (أوله نطفة قذرة، وآخر جيفة نتنة، وهو فيما بينهما يحمل العَذِرَة)..فهذا هو السفر الظاهري -السير البدني الذي نحن صائرون إليه -حيث يبدأ الإنسان من نطفة، وأما نهايته فجيفة لا تطاق.. وبموازاة هذا السير الأرضي هنالك سير سماوي.. وقد يقول قائل: من أين جئنا بهذا المصطلح؟.. إن القرآن الكريم كله يضج بالدعوة إلى هذا السفر، كقوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}..فمن الواضح أن الفرار إلى الله أبلغ من السفر، فلو أن إنساناً كان في مبنى يعج بالنيران، فإنه يحتاج إلى فرار وإلا لالتهمته النيران!.. فإذن، نحن في الواقع نحتاج إلى فرار من عالم المادة إلى عالم الملكوت..
وفي آية أخرى يقول تعالى: {فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}.. فالسبيل هو الطريق.. وهذه من أروع آيات القرآن الكريم{وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ}.. ولها عدة وجوه، ومن وجوهها: أن الذي عزم على السفر إلى الله تعالى، فإن رب العالمين يقتصد له السبيل -أي يختصر له المسافات- ومن هنا ورد عن أهل البيت (ع) قولهم: (وإن أفضل زاد الراحل إليك، عزم إرادة يختارك بها).. ولكن المشكلة أننا لم نختر الله عزوجل.. فلابد للإنسان المؤمن أن يأخذ القرار للفرار، وكلما تأخر فإنه هو الخاسر.. فالذي ينام في الطريق، فهو عندما يستيقظ ويمشي، فإنه يصل لأنه على الطريق ولكنه يصل متأخراً.. فكلما عزم على تعجيل هذه الحركة فهو الرابح.. (وإنك لا تحتجب عن خلقك، إلا أن تحجبهم الأعمال دونك).
- قلنا بأن الزاد الأول: هو الزاد العلمي، وأن الإنسان الجاهل السائر على غير هدى لا تزيده كثرة السير إلا بعداً.. وأن الزاد الآخر: هو التقوى، أي أن يعيش الإنسان حالة الخوف من غضب الله عزوجل..
إن أحد مراجع التقليد الذين توفاهم الله عزوجل، وكان معروفا من بين المراجع ببعده الأخلاقي وبكراماته، نقل لي ولده عنه هذه القصة: أنه في ليلة من الليالي رأى والده يعيش حالة الاضطراب والقلق الشديد، إلى درجة أنه لم يتجرأ أن يسأله عن السبب، إلى أن طرق الباب طارق وقال بأنه طالب علم يريد أن يلتقي بالسيد، ولما خرج وإذا بالسيد متهللاً، وقال: بأنه كان يعيش حالة القلق هل أن إمام زمانه راضٍ عنه أم لا؟..
إن هذا الخوف وهذا الهاجس سلب منه الرقاد والراحة، فهل فكرنا يوماً بأنه هل أن الله عزوجل راضٍ عنا أم لا؟.. هل فكرنا بأنه هل نحن على الجادة المستقيمة؟.. (رحم الله من عرف من أين، وإلى أين، وفي أين)..
نحن إلى أين وصلنا؟.. هذا الرأسمال الذي أخذناه من رب العالمين فيما صرفناه؟..
ورد في الحديث عن الرسول الأكرم (ص):(لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به).. إن الإنسان -بعض الأوقات- إذا فكر في هذا المجال فإنه سيسلب منه الراحة والنوم، ولكن ليسلب منه النوم ليلة أو ليلتين، وليعش ما يعش من صراع نفسي، ولكنه سيخرج بعدها بقرار.
- من عقبات السفر: التحلل من مظالم العباد..إن البعض ممن يعطى بعض النفحات الإلهية وتفتح شهيته على العبادة، والصلاة في المسجد، وصلاة الليل؛ فإنه يعطى بعض الهبات، ويعطى شيء من النور،(أشراف أمتي: حملة القرآن، وأصحاب الليل)..وإذا به يأخذه الغرور والتعالي على الخلق، ويقصر في واجباته الأسرية والاجتماعية..
وحاله كما يقول الشاعر:سقوني شراب الحب ولو سَقوا *** ما سقوني جبال حنين لغنت
إن رب العالمين يعطي الإنسان الذي يجاهد في هذا الطريق جرعة من هذا الشراب الصافي، ولكن أيضاً يطلب منه أن لا يسكر ذلك السكر الذي يذهله عن وظيفته الشرعية.. ومن المعلوم أن النبي الأكرم (ص) من أعظم معجزاته ليس شق القمر فحسب، وإنما مقدرته على التنزل والتعايش مع أهل الدنيا، وهو الذي كان يعيش ما يعيش من عوالم القرب الإلهي، وهو الذي عرج به إلى السماء وكان قاب قوسين أو أدنى من رب العالمين.. وإذا به يهبط إلى الأرض؛ ليعيش بعض المشاكل مع زوجاته، ومع أصحابه، ومع جفاة الجاهلية والأعراب.. وكان يتحمل منهم ما يتحمل، هنا عظمة النبي (ص)..
