السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مسلم بن عوسجة الأسدي
:. صحابي عظيم الشأن جليل القدر فارس شجاع أخلص في الولاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وللإمام الحسين عليه السلام كان صحابياً ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسمع حديثه وروى عنه الشعبي.
• نسبه:
هو مسلم بن عوسجه بن سعد بن ثعلبة بن داود بن اسد بن خزيمة أبو حجل الأسدي السعدي شخصية اسدية كبرى، احد شخصيات الكوفة البارزة ممن كاتب الإمام الحسين عليه السلام من الكوفة وأخذ له البيعة عند مجيء مسلم بن عقيل عليه السلام إلى الكوفة يذكر الشيخ السماوي في الابصار انه لما دخل عبيد الله بن زياد (لع) الكوفة وسمع به مسلم خرج إليه ليحاربه، فعقد لمسلم بن عوسجه على ربع مذحج وأسد، ولأبي ثمامة على ربع تميم وهمدان ولعبيد الله بن عمرو بن عزير الكندي على ربع كندة وربيعة رللعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة فنهدوا إليه حتى حبسوه في قصره ثم انه فرق الناس بالتخذيل عنه فخرج مسلم من دار المختار التي كان نزلها إلى دار هانئ بن عروة رضي الله عنه.
• البحث لمعرفة مكان مسلم بن عقيل رضي الله عنه:
كان الهم الأكبر لعبيد الله منذ وصوله الكوفة هو معرفة مكان مسلم بن عقيل رضوان الله عليه فهو طلبته الكبرى ومبتغاه الاساس تنفيذا لرسالة يزيد التي طلب منه ان يطلب مسلماً رضي الله عنه طلب الخرزة وكان مسلم نتيجة الاجراءات الارهابية المتسارعة التي اتخذها ابن زياد وما اخذ به العرفاء والناس قد خرج من دار المختار حتى انتهى إلى دار هانئ رضى الله عنه فاتخذها مقرا له، وأخذت الشيعة تختلف إليه فيها على تستر واستخفاء وتواص بالكتمان قال الدينوري: (وخفى على عبيد الله بن زياد(لع) موضع مسلم ابن عقيل رضى الله عنه، فقال لمولى له من أهل الشام يسمى معقلا وناوله ثلاثة آلاف درهم في كيس وقال خذ المال وانطلق فالتمس مسلم بن عقيل عليه السلام وتأت له بغاية التأتي!.
• تنفيذ المكيدة:
فانطلق الرجل حتى دخل المسجد الاعظم لا يدري يتأتى الأمر ثم نظر إلى رجل يكثر الصلاة إلى سارية من سواري المسجد فقال في نفسه ان هؤلاء الشيعة يكثرون الصلاة واحسب هذا منهم فجلس الرجل حتى إذا انفتل من صلاته قام فدنا منه وجلس فقال: جعلت فداك اني رجل من أهل الشام مولى لذي الكلاع وقد انعم الله علي بحب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وحب من احبهم ومعي هذه الثلاثة آلاف درهم احب ايصالها إلى رجل منهم بلغني انه قدم هذا المصر داعية للحسين بن علي عليه السلام فهل تدلني عليه لأوصل هذا المال إليه ليستعين به على بعض اموره ويضعه حيث احب من شيعته؟
قال له الرجل: كيف قصدتني بالسؤال عن ذلك دون غيري ممن هو في المسجد؟
قال: لأني رأيت عليك سيماء الخير فرجوت ان تكون ممن يتولى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال له الرجل: ويحك قد وقعت عليَّ بعينيك أنا رجل من إخوانك الشيعة وإسمي مسلم بن عوسجة وقد سررت بك وساءني ما كان من حسي قبلك فإني رجل من شيعة أهل هذا البيت خوفاً من هذا الطاغية ابن زياد فأعطني ذمة الله وعهده ان تكتم هذا عن جميع الناس فأعطاه من ذلك ما أراد.
فقال له مسلم بن عوسجة رحمه الله: إنصرف يومك هذا فإن كان غد فائتني في منزلي حتى انطلق معك إلى صاحبنا ـ يعني مسلم بن عقيل عليه السلام ـ فأوصلك إليه فمضى الشامي فبات ليلته فلما غدا إلى مسلم ابن عوسجة رضى الله عنه في منزله فانطلق به حتى ادخله إلى مسلم بن عقيل عليه السلام فاخبره بأمره ودفع إليه الشامي ذلك المال وبايعه!
فكان الشامي يغدو إلى مسلم بن عقيل فلا يحجب عنه فيكون نهاره كله عنده فيتعرف جميع الأخبار فإذا امسى وأظلم عليه الليل دخل على عبيد الله بن زياد فأخبره بجميع الأحداث والقصص وما قالوا وما فعلوا في ذلك.
