ضرورة معرفة النفاق
أهمية معرفة العدو
من أهم الواجبات الملقاة على عاتق المؤمنين خصوصاً في النظام الإسلامي، هي معرفة العدو. وممّا لا شكّ فيه، ومن أجل استقرار النظام الإسلامي وتثبيت دعائمه فإنّه يجب معرفة الأعداء في الداخل والخارج، والتعرف على وسائلهم التي يستخدمونها في هجومهم، فبدون التعرّف على مكائد وحيل الإعداء، فإنّ الجهاد ضدهم سوف لا يؤدّي إلى ردعهم وإخماد أنفاسهم.
و من الممكن جداً، أن يسبّب عدم توفّر الوعي الكافي في معرفة العدو إلى الاحتماء بالعدو من أجل التخلّص من العدو.
يعتبر الإمام الصادق× الوعي، والبصيرة شرطا أساسياً لأي إقدام، فيقول:
{ العامِلُ عَلى غَيرِ بَصيرةٍ كَالسّائرِ عَلى غَيرِ الطّريقِ، وَلا يَزيدُه سُرعةُ السَّيرِ إلاّ بُعداً}([1]).
مع التوجه إلى هذه الضرورة، فإنّه ثمّة أكثر من ألف وخمسمائة آية من آيات القرآن الكريم تدور حول معرفة العدو، وفي هذه الآيات يعرّف الباري تعالى المسلمين على صنوف أعداء المؤمنين والنظام الإسلامي من الإنس والجان، كما يعرّفهم بوسائل الأعداء وأساليبهم، فضلاًً عن تعليمه المسلمين لطرق مواجهتهم.
وإنّه ليؤكد على المسلمين بلزوم الابتعاد عنهم والتبرّي منهم بقوله تعالی: {يا أيّها الّذينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذوا عَدُوّي وعَدُوَّكُم أولياءَ}([2])
وطبقاً لآيات القرآن فإنّ أعداء المؤمنين يُقسَّمون إلى أربع مجاميع:
المجموعة الاُولی: الشيطان وشجرته وأعوانه:
قال تعالی: {إنّ الشّيطان عدوٌّ لَكُم فَاتَّخِذوهُ عَدُوّاً }([3])
ففي بعض الآيات يعبّر الله سبحانه وتعالى عن العداء والحقد الواضحين للشيطان تجاه الناس لا سيما المؤمنين {العدو المبين} ([4]) ونتيجةً لخطورة أساليب حِيَل الشيطان المؤدّية إلى انحراف الناس، فإنّ الله تعالى أراد من المؤمنين أن لا يقتفوا خطوات الشيطان کما في قوله تعالی:
{يا أيّها الّذينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيطانِ}([5])
ثاني مجموعة: الأعداء من الكفار فإنّهم يعدُّون ومن وجهة نظر القرآن الكريم أعداءً حيث قال:
{إنَّ الكافِرينَ كانُوا لَكُم عَدُوّاً مُبيناً }([6])
المجموعة الثالثة: الأعداء، من بعض أهل الكتاب وعلى الخصوص اليهود، ويعتبر القرآن ـ وكما يشهد على ذلك تاريخ صدر الإسلام وإلى اليوم ـ أنّ أعدى أعداء الإسلام والمسلمين وأشدّهم عناداً هم اليهود، كما ينهى عن إقامة علاقات الصداقة معهم فقال تعالی:
{ لَتَجِدَنَّ أشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذينَ آمَنُوا اليَهُودَ }([7])
المجموعة الرابعة: هم المنافقون، فإنّ القرآن الكريم اهتمّ بتعريف ملامح المنافقين وخصوصياتهم، والذين يعدّون من أخطر الأعداء. كما أنّه عمد في أكثر من ثلاثمائة آية إلى إفشاء أحابيل المنافقين وبيان طرق مجابهتهم.
لقد جاء ذكر هذه الآيات في ثلاث عشرة سورة، وستكون المحور الأساس في هذا البحث الذي يدور حول تعريف النفاق من وجهة نظر القرآن الکريم، مع أنّ هناکَ روايات وردت عن أهل البيتً^ هي أيضاً كان لها ـ وبفعل تناسبها مع الأبحاث ـ أن تُضفي زينةً على الكتاب.
