قاتلَ مسلم القومَ قتالاً شديداً، فلمّا عجزوا عنه جعلوا يوقدون القصب ويرمونه عليه، ويرضخونه من السطوح بالحجارة؛ غدراً به.. واختلف وبُكَيرَ بن حمران بضربتين، وكاد مسلم أن يقتله لو لم يستنقذه أصحابه، فعاد وقد جُرح في ثِنْيتاه. عندها قال له محمّد بن الأشعث: لك الأمان يافتى لا تقتلْ نفسك، إنّك لا تُكذَّب ولا تُخدع ولا تُغَرّ، إنّ القوم بنو عمّك، وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك
ولم يثق بهم ابن عقيل، إلاّ أنهم عملوا له حفيرةً ألجأوه إليها وأسقطوه فيها، وطُعن من خلفه فخرّ جريحاً، ثمّ أُخذ أسيراً
وأُدخل على ابن زياد فلم يُسلِّم، فقال له الحرسيّ سلِّمْ على الأمير قال مسلم له اسكتْ وَيْحك! ما هو لي بأمير فقال ابن زياد لا عليك سلّمتَ أم لم تُسلّم؛ فإنّك مقتول. فأجابه مسلم إن قتلتَني فلقد قَتَلَ مَن هو شرٌّ منك مَن هو خيرٌ منّي
فأخذ ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعلياً وعقيلاً
ومسلم ( عليه السلام ) لا يكلّمه . ثمّ قال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ، ثمّ أتبعوه جسده ، فأخذه بكر بن حمران الأحمري ليقتله ، ومسلم يكبّر الله ويستغفره ، ويصلّي على النبي وآله ويقول :
( اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا ) .
ثمّ أمر ابن زياد لعنه الله بقتل هاني بن عروة فقتل ، وجرّت جثتا مسلم وهاني بحبلين في الأسواق .
خرج الحسينُ من المدينةِ خائفا كخروجِ موسى خائفـاً يتكتَّـمُ
وقد انطوى عن مكٍّةٍ وهو ابنهاوبهِ تشرَّفتِ الحطيمُ وزمـزم
اليوم الثامن من ذي الحجة .. خرج الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة إلى العراق سنة 60 هـ بعد توارد الرسائل من أهل الكوفة على الإمام الحسين (عليه السلام) .
عبد الله بن سنان الكوفي عن أبيه، عن جدّه، أنّه قال: خرجت بكتابٍ من أهل الكوفة إلى الحسين(عليه السلام)، وهو يومئذٍ بالمدينة، فأتيته فقرأه فعرف معناه فقال: «اُنظرني إلى ثلاثة أيّام»، فبقيت في المدينة ثمّ تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجّه إلى العراق، فقلت في نفسي أمضي وأنظر إلى ملك الحجاز كيف يركب، وكيف جلالة شأنه؟ فأتيت إلى باب داره فرأيت الخيل مسرّجة والرجال واقفين، والحسين(عليه السلام) جالس على كرسي وبنو هاشم حافّون به، وهو بينهم كأنّه البدر ليلة تمامه وكماله، ورأيت نحواً من أربعين محملاً، وقد زُيّنت المحامل بملابس الحرير والديباج.
قال: فعند ذلك أمر الحسين(عليه السلام) بني هاشم بأن يركبوا محارمهم على المحامل، فبينما أنا أنظر وإذا بشاب قد خرج من دار الحسين(عليه السلام) وهو طويل القامة وعلى خدّه علامة ووجهه كالقمر الطالع، وهو يقول: «تنحّوا يا بني هاشم»! وإذا بامرأتين قد خرجتا من الدار، وهما تجرّان أذيالهما على الأرض حياءً من الناس، وقد حفّت بهما إماؤهما، فتقدّم ذلك الشاب إلى محملٍ من المحامل وجثى على ركبتيه، وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل، فسألت بعض الناس عنهما فقيل: أمّا إحداهما فزينب، والأُخرى أُم كلثوم بنتا أمير المؤمنين، فقلت: ومن هذا الشاب؟ فقيل لي: هو قمر بني هاشم العباس بن أمير المؤمنين.
ثمّ رأيت بنتين صغيرتين كأنّ الله تعالى لم يخلق مثلهما، فجعل واحدة مع زينب، والأُخرى مع أُم كلثوم، فسئلت عنهما، فقيل لي: هما سكينة وفاطمة بنتا الحسين(عليه السلام).
ثمّ خرج غلام آخر كأنّه البدر الطالع ومعه امرأة، وقد حفّت بها إماؤها، فأركبها ذلك الغلام المحمل، فسألت عنها وعن الغلام، فقيل لي: أمّا الغلام فهو علي الأكبر ابن الحسين(عليه السلام)، والمرأة أُمّه ليلى زوجة الحسين(عليه السلام).
ثمّ خرج غلام ووجهه كفلقة القمر، ومعه امرأة، فسألت عنها؟ فقيل لي: أمّا الغلام فهو القاسم بن الحسن المجتبى، والمرأة أُمّه.
ثمّ خرج شاب آخر وهو يقول: «تنحّوا عنّي يا بني هاشم! تنحّوا عن حرم أبي عبد الله»، فتنحّى عنه بنو هاشم، وإذا قد خرجت امرأة من الدار وعليها آثار الملوك، وهي تمشي على سكينة ووقار، وقد حفّت بها إماؤها، فسألت عنها؟ فقيل لي: أمّا الشاب فهو زين العابدين ابن الإمام، وأمّا المرأة فهي أُمّه شاه زنان بنت الملك كسرى زوجة الإمام، فأتى بها وأركبها على المحمل، ثمّ أركبوا بقيّة الحرم والأطفال على المحامل.
فلمّا تكاملوا نادى الإمام(عليه السلام): «أين أخي، أين كبش كتيبتي، أين قمر بني هاشم»؟ فأجابه العباس: «لبيك لبيك يا سيّدي»! فقال له الإمام(عليه السلام): «قدّم لي يا أخي جوادي»، فأتى العباس بالجواد إليه وقد حفّت به بنو هاشم، فأخذ العباس بركاب الفرس حتّى ركب الإمام، ثمّ ركب بنو هاشم، وركب العباس وحمل الراية أمام الإمام