يقولون ربّنا هب لنا قرّة أعين
بناءً على ما تقدم ينبغي الإشارة إلى عدد من المسائل في خصوص محبة الزوجة والولد، فقد ورد في بعض الأماكن التأكيد على الالتفات إلى أن الولد والزوجة قد يصبحان عدوين للإنسