اللهُم صَلِ علىْ مُحمِدٍ وَ آلِ مُحَمِدٍ وَ عجِلَ فرجَهُم وَ أهلِكَ أعدائِهُمْ وَ إرَحمِنَا بِهُمْ يَا الله
الَسَلآمُ عَليِكُمْ وَ رحَمِة الله وَ بَركَاتُه
السَلآمُ عَلىْ آلحُسيِنَ وَ علىْ عليَّ بِنَ آلحُسيِنَ وَ عَلىْ أولآدَ الحُسيِنَ وَ عَلىْ أصحَآبَ الحُسيِنَ
آلسَلآمُ عَلىْ قتيِلَ العَبّرآتَ آلسَلآمُ عَلىْ آلدمَآءَ آلزآكيِآتَ السَلآمُ علىْ الدمِآءَ السَآئِلآتَ السَلآمُ عَلىْ الأروآحَ الطآهِرآتَ السَلآمُ علىْ الأجسَآد العآرياتَ
۞ مُـصِـيِـبَـة اْلَخِـيَـمْ آلَفاَطِمّيَة اْلَحُسـينيَة ۞
بدأت المعركة يوم عاشوراء بعد أن صاح عمر بنَ سعد : يادريد أدنِ رايتك فأدناها ، فأخذ عمر بن سعد سهماً وضعه في كبِد قوسَه و قال : إشهدوا لي عند الأمير إني أُول رامٍ رمى الحسين (ع) .
ثم رمى بذلك السهم نحو خيم أبي عبدالله عليه السلام و تَبعه الجيش على ذلك ، فجاءت السهام كأنها المطر ، حتى لم يبق أحدٌ من أصحاب الحسين إلا و أصابه من سهام القوم شيء ، و قد أصابت السهام بعض نساء الحسين داخلِ الخيام ، فصِحنَ النساء و بكينَ
فإلتفت الحسين إلى أصحابه و قال ( عليه السلام ) : قوموا يا كرام إلى الموت الذي لا بد منه ، فإن هذه السهام رُسُل القوم إلينا ، فقام أصحاب أبي عبدالله و اقتتلوا مع القوم ساعة من النهار ، فما إنجلت الغبرة إلا عن خمسين صريعاً من أصحابَه
و بعد ذلك بدأت المبارزة ، فبرز الأصحاب واحداً بعد واحد إلى أن فنوا عن آخرهم ، ثم بعد ذلك كان دور أهل بيته عليهم السلام ، فكان أول من برز منهم ولده علي الأكبر عليه السلام ، و هكذا إلى أن كان آخر المبارزين أبو الفضل العباس عليَه السَلآم .
بعد مصرع العباس عليَه السَلآم عزم الإمام الحُسين على لقاء العدو ، فأقبل يودع ولده الإمام زين العابدين عليَه السلام و كانت عمته زينب ( عليها السلام ) تمرِّضه ، فلما رأى أباه مقبلاً قال : عمه زينب سنَّديني ، هذا ابن رسول الله قد اقبل ، فسندته زينب عليها السلام ، دخل الإمام ( عليه السلام ) و صار يسأل ولَدَه عن حاله و عن مرضَه و الإمام يجيب الحمدلله ، إلى أن قال له الإمام زين العابدين (ع) : أبه ماصنعت مع هؤلاء القوم ؟! فقال عليه السلام : إعلم يا بُني أن هؤلاء قومٌ إستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله الجميل ، شبَّت الحرب بيننا و بينهم ، و فاضت الأرض بالدماء منَّا و منهم .
قال ( عليه السلام ) أبه ماصنع حبيب بن مظاهر ؟ قال عليَه السلآم : قُتل يا بني ، ماصنع فلان ماصنع فلان ؟! و الحسين يقول : قُتل قُتل . إلى أن قال : أبه أين أخي علي الأكبر ؟ فقال الحسين (ع) : قُتل يابني ، أين عون ؟ أين جعفر ؟ أين فلان ؟ والحسين عليَه السلام يقول : قُتل قُتل . إلى أن قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : أبه مالي أراك وحدك أجل أين عمي العباس ؟ فقال الحسين ( عليَه السَلآم ) : إعلم يا بُني أنه لم يبق في المخيم إلا أنا و أنت من الرجال ، فصاح زين العابدين : واعماه واعباساه .