إن علينا أن ننتبه إلى مكائد الشيطان اللعين، وأن المهم عنده أن يكون الإنسان ماشيا مشي الاعرج، سواءً برجله اليمنى أو برجله اليسرى.. إن البعض قد يعطى بعض النفحات وبعض الجوائز، ولكن -مع الأسف- لا يعلم قدر هذه الجائزة، فيتعالى على الناس، ويتعالى على الزوجة، ويترك واجبه الاجتماعي، يكلم فلا يجيب!.. يسلم عليه فلا يتقن الرد على السلام!.. هو كان صاحب خدمة اجتماعية -يسد ثغراً من ثغور المسلمين، وله نشاط اجتماعي في هداية الخلق- وإذا به غاب عن الأنظار، بحجة إنهاء الختمة الفلانية والورد الكذائي، وأن الناس جهلة وفي ضلال، ويدخلون عليه الظلمة وما شابه ذلك!.. وإذ به يعيش حالة من حالات التفرعن والعلو، وهنا بداية النهاية..
والحال أن المقياس فى الفوز والنجاح هو سيرة أئمتنا (ع) -هؤلاء القمم والذين نحن بحركتنا إلى الله -عزوجل- نحاول أن نجاري هذه القمم ونقترب منها- وما هي أخلاقياتهم، وكيف كانوا رحمة للعالمين!..
دخل سفيان الثوري على الصادق (ع)، فرآه متغير اللون فسأله عن ذلك فقال: كنت نهيتُ أن يصعدوا فوق البيت، فدخلتُ فإذا جارية من جواري ممن تُربي بعض ولدي قد صعدت في سلم والصبي معها، فلما بصرتْ بي ارتعدتْ وتحيّرتْ وسقط الصبي إلى الأرض فمات.. فما تغير لوني لموت الصبي، وإنما تغير لوني لما أدخلتُ عليها من الرعب!..
وكان (ع) قال لها: أنت حرة لوجه الله، لا بأس عليكِ - مرتين -.
إن الإمام (ع) لم يتحمل إدخاله الرعب على جارية خالفت أوامره للحظات، وقد كان في مقابل ذلك موت ابنه، الذي لعله لو عاش لكان هناك ملايين الناس من نسله.. ولطالما أدخلنا الرعب على قلوب زوجاتنا، لنقص في ملح الطعام، وتقصير في غسل اللباس وغيره!.. حتى أن البعض يعيش حالة الفخر لإدخاله الرعب على أفراد منزله، ويعتبر هذا من صور الرجولة!..وعليه، فالذي يحب أن يسلك وادي العشق الإلهي، لابد وأن يكون متخففاً من مظالم العباد، والذي في عنقه مظلمة لزوجة أو لقريب أو لرحم أو لغيره، فإن هذا الإنسان لا يسمو، وإن تقدم ورأى بعض ما يرى، ولكنه لا يقرب إلى ذلك المقام.
ومن المعلوم أن السامري قبض قبضة من أثر الرسول وألقاها في الحلي والذهب -الذي كان موجودا- وتحول إلى عجل له خوار.. لعل مضمون بعض النصوص: أن هذا الذهب الذي تحول إلى عجل -يعبد من دون إله موسى- كان ذهبا مسروقا من بني اسرائيل، ومع أن الذي سرق منهم كفرة فجرة فراعنة، ولكن المال الحرام فى يوم من الأيام يظهر أثره، وهذا العمل في الواقع مادته الأولية هي الأموال المسروقة..
يقال بأنه في بلاد الغرب البعض عندهم عادة، وهي أنه إذا وجد خلاف بين الزوج وزوجته، فإنهما قبل أن يأويان إلى الفراش يتصافيان، ويتسامح كل منهما من الآخر.. أو لسنا نحن أولى بهذه الصفة الإلهية وهي صفة التسامح والمغفرة؟.. فإذا كانت هذه حقيقة ، فإنها عادة جداً راقية، أن يفتح الإنسان يومه بملف جديد خالٍ من مشاكل وويلات الأمس.
