اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين الأشراف
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة تامة بيّنت لنا جميع العلوم التي نحتاجها في مسيرتنا الى الله من خلال القرآن الكريم وجاء دور نبوة النبي الخاتم رسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين بالهداية العامة أي الشريعة كإراءة الطريق للجاهل ومن بعده الأئمة الأطهار لإطلاعنا على تفاصيل جميع ما نحتاجه لنصل الى الله بالهداية الخاصة أي الإيصال الى الهدف والغاية بالمرافقة ودون تخلّف أو انقطاع لتلك الهداية بالتدريب العملي لإن الإمامة امتداد النبوة.
كان الإمام علي بن أبي طالب في سورة الفاتحة مصداق "إهدنا الصراط المستقيم " أي أن الإمام علي هو الصراط فأهل البيت هم الوحيدون الذين يملكون معرفة الله الصحيحة المعصومة بالعصمة الكلية وهذا لا يندرج حتى للأنبياء " وعصى أدم ربه فغوى" "وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه" ويوسف " وأذكرني عند ربك " إذ أن العصمة ثابتة لهم ولكن لم يصلوا الى أعلى درجات العصمة وما عرّفه علماء الكلام بـ "ترك الأولى".
المعرفة الإنسانية
خلق الله سبحانه وتعالى هذا الإنسان ببعدين رئيسيين ، الأول هو البعد المادي فبهذا البعد يتصل بالعالم الخارجي ويؤدي تكليفه في الأرض ويكوّن للقلب قاعدة معلوماتية بواسطة الحواس الخارجية وهي الحواس الخمسة ثم يتم البناء والإعداد للبعد الثاني ألا وهو البعد الغيبي
وهنا أهمية الإنتباه الى مسألة مهمة جداً بهذه الجملة الشرطية " إن سلمت هذه الحواس الخارجية من المعاصي والذنوب سوف تكون مؤهلة للعمل مع البعد الثاني أي البعد الغيبي ولكن بمستوى غيبي يتناسب مع طبيعة البعد الثاني"
أو بعبارة أسهل ((أن هذه الحواس الخارجية لها بعد غيبي على مستوى البعد الثاني الغيبي ولكن لن تعمل في البعد الثاني الغيبي إلا إذا كانت الحواس الظاهرية في البعد الأول سليمة)) لأن فساد الظاهر يؤدي بشكل حتمي الى فساد الباطن !!! فانتبهوا.
1- حواس ظاهرية مثل السمع والبصر وما نعبّر عنه بالحواس الخمسة لتزويد القلب بالعلم من العالم الخارجي المحسوس المادي.
2- حواس باطنية وهي باطن الحواس الخارجية للتعرف على عالم الباطن فيكون مثلاً للبصر الخارجي بعد غيبي يسمى البصر الغيببي أو "البصيرة" ويوجد سمع غيبي وحاسة شم غيبية مثل حاسة الشم التي كانت لنبي الله "يعقوب" ((إني لأجد ريح يوسف)) وتلك الحواس الغيبية ليعرف بها الغيبيات التي هي بالعالم الغيبي مثل الحق ، النور ، الهداية ، قال تعالى بسورة يس ((فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ)) فكل ما نراه ظاهرا له بالواقع حقيقة غيبية إسمها ملكوت الشيء، وأهم عضو يتعامل مع تلك المغيبات "القلب".
وهنا أصبح الأمر جلياً واضحاً حتى نقدر أن نتعامل مع المغيبات يجب أن يكون القلب سليماً نظيفاًً وحتى يكون القلب سليماً نظيفاً يجب أن تكون الحواس الأولى التي تزود القلب بالمعلومات حواس نظيفة غير عاصية.
"جهاد النفس" يعمل على إزالة الحجب عن الحواس الباطنية فالتوجه إلى غير الله تعالى يحجب الإنسان بحجب "ظلمانية" وحجب "نورانية" وحجب أخرى:
a.الحجب الظلمانية : الأمور الدنيوية بأجمعها إذا ما تسببت في انشداد الإنسان إلى الدنيا وغفلته عن الله تبارك وتعالى، فإنها تبعث على الحجب "الظلمانية". فالإنسان الذي لم يبدد بعد حجب الظلم؛ الإنسان الذي ما تزال كل توجهاته إلى عالم الطبيعة ومنحرفاً عن الله ـ والعياذ بالله ـ ويجهل أساساً عما وراء الطبيعة والعالم الروحي ولن يفكر ـ في أي وقت بتهذيب نفسه والاستفادة من القوى الروحية والمعنوية الذاتية لإزالة ما ران على قلبه من ظلمة الذنوب.. إن إنساناً هذا شأنه هو في الحقيقة في أسفل سافلين، الذي هو أدنى حجب الظلام وأشدها: {ثم رددناه أسفل سافلين} روي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه واله: كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر، فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ فقال نعم وشر من ذلك كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف، فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك؟ قال: نعم، وشر من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا.في حين إن الله سبحانه خلق الإنسان في أسمى مرتبة ومقام: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}
b.الحجب النورانية عندما تكون الدنيا وسيلة التوجه إلى الله تعالى والوصول إلى دار الآخرة، التي هي "دار التشريف"، فإن حجب الظلام هذه تتبدل بحجب النور ، أي ضبط العلاقات الأربعة : (الله – النفس – الأسرة والمجتمع – النعم الكونية) وهي جعل النفس خاضعة لله أولاً فلا نربي أولادنا مثلاً من منطلق أنهم مملوكون لنا لرضا تلك النفس بل تربيتهم لله، وحب المال الذي هو من النعم الكونية كلها لله وطاعة الله والسعي للتعلم ليس لنفسه بل بما أنه وسيلة للوصول فكل خير يطلبه لنفسه عندئذ يصبح هدفاً بدلاً من أن يكون وسيلة يصبح حجاباً نورانياً. وحجب النور أنواع كثيرة منها هذه الأمثلة لتوضيح المطلب :
مثل التعلق بالمعنويات كولاية النفس والأنانية ،
• حب العبادة من أجل الحصول على الكرامات والرؤيا ،
• أو القيام بصلاة الليل من أجل الرزق وليست حباً لله،
• تعلّم العلم لمجرّد تجميع المعلومات وليس للتطبيق والعمل
ما هوالإيمان؟
الإيمان هو إنعقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح ، فبينما نجد أن البعض يقر دائما بأنه مؤمن بالله وكتبه ورسله ولكن نجد أن هذا الاقرار إقرار نظري دون تطبيق، أما المقام الغيبي للإيمان فهو ما يكون بالقلب ودل عليه القرآن (( إنما الأعمال بالنيات )). والجدير بالذكر أن أي خلل باي لإيمان فمقام القلب يؤدي الى خلل في مقام العمل
القلب أول مراتب الإيمان
العقيدة ومعها جهاد النفس كفيلان في إصلاحٌ القلب الذي هو أول مرتبة من مراتب الايمان فإذا تم إصلاح القلب يصلح ما ينتج من القلب من قول وعمل، " إن الله لا ينظر الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم" ، فمستوى الايمان مرتبط بمستوى النية , قال رسول الله صلى الله عليه وآله "نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله " لأن مثلا إذا نويت ان أتبرع لبناء مسجد ولكن ظروفي لم تسمح فإن الله يكتب لي صدقة جارية لأنه عالم بسري ونيتي أما الكافر فهو يعقد النية على مخالفة الله سبحانه وتعالى فهذه النية أقبح من العمل نفسه مثلا إحداهن تستمع الى الأغاني وقدمت لها إحدى صديقاتها نصيحة بأن تمتنع فتجيب بأنها لا تستطيع الحياة بدون أغاني فهي بذلك تجاهر بمعصية الله وتحديه وبذلك أصبح الذنب إثمه مضاعف من سماع ألاغاني بسبب الإستئناس بالمعصية.
لذلك نقول أن تحصيل الايمان يبدأ من المستوى الاول وهو القلب الذي هو مكان العبادة :
من هنا أهمية المحافظة على القلب (( إلا من اتى الله بقلب سليم )) أي أتى يوم القيامة بإيمان حقيقي وهذا هو دور العقيدة
خلاصة
أ- العقيدة تنتج معرفة الله والرسول أهل البيت عليهم السلام ومعرفة مقاماتهم الذين هم وسيلتنا الى الله فيرتفع بذلك القلب ارتفاعاً عالياً جداً ويرتفع مستوى العبادات وأجرها لأن " ركعتان يصليهما عالم خير من سبعين يصليها جاهل"
ب- وجهاد النفس يطهّر القلب من الخبائث حتى يظهر نور الله في القلب فتنكشف لنا الحقائق.
***********************
المصدر: موقع القائم - من دروس العقيدة - درس التوحيد الخالص