تعرف الأشياء بأصدادها فعند ذهاب النور نرى الظلمة وعند إزالة الله لقدرته نرى عدمه، أي عدم وجوده فنستطيع أن نميزه، والله لا يعدم، وعلى سبيل الفرض عندما ينعدم وجود الإله نرى عدم وجوده فندرك كيفيته وماهيته.
والله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء فلا يوجد له ضد أو شريك لو كان له شريك لرأيناه (أي رأينا الله).
أقول: ألا ينطبق كلامنا هذا والله أعلم على مصداق الآية الكريمة التي تقول:
"ولما جاء موسى لميقاتنا، وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا، فلما أفاق قال: سبحانك تبت إليك.
وأنا أول المؤمنين" (الأعراف: 143).
إن الله سبحانه لما كان واحداً وليس له شريك وضد، وليس كمثله شيء فلكي نستطيع أن نراه ونميزه عن شريكه، لذلك لا يوجد سبيل إلى رؤيته غير تصورنا لمشاهدة أضداده، وهي العدم.
أي أن يخلو منه ذلك المكان فنحس بالفرق ونميزه.
لأننا بواسطة النظر بعيوننا المبصرة.
نستطيع أن نحدّ الشيء، فنستطيع حدّ شيء دون الله، لكي نرى الله.
ولكي نجد شيئاً دونه يجب أن يخلو منه أي يخلو من وجود الله أو يعدم جزءاً منه كي نرى بقية الأجزاء.
ولما كان بسيطاً إذا قطع منه جزء قطع كله وانعدم وانتفى.
فإذا كان الله بمكان دون آخر فإنا سنراه.
لنأخذ مثلا الدفتر كمثال تقريبي على صحة ما ادعيناه إذ أنه يتكون من غلاف لونه أحمر مثلا.
فإذا طوينا جزءاً من الغلاف نرى لون الورقة أبيض، على قدر ذلك الجزء المطوي، فنميز بين الورقة عن الغلاف الأحمر.
ولكننا إذا لم نطوي جزءاً من الغلاف فلا يمكن رؤيتنا لأي جزء من الورقة لأنها محجوبة بالغلاف. فلا تتم الرؤية إلا بانتزاع جزء من وجود الغلاف عن الدفتر.
كذلك الله سبحانه إذا أراد إنتزاع جزء من وجوده عن الجبل سينتفي الجبل لأن كل شيء ممسك بقدرة الله كما بالآية فاطر 41.
وإذا سحب وجوده عنه يصبح عدما فانتفت الرؤية مطلقاً، كالماء محيط بالسمك، والهواء يحيط بنا، وكما أن الإناء المملوء بالماء لا نستطيع رؤية الماء الذي فيه، إلا أن نفرغ جزء من الماء الذي في القدح فنميز بين وجود الماء وعدم وجوده، أو وجود الهواء من عدم وجوده.
أو نأخذ قدحاً نضع فيه ماء ملون بحيث يسهل علينا التمييز بين الماء والهواء أو أي جنس آخر مختلف عنه شكلا لا ذاتاً.
فلما سلب تعالى إحاطته بالجبل انعدم وجود الجبل لأن كل شيء قائم به تعالى وليس لشيء وجود وبقاء دونه لذا لم نستطيع رؤيته تعالى، "إن الله يمسك السماوات والأرض إن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً" (فاطر: 41).
قال الإمام علي (ع) "لم يخل منه مكان فيدرك باينية ولا له شبه مثال فيوصف بكيفية ولم يغب عن علمه شيء فيعلم بحيثية". (1)
وقال أمير المؤمنين عليه السلام بموضع آخر "لا تحويه الأماكن لعظمته ولا تدركه المقادير لجلالته ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه، وعن الأفهام أن تستغرقه وعن الأذهان أن تمثله، قد يئست من إستنباط الإحاطة به طوامح العقول ونضبت عن الإشارة إليه بالإكتناه بحار العلوم."
وقال أيضا "الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد ولا تحويه المشاهد ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر الدال على قدمه بحدوث خلقه وبحدوث خلقه على وجوده وباشتباههم أن لا شبه له". (2)
وقوله عليه السلام "الحمد لله الذي منع الأوهام إن تنال إلى وجوده وحجب العقول أن تتخيل ذاته لامتناعها الشبه والتشاكل.
بل هو الذي لا تتفاوت ذاته ولا تتبعض بتجزئه العدد في كماله". (3)
الله هو الوجود الأكمل، لا بد وأن يكون ذاتا، ولا يصح أن يكون عقلا وفكرا محضاً دون ذات، وذات الله تعالى ليست مادة، إنه شيء لا كالأشياء ولا شبيه له سبحانه ولا نستطيع إدراك كنه تلك الذات والإحاطة بها، وذاته موجودة بوجود لا في حس ولا شعور فهو ليس مادة كثيفة ولا لطيفة وليس كمثله شيء ولم يكن له كفوءاً أحد الكبير المتعال.
(1) توحيد الصدوق ص 69 .
(2) التكامل في الإسلام، أحمد أمين، ج 2، ص90.
(3) تحف العقول، ص 92.
قال علي أمير المؤمنين عليه السلام "ليس له صفة تنال، ولا حد يضرب له فيه الأمثال، كل دون صفاته تجير الصفات، وضل هنالك تعاريف الصفات وحار في مكنونه عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، وحال دون غيبه المكنون حجاب من العيون وتاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول في لطيفات الدهور". (1)
قال الإمام الصادق عليه السلام "إنه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس لا تدركه الا وهام ولا تنقصه الدهور ولا يغيره الزمان". (2)
(1) بحار الأنوار، للمجلسي، ج 4.
(2) الإحتجاج للطبرسي ج 2، إحتجاج الصادق في شتى العلوم.
نسألكم الدعاء