اللهم صل على محمد وآل محمد بعدد دقات قلب الزهراء
السلام على بديعة الوصف والمنظرالسلام على من نرتجيها ليوم الفزع الأكبر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل العصمة موهبة إلهية أو أمر اكتسابي بحيث يتسنّى لكلّ إنسان الحصول عليها والتحلّي بها..!
الجواب: لا شكّ انّ «العدالة» وقسماً من مراتب التقوى من الأُمور الاكتسابية التي يتسنّى لكلّ إنسان سويّ نزيه ومتحرّر من قيود شهوات النفس الأمّارة بالسوء الحصول عليها والتحلّي بها، ولكنّ البحث في مجال آخر، وهو:
إنّ العصمة سواء فُسِّرت بكونها هي الدرجة العليا من التقوى أو بكونها العلم القطعي بعواقب المآثم والمعاصي أم فسّرت بالاستشعار بعظمة الرب وجماله وجلاله، هل هي موهبة إلهية لعباده المخلصين أم هي أمرٌ يحصل عليه الإنسان من خلال الاكتساب..!؟
الظاهر من كلمات المتكلّمين انّ العصمة موهبة من مواهب اللّه سبحانه يتفضّل بها على من يشاء من عباده بعد توفر الأرضية الصالحة والقابلية المصحّحة لإفاضتها عليهم، وأنّها غير قابلة للتحصيل والكسب أبداً.
وبعبارة أُخرى: انّ العصمة لطف إلهي يتفضّل به اللّه ـ و تحت بعض الشروط ـ على عباده المعصومين، ولمزيد الاطّلاع نأتي ببعض النصوص لعلماء الإسلام في هذا المجال:
يقول أُستاذالكلام الشيعي ورائده الشيخ المفيد:
«العصمةُ لطف يفعله اللّه بالمكلّف بحيث يمنع من وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما»
ويقول أيضاً في كتاب «تصحيح الاعتقاد»: والعصمة من اللّه تعالى لحججه التوفيق واللطف والاعتصام من الحجج بها عن الذنوب والغلط في دين اللّه تعالى، والعصمة تفضّل من اللّه تعالى على من علم أنّه يتمسّك بعصمته، والاعتصام فعل المعتصم، وليست العصمة مانعة من القدرة على القبيح ولا مضطرة للمعصوم إلى الحسن، ولا ملجئة له إليه، بل هي الشيء الذي يعلم اللّه تعالى انّه إذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصية له، وليس كلّ الخلق يُعلم هذا من حاله، بل المعلوم منهم ذلك هم الصفوة والأخيار
وليس الشيخ المفيد هو الوحيد الذي يذهب إلى كون العصمة «موهبة إلهية» بل ذهب إلى ذلك تلميذه الجليل السيد المرتضى حيث اعتبر انّ العصمة لطف إلهي، وقال:
«العصمة هي لطف اللّه الذي يفعلُه تعالى فيختار العبدُ عنده الامتناع عن فعل القبيح»
كما صرّح المحقّقان العلاّمة الحلّي والفاضل المقداد بكون العصمة موهبة إلهية.
فقد ذكر العلاّمة الحلّي ذلك في «كشف المراد» و قال:«العصمة لطف يفعله اللّه تعالى بصاحبها لا يكون معه داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية ثمّ فسّر أسباب هذا اللطف بأُمور أربعة»
كما أنّ العلاّمة المقداد السيوري قال في كتابه القيّم:«اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية»:
العصمة لطف يفعله اللّه بالمكلّف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية، لانتفاء داعيه ووجود صارفه مع قدرته عليه، ثمّ نقل عن الأشاعرة بأنّها هي القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية
ثمّ إنّه نقل عن بعض العلماء قولهم: إنّ المعصوم خلقه اللّه جبلة صافية وطينة نقية ومزاجاً قابلا، وخصّه بعقل قوي وفكر سوي، وجعل له ألطافاً زائدة، فهو قوي بما خصّه على فعل الواجبات واجتناب المقبحات، والالتفات إلى ملكوت السماوات، والإعراض عن عالم الجهات، فتصير النفس الأمّارة مأسورة مقهورة في حيّز النفس العاقلة
إلى غير ذلك من الكلمات التي تصرح بكون العصمة موهبة إلهية لعباده المخلصين، وانّ هذا ممّا اتّفق عليه القائلون بالعصمة حيث الكلّ فسّرها بالموهبة الإلهيّة، وهذا هو الرأي المختار عندنا أيضاً، وأمّا ما ذهب إليه الأشاعرة من كون العصمة سلب القدرة على ارتكاب الذنب فإنّه كلام لا أساس له من الصحة. ثمّ إنّ أُستاذنا العلاّمة الطباطبائي رحمه اللّه قد فسّر العصمة بأنّها : العلم الذي لا يغلب الذي يمنحه اللّه للمعصوم
إضافة إلى ذلك أنّ هناك بعض الآيات القرآنية التي تؤيد ـ وبنحو ما ـ كون العصمة موهبة إلهية.
فقد جاء في سورة (ص) بعد ذكر «إبراهيم» و «إسحاق» و«يعقوب» وصفهم بقوله تعالى:
( وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأَخْيارِ )
كما ورد في القرآن أيضاً وصف أنبياء بني إسرائيل بقوله:
( وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْم عَلَى الْعالَمينَ )
ويقول تعالى في حق أهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم :
( ...إِنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )
ومن المسلّم به أنّ إزالة أي نوع من أنواع الرجس والذنب لا يمكن أن يتحقّق إلاّ في ظلّ منح العصمة لأصحابها.
ولا ينحصر الأمر في الآيات المذكورة، بل توجد آيات أُخرى في هذا المجال لا تخفى على من له علم بالقرآن الكريم جميعها تشهد ـ وبصورة ما ـ على كون العصمة موهبة إلهية، وخاصة آية التطهير التي ذكرناها والتي تعتبر انّ متعلّق الإرادة الإلهية هو إزالة الرجس والذنب عنهم، ولا ريب انّ المقصود من هذه الإرادة هي الإرادة التكوينية لا التشريعية، لأنّ الإرادة التشريعية حقٌّ لجميع الأفراد حيث أراد سبحانه من الجميع سلوك طريق الطاعة والعبودية للّه سبحانه والتخلّص عن الرجس من خلال هذا الطريق المهيع.
نسألكم الدعاء المبارك ...
دمتم بحب ورعاية الزهراء