اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال امير المؤمنين صلوات الله عليه في بيان صفات الملائكة
" قد ذاقوا حلاوة معرفته . وشربوا بالكأس الروية من محبته . وتمكنت من سويداء قلوبهم وشيجة خيفته . فحنَوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم . ولم يُنفد طول الرغبة اليه مادة تضرعهم . ولا اطلق عنهم عظيم الزلفة ربق خشوعهم . ولم يتولهم الاعجاب فيستكثروا ما سلف منهم . ولاتركت لهم استكانة الاجلال نصيبا في تعظيم حسناتهم . ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم . ولم تغض رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم . ولم تجف لطول المناجاة أسلات ألسنتهم . ولا ملكتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجؤار اليه أصواتهم . ولم تختلف في مقاوم الطاعة رقابهم . ولا تعدو على عزيمة جدهم بلادة الغفلات ......... "
اقول : اذا نظرت بعين الحقيقة وجدت ان حلاوة المعرفة هي التي ذاقها الامام الحسين عليه السلام . وكأس المحبة هي التي شربها امامنا الحسين .
فقد ذاق (ع) حلاوة معرفة لم يجد معها مرارة ما اجتمع عليه من جميع مرارات الدنيا . قلباً وروحاً وجسداً . ظاهرا وباطنا . فقال عليه السلام : قد طاب لي الموت .
وقد شرب كاساً روية من محبته . فلم يؤثر في حبة قلبه الطاهر العطش المؤثر في شفتيه حتى يبّسهما . وفي لسانه حتى حصل اللوك فيه فتجرح من كثرة اللوك . وفي كبده حتى تفتت , وفي عينيه حتى حال بينه وبين السماء كالدخان . فكان (ع) بيد الرسول (ص) معدّاً له . على ما خابره به ولده علي الاكبر (ع) . كان من نوع ماء هذا الكأس الروية . او جمعا للماء الظاهري والباطني .
واذا تأملت بعين البصيرة قوله (ع) في صفة المائكة : " وحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم " . لعلمت افراده وأحق مصاديقه الحسين عليه السلام .
فإنه الذي قد حنى بطاعة في ضمن ساعة اعتدال ظهره . وهو الذي حنى قامته بتحمل سهم مثلت مسموم , نفذ من قلبه واخرجه من ظهره . حتى خرج الدم المبارك الطاهر منه كالميزاب . وأضاف الى حنو ظهره في طاعته فصل أوصاله وتقطعها جميعا .
واذا تدبرت حق التدبر وجدت ان اعظم مصاديق قوله (ع) : " ولم ينفد طول الرغبة اليه ماد تضرعهم " : هو الامام الحسين عليه السلام , فان معناه : انهم لا يلاحظون حصول مطلبهم لتقطع مادة تضرعهم كسائر أهل المطالب , وانما يريدون التضرع ويحبونه لنفسه , ماداموا أحياء .
وللحسين عليه السلام خصوصية في هذه الصفة الخاصة فاقت الملائكة . وهي انه لم يُرِد انقطاع تضرعه مادام حياً . بل قد تحمل لله تعالى حصول المصائب حتى بعد وفاته بجسده بأنواع المصائب . وبرأسه بأنواعها . وبقبره بأنواعها , وقد نوى ذلك في حياته .
فلاحظ الرضّ لجسده وقطع يديه منه بعد وفاته . والقرع على شفتيه ولسانه . والإدارة برأسه في البلدان وجعل كل ذلك من عباداته كما يظهر من كلماته . وهذه ذرة في المقام من المقال . وبقي الباقي في الخيال . والله المتعال .
م /الخصائص الحسينية