:مسلم بن عوسجة الأسدي
لا والله ولا يراني الله وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم افارقك أو أموت دونك
• إشارة:
علق صاحب المجموعة الموضوعية على موضوع اختراق حركة مسلم بن عقيل رضوان الله عليه في الكوفة فقال قد يأسف المتتبع بادىء ذي بدء للسهولة التي تمت بها عملية اختراق حركة مسلم بن عقيل من داخلها على يد الجاسوس مولى عبيد الله بن زياد (لع)، من طريق مسلم ابن عوسجة الأسدي رحمه الله وهوعلم من اعلام الشيعة في الكوفة وأحد شهداء الطف وهو الشريف السري في قومه والفارس الشجاع في المغازي والفتوح الإسلامية وقد شهد له الأعداء بشجاعته وخبرته وبصيرته وإقدامه.
وفي ظن المتتبع ان على مسلم بن عوسجة رحمه الله ان يحذر أكثر ويحتاط حتى يطمئن تماما إلى حقيقة هوية معقل الجاسوس قبل ان يدله على مكان مسلم بن عقيل رضى الله عنه واستأذن له في الدخول عليه ليخترق بذلك الحركة من داخلها لكن ما وقع فعلاً هو ان ابن عوسجة رضى الله عنه لم يكن قد قصر في حذره وحيطته غير أن معقلا كان فعلاً (ما هراً في صناعته وخبيراً فيما انتدب إليه) لاختراق حركة مسلم عليه السلام من داخلها.
أما سهولة تعرفه على ابن عوسجة رحمه الله فلا تحتاج إلى كثير جهد ومشقة إذ كان رحمه الله وجها شيعيا معروفا في الكوفة وقد كشف له معقل عن سر سهولة تعرفه عليه حين قال له( سمعت نفراً يقولون: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت فأتيتك فأتيتك لتقبض هذا المال وتدلني على صاحبك فأبايعه وإن شئت أخذت البيعة له قبل لقائه) وقد عبر له مسلم بن عوسجة رضى الله عنه عن استيائه لسرعة تعرفه عليه بقوله (.. ولقد أساءتني معرفتك إياي بهذا الأمر من قبل أن ينمى مخافه هذا الطاغية وسطوته..) ثم ان ابن عوسجة رضى الله عنه أخر معقلاً أياماً قبل طلب الاذن له وكان يجتمع معه في منزله كل تلك الأيام (إختلف الي أياماً في منزلي فإني طالب لك الاذن على صاحبك) ثم لم يدخله على مسلم بن عقيل حتى طلب له الاذن فأذن له ولا شك أن اخذ الاذن يتم بعد شرح ظاهر الحال الذي تظاهر به معقل ومن الدلائل على مهارة ابن زياد ومعقل في فن التجسس ان ابن زياد أوصى معقلاً أن يتظاهر بأنه رجل من أهل الشام ومن أهل حمص بالذات ذلك لا يكون بإمكان مسلم بن عوسجة ان يسأل ويستفسر عن حقيقة حاله في قبائل الكوفة كما ان أهل حمص آنذاك على ما يبدو قد عرف عنهم حبهم لأهل البيت عليهم السلام أو عرف ان فيهم من يحب اهل البيت عليهم السلام فيكون ذلك مدعاة لاطمئنان من يتخذه معقل منفذا لاختراق حركة مسلم رضى الله عنه من داخلها كما ان معقلا قد ادعى امام ابن عوسجة رحمه الله انه مولى لذي الكلاع الحميري هناك في الشام والمعروف عن جل الموالي حبهم لأهل البيت عليهم السلام.
• الخلاصة:
ان معقلا كان احكم خطته وأتقن تمثيل دوره المرسرم وبرع في ذلك لكن في حضوره يوميا عند مسلم بن عقيل عليه السلام ودخوله عليه في أول الناس وخروجه عنه آخرهم فيكون نهاره كله عنده ما يدعو إلى الريبة والشك فيه فلماذا لم يرتب ولم يشك فيه مسلم رضى الله عنه وأصحابه!؟ ان في هذا ما يدعو إلى الاستغراب والحيرة فعلاً! لكننا حيث لا نملك معرفة تفاصيل جريان حركة احداث تلك الأيام بشكل كاف وحيث لم يأتنا التاريخ إلا بنزر قليل منها لا ينفعنا إلا في رسم صورة عامة عن مجرى حركة تلك الأحداث وحيث نعلم ان مسلم بن عقيل وابن عوسجة رحمهما الله وأصحابهما هم من أهل الخبرة الاجتماعية والسياسية والعسكرية فلا يسعنا ان نتعرض اللوم عليهم أو ان نتهمهم بالسذاجه.
بل علينا ان نتأدب بين يدي تلك الشخصيات الإسلامية الفذة وان ننزه ساحاتهم المقدسة عن كل ما لا يليق بها وان نقف عند حدود معرفتنا التاريخية القاصرة لا نتعداها إلى استنتاجات واتهامات غير صائبة ولائقة خصوصا إذا تذكرنا حقيقة ان عمليات لا ختراق من الداخل من خلال دس الجواسيس المتظاهرين بغير حقيقتهم كانت أمراً مألوفاً منذ قديم الأيام ولم تزل حتى يومنا الحاضر وتبقى إلى ما شاء الله وشذ وندر ان يجد الانسان حركة سياسية تغييرية تعمل لقلب الأوضاع سلمت من الاختراق من داخلها من قبل اعدائها بل قد لا يجد الانسان حركة سياسية تغييرية غير مخترقة وهذا لا يعني ان قيادتها ساذجة ولا تتمتع بالحكمة!