النفاق والمنافقون في القرآن الكريم يوجد في القرآن المجيد تأكيد كثير حول معرفة خصوصيات المنافقين المغايرة لخصائص سائر الكفّار ؛ وذلك بسبب وقوف الكفّار في الصف المقابل للمؤمنين وبشكلٍ واضحٍ، وعلنيٍ يفصحون عن عدائهم. أمّا المنافقون، فإنّهم يتلبسون بثياب الصديق، ويندسون في صفوف المؤمنين. ومن هذه الناحية، فإنّهم يوجّهون ضرباتٍ شديدةً إلى الإسلام والمسلمين.
إنّ سلوك المنافقين المُعضِل والخفي في المجتمع من جانب، وتظاهرهم الديني المباشر من جانب آخر يؤدي إلى معرفة ما يلي:
أولاً: المعرفة الواعية الخاصة لأساليبهم الخفية.
ثانياً: أنّ خطورتهم أشدّ من خطورة الكفّار والأعداء العلنيين بمرات.
يقول الإمام عليّ×: «كُن لِلعَدُوِّ المُكاتِم أشَدُّ حَذَراً مِنك لِلعَدُوِّ المُبارِز»([8])
ويقول الشهيد الشيخ المطهّري(رحمةالله) بشأن ما يتعلق بصعوبة وأهمية التعرّف على خطر النفاق في المجتمع:
«لا أتصور أنه ومن هذا الجانب ثمة تردد في أنّ خطر النفاق هو أكثر جداً من خطر الكفر وأبلغ، لأنّ النفاق هو ذلك الكفر الخفي ؛ ولكنّه كفرٌ يختفي تحت ستار، وحتى ذلك الوقت الذي يقدّر فيه أن يتكشّف الستار، وتظهر فيها تلك الصورة الكريهة والقبيحة، فكم من الناس سيكونون قد وقعوا ضحيةً للاحتيال والتضليل.
لماذا كان وضع التقدم لدى أمير المؤمنين× يختلف عنه عند الرسول الأكرم’؟! من وجهة نظرنا نحن الشيعة، ليس ثمة فرق بين عليٍّ وتقنياته وبين الرسول م’، ولكن كيف للرسول وبهذه السرعة أن يتقدم ويهزم الأعداء الواحد تلو الآخر، غير أنّ علياً× عندما يواجه أعداءه، يقاسي المحنة والعذاب؟ فما هذا بتقدم بالنسبة له، وفي كثير من الأوقات كان يتعرض للهزيمة من قبل الأعداء، فلماذا؟ لأن الرسول كان يقاتل اُناساً هم كافرون، ولكن علياً× هو ومنذ البداية كان ندّاًً للمنافقين»([9])
ويستفاد من الآية 110 من سورة التوبة، أنّه وفي بعض الأحيان لشدّة ما تكون صورة النفاق معقدة، فإنّ الرسول^ أيضاً، لا يستطيع التعرف اليهم بواسطة العلم العادي، فيُعرِّف الله تعالى أعضاء هذه المجموعة إلى الرسول الأكرم’ بقوله تعالی:
{ومِمَّن حَولَكُم مِنَ الأعرابِ مُنافِقون وَمِن أهلِ المَدينةِ مَرَدُوا عَلى النِّفاقِ لاَ تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم سَنُعَذِّبَهُم مَرَّتَين ثُمَّ يُرَدُّونَ اِلى عَذابٍ عَظيمٍ} ([10])
وفيما يتعلق بخطر النفاق على المجتمع الإسلامي يقول الإمام عليّ في نهج البلاغة حاکياً عن الرسول الأكرم’:
«و لقد قال لي رَسُولُ الله’: إنِّي لا أخافُ عَلى اُمَّتي مُؤمِناً وَلا مُشرِكاً، أمّا المُؤمِنُ فَيَمنَعُهُ اللهُ بإيمانِهِ، وَأمّا المُشرِكُ فَيَقمَعُهُ اللهُ بِشِركِهِ، وَلكِنِّي أخافُ عَلَيكُم كُلَّ مُنافِق الجَنانِِ عَالِم اللِّسانِ، فَيقُولُ مَا تَعرِفُونَ وَيَفعَلُ مَا تُنكِرُونَ» ([11])
وعلى أساس صورة النفاق هذه، فإنّ معضلات السنوات الخَمس، في زمان حكومة الإمام عليٍّ، أيام حربه مع الأعداء، كانت أكبر بكثير من المعضلات التي عانى منها الرسول الله’.
كان رسول الإسلام يحارب اُناساً شعارهم (يحيا الصَنمَ). أما الإمام عليّ فكان عليه أن يحارب اُناساً من أصحاب الجباه السود.
لقد حارب الإمام عليّ قوماً كان صوت تلاوتهم الحزين للقرآن في منتصف الليالي، ليفعل فعله حتى في كُميل أيضاً!([12])
ولقد قاتل اُناساً كانوا قد سلّوا سيوفهم عليه استناداً إلى القرآن الکريم.([13])
كانوا أشخاصاً يتمتعون بماضٍ في الحرب والجهاد في سبيل الله، حتى كانوا قد بلغوا مبلغاً من التفاخر بالتعرض للإصابة في هذا المسلك، لكنهم وضعوا طلب الدنيا في مواجهة الحقّ.
فالرّسول الأكرم هو الذي أطلق على الزبير اسم (سيف الإسلام). وكان طلحة المعوّق في حرب اُحد.
إنَّ التعامل مع هذه الوقائع ليَتطلّب وعياً علوياً. والمثير هنا هو أنَّ الإمام عليٍّ× كان يعدّ الوعي بقتال هؤلاء جزءاً من مفاخره، فيصرّح:
«أيُّها النّاسُ إنّي فَقَأتُ عَينَ الفِتنَةَ، وَلَم يَكُن لِيَجتَرِئَ عَليهَا أحَدٌ غَيرِي». ([14])
يأمر القرآن بأن: خذوا الاستعداد اللازم لأجل إخافة أعدائكم المكشوفين والمتسترين، لكي تصبح قدرتكم مانعاً يحجمهم عن الاعتداء.
{وَأعِّدُوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرينَ مِن دُونِهِم لاَ تَعلَمُونَهُم اللهُ يَعلَمُهُم}([15])
يُستفاد من هذه الآية أنَّ الاستعداد اللازم واكتساب القدرة في النظام الإسلامي، هما الوسيلتان الوحيدتان لدفع طائلة العدوان، وليس هما عاملين من عوامل الإعتداء.
والمنافقون هم من جملة الأشخاص الذين يکون ديدنهم على الدوام ممارسة العدوان ضد النظام والكيان الإسلاميين والتعرض لهما، والتصدي للاستعدادات العسكرية وللرؤية الكافية للشعب، إذ لا يفتؤون إعادة الكرة من أجل إقصائهم عن هذه الرؤية الشاملة.
يلزم التذكير بأنَّ الاستعداد لا ينحصر بالنطاق العسكري. رغم أنَّه واحد من مصاديق إعداد القوة الواضحة، أمّا الإعداد لرؤية ووعي كافيين في معرفة العدو، وخصوصياته، ومعداته المستخدمة في الهجوم فهو من أهم ركائز الاستعداد لمواجهة الإعداء.
وانطلاقاً من كون المنافقين يُعدَّون من أخطر الأعداء، فإنَّ معرفة النفاق وخصوصيات المنافقين هي واحدة من الضرورات التي يجب أن تحظى وعلى الدوام باهتمام فکر وذهن المسلمين، كما أنّ الغفلة عن هؤلاء الأعداء ذوي الألف وجه والذين يعبدون الله علی حرفٍ، بإمكانه أن يتسبب في إحداث أضرار فعلية تطا ل النظام الإسلامي والمسلمين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]. اصول الكافي:1 / 43.
[2]. الممتحنة: 1.
[3]. فاطر: 6.
[4]. کما في سورة الانعام: 142، الاعراف: 22، يوسف: 5، يس: 60، الزخرف: 62 و... إلخ
[5]. النور: 21.
[6]. النساء: 101.
[7]. المائدة: 82.
[8]. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج20: 311.
[9]. قضية النّفاق، نقلاً عن النفاق اُمّ الكفر الخفي: 52.
[10]. التوبة: 101.
[11]. نهج البلاغة: الكتاب 27.
[12]. بحار الانوار: 3 / 399.
[13]. سفينة البحار: 1 / 380.
[14]. نهج البلاغة: الخطبة 93.
[15]. الأنفال: 60.
أهمية معرفة العدو
من أهم الواجبات الملقاة على عاتق المؤمنين خصوصاً في النظام الإسلامي، هي معرفة العدو. وممّا لا شكّ فيه، ومن أجل استقرار النظام الإسلامي وتثبيت دعائمه فإنّه يجب معرفة الأعداء في الداخل والخارج، والتعرف على وسائلهم التي يستخدمونها في هجومهم، فبدون التعرّف على مكائد وحيل الإعداء، فإنّ الجهاد ضدهم سوف لا يؤدّي إلى ردعهم وإخماد أنفاسهم.
و من الممكن جداً، أن يسبّب عدم توفّر الوعي الكافي في معرفة العدو إلى الاحتماء بالعدو من أجل التخلّص من العدو.
يعتبر الإمام الصادق× الوعي، والبصيرة شرطا أساسياً لأي إقدام، فيقول:
{ العامِلُ عَلى غَيرِ بَصيرةٍ كَالسّائرِ عَلى غَيرِ الطّريقِ، وَلا يَزيدُه سُرعةُ السَّيرِ إلاّ بُعداً}([1]).
مع التوجه إلى هذه الضرورة، فإنّه ثمّة أكثر من ألف وخمسمائة آية من آيات القرآن الكريم تدور حول معرفة العدو، وفي هذه الآيات يعرّف الباري تعالى المسلمين على صنوف أعداء المؤمنين والنظام الإسلامي من الإنس والجان، كما يعرّفهم بوسائل الأعداء وأساليبهم، فضلاًً عن تعليمه المسلمين لطرق مواجهتهم.
وإنّه ليؤكد على المسلمين بلزوم الابتعاد عنهم والتبرّي منهم بقوله تعالی: {يا أيّها الّذينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذوا عَدُوّي وعَدُوَّكُم أولياءَ}([2])
وطبقاً لآيات القرآن فإنّ أعداء المؤمنين يُقسَّمون إلى أربع مجاميع:
المجموعة الاُولی: الشيطان وشجرته وأعوانه:
قال تعالی: {إنّ الشّيطان عدوٌّ لَكُم فَاتَّخِذوهُ عَدُوّاً }([3])
ففي بعض الآيات يعبّر الله سبحانه وتعالى عن العداء والحقد الواضحين للشيطان تجاه الناس لا سيما المؤمنين {العدو المبين} ([4]) ونتيجةً لخطورة أساليب حِيَل الشيطان المؤدّية إلى انحراف الناس، فإنّ الله تعالى أراد من المؤمنين أن لا يقتفوا خطوات الشيطان کما في قوله تعالی:
{يا أيّها الّذينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيطانِ}([5])
ثاني مجموعة: الأعداء من الكفار فإنّهم يعدُّون ومن وجهة نظر القرآن الكريم أعداءً حيث قال:
{إنَّ الكافِرينَ كانُوا لَكُم عَدُوّاً مُبيناً }([6])
المجموعة الثالثة: الأعداء، من بعض أهل الكتاب وعلى الخصوص اليهود، ويعتبر القرآن ـ وكما يشهد على ذلك تاريخ صدر الإسلام وإلى اليوم ـ أنّ أعدى أعداء الإسلام والمسلمين وأشدّهم عناداً هم اليهود، كما ينهى عن إقامة علاقات الصداقة معهم فقال تعالی:
{ لَتَجِدَنَّ أشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذينَ آمَنُوا اليَهُودَ }([7])
المجموعة الرابعة: هم المنافقون، فإنّ القرآن الكريم اهتمّ بتعريف ملامح المنافقين وخصوصياتهم، والذين يعدّون من أخطر الأعداء. كما أنّه عمد في أكثر من ثلاثمائة آية إلى إفشاء أحابيل المنافقين وبيان طرق مجابهتهم.
لقد جاء ذكر هذه الآيات في ثلاث عشرة سورة، وستكون المحور الأساس في هذا البحث الذي يدور حول تعريف النفاق من وجهة نظر القرآن الکريم، مع أنّ هناکَ روايات وردت عن أهل البيتً^ هي أيضاً كان لها ـ وبفعل تناسبها مع الأبحاث ـ أن تُضفي زينةً على الكتاب.
النفاق والمنافقون في القرآن الكريم يوجد في القرآن المجيد تأكيد كثير حول معرفة خصوصيات المنافقين المغايرة لخصائص سائر الكفّار ؛ وذلك بسبب وقوف الكفّار في الصف المقابل للمؤمنين وبشكلٍ واضحٍ، وعلنيٍ يفصحون عن عدائهم. أمّا المنافقون، فإنّهم يتلبسون بثياب الصديق، ويندسون في صفوف المؤمنين. ومن هذه الناحية، فإنّهم يوجّهون ضرباتٍ شديدةً إلى الإسلام والمسلمين.
إنّ سلوك المنافقين المُعضِل والخفي في المجتمع من جانب، وتظاهرهم الديني المباشر من جانب آخر يؤدي إلى معرفة ما يلي:
أولاً: المعرفة الواعية الخاصة لأساليبهم الخفية.
ثانياً: أنّ خطورتهم أشدّ من خطورة الكفّار والأعداء العلنيين بمرات.
يقول الإمام عليّ×: «كُن لِلعَدُوِّ المُكاتِم أشَدُّ حَذَراً مِنك لِلعَدُوِّ المُبارِز»([8])
ويقول الشهيد الشيخ المطهّري(رحمةالله) بشأن ما يتعلق بصعوبة وأهمية التعرّف على خطر النفاق في المجتمع:
«لا أتصور أنه ومن هذا الجانب ثمة تردد في أنّ خطر النفاق هو أكثر جداً من خطر الكفر وأبلغ، لأنّ النفاق هو ذلك الكفر الخفي ؛ ولكنّه كفرٌ يختفي تحت ستار، وحتى ذلك الوقت الذي يقدّر فيه أن يتكشّف الستار، وتظهر فيها تلك الصورة الكريهة والقبيحة، فكم من الناس سيكونون قد وقعوا ضحيةً للاحتيال والتضليل.
لماذا كان وضع التقدم لدى أمير المؤمنين× يختلف عنه عند الرسول الأكرم’؟! من وجهة نظرنا نحن الشيعة، ليس ثمة فرق بين عليٍّ وتقنياته وبين الرسول م’، ولكن كيف للرسول وبهذه السرعة أن يتقدم ويهزم الأعداء الواحد تلو الآخر، غير أنّ علياً× عندما يواجه أعداءه، يقاسي المحنة والعذاب؟ فما هذا بتقدم بالنسبة له، وفي كثير من الأوقات كان يتعرض للهزيمة من قبل الأعداء، فلماذا؟ لأن الرسول كان يقاتل اُناساً هم كافرون، ولكن علياً× هو ومنذ البداية كان ندّاًً للمنافقين»([9])
ويستفاد من الآية 110 من سورة التوبة، أنّه وفي بعض الأحيان لشدّة ما تكون صورة النفاق معقدة، فإنّ الرسول^ أيضاً، لا يستطيع التعرف اليهم بواسطة العلم العادي، فيُعرِّف الله تعالى أعضاء هذه المجموعة إلى الرسول الأكرم’ بقوله تعالی:
{ومِمَّن حَولَكُم مِنَ الأعرابِ مُنافِقون وَمِن أهلِ المَدينةِ مَرَدُوا عَلى النِّفاقِ لاَ تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم سَنُعَذِّبَهُم مَرَّتَين ثُمَّ يُرَدُّونَ اِلى عَذابٍ عَظيمٍ} ([10])
وفيما يتعلق بخطر النفاق على المجتمع الإسلامي يقول الإمام عليّ في نهج البلاغة حاکياً عن الرسول الأكرم’:
«و لقد قال لي رَسُولُ الله’: إنِّي لا أخافُ عَلى اُمَّتي مُؤمِناً وَلا مُشرِكاً، أمّا المُؤمِنُ فَيَمنَعُهُ اللهُ بإيمانِهِ، وَأمّا المُشرِكُ فَيَقمَعُهُ اللهُ بِشِركِهِ، وَلكِنِّي أخافُ عَلَيكُم كُلَّ مُنافِق الجَنانِِ عَالِم اللِّسانِ، فَيقُولُ مَا تَعرِفُونَ وَيَفعَلُ مَا تُنكِرُونَ» ([11])
وعلى أساس صورة النفاق هذه، فإنّ معضلات السنوات الخَمس، في زمان حكومة الإمام عليٍّ، أيام حربه مع الأعداء، كانت أكبر بكثير من المعضلات التي عانى منها الرسول الله’.