ثم نادى : عمه زينب عليَّ بالسيف و العصا : قالت عليها السلام : و ماتصنع بهما يا إبن أخي ؟ قال عليه السلام : عمه أمَّا العصا فأتوكأ عليها لضعف بدني ، و أمَّا السيف فأُدافع به عن ابن رسول الله ، أراد أن يقاتل عليه السلام و لكنه سقط على وجهه ، فإلتفت الحسين عليه السلام : إلى أخته زينب ( سلآم الله عليها ) و قال : أُخيَه ردَّيه لئلا تخلو الأرض من حُجَة لآل محمد - صلى الله عليَه وآله وَسلِمْ - .
ياروح روحيَّ و نور العين ياسراج نور العرشَ ياحسينَ
بويَه الله يعينكَ مالك معيِنَ و قومك على الغبره مطاعين
ثم أقبل الحسين عليه السلام و نادى : الآ من يُقدم جوادي و أنا إبن رسول الله ؟ ألا من يقدم لي لامة حربي و أنا إبنُ أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فأقبلت زينب عليها السلام بالجواد تقوده و هي تقول عليَه السلام : ماأجلدني و أقسىْ قلبيَّ ؟ أيَّ أخت تقود إلى أخيها جواد المنيَة ، ثم إلتفتَت إلى النساء وَ قالت :
قومـوا إلى التوديـعِ إنَّ أخي دعـا بجـواده إن الفـراق طـويلَ
فخرجن رباتُ الخدورِ عواثراً وغدا لها حول الحسينِ عويلُ
مايقرب من إثنين و ثمانين إمرأة من ستين طفل و طفلة ، هرعوا من الخيام و أحاطوا بالحسين من كل جانب و عيونهم متجهة نحو الحسين ، الحسينُ يتجَهز للحرب ، قد عزم على الموت قد استسلم للشهادة ، فتواقعن عليه هذه تقبل رأسه و هذه تُقبل وجهه و هذه تقع على قدميه و هذه تقبل يديه و هذه تتعلق بطرف ردائه و هذه تقول : إلى أين يا حمانا إلى أين يا رجانا .
إجـت زينـب و باقي الحرم يمَـه و صـارن للوداع عليـه لمَّـه
يحب سكنه وهـي قامـت تشمَـه يقلهـا و الدمع من عينه تنـثـر
يابويه يطول من بعدي ونينك ومثل النيب كأني أسمع حنينك
قالوا : نظر الحسين ( عليَه السلآم ) في صفوف الأطفال و اليتامى الذين هم قد إجتمعوا حوله ، فوقع صره الشريف على طفلةٍ لآلِ عقيلَ لها من العمر خمسَ سنوات قد قتل أبوها و عمومتها في الحملة الجماعية الأولى ، لكنها مذهولة من شدة العطشَ .
قال : أخيَه زينب نوليني هذه اليتيمة ، أخذها الحسين أجلسها أمامهُ على سرجه ، إلتفت إليها قال : بنيه ماتريدين ؟ ماتشتهين ؟ قالوا : فجعلت هذة اليتيمة تنظر في عيني أبي عبدالله عليَه السلام ، قالت : عم أبا عبدالله إني عطشانة أريدُ ماءً إنَّ أبي وَ عميَّ بكَّرا للماء و قد أخبرتهما بعطشي ، و لكن مضوا و ما عادوا إليَّ ، أبي خرج صباحاً قلت له : أبي إني عطشانة مضى و لم يعد ، عمي قلتُ له : ياعم إني عطشانه مضى و لم يعد ، كُل من يمضي لا يُعود يا عم .
