وَاهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالاِنْسِ مِنَ ألاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
الحسين(عليه السلام) عنوان وحدتنا
التعاطي والتفاعل الذي فاق حدود التصور الإنساني مع مافيه من تجدد واشتداد في التعلق والارتباط بالمبادئ والقيم والأفكار التي تضمنتها النهضة الحسينية وتبناها أحرار العالم رغم اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الطائفية والعرقية فضلا عن التفاوت في أوضاعهم الاجتماعية ومستوياتهم الثقافية لهو أمر يثير الدهشة والاستغراب ويطرح أكثر من سؤال , بل يستدعي وقفة طويلة تستنطق حقيقة هذه الثورة وما تحمل من خصوصيات استطاعت بها أن تكسر الحواجز وتتعالى على الزمان والمكان وتذيب الفوارق وتكسب القلوب وتوحد الجهود فكانوا يسترخصون كل شئ من اجل التأسي والاقتداء بهذه النهضة العظيمة وضرورة إقامة شعائرها. إن المسيرة الإنسانية وعلى امتداد تاريخها قد ازدانت بهذا التعلق والارتباط الحسيني الأمر الذي يؤكد إن المقومات الحقيقية التي حملتها هذه الثورة التي أججت النفوس وألهبت القلوب وجمعت بين المتضادات ,فمن العبد الأسود (جون) إلى سيد العشيرة(حبيب بن مظاهر) , ومن أعداء الأمس(زهير بن لقين والحر ألرياحي) إلى من رافق النهضة في بدايتها لا يمكن أن يطالها عقل أو يستظهرها حكيم , لان عمقها وجذورها الممتدة في الأنفس يكمن سرها , فهي كقائدها (عليه السلام) حية متجددة كلما تقادم الزمان أو حوربت وجوبهت ازدادت تأصلا ورسوخا في أنفس محبيها ومريديها وما المظاهر الحسينية التي نعيشها إلا صور ناطقة لتلك الملحمة العظيمة. لقد أصبحت القضية الحسينية قضية عالمية , بعد انطلاقها من قمقم الكبت والحصار الذي فرضه النظام ألصدامي عدو الإنسانية والدين على الشعائر الحسينية باعتبارها عنوانا لرفض الظلم ومعين لاستلهام العبر , ومنبر لتلقين القيم الثورية , وهذا ما يخشاه حملة الثقافة الطاغوتية والاستبداد في كل زمان ومكان...فبعد الانهيار المريع لقلاع الظلم ألصدامي أتيحت للجماهير المليونية في داخل العراق وخارجه أن تعبر عن ولائها الواسع لسيد الشهداء من خلال زحفها المتواصل نحو قبته الشريفة في كربلاء , في أجواء مفعمة بالحزن واللوعة .. وهي تعايش بوجدانها حومة ألطف الرهيبة.. وترى بعيون قلوبها مصرع السبط الشهيد واله الأطهار وصحبه الميامين , في ملحمة ثورة تميزت بفرادة فصولها الدامية.وقد تكرر هذا المشهد طيلة الأعوام التي أعقبت سقوط النظام السابق, وتحولت إلى مظاهرة تمكنت من وجدان الناس ومشاعرهم, ما ينبئ باتساع رقعة المشاركة في المستقبل بنسبة اكبر ويمكن للمتابع أن يسجل بإزاء هذا الحدث ..جملة ملاحظات واستنتاجات..وهي:-
أولا:-إن الحسين (عليه السلام) عنوان وحدة الأمة , فكل العناوين والخصوصيات الحريصة على إثبات ذاتها في الساحة الإسلامية ليس أمامها إلا أن تنكس أعلامها بإزاء راية الحسين الحمراء وتتحرك بحركة جماعية على إيقاعات ترنيمة الحزن الأبدية , وتعمد نفسها بمراسيم الذوبان في بحر الحسين, ولعل في ذلك وجه من أوجه رحمة الله الواسعة التي حرص الخطباء على مخاطبة سيد الشهداء بها.
ثانيا:-إن الحسين محيي الشريعة بشهادته فهو شهيد من اجل القران وهو عدله الأصغر.. بل هو القران الناطق .. وإذا ما كان القران الكريم كتاب هداية , فيه تبيان لكل شئ فالإمام الحسين.. إمام هداية .. ومن اجل إصلاح كل شئ.
(ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا , إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر).
والنظام الأموي السياسي القائم آنذاك هو أس المنكر ومنطلقه.. لذا كانت ثورة الإمام لإصلاح الواقع السياسي حيث كان يدعو لنصرة المظلوم والثورة على الظالم..فلا فصل بين الدين الذي ضحى الحسين(عليه السلام) من اجله وبين سياسة الأمة التي يجب أن لا يتولى زمامها الفاسقون كيزيد واضرابه لذا فان إشاعة الحس الديني أمر مطلوب وكذلك إشاعة الوعي الديني أمر مطلوب أيضا.
ثالثا:-إن تعلق الأمة بالإمام الحسين في هذا الزمن الملئ بالمصاعب الجمة المشبع بالانحراف الحافل بصور الظلم ليدل على إن هذا النهج الحسيني قد أمسى خيار الأمة ومنهجها وهو خيار تهفو أفئدة الناس إليه.. قادر على استقطاب أحرار العالم .. وان يكون خيار الشعوب المظلومة .. فيتوجب على القيمين على شؤون الأمة عقد المؤتمرات وتكثيف اللقاءات من اجل رفع الإعلام الحسيني إلى مستواه المطلوب على مستوى التنظير والممارسة وعلى مستوى الخطابة والتبليغ والية تجسيد المأساة وإحياء مشاهد ألطف الأليمة بحساب تبديل الزمان وتغيير الثقافات إذ إن الإسلام قد عاد غريبا ولا بد للغريب من استخدام انسب الوسائل في التأثير في المجتمعات الحديثة لكي لا تستنكره مع إيماننا بقوة العقيدة وسموها ورفعتها وواقعيتها.. وتبقى الوسيلة الانجح هو ما تستلزمه وتحتاجه..
رابعا:- إن القضية الحسينية كما وصفها الكاتب المصري المشهور عباس محمود العقاد( وقفة الحسين في كربلاء ساعة لن ينساها الدهر حتى قيام الساعة).
فهي حاجة مستقبلية لايستغني عنها حملة راية الحق في صراعهم الأبدي مع رايات الباطل.. ولذا فهي مدرسة عالمية تتفرد بطرح الإسلام الأصيل غير المساوم والعصي على الهضم في وقت سقطت فيه رايات ادعت نصرتها للحق ودفاعها عن المظلومين ذلك لأنها ترتبط بالنفس البشري القصير.. فيما إن مدد الإسلام الأصيل يرتبط ببحر المطلق اللامتناهي ويتصل بأمر الله تعالى في ظهور حجته على الخلق الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
والقضية الحسينية ميدان لتكامل النفس الإنسانية ورقيها وتأهيلها للظفر بنصرة إمام العصر..ولذا يجب إيجاد التلاقح والمزاوجة ما بين الأجواء العاطفية التي يخلقها التفاعل مع المأساة مع البعد العقلي الذي يتناول أهدافها وبعدها الزمني الذي وجدت من اجله وعلى هذا الأمر يستحق الاهتمام بارتقائها من خلال توظيف حقائق التاريخ والأدب والفن وتشذيبها مما علق من نسج الذهنية الشعبية غير الخاضعة للدرس والتمحيص.
خامسا:-إن مسيرتنا الكفاحية مدينة لنهج أبي عبدا لله الحسين (عليه السلام) الذي أريقت دمائه في سبيل الله تعالى وعلى امتداد خطه إضافة إلى إننا استلهمنا مواقفنا وثباتنا من مواقفه وثباته .. ولذا فان مسيرتنا الحاضرة غير منفكة عن هذا النهج المقدس.. ولو لا تمكن أنصار أبي عبدا لله الحسين من مسك زمام الأمور في أكثر من ناحية من العالم لما كانت هذه المسيرات المليونية ولما كان هذا الحشد الواعي .
لذا فيتوجب الإيمان بحقيقة بنوتنا لهذه المدرسة الشريفة .. ويجب أن نستمر بالعطاء جهد ما نتمكن في خدمة هذا الطريق الحسيني المقدس. الكاتب.وليد المشرفاوي