كان رسول الإسلام يحارب اُناساً شعارهم (يحيا الصَنمَ). أما الإمام عليّ فكان عليه أن يحارب اُناساً من أصحاب الجباه السود.
لقد حارب الإمام عليّ قوماً كان صوت تلاوتهم الحزين للقرآن في منتصف الليالي، ليفعل فعله حتى في كُميل أيضاً!([12])
ولقد قاتل اُناساً كانوا قد سلّوا سيوفهم عليه استناداً إلى القرآن الکريم.([13])
كانوا أشخاصاً يتمتعون بماضٍ في الحرب والجهاد في سبيل الله، حتى كانوا قد بلغوا مبلغاً من التفاخر بالتعرض للإصابة في هذا المسلك، لكنهم وضعوا طلب الدنيا في مواجهة الحقّ.
فالرّسول الأكرم هو الذي أطلق على الزبير اسم (سيف الإسلام). وكان طلحة المعوّق في حرب اُحد.
إنَّ التعامل مع هذه الوقائع ليَتطلّب وعياً علوياً. والمثير هنا هو أنَّ الإمام عليٍّ× كان يعدّ الوعي بقتال هؤلاء جزءاً من مفاخره، فيصرّح:
«أيُّها النّاسُ إنّي فَقَأتُ عَينَ الفِتنَةَ، وَلَم يَكُن لِيَجتَرِئَ عَليهَا أحَدٌ غَيرِي». ([14])
يأمر القرآن بأن: خذوا الاستعداد اللازم لأجل إخافة أعدائكم المكشوفين والمتسترين، لكي تصبح قدرتكم مانعاً يحجمهم عن الاعتداء.
{وَأعِّدُوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرينَ مِن دُونِهِم لاَ تَعلَمُونَهُم اللهُ يَعلَمُهُم}([15])
يُستفاد من هذه الآية أنَّ الاستعداد اللازم واكتساب القدرة في النظام الإسلامي، هما الوسيلتان الوحيدتان لدفع طائلة العدوان، وليس هما عاملين من عوامل الإعتداء.
والمنافقون هم من جملة الأشخاص الذين يکون ديدنهم على الدوام ممارسة العدوان ضد النظام والكيان الإسلاميين والتعرض لهما، والتصدي للاستعدادات العسكرية وللرؤية الكافية للشعب، إذ لا يفتؤون إعادة الكرة من أجل إقصائهم عن هذه الرؤية الشاملة.
يلزم التذكير بأنَّ الاستعداد لا ينحصر بالنطاق العسكري. رغم أنَّه واحد من مصاديق إعداد القوة الواضحة، أمّا الإعداد لرؤية ووعي كافيين في معرفة العدو، وخصوصياته، ومعداته المستخدمة في الهجوم فهو من أهم ركائز الاستعداد لمواجهة الإعداء.
وانطلاقاً من كون المنافقين يُعدَّون من أخطر الأعداء، فإنَّ معرفة النفاق وخصوصيات المنافقين هي واحدة من الضرورات التي يجب أن تحظى وعلى الدوام باهتمام فکر وذهن المسلمين، كما أنّ الغفلة عن هؤلاء الأعداء ذوي الألف وجه والذين يعبدون الله علی حرفٍ، بإمكانه أن يتسبب في إحداث أضرار فعلية تطا ل النظام الإسلامي والمسلمين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]. اصول الكافي:1 / 43.
[2]. الممتحنة: 1.
[3]. فاطر: 6.
[4]. کما في سورة الانعام: 142، الاعراف: 22، يوسف: 5، يس: 60، الزخرف: 62 و... إلخ
[5]. النور: 21.
[6]. النساء: 101.
[7]. المائدة: 82.
[8]. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج20: 311.
[9]. قضية النّفاق، نقلاً عن النفاق اُمّ الكفر الخفي: 52.
[10]. التوبة: 101.
[11]. نهج البلاغة: الكتاب 27.
[12]. بحار الانوار: 3 / 399.
[13]. سفينة البحار: 1 / 380.
[14]. نهج البلاغة: الخطبة 93.
[15]. الأنفال: 60.