بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
حروف من نور يرسمها القلم العرفاني، ليخاطب الوجدان فيبصر القلب معدن النور في زمن التيه. هي كلمات كانت كخاطرة لمخاطب تحمل عنوان: "أيها العزيز" - الذي يختزن في طيّاته كلّ معاني الودّ والحنان، من أبٍ عارف سلك طريق الحياة. أنها لوحة خطتها ريشة الإمام الخميني قدس سره في كتابه (الأربعون حديثاً). وقد اخترناها لتكون سلوة للقارئ إذا حنّ إلى بارئه.
في الهجرة الحق
يا أخي...اْعزم على الهجرة إلى الحقّ تعالى، واْجعل ظاهرك ظاهراً إنسانياً، واْدخل في سلك أرباب الشرائع، واْطلب من الله تعالى في الخلوات العون على بلوغ هذا الهدف واْستشفع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام حتى يوفّقك الله على ذلك، ويعصمك من المزالق التي تعترضك، لأن هناك مزالق كثيرة تعترض الإنسان أيام حياته، ومن الممكن أنه في لحظة واحدة يسقط في مزلق مهلك، ويعجز من السعي لإنقاذ نفسه، بل قد لا يهتم بإنقاذ نفسه، بل ربما لا تشمله حتى شفاعة الشافعين.
في العزم على ترك الحرام
أيها العزيز.....!
إجتهد لتصبح ذا عزم وإرادة، فإنك إذا رحلت من هذه الدنيا دون أن يتحقق فيك العزم (على ترك المحرمات) فأنت إنسان صوريّ، بلا لبّ، ولن تحشر في ذلك العالم (عالم الآخرة) على هيئة إنسان، لأن ذلك العالم هو محلّ كشف الباطن وظهور السريرة، وإن التجرّؤ على المعاصي يُفقد الإنسان تدريجياً العزم، ويُختطف منه هذا الجوهر الشريف.
في مجاهدة النفس
أيها العزيز.....! كن ذاكراً لعظمة ربك، وتذكّر نعمه وألطافه، وتذكر أنك في حضرته ـ وهو شاهد عليك ـ فدع التمرّد عليه، وفي هذه المعركة الكبرى تغلّب على جنود الشيطان، واْجعل من مملكتك مملكة رحمانية وحقانية، واْحلل فيها عسكر الحق تعالى محل جنود الشيطان، كي يوفقك الله تبارك وتعالى في مقام مجاهدة أخرى، وفي ميدان معركة أكبر تنتظرنا وهي الجهاد مع النفس في العالم الباطن، وأكرر التذكير بأنه في جميع الأحوال لا تعلّق على نفسك الآمال، لأنه لا ينهض أحد يعمل لغير الله تعالى. فاطلب من الحق تعالى نفسه بتضرع وخشوع، كي يعينك في هذه المجاهدة لعلك تنتصر. إنه ولي التوفيق.
في الاستعانة بالله
أيها العزيز...! فكِّر، واْبحث عن العلاج، واْعثر على سبيل نجاتك ووسيلة خلاصك، واْستعن بالله أرحم الراحمين، واطلب من الذات المقدس في الليالي المظلمة، بتضرّعٍ وخضوع أن يعينك في هذا الجّهاد المقدّس مع النفس، لكي تتغلّب إن شاء الله، وتجعل مملكة وجودك رحمانية، وتطرد منها جنود الشيطان، وتسلّم الدار إلى صاحبها حتى يفيض الله عليك السعادة والبهجة والرحمة التي يهون جانبها كلّ ما سمعت عن وصف الجنة والحور والقصور وتلك هي السلطة الإلِّهية العامة التي أخبر عنها أولياء الله من هذه الأمة الحنيفة، مما لم يطرق سمع أحد ولم يخطر على قلب بشر.
في الجد والنشاط
أيها العزيز...! إفتح سمع قلبك، وشدّ حزام الهمّة على وسطك، واْرحم حال مسكنتك، لعلك تستطيع أن تجعل من نفسك إنساناً، وأن تخرج من هذا العالم في صورة إنسان، لتكون عندها من أهل الفلاح والسعادة وحذار من أن تتصوّر أن كل ما تقوم هو موعظة وخطابة. فهذا كله هو نتيجة أدلّة فلسفية توصّل إليها الحكماء العظام. وثمرة كشف، انكشف لأصحاب الرياضات، وحصيلة أخبار مأثورة، إخبار عن الصادقين والمعصومين عليهم السلام.
في النصرة على الشيطان
أيها العزيز...! إستعن بالله تبارك وتعالى في كل آن ولحظة، واْستغث بحضرة معبودك، واطلب منه بعجز وإلحاح. قائلاً: " أللهم... إن الشيطان عدو عظيم، كان له ولا يزال طمعٌ بأنبيائك وأوليائك العظام. اللهم... فأعني وأنا عبدك الضعيف المبتلى بالأوهام الباطلة والخيالات والخرافات العاطلة، كي أستطيع أن أجابه هذا العدو القوي. اللهم... وساعدني في ساحة المعركة مع هذا العدو القوي الذي يهدد سعادتي وإنسانيتي، لكي أستطيع أن أطرد جنوده من المملكة العائدة لك، وأقطع يد هذا الغاضب من البيت المختصّ بك".
في اغتنام الفرصة
أيها العزيز...! انهض من نومك، وتنبّه من غفلتك، واْشدد حيازيم الهمة، واْغتنم الفرصة ما دام هناك مجال، وما دام في العمر بقية، وما دامت قواك تحت تصرفك، وشبابك موجوداً، ولم تتغلب عليك ـ بعد ـ الأخلاق الفاسدة، ولم تتأصّل فيك الملكات الرذيلة، فاْبحث عن العلاج، واْعثر على الدواء لإزالة تلك الأخلاق الفاسدة والقبيحة، وتلمّس سبيلاً لإطفاء نائرة الشهوة والغضب....
في المحبوب الحقيقي
أيها العزيز...! من أجل خيال باطل ومحبوبية بسيطة في أعين العباد الضعاف، ومن أجل جذب قلوب الناس المساكين، لا تعرّض نفسك للغضب الإلهي، ولا تبع ذلك الحب الإلهي وتلك الكرامات غير المحدودة، وتلك الألطاف والعنايات الربانية، لا تبعها بمحبة بسيطة عند مخلوق ليس له أثر، ولا تكسب منه أيّة ثمرة سوى الندامة والحسرة، عندما تقصر يداك عن هذا العالم ـ وهو عالم الكسب ـ، وعندما ينقطع عملك، وليس للندم حينئذ نتيجة ولا للإنابة من فائدة.
الكتاب: أيّها العزيز
نشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
إعداد : مركز نون للتأليف والترجمة
الطبعة: الأولى، حزيران، 2007م-1428هـ