اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
علمه
إنّ صحبة النبي صلّى الله عليه وآله لم تنفع من الصحابة إلاّ من صدّق وسلّم، ووالى بقلبه وروحه، وصدق بإيمانه. وكان من هؤلاء: حُذَيفة بن اليمان، فوُفّق لأخذ المعارف العالية عن منبعِها الإلهيّ.. فحُكي أنْ كان له درجةُ العلم بالسُّنّة، وجاء عن السيّد محمّد مهدي بحر العلوم قوله: إنّه يُستفاد من بعض الأخبار أنّ لحذيفة درجةَ العلم بالكتاب أيضاً .
وكان حذيفة رجلاً سَؤولاً باحثاً عن الحقائق العميقة، منتفعاً بها في حياته ومواقفه.. روى خالد بن خالد اليشكري قال: خرجتُ سنة فتح « تُسْتَر » حتّى قَدِمتُ الكوفة فدخلتُ المسجد.. فإذا أنا بحلقةٍ فيها رجل جَهْمٌ من الرجال، فقلت: مَن هذا ؟! فقال القوم: أما تعرفه ؟! فقلت: لا، فقالوا: هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله.
قال: فقعدتُ إليه، فحدّثَ القومَ فقال: إنّ الناس كانوا يسألون رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشرّ. فأنكر ذلك القومُ عليه، فقال: سأُحدّثكم بما أنكرتُم، إنّه جاء أمر الإسلام فجاء أمر ليس كأمر الجاهلية، وكنتُ أُعطِيتُ من القرآن فقهاً، وكانوا يجيئون فيسألون النبيَّ صلّى الله عليه وآله، فقلت أنا: يا رسولَ الله، أيكون هذا الخير شرّاً ؟! ( وفي رواية: أيكون بعد هذا الخير شرّ ؟! )، قال: نعم، قلت: فما العصمة منه ؟ قال: السيف، قلت: وما بعد السيف بقية ( تقيّة ـ في نسخة أخرى ) ؟ قال: نعم، يكون إمارة على أقذاء، وهِدنة على دَخَن، قلت: ثمّ ماذا ؟ قال: ثمّ تفشو دعاة الضلالة ( رعاة الضلاة ـ في نسخة أخرى )، فإنْ رأيتَ يومئذٍ خليفةَ عدلٍ فالزَمْه، وإلاّ فمُتْ عاضّاً على جِذْلِ شجرة .
قال المجلسيّ في بيان ذلك: يُقال رجلٌ جَهْمُ الوجه: أي كالحُه. وقال الجزري في ( النهاية ) في الحديث: هِدنة على دَخَن، وجماعة على أقذاء.. دَخَنت النار إذا أُلقيَ عليها حطب رطب فكثر دخانها، أي على فسادٍ واختلاف، تشبيهاً بدخان الحطب والرطب؛ لما بينهم من الفساد الباطن تحت الصلاح الظاهر. وجاء تفسيره للحديث أنّه: لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه، أي لا يصفو بعضها لبعض، ولا ينصع حبّها كالكدورة التي في لون الدابّة. والأقذاء جمع قَذى، وهو ما يقع في العين والماء والشراب من تُرابٍ أو تبن أو وسخ أو غير ذلك..
ولعلّ سائلاً يقول: لماذا يفتّش حُذَيفة عن غوامض المستقبل وخوافيه ؟ دعونا نسمع من حذيفة نفسه جواب ذلك، حيث يقول: إنّه كان أصحابُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يسألونه عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشرّ مخافةَ أن أقعَ فيه!
ويقول حذيفة أيضاً: لو كنتُ على شاطئ نهرٍ وقد مَدَدتُ يدي لأغتراف، فحدّثتكم بكلّ ما أعلم، فما وَصلَت يدي إلى فمي حتّى أُقتل!