فقال لها الحسينُ عليَه السَلآم : بنيَة أنا ماضٍ إلى أبيكِ وَ عمَّك أخبرهما بعطشكِ ، قالت الطفلة : عم يا أبا عبدالله تمضي و تخبرهم و يتون إلي هذه مدة ، إحملني معك إليهما فيسقياني ، لما سمع الحسين إختنق بعبرته ، قال : بنية ، إذا أنا أخذتكُ فمن الذي يَردُكِ إلى الخيمَة ، فصاحت بها زينب : إنزلي إنزلي لقد أحرقت قلب سيدنا
ثم دنت منه إبنته سكينة و قالت له : ابه كأنك قد استسلمت للموت ، فقال عليه السلام : و كيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له و لا معين ؟! فقالت : أبَّه ردَّنا إلى حرم جدنا رسُول الله - صلى الله عليَه وآله وسلم - فقال عليَه السَلآم : هيهات يا بنتاه لو تُرك الغطا لغفا و نام ، فإرتفعت أصوات النساء بالبكاء فأمرهن بالسكوت و قال عليه السلام : إن البكاء أمامكن ....
ثم إن سكينة إلتفتت إلى أبيها و قالت إجلس على وجه الأرض فجلس ، أخذت سكينة يد الحُسين و جعلت تمسحُ بها على رأسها ، كأنها تقول : أبه إصنع بي كما تصنع مع اليتامى ، ( لأن من بعدك لا أجدُ أحداً يمسح على رأسيَّ ، من بعدكَ لا أجدُ أحداً يمسحَ دمعتيَّ ، من بعدك لا أجدُ إلا السياط على منكبيَّ و كتفيَّ ) أحرقتَ قلب الحسينَ تحادرت دموعه على خديه ، فضم إبنته إلى صدره و جعلَ يمسحُ على رأسِها وهو يقولَ :
سيطولَ بَعديَّ يا سكينة فإعلميَّ منكِ البكاء إذا الحمام دَهاني
لا تحرقي قلبي بدمعكِ حسرةٍ ما دآم منيَّ الـرُوح في جثمـاني
فـإذا قـتـلــتُ فـ أنـتِ أولـىْ بِـ الذيَّ تأتينَـه يـا خيـرةَ الـنسـوانِ
ودعَ عياله و أطفاله و أوصى زينب بوصاياه ثم توجه الحُسين نحو الميدان و سار قليلاً و إذا بِـ مناديَه من خلفه : أخي حسين قف لي هنيهه ، فإلتفت الحسين إلى ورائه و إذا بها العقيلة زينب تركض في اثره ، أخيه ما تريدين ؟! قالت : أخي إنزل ، فنزل الحسين من على ظهر فرسه ، ضمته إلى صدرها ، قبلته في صدره و شمته في نحره ، حولت وجهها إلى المدينة ، صاحت أماه يازهراء لقد إسترجعت الوديعة .
فقالَ لها الحُسين عليَه السَلام : أخيَه و ما الوديعة ؟! قالت عليها السلام : أخي لما دنتِ الوفاة من أمَّنا فاطمة عليها السلام دعتني إليها ، قبلتني في صدري و شمتني في نحري ، و قالت عليها السلام : بنيَة زينب هذه وديعتي عندكِ ، إذا رأيتِ أخاك الحسين في كربلاء وحيداً فريداً ، قبِّليَه في نحره فإنه موضع السيوف و شميه في صدره فإنه موضع حوافر الخيول .
