
الْسَّـلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُه...
ليس في المسلمين مَن لا يعرف مقام أهل البيت (ع) ومكانتهم المقدّسة ، فما ورد في القرآن والسنّة النبويّة من أمر وحث وتعظيم لهم ، جعل المسلمين يتعلّقون بحبّهم ويمنحونهم الولاء والتكريم ، ولقد كان الامام العسكري كآبائه الكرام ، عَلَماً لا يخفى ، وإماماً لا يجهلُهُ أحدٌ مِن أهل عصره ، فكان أستاذَ العلماء ، وقدوةَ العابدين ، وزعيمَ السياسة والمعارضة ، يشار إليه بالبنـان ، وتهفو إليـه النفوس بالحبّ والولاء ، رغم الارهاب السـلطوي ، والمعاداة السـياسية لاهل البيت (ع) ، وملاحقـة السـلطة له ولاصحابه ، وزجّهم في المحابس والسجون ، فرغم كل هذا ، فإنّ خلفاء عصره لم يستطيعوا إخفاء شخصيته،أو تحجيم دوره السياسي والعلمي،ومكانته الاجتماعية،ففرض نفسه على حكّام عصره وخصومه.
فهذا أحمد بن عبدالله بن خاقان ، وهو من خصوم الامام العسكري (ع) ينقل لنا صورة كاملة عن مقامه ومكانته السياسية والاجتماعية .
روى ابن شهرآشوب ، قال :
« قال الحسين بن محمّد الاشعري ، ومحمّد بن عليّ : جرى ذكر العلوية عند أحمد ابن عبدالله بن خاقان بقم (10) ، وكان ناصبياً ـ شديد العداوة لال عليّ ـ ، فقال : ما رأيت منهم مثل الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا، جاء ودخل حجابه على أبي (11) ، فقال : أبو محمّد بن الرضا بالباب ، فزجرهُمُ الاذنَ واستقبله ، ثمّ أجلسه على مُصلاّه ، وجعل يكلِّمه،ويفديه بنفسـه،فلمّا قام شيّعه،فسألتُ أبي عنه فقال : يا بُنيَّ ! ذاك إمام الرافضة (12)، ولو زالتِ الخلافةُ عن بني العباس ما استحقها أحدٌ مِن بني هاشم غيره ، لفضلِهِ وعفافِهِ وصومِهِ وصلاته وصيانته وزهده وجميع أخلاقه ، ولقد كنتُ أسألُ عنه دائماً، فكانوا يُعظِّمونه ويَذكرونَ له كرامات ، وقال: ما رأيتُ أنقعَ ظرفا ((13))، ولا أغضَّ طرفاً ، ولا أعفَّ لساناً وكفّاً من الحسن العسكري » (14) .
ولمكانة الامام العظيمة ، وموقفه السياسي ، ووقوفه على قمة المعارضة السياسية في تلك الفترة، فرضتْ عليه أجهزةُ السلطة الاقامةَ شـبهَ الجـبرية ، وأجبرتْهُ على الحضور يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع في دار الخلافة .
وقد وصف صورة مسير الامام (ع) إلى قصر الخلافة أحد المستخدمين عند الامام ، المرافقين له في سيره ، فقال :
« كان اُستاذي ـ يعني الامام العسكري ـ صالحاً مِن العلويين ، لم أرَ مثلَه قطُّ ، وكان يركب إلى دار الخلافة في كل إثنين وخميس ، وكان يوم النوبة يحضر من الناس شيء عظيم ويغصُّ الشارع بالدواب والبغال والحمير والضجة ، لايكون لاحد موضعٌ يمشي ، ولا يدخل بينهم ، وإذا جاء أسـتاذي سَكَنتِ الضجّةُ ، وهدأ صهيلُ الخيل ونهاقُ الحمـير ، وتفرّقت البهائم حتّى يصير الطريق واسـعاً ، ثمّ يدخـل ، وإذا أراد الخروج وصاح البوابون : هاتوا دابة أبي محمّد ، سكن صياح الناس وصهيل الخيل ، وتفرّقت الدواب حتّى يركبَ ويمضي » (15) .
وأشار أحد أصحاب الامام ، وهو عليّ بن إبراهيم بن جعفر ، عن حلبي ، إلى حضور الامام في قصر الخلافة ، الّذي سمّـاه يوم ركوبه ، بشكل منتظم ـ كما فرضته السلطة عليه ـ مصحوباً بالارهاب والمراقبة ، أشار إلى ذلك بقوله :
« إجتمعنا بالعسكر ، وترصدنا لابي محمّد (ع) يومَ ركوبه ، فخرج توقيعُهُ : (ألا لا يسلِّمنَّ عليَّ أحدٌ، ولا يُشيرُ إليَّ بيده، ولايومئ، فإنّكم لاتأمنون على أنفسكم) »(16).
وهذا عبدالله بن خاقان يصفُ جانباً من مكانة الامام ومقامه الاجتماعي ، وتعلّق الناس ، واحترام الجميع له ، فقال :
« فلمّا ذاع خبر وفاته صارت (سُرَّ من رأى) ضجّة واحدة ، وعُطّلت الاسواق ، وركِبَ بنو هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والمعدلون وساير الناس إلى جنازته ، فكانت (سُرَّ من رأى) يومئذ شبيهة بالقيامة ، فلمّا فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكِّل فأمره بالصلاة عليه » (17) .
وهكذا تصوّر لنا هذه الروايات والوثائق التاريخية مكانة الامام الاجتماعية والسياسية ، وعمق شخصيته الجماهيري ، وتعلّق الناس به ، واحترام مختلف الطبقات له ، رغم الارهاب ومعاداة السلطة وإجراءاتها القاسية .
منقول : كتاب الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام .

لَكُمْ مِنَا خَاْلِصُ الْدُعَاءْ ..
مُوَفَقِّيْنْ بِجَاهِ مَحَمَّدْ وَ آلِ مَحَمَّدْ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمُ أَجْمَعِيْنْ ...
نَسْأَلُكُمْ الدُعَاءْ لِصَاْحِبِ الْأَمْرِ الحُجَةِ الْمَهْدِيْ أَرْوَاْحُنَاْ لَهُ الْفِدَاْءْ بِالْفَرَجْ وَ لِسَاْئِرِ الْمُؤْمِنِيْنْ وَ الْمُؤْمِنَاْت
فِيْ أَمَاْنِ اللهِ تَعَالَىْ ..