• دورة في كربلاء:
قالوا: ثم ان مسلم بن عوسجة بعد ان قبض على مسلم وهانئ وقتلا اختفى مدة ثم فر بأهله إلى الإمام الحسين عليه السلام فوافاه بكربلاء وفداه بنفسه.
قال السيد ابن طاوس ان الإمام الحسين عليه السلام جمع أصحابه ليلا وخطب فيهم وقال(أما بعد فإني لا اعلم أصحابا خيرا منكم ولا أهل بيت افضل وابر من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً خيراً وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سواد الليل وذروني وهؤلاء القوم فإنهم لا يريدون غيري) وبعد ان اجابه اخوه العباس عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام قام مسلم بن عوسجة وقال(نحن نخليك هكذا وننصرف عنك وقد احاط بك هذا العدو لا والله ولا يراني الله وأنا افعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك أو أموت دونك) ولمسلم موقف آخر ذكره الشيخ السماوي إذ ذكر: ولم اضرم الحسين عليه السلام القصب في الخندق الذي عمله خلف البيوت مر الشمر فنادى: ياحسين! تعجلت بالنار قبل يوم القيامة فقال الحسين عليه السلام: يا بن راعية المعزى! أنت أولى بها صليا.
فرام مسلم بن عوسجة ان يرميه فمنعه الحسين عليه السلام عن ذلك فقال له مسلم: ان الفاسق من أعداد الله وعظماء الجبارين وقد امكن الله منه.
فقال الحسين عليه السلام: لا ترمه فإني اكره ان ابدأهم في القتال.
• استشهاد مسلم بن عوسجة:
قال أبو مخنف: حدثني الحسين بن عقبة المرادي قال الزبيدي: انه سمع عمرو بن الحجاج حين دنا من أصحاب الحسين عليه السلام يقول يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام فقال له الحسين عليه السلام: يا عمرو بن الحجاح أعلي تحرض الناس؟ أنحن مرقنا عن الدين وأنتم ثبتم عليه؟
أما والله لتعلمن لو قد قيضت أرواحكم ومتم على اعمالكم أينا مرق من الدين ومن هو أولى بصلي النار! قال: ثم ان عمرو بن الحجاج حمل عى الحسين عليه من ميمنة عمر بن سعد (لع) من نحو الفرات فاضطربوا ساعة وكان مسلم بن عوسجة في الميسرة فقاتل قتالا شديدا وبالغ في القتال على كبر منه وصبر على اهوال البلاء فكان يحمل على القوم وسيفه مصلت بيمينه وينشد:
إن تسألوا عني فإني ذو لبد من فرع قوم ذري بني أسد
فمن بغاني حائد عن الرشد وكافر بدين جبار صمد
ولم يزل يضرب فيهم حتى شد عليه مسلم بن عبد الله الضابي وعبد الله بن خشكارة البجلي فاشتركا في قتله وثارت لشدة الجلاد غيرة شديدة وما انجلت الغبرة إلا ومسلم بن عوسجة صريع وبه رمق فمشى إليه الإمام الحسين عليه السلام فقال له رحمك الله يا مسلم وقرأ (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ودنا منه حبيب وقال: عز علي مصرعك يا مسلم ابشر بالجنة فقال له مسلم رضى الله عنه بصوت ضعيف(بشرك الله بخير) فقال حبيب: لولا اعلم اني في الأثر لا حق بك لأحببت ان توصيني بكل ما اهمك قال مسلم: أوصيك بهذا وأشار إلى الحسين عليه السلام ان تموت دونه قال حبيب: افعل ورب الكعبة ولأنعمنك عينا فما كان بأسرع من ان فاضت نفسه بينهما وكان أول قتيل من أنصار الحسين عليه السلام بعد الحمله الأولى كما ذكرته عامة المصادر التاريخية فصاحت جاريةله: يا سيداه! يابن عوسجتاه! فنادى أصحاب عمر بن سعد(لع) مستبشرين قتلنا مسلم بن عوسجة فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله: ثكلتكم أمهاتكم اما انكم تقتلون انفسكم بأيديكم وتذلون عزكم(وفي رواية ابن الاثير: وتذلون انفسكم لغيركم) أتفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة؟! أما والذي اسلمت له لرب موقف له في المسلمين كريم والله لقد رأيته يوم «سلق أذريبجان» قتل ستة من المشركين قبل ان تلتئم خيول المسلمين، افيقتل مثله وتفرحون؟! وفي مسلم بن عوسجة قال المرحوم الشيخ محمد السماوي طاب ثراه الأبيات التالية:
إن امرءا يمشي لمصرعه سبط النبي لفاقد الترب
أوصى حبيبا ان يجود له بالنفس من مقة ومن حب
أعزز علينا يابن عوسجة من أن تفارق ساحة الحرب
عانقت بيضهم وسمرهم ورجعت بعد معانق الترب
ابكي عليك وما يفيد بكا عيني وقد أكل الأسي قلبي
الشيرازي نت