أوصاهن الحسين ( عليَه السلام ) بآخر وصاياه و اعلمهن أن الله حاميهن و حافظهن ، و أمرهن بلبس الأزُر و التهيأ للأسرَ و أن يدخلن إلى الخيام و أن لا يخرجن منها فإمتثلن لأمر الحُسين فدخلن النسوة جميعاً إلى الخيام و برز الحسين إلى الميدان ، تقدم نحو القوم مصلتاً سيفه عازماً على لموت آيساً من الحياة ، و دعا القوم إلى البراز ، فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل جمعاً كثيراً فأحجم القوم عن مبارزته
فحمل على ميمنتهم وهو يقول :
المُوتَ أولى من ركوبَ العار و العار أولى من دخولَ النار
والله مـــاهــــذا وَ هـــــذا جـــــــــــار
ثم حمَل على الميسرة وهو يقول :
أنا الحُـسيـن بن علـيَّ آليـت أن لا أنثنـي
أحمي عيالات أبي أمضي على دين النبي
يقول العدو : ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جأشاً و لا أقوى جناناً و لا أجرأ مُقدماً من الحسينَ ( عليَه السَلآم ) و لقد كانت الرجال تشد عليَه فيشدَ عليها فتنكشف من بين يديه إنكشاف المعزىْ إذا شد فيها الذئب ، و كانوا يتفرقون عنه يميناً وَ شمالاً كأنهم الجراد المنتشر و قد تكاملوا ثلاثين ألفاً وهو رجلَ واحد
فصاح عمر بن سعد بالجيش : ويلكم أتدرون لمن تقاتلون هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتال العرب ، إحملوا عليَه حملة رجل واحد .
و حملوا عليَه حملة واحدة فكان عليَه السلام يشد عليهم و يبعدهم عن مخيمة ثم يعود إلى موقفه امام البيوت وهو يكثر من قول : لاحول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم إنا لله و إنا إليَه راجعون .
و حمل عليهم كذلك ثلاث مرات قتَل فيها منهم مقتلة عظيمة فأمر عمر بن سعد الجيش أن يحول بين الحُسين و بين رحله و عياله .
اشتد به العطش فحمل نحو الفرات ، وكان على المشرعه أربعة الآف فارس فكشفهم عنها و أقحم فرسه في الماء و اغترف منه غرفة ليشرب فرماه الحصين بن نمير بسهم في حلقه فانتزعه و جعل يتلقى الدم بكفيه و يرمى به نحو السماء و قال : اللهم إن تكن حبست عنا النصر من السماء فإجعل ذلك لما هو خير منه و إنتقم لنا من القوم الظالمين
و لمَّا ذهبَ ليشرب ثانية ناداه رجل ياحسين أتلتذ بشرب الماء و قد هتكت خيامك فترك المشرعة و قصد الخيام فوجدها سالمة فأقبل على عياله يودعهم ، لإأحدقوا به نساءً و أطفالاً يبكُون و يصرخون ، فأمرهنَ بالصبر و لبسَ الأزرَ إستعداداً للأسرَ و قال ( عليَه السلام ) : إستعدوا للبلاءَ و إعلموا أن الله حاميكنَ وَ حافظكنَ وَ سينجيكُم من شر الأعداءَ وَ يجعل عاقبة أمركم إلى خير و يعذب عدوكم بأنواع العذاب و يعوضكم عن هذة البليَة بأنواع النِعم و الكرامة فلا تشكوا و لا تقولوا بألسنتكم ماينقص من قدركم .
و بينما هو كذلك إذ صاح عمر بن سعد بالجيش و يحكم أهجموا عليَه مادام مشغولاً بنفسَه و حرمه فوالله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم ، فحملوا على الحُسين يرمونه بالسهام فأمر الحسين عياله بالدخول إلى الخيام ثم حملَ عليهم كالليث الغضبان فلا يلحق أحداً إلا بَعجة بسيفه فيقتله ، هذا و السهام تأخذه من كل ناحيَة حتى صار درعَه كالقنفذ من كثرة السهام .
هذا و قد أثخن بالجراح و إشتد به العطشَ ثم عاد عليه السلام إلى موقفه لستريح قليلاً و قد أعياه نزف الدم ، فرماه أبو الحتوف الجعفي ( لعنه الله ) بحجر فصكّ به جبهته فسالت الدماء على وجهه الشريف .