- إن المشكلة في حياتنا -نحن شيعة أهل البيت (ع)- ليس هو النقص في المقتضيات، إذ أن موجبات الفوز كثيرة، حيث تمر علينا مواسم عبادية كثيرة: في محرم وصفر، وشهر رمضان وموسم الحج، وإنما المشكلة في وجود الموانع.. والبعض لعله من نصف شعبان وهو ينتقل من زيارة إلى صوم، وإحياء لليالي القدر، إلى حج، إلى إحياء الغدير، إلى إقامة عزاء الحسين (ع) شهرين.. فهو في ستة أشهر من السنة بين ذكر وطاعة ومناجاة وتوسل.. ولكن ما إن ينتهي شهر صفر ويهل هلال ربيع الأول، فإنك لو نظرت إليه فإنك لا تكاد تجد تغييراً في وجوده، أين آثار هذه العبادة وهذه البركات؟!..
وبتعبير بعض علمائنا الأجلاء: أن البعض من مسرفي الأموال، يعطى المال فيسرفه.. والبعض من مسرفي الأنوار، يعطى النور فيضيعه، يعطى النور ليلاً فيفرط فيه نهاراً؛ بنظرة ساهية، أو بكلمة لاغية..
والحال بأن الأمر خطير جداً، فإن التفريط في النور من موجبات حلول النقمة والغضب الإلهي، ولنتأمل في هذا الحديث المخيف عن الرسول الأكرم (ص):(إنّ الرجل يتكلّم بالكلمة يُضحك بها الناس، يهوي بها أبعد من الثريا).. فالإنسان قد وصل إلى الثريا بعبادته: ختمةً، وزيارةً، بورعه وتقواه.. ولكن لزلة من الزلات يهوي بها أبعد من الثريا، ولقد رأيت شخصياً من سقط أبعد مما بعد الثريا:
كان هنالك رجل على قمة التقوى والتدين، ولديه ملكات جداً جميلة، ويكثر من زيارة المعصومين (ع)، وكان كريماً قلما رأيت مثله في الكرم والسخاء.. افتقدته من مجالس المؤمنين، فدفعني الفضول أن اتصل به، وطلبت منه اللقاء.. فقال: من الأفضل لك أن لا تراني!.. فأكدت عليه الطلب باللقاء!.. وإذا بي أرى في سيمائه سيماء أهل الفسق والفجور.. ثم صرح لي بأن أعصابه لا تتحمل الصلاة، فكلما أراد أن يقف بين يدي الله -عزوجل- لا يستطيع.. فيا له من أمر عجيب!.. فسألته عن السبب الذي أوصله إلى هذه الحالة.. فقال: المعاصي والذنوب!.. ولعله ذكر معصية ارتكبها لأول مرة، ولكن الله -عزوجل- آخذه بهذه المعصية، فسقط وسقط.. وقبل فترة قصيرة التقيت به، وإذا به في حالة يرثى لها ويستحق أن يشفق عليه!..
فإذن، نحن لا نعلم متى يأتي الغضب الإلهي، وخاصة للذين أعطوا شيئاً من حلاوة القرب، ولو أن الملاحظ -مع الأسف الشديد- أن الإنسان يفرط بسرعة في المكاسب التي اكتسبها في الموسم، وذلك بمجرد الخروج منه.. تعجبني هذه المناجاة الفطرية لأحد العلماء الأجلاء: (يا ربي!.. أنا لا أريد هبات معنوية، وإذا أعطيتنى فاحفظها لي، وإلا فماذا أفعل بهبة تعطنيها ثم تآخذها مني)؟!..
-ان من المناسب عند زيارة المعصومين (ع) قراءة زيارة الوداع، وأن يقرأ هذه الفقرات ويكررها عشرة أو عشرين مرة بدموع جارية: (اجعلوني من همكم، وصيروني في حزبكم، وأدخلوني في شفاعتكم، واذكروني عند ربكم)!..
فلو استجيبت له هذه المضامين فإنه في ألف خير، ولا يحتاج بعد ذلك أن يحمل هم السير إلى الله تعالى، وأن يتعذر بأن هذا الكلام جميل جداً ومثير، ولكن من الذي يأخذ بيدي؟.. وهذه كليات والحياة كلها مفترق طرقات، وأنا في جزئيات العيش ماذا أعمل؟.. عندما أقف أمام مفترق الطرق ماذا أختار؟.. من أصادق؟.. ومن أجالس؟.. ولمن أنتمي؟..
أقول: إن الذي يريد أن يصل إلى النور الإلهي، فليسأل مولاه أن يتبناه بالرعاية.. فإن خير الزاد في هذا الطريق، هو أن يطلب من الإمام ذلك، وليقل له:
يا مولاي أوليس النبي وعلي (ع) أبوا هذه الأمة؟!.. وكل معصوم يمثل دور الأب، ونحن يا مولاي نفتقد رعايتك، ونحن أيتام في غيابك، تائهون لا نعرف في أي السبل نسير، فتبنانا برعايتك وتعهدنا بألطفاك وتسديداتك!..
وقد يقول قائل: كيف يتفقدني الإمام بالرعاية؟.. هذا شأنه، وهذا أمره.. نعم، الإمام له في كل عصر وزمان جماعة يتبناهم بالرعاية ولو من بعيد..
اشتكى لي شاب يسكن إحدى المشاهد المشرفة، بعدم وجود المرشد والدليل الذي يأخذ بيده إلى الله عزوجل، فاستنكرت عليه ذلك، فكيف وهو في جوار المعصوم -الذي هو حي عند الله مرزوق- ويشتكي من عدم وجود المربي؟!..
وقلت له: إن الفرق بين الإمام الحي والإمام الشهيد، كالفرق بين الراكب والراجل.. فالإمام وهو في هذه الدنيا كان مع دابته -وهو هذا البدن- وبعد أن توفاه الله -عزوجل- نزل من هذا البدن وأصبح طليقاً.. ومن المعلوم أن الإنسان في الدنيا يكون مقيداً ومحدوداً بقوانين المادة، بينما في عالم البرزخ فإن قدرته أكثر بكثير قياساً إلى زمان حياته..
واقترحت عليه أن يذهب كل يوم إلى الحرم، ويجلس جلسة المتأدب في هيئة المستفيد، ويتفكر ويتأمل.. إذ ليس من الضروري أن يسمع كلام الإمام أو يراه، والقرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة عن الشيطان: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } فالمعصوم (ع) أولى من اللعين بهذه الخاصية.. إن المعصوم أيضاً يرانا هو وآباؤه وأبناؤه من حيث لا نراهم..
وفعلاً، عمل بالنصيحة، وبعد فترة التقيت به، وإذا به قد وصل ببركات هذه الأمور إلى مرحلة المعية الإلهية، وقد كان سابقاً يعيش حالة الصعود والنزول؛ الإقبال والإدبار.. ومن الطريف أنه مرّ بأزمة، وإذا هو يعيش حالة التردد أن يسأل الله -عزوجل- ليكشفها عنه أم لا!.. ويقول: لعل رب العالمين يحب أن يرانى في هذه الأزمة!.. فلننظر إلى أي درجة وصل هذا الإنسان من برودة الأعصاب وراحة البال!.. وأحدنا -مع الأسف- تنتابه أزيمة، وكأن السماوات أطبقت عليه!..
- إن من أهم عناصر الزاد في الطريق إلى الله تعالى، هو ما يسمى بالحب الباطني.. فالذي لا حب له، ولا استذواق له، لا سير له؛ لأنه لا يجد ما يدفعه إلى الأمام، وهذا الذي نجده في عشاق الهوى وفي عشاق الفتيات والفانيات، هو هذه الصورة الجميلة في الباطن.. جاءني شاب وأظهر غرامه بفتاة إلى حد الجنون، وطلب مني التوسط له عند الفتاة، ولم يمكن ذلك.. فسألت بعض المحارم أن يذهبوا وينظروا إلى هذه الفتاة، وأنه ما هذا الجمال الذي جعله يهيم هيمان المجانين في جمالها.. وإذا ليس هنالك ما يلفت، وإن الجمال الذي جعله يعيش ما يعيش فيه من الهوى القاتل، ليس إلا في عينه هو لا غير.. ومن اللطيف أنه في كل ليلة يقف تحت العمارة وينظر إلى شقتها إلى أن تفتح له الستار وينظر إليها، فيهدأ باله ويذهب إلى بيته!.. فهذه صلاة ليله في كل ليلة، ولعله بقي أربع سنوات على هذه الحال..أقول: مسكين ابن آدم!.. هذا عاشق لوجه تمثل شبرا في شبر، هكذا يقف ليصلي صلاة ليله على حسب مزاجه لسنوات.. ونحن للوصول إلى العشق الإلهي، لا نكلف أنفسنا أن نصلي ركيعات في جوف الليل!..
والسبب واضح: أنه لا نرى شيئاً في قلوبنا، لا نرى لا جمالاً ولا كمالاً.. ولكن هنيئاً لمن تجلى له الرب في جوف الليل، أو في سفرة، أو في عمرة، أو في حجة!.. إن رب العالمين إذا أراد أن يجذب عبده إليه، يتجلى له في العمر مرة واحدة، فيجعله يهيم طلباً لذلك الجلال والجمال.. فكيف نصل إلى هذا الأمر، وكيف نقدح في أنفسنا هذه الصورة، إن شاء الله سنذكر ذلك في الليالي القادمة..