إن ما يبين عمق الاختلاف بين الخلفاء أيضا ما وقع بين علي ( عليه السلام ) وعثمان بن عفان ، كما يروي البخاري عن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعليا رضي الله عنهما بين مكة والمدينة ، وعثمان ينهى عن المتعة [ حج التمتع ]
وأن يجمع بينهما [ أي العمرة والحج ] ، فلما رأى ذلك علي ( عليه السلام ) أهل بهما جميعا قائلا : لبيك عمرة وحج معا ، فقال عثمان : تراني أنهى الناس عن شئ وتفعله أنت ؟ ! فقال علي ( عليه السلام ) : لم أكن لأدع سنة رسول الله ( ص ) لقول أحد .
فيلاحظ في هذه الواقعة أن الاختلاف قد حدث بين الخليفتين المفترض اتباعهما ، إذ أنهما من الخلفاء الأربعة ، فقد خالف علي عثمان في ما نهى الناس عنه وهو الجمع بين العمرة والحج ، مؤكدا أن ما يفعله خلافا لعثمان هو سنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم يكن له أن يدعها لقول أو أمر أحد من الناس ، وهو بهذا يشير إلى أن عثمان قد خالف سنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
فهذا علي ( عليه السلام ) وهذا عثمان يختلفان في السنة النبوية ، ولا يتبع أحدهما الآخر ، والناس بالطبع منقسمون طبقا لذلك الاختلاف والانقسام . ولما خالف علي عثمان لم يعد عثمان ليتبعه في قوله ، بل إن عثمان اعترض عليه قائلا : كيف تفعل شيئا تراني أنهى الناس عنه ؟ !
غير أن عليا اتهمه بترك سنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولن يتركها علي من أجله ، إذ هو فرد كسائر الناس . وليست هذه هي الواقعة الوحيدة التي يختلف فيها علي ( عليه السلام ) مع عثمان ويظهر فيها عثمان مخالفا لسنة
النبي ( صلى الله عليه وآله ) في نظر الإمام ( عليه السلام ) ، فقد روى سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمد قال : " اعتل عثمان بمنى فأتي علي ، فقيل له : صل بالناس ، فقال علي : إن شئتم ، ولكن أصلي بكم صلاة رسول الله [ ( صلى الله عليه وآله ) ] ، يعني ركعتين . فقالوا : لا ، إلا صلاة أمير المؤمنين عثمان أربعا . . فأبى علي أن يصلي بهم " .
دعوة الى سبيل المؤمنين - المستبصر طارق زين العابدين