رفع الحسين عليه السلام طرف ثوبه ليمسح الدم عن وجهه فبَان صدره الشريف للأعداء فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب وقع على صدره و نفذ من ظهره
(( أيَّ وآحسينـآه آيَّ واإمـامـاه – عظم الله لكَ الأجر سيديَّ يا صاحبَ الزمآنَ ))
شال حسين ثوبه يمسح الدم و لَن سهم المحدد ناجع بسم
بقلبه وقع لا وخَّر و قدَّم هوى و اظلم هواها و السما إحمَّر
كلما أراد الحسين عليه السلام أن ينتزع ذلك السهم لم يتمكن ، فإنحنى على قربوس سرجه وهو يقول : بسم الله و بالله و على ملة رسول الله – صلى الله عليَه وآله و سلم – اللهم إنك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض إبن نبي غيره ، ثم إستخرج السهم من قفاه فإنبعث الدم كالميزاب ، فوضع كفيه تحت الجرح فلما امتلأتا بالدم رمى به نحو السمء وقال : هوَّن عليَّ مانزل بي أنه بعين الله .
ثم وضع كفيَه ثانية تحت الجرح فلما إمتلأتا بالدم لطخ به رأسه و خضب لحيته المباركة و قال عليه السلام : هكذا أكون حتى ألقى جدي و أنا مخضب بدمي مغصوب عليَّ حقيَّ .
نظرَ عمرَ بن سعدَ إلى الحُسين و بكىْ ، فإلتفت إليَه ابنُه حفص قال : أبه أتبكي ؟ قال : نعم يا بني أما ترى الحسين كيف هو متحيرٌ في إستخراج ذلك السهم .
نابت على قلبي النوايب دوم نابت و مـن ونَّـي حمـام الـدُوح نـابـت
ويليَّ السهم الَّي بقلب حسين نابت نبت يا ناس بقلوب كل الجعفرية
إنهارت قواه عليه السلام من ذلك السهم ، مالَ ليسقط للجهة اليمنى مال الجواد معه ، مال ليسقط للجهة اليسرى مال الجواد معه ، فإلتفت الحسين إليه مخاطباً : ياجواد لا طاقة لي بالركوب على ظهرك أنزلني على وجه الأرض ، فمد الفرس يديه و رجليَه حتىْ ألصقَ بطنه على الأرضَ و أنَزَل الحسين برفقٍ و لين ، فنزل عليه السلام من على ظهر فرسه و جلس على وجه الأرض محتبئاً بحمائل سيفه ينوء برقبته و ينظر إلى خيامه لئلا يهجم عليها الأعداء .
و أقبلَ الفرسَ يدور حول الحسين عليه السلام يُلطخ ناصيته بدمَه
هوىْ و المهِر قآم يُحوم دُونَه يحاميَّ عنَ وليَّه لا يِجونَه
أجنِح فوقَ راعـيَّـه وَ شـمَّـه وَ صار ظلالَ دون الشمس يمَّه
خِضب وجهه و ناصيته بدمه و نادى بالظليمة و للخيم فـر
فصاح عمر بن سعد دونكم الفرس فإنه من جياد الخيل ، فأحاطت به الخيالة فصار الفرس يدفعهم عن نفسه و يكدم بفمه و يرمح بيديه و رجليَّه حتى قتل أشخاصاً و جرح آخرينَ ، فقال ابن سعد ( لعنه الله ) : دعوه لننظر مايصنع فلما أمِن من الطلب ، أقبل نحو الحسين عليه السلام يشمه و يمرّغ وجهه بدمه و يصهل صهيلاً عالياً ، و يحمحم ، فسمعت النساء صهيله .
إلتفت العقيلة زينب عليها السلام إلى سكينة : عمَّه هذا أبوك الحسين قد أقبلَ ، قوميَّ لإستقباله ، فقامت سكينة إلى خارج الخيمة و إذا بالجواد خالِ من الحُسين عليه السلام ملطَّخ بالدم مشكوك بالسهام ، لطمت سكينة وجهها و صاحت : عمه زينب لقد قتل والله والدي
بكتَ سكنَه و نادت بالمذلة يعمه المهر حط بالقَلب عله
طلعت صارخة زينب تقله يمهر حسين وين حسين خر
إمامنا صاحب زماننا يذكر في زيارته هذا الفصل فيقول : وعاد جوادك ياجد إلى المُخيم شارداً محمحاً باكياً و للظليمة داعياً ، فلما رأين نساؤك جوادك مخزياً و السرج عليه ملوياً خرجن من الخدور على الخدود لاطمات و بالعويل داعيات و بعد العزّ مذللات و إلى مصرعك مبادرات .
عندئذ خرج من الخيمة عبدالله بن الحسين بن علي عليه السلام وهو إبن أحد عشرة سنة ، فوقف على التل و نظر إلى عمه الحسين عليه السلام بين الأعدء فإنحدر نحوه ، فلما رآه الحسين صاح أخية زينب إحبسي هذا الغلام فإن هؤلاء القوم لا يرحمون صغارنا و لا كبارنا فتبعته زينب عليها السلام قائلة : يا إبن أخي إرجع إرجع .
فقال : لا والله يا عمه عمَّي الحُسين لا أفارقه ، جاء حتى وقف إلى جانب عمه الحسين فرآه و الدماء تجري من جوانبه ، جراحاته تشخب دماً ، فبكى و صاح : واعمَّاه واحسيناه ، ثم صار يضع يده على جرح بعد جرح وهو يقول : ياعم من الذي طعنك هذة الطعنة ؟ ياعم من الذي ضربك هذة الضربة ؟ بينما الغلام في حجر عمه إذ أقبل أبحر بن كعب ( لعنه الله ) ، يريد قتل الحُسين عليه السلام ، فقام هذا الغلام في وجهة ليدافع عن عمه ، قال : ويلك يابن الخبيثة أتريد أن تقتل عمّي ؟! فأهوى أبحر بن كعب بالسيف على يد الغلام فأطنَّها من المرفق ، فإذا هي معلقة بالجلد ، فصاح الغلام : ياعماه لقد قطعوا يميني ، فضمّه الحسين إلى صدره و قال : يا إبن أخي إصبر على مانزل بك و إحتسب في ذلك الخير فإن الله سيلحقكَ بآبائك الصالحين .
ثم إن الإمام الحسين عليه السلام أعياه نزف الدم فصنع وسادة من التراب و وضع خده عليها و صار يناجي الله تعالى بقولة :
تركت الخلق طراً في هواك و أيتمت العيال لكي أراكَ
فلو قطعتنـيَّ في الحُـب إربـاً لما مال الفؤاد إلى سِـواك
و بقيَّ عليه السلام مطروحاً على الأرضَ ملياً ولو شاءوا أن يقتلوه لفعلوا ، و لكن كل قبيلة تتكل على الأخرى و تكره الإقدام عليَه هيبة منه
يقول بعض الأعداء لما صُرع الحسين عليه السلام كنتُ واقفاً عنده وهو يجود بنفسَه فوالله ما رأيت قتيلاً مضمخاً بدمه أحسنُ و لا انُور وجهاً منه و لقد شغلني نور وجهه و جمال هيئته عن الفكرة في قتله .
بعد ذلك أقبلت زينب ومعها النسوة تواصل سيرها نحو الميدان ، تشق طريقها بين القتلى حتى وصلت إلى مصرع أخيها الحسين عليه السلام .
فأقبلن ربات الحجال و للأسى تفاصيل لا يحصى لهنّ مفصلِ
فواحدة تحنو عيَه و تضمّه و أخرى عليَه بالرداء تُـظَــلُلُ
و أخرىْ بفيض النحر تصبغ وجهها و أخرى تفديَه و أخرى تقبلُ
و أخرى على خوف تلوذ بجنبه و أخرى لِما قد نالها ليس تعقلُ
زينب جلست عنده و مدت يديها تحت ظهره و رفعته عن الأرض و أسندته إلى صدرها و قالت : اللهم تقبل منا هذا القربان ، ثم إلتفت إلى سكينة
عمه ياسكنه خل نقعده مابيني البينك نسنده
بلكن يفق عينه و ننشده ياجرح مأذيه و مضهده
تقلها ياعمه شلون أقعده وسهم الذي نابت بكبده
ثم إلتقت زينب إلى أخيها الحسين قالت عليها السلام : أخي كلمني بحق جدنا رسول الله – صلى الله عليه و آله و سلم – بحق أبينا عليَّ بحق أمُنَّا فاطمة فتح الحُسين عينيَه و قال عليَه السلام : أُخيه ماتريدين ؟ قالت : أخي مات جدنا رسولُ الله فزعنا إلى أبينا عليَّ ، مات أبونا عليَّ فزعنا إلى أخيكَ الحسن ، مات أخونا الحسن فزعنا إليكَ ، إلى من نفزع بعدك أبا عبدالله ...
إلتفت الحُسين إلى أُختَه زينب : أُخيَه لقد كسرتِ قلبيَّ و زدتِ كربيَّ ، أُخيَّه إرجعي إلى المخيم و إحفظي لي العيال و الأطفال .
عادت زينب إلى المخيم و معها النسوة إمتثالاً لأمر الحسين عليَه السَلآم ، بينما هن في بعض الطريق و إذا بالكون قد تغيِر ، وإذا بالكون قد أظلم ، فأسِرعتَ زينبَ إلى إبن أخيها زين العابدين قالت : يا إبن أخيَّ مالي أرى الكُون قد تغيرَ ؟ قال : عمه زينب سنَّدينيَّ إلى صدركَ و إرفعيَّ لي طرف الخيمة ، فسندته زينب إلى صدرها بعد أن رفعت له طرف الخيمة ، نظر زين العابدين نحو المعركة ملياً ثم إلتفت إلى عمته ، قال : عمة إجمعي العيال و الطفال في خيمةٍ واحدة ، عمه إلبسي أزاركِ ، عمَه تهيئيَّ للسبي ، قالت : يا ابن أخي مادهاك ؟ قال : عمة هذا رأس والدي الحُسين على رأس الرمح .
لما نظرت إليَه زينب عليها السلام صاحت : واجداه وامحمداه ، يا جد صلى عليك مليك السماء هذا حُسينك بالعرى محزوزُ الرأسِ من القفا مسلُوبَ العمامة و الردى بأبي المهموم حتى قضى بأبي العطشان حتى مضى بأبي من لا هُو غائبٌ فيرجى و لا جريحٌ فيداوى بأبي من شيبتُه تقطرُ بالدما .
إلـهيَّ بحق الحسين و أخيه وَ جده و أبيَه وَ أمُه وَ بنيَه وَ شيعتَه وَ مواليَه وَ قبرَه وَ سآكنيَه وَ زوارَه وَ مجاوريَه خلصني مِنَ الغم الذيَّ أنا فيَه
ياقاضي الحاجات يا سميع الدعوات يا منزل البركات يادافع البليات برحمتك يا أرحم الراحمين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهُم كُنْ لِوليُّك الحُجةِ ابن الحسن صلَواتُك عليهِ وعلى ابائِه في هذه الساعة وفي كلِ ساعة ولياً وحافِظْا وقائِداً وناصراً ودليلاً وعَيّنا حتى تُسكِنَهُ ارضَك طوعا وتُمتِعهُ فيها طويلاً برحمتِك يا ارحمْ الراحِمين
وَ صَلىْ الله عَلىْ مُحَمِدَ وَ آلِ مُحَمِدَ آلطَيبيِنَ آلطآهرِينَ
مِنَ قلِبَ اْلَخِـيَـمْ آلَفاَطِمّيَة اْلَحُسـينيَة مُشرفة أحَلىْ روضَة بآلعَآلِمْ / آلنُورَ آلحُسينيَّ
نسألكُم الدعَآءَ