إذن.. أحسّ حذيفة أنّ عواصفَ عاتية ستُقبل كقِطَع الليل المظلم، فلابدّ أن يعرف من أين تنبعث، وكيف النجاة منها، وبماذا يكون الاعتصام ؟ ولابدّ أن يُميّز أهلَ الحقّ عن أهل الباطل، ليعرف مَن يُوالي، ومَن يعادي ويتبرّأ منهم ؟ ولذا وقف على البيّنة، ولم يسقط في الفتنة! ولازم الحقّ وصبر وثبت ونصح.
وكان حذيفة ناصحاً صادقاً، للقريب والبعيد، مُفصحاً عن الحقّ ومبيّناً للحقائق، وكان نفّاعاً في كلامه يُدلي به عن قلب مخلص محبٍّ للخير.. عن الثُّمالي قال: دعا حذيفةُ ابن اليمان ابنَه عند موته فأوصى إليه وقال: يا بُنيّ، أظْهِرِ اليأس عمّا في أيدي الناس؛ فإنّ فيه الغنى، وإيّاك وطلَبَ الحاجاتِ إلى الناس؛ فإنّه فَقرٌ حاضر، وكُن اليومَ خيراً منك أمس، وإذا أنت صلّيتَ فصَلِّ صلاةَ مُودِّعٍ للدنيا كأنّك لا تَرجِع، وإيّاك وما يُعتَذَر منه .
كلمات مستفادة من أحاديث النبيّ المصطفى والوصيّ المرتضى صلوات الله عليهما وآلهما، تَرشّحَت من قلب حُذَيفة بعد أن انتفع من صحبته لهما وولايته إيّاهما، فأخذ مستفيداً ومُفيداً رضوان الله عليه.
ولايته
أمّا ولاية حُذَيفة بن اليمان لمحمّدٍ وآل محمّد صلوات الله عليه وعليهم فهي جليّة واضحة في جانبيها: التولّي لهم، والبراءة من أعدائهم. وقد كان هذا الصحابيّ موفّقاً في تلقّي المعارف العالية والمعاني الخاصّة عن البيت النبويّ الشريف؛ لِما كان فيه من الإيمان الصادق والتقوى العميقة، والتسليم للرسول وللرسالة، والتصديق والأخذ الصادق، والمحبّة والولاء لآل البيت الميامين صلوات الله عليهم أجمعين، والتقديس والإجلال والأدب الرفيع لأهل بيت الوحي..
عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام قال: لقيَ النبيُّ صلّى الله عليه وآله حُذَيفةَ فمدّ النبيُّ صلّى الله عليه وآله يدَه، فكَفَّ حُذيفة يدَه، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: يا حذيفة، بَسَطتُ يدي إليك فكَفَفتَ يدَك عنّي ؟! فقال حذيفة: يا رسول الله، بيدك الرغبة؛ ولكنّي كنتُ جُنُباً فلم أُحبَّ أن تَمسَّ يدي يدك وأنا جُنُب، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: أما تعلم أنّ المسلمَينِ إذا التَقَيا فتَصافَحا تَحاتّتْ ذنوبُهما كما يَتحاتُّ ورقُ الشجر ؟
وممّا رواه الشيخ الطوسي أنّه لمّا قَدِم الحسين ( وفي نسخةٍ: الحسن ) بن عليّ صلوات الله عليهما، وعمّار بن ياسر رضي الله عنه، يستنفرانِ الناس.. خرج حذيفة رحمه الله وهو مريضٌ مرضَه الذي قُبِض فيه، فخرج يتهادى بين رجلين ( أي يتمايل )، فحرّضَ الناس وحثّهم على اتّباعِ عليٍّ عليه السّلام وطاعتهِ ونُصرته، ثمّ قال:ألا مَن أراد ـ والذي لا إله غيرهُ ـ أن ينظر إلى أمير المؤمنين حقّاً حقّاً، فينظرْ إلى عليّ بن أبي طالب.. ألا فوازِرُوه واتّبِعوه وانصروه .
فعاش حذيفةُ بن اليَمان على بصيرةٍ وهُدى، وقال حقّاً ودعا إلى خيرٍ وصلاح وفلاح، وتُوفّي على الولاية والهداية رضوان الله تعالى عليه.
رشح المنتدى المبارك بنية تعجيل فرج أمامنا(ع) (عج)
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم