من أعلام القرن الثاني والثالث الهجري
هجرة الاشعريين
تعتبر قم من حواضر العالم الإسلامي ومن المناطق التي احتوت حركة علمية من الرواة والفقهاء من أواخر القرن الأول الهجري وكان للاشعريين [1] بقيادة عبدالله بن سعد الأشعري مع أصحابه وأولاده الذين هاجروا إلى قم من الكوفة خلال حكم الحجاج الثقفي [2] الدور البارز في نشر التشييع و تثبيت أسس الحركة العلمية في قم
وساهم مجيء العالم الكبير إبراهيم بن هاشم الكوفي القمي أحد أصحاب الإمام الرضا عليه السلام الذي كان أول مَن نشر أحاديث الكوفيين المروية عن أهل البيت عليهم السلام في قم في اتساع هذه الحركة.
ومن أعلام هذه المدينة المقدسة الشيخ الجليل زكريا بن ادم القمي والذي يعتبر من كبار الرواة وأصحاب الأئمة الذين كانوا موضع اعتمادهم وإجلالهم.
اسمه وكنيته ونسبه :
أبو يحيى ، زكريا بن آدم بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الاحوص الأشعري القمّي .
ولادته :
لم تحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته ، إلاّ أنّه من أعلام القرن الثاني والثالث الهجري، كما لم تحدد كذلك محل ولادته، وان كان يغلب الظن على ان ولادته في قم .
أسرته:
هو سليل الاشعريين وفيهم الكثير من الرواة الذين ملئوا صفحات التاريخ بالمفاخر والذين عرفوا بحبهم وولائهم للائمة عليهم السلام واهتمام الأئمة عليهم السلام بالمقابل بهم، قال الشيخ عباس القمي عن امتيازهم بأمور: إنهم أول من بعث الخمس إليهم عليهم السلام، ومنها: إنهم عليهم السلام أكرموا جماعة كثيرة منهم بالهدايا و التحف والاكفان كأبي جرير زكريا بن إدريس، وزكريا بن آدم، وعيسى بن عبدالله بن سعد وغيرهم . [3]
آدم بن عبد الله القمي
والده آدم بن عبد الله القمي ، من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ورواته [4]. لا نعرف عنه الكثير، توفي في قم ودفن المقبرة القديمة العروفة بـ بابلان.
ومن الطريف أن نشير إلى انه روى عن ابنه زكريا الحديث التالي:
عن زكريا بن آدم، عن الرضّا ع قال : سمعته يقول : للصلاة أربعة آلاف باب. [5]
ولزكريا بن آدم أخوة منهم:
ألف – إسحاق بن آدم ، من أصحاب الإمام رضا عليه السلام [6]
ب – إسماعيل بن آدم، من الرواة المعتمدين قال عنه النجاشي: وجه من القميين ثقة. [7]
وهناك الكثير من العلماء والرواة من هذه الأسرة الجليلة منهم محمد بن سهل بن اليسع بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الاحوص الاشعري القمي وهو ابن ابن عمه وممن روى عن زكريا.
ومنهم إدريس بن عبدالله بن سعد الاشعري القمي أبو جرير والذي كان ممن روى عنه أيضا.
مكانته وثناء الأئمّة عليهم السلام عليه:
كان الشيخ زكريا ثقة ، عظيم القدر ، ومن أصحاب الإمام الصادق والإمام الرضا والإمام الجواد عليهم السلام، ووصفه الإمام الرضا عليه السلام بأنّه المأمون على الدين والدنيا ، وترحّم عليه الإمام الجواد عليه السلام حين سمع بموته في قم .
وكان في خدمة الإمام الرضا عليه السلام عندما ذهب للحجّ ، وله مسائل وله كتاب .
1ـ روى الكشي بسنده عن علي بن المسيّب قال : قلت للإمام الرضا عليه السلام: شقّتي بعيدة ، ولست أصل إليك في كلّ وقت ، فممّن آخذ معالم ديني ، فقال الإمام الرضا عليه السلام: من زكريا بن آدم القمّي المأمون على الدين والدنيا . [8]
2ـ روى الكشي بسنده عن محمد بن حمزة بن اليسع عن زكريا بن آدم قال : قلت للرضا عليه السلام: إنّي أُريد الخروج عن أهل بيتي فقد كثر السفهاء فيهم ، فقال : لا تفعل ، فإنّ أهل بيتك يدفع عنهم بك ، كما يدفع عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم . [9]
3ـ عن محمّد بن إسحاق والحسن بن محمّد قالا : خرجنا بعد وفاة زكريا بن آدم بثلاثة أشهر نحو الحجّ ، فتلقانا كتابه ـ يعني كتاب الإمام الجواد ـ عليه السلام في بعض الطريق ، فإذا فيه : ذكرت ما جرى من قضاء الله تعالى في الرجل المتوفّى ـ زكريا بن آدم ـ رحمة الله عليه يوم ولد ، ويوم قبض ويوم يبعث حيّاً ، فقد عاش أيّام حياته عارفاً بالحقّ قائلاً به صابراً محتسباً للحقّ ، قائماً بما يجب لله عليه ولرسوله ، ومضى رحمة الله عليه غير ناكثٍ ولا مبدّلٍ ، فجزاه الله أجر نيّته وأعطاه خير أُمنيته . [10]
4ـ عن عبد الله بن الصلت القمّي قال : دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام في آخر عمره ، فسمعته يقول : جزى الله صفوان بن يحيى ، ومحمّد بن سنان ، وزكريا ابن آدم عنّي خيراً ، فقد وفوا لي . [11]
5ـ قال الشيخ عباس القمي عند حديثه عن أبي جريرزكريا بن ادريس بن عبدالله بن سعد الاشعري القمي الذي كان وجها روى عن أبى عبدالله وأبى الحسن والرضا عليه السلام له كتاب: وروي عن ابن عمه زكريا بن آدم بن عبدالله قال: دخلت على الرضا عليه السلام من أول الليل في حدثان موت ابي جرير فسألني عنه وترحم عليه ولم يزل يحدثني وأحدثه حتى طلع الفجر. [12]
طبقته في الحديث
وقع في إسناد عدة من الروايات تبلغ أربعين موردا . فقد روى عن أبي الحسن ، وأبي الحسن الرضا عليهما السلام [13].
من مشايخه
داود بن كثير الرقي، عبدالله بن يحيى الكاهلي وغيرهم.
من تلامذته والرواة عنه:
احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، أحمد بن إسحاق بن سعد الاشعري، إسماعيل بن مهران ، محمد بن سهل الأشعري ، الحسن بن مبارك ، جعفر الجوهري، المفضل بن حسان أبو العباس الدالاني ، محمد بن خالد البرقي، وحمزة بن يعلى الاشعري القمي أبو يعلى ، سعد بن سعد الاشعري، احمد بن حمزة القمي.
ثناء العلماء عليه:
اثنى عليه كل من تعرض له في كب الرجال والتراجم وذكروه بالاجلال والتقدير:
قال الشيخ الجليل النجاشي : زكريا بن آدم بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي : ثقة ، جليل ، عظيم القدر ، وكان له وجه عند الرضا عليه السلام . [14]
قال العلامة في رجاله: زكريا بن آدم بن عبد الله بن سعد الأشعري: ثقة جليل القدر و كان له وجه عند الرضا عليه السلام ...و حج الرضا عليه السلام سنة من المدينة و كان زكريا بن آدم زميلة إلى مكة. [15]
قال الشيخ الحر العاملي: زكريا بن آدم بن سعد الأشعري : ثقة ، جليل القدر ، وكان له وجه عند الرضا عليه السلام ، قاله النجاشي ، والعلامة . وروى الكشي له مدائح جليلة [16] .
قال الشيخ عباس القمي: ...وزكريا بن آدم بن عبدالله بن سعد الاشعري القمي، ثقة جليل القدر، كان له وجه عند الرضا عليه السلام. [17]
وفاته :
لم تتعرض كتب التأريخ لتأريخ وفاته إلا انه كان حيا بعد سنة 203 هـ التي هي سنة وفاة الإمام الرضا عليه السلام حيث روى الكشي بسنده عن محمد بن إسحاق والحسن بن محمد، قالا:خرجنا بعد وفاة زكريا بن آدم بثلاثة أشهر نحو الحجّ ، فتلقانا كتابه ـ يعني كتاب الإمام الجواد ـ عليه السلام في بعض الطريق ، فإذا فيه : ذكرت ما جرى من قضاء الله تعالى في الرجل المتوفّى ـ زكريا بن آدم ـ رحمة الله عليه يوم ولد ، ويوم قبض ويوم يبعث حيّاً ، فقد عاش أيّام حياته عارفاً بالحقّ قائلاً به صابراً محتسباً للحقّ ، قائماً بما يجب لله عليه ولرسوله ، ومضى رحمة الله عليه غير ناكثٍ ولا مبدّلٍ ، فجزاه الله أجر نيّته وأعطاه خير أُمنيته . [18]
وقبل سنة 220 هجرية التي هي سنة وفاة الإمام الجواد عليه السلام توفي الشيخ زكريا رضوان الله عليه بمدينة قم المقدّسة، ودفن بمقبرة شيخان قرب حرم السيدة المعصومة عليها السلام ويزوره المؤمنون ومحبو أهل البيت عليهم السلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]قبيلة من قبائل العرب في اليمن الموالية لآل البيت نسبة إلى الأشعر أبو القبيلة .
الأشعري بفتح الهمزة وسكون الشين وفتح العين المهملة نسبة إلى اشعر ، واسمه نبت بن أدد بن زيد بن يشجب ، وإنما قيل له اشعر لان أمه ولدته ، والشعر على بدنه كذا عن السمعاني ، وينسب إليه علي بن إسماعيل بن أبي بشر رئيس الطائفة الأشعرية الذي تقدم في أبو الحسن الأشعري ، وفي فهرست ابن النديم الأشعري أبو جعفر محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري من علماء الشيعة والروايات والفقه ، وله من الكتب كتاب الجامع كتاب النوادر كتاب ما نزل من القرآن في الحسين بن علي عليه السلام رواه أبو علي بن همام الإسكافي. الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي، ج 2 ص 35.
[2] على أثر ما تعرضوا له من الجور والتعسف من قبل ولاة بني أمية مثل: عبيد الله بن زياد، والحجاج بن يوسف الثقفي الذي قتل عميد قبيلتهم محمد بن سائب الأشعري، مما اضطرهم للهجرة ومغادرة بلادهم الأصلية.
وقال ياقوت الحموي: قم ، مدينة تذكر مع قاشان ، وهي مدينة مستحدثة إسلامية لا أثر للأعاجم فيها ، وأول من مصرها طلحة بن الأحوص الأشعري ، وكان بدو تمصيرها في أيام الحجاج بن يوسف سنة 83 ه ، وذلك أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس ، كان أمير سجستان من جهة الحجاج ، ثم خرج عليه ، وكان في عسكره سبعة عشر نفسا من علماء التابعين من العراقيين ، فلما انهزم ابن الأشعث ورجع إلى كابل منهزما كان في جملة إخوة يقال لهم : عبد الله ، والأحوص ، وعبد الرحمن ، وإسحاق ، ونعيم ، وهم بنو سعد بن مالك بن عامر الأشعري ، وقعوا في ناحية قم ، وكان هناك سبع قرى اسم إحداها " كمندان " فنزل هؤلاء الأخوة على هذه القرى حتى افتتحوها واستولوا عليها ، وانتقلوا إليها واستوطنوها ، واجتمع عليهم بنو عمهم وصارت السبع قرى سبع محال بها ، وسميت باسم إحداها " كمندان " ، فأسقطوا بعض حروفها فسميت بتعريبهم قما ، وكان متقدم هؤلاء الأخوة عبد الله بن سعد ، وكان له ولد قد ربي بالكوفة ، فانتقل منها إلى قم ، وكان إماميا ، وهو الذي نقل التشيع إلى أهلها ، فلا يوجد بها سني قط .معجم البلدان 4 : 396 ، مادة قم .
[3] الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي، ج3 ص 88، مكتبة الصدر – طهران.
[4] قاموس الرجال، ج 1 ، ص 89 ، لم يشر إلى ولادته ولكن يحتمل أن تكون الكوفة لانه هاجر منها إلى قم سابقه توفي في قم ودفن المقبرة القديمة العروفة بـ بابلان .
[5] الخصال، الشيخ الصدوق ، ص 839
[6] رجال النجاشي: 73، ترجمة رقم: 174.
[7] رجال النجاشي: 27، ترجمة رقم: 52.
[8] رجال الكشي: ج2، ص 858.
[9] رجال الكشي: ج2، ص857-858.
[10] رجال الكشي: ج2، ص 858.
[11] الكشي : ج 2 ص 792.
[12] الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي، ج1 ص 36.
[13] معجم رجال الحديث ج8 ص 285.
[14] رجال النجاشي: 174، ترجمة رقم: 458.
[15] خلاصة الاقوال في معرفة الرجال ، العلامة الحلي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الاسدي 648 - 726 ه، 150، مؤسسة نشر الفقاهة
[16] وسائل الشيعة، الحر العامليالشيخ محمد بن الحسن ت 1104هـ، ج30 ص 375، تحقيق مؤسسة آل البيتdلإحياء التراث ـ قم، 1409هـ.
[17] الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي ص 88.
[18] رجال الكشي: ج2، ص 858
نسألكم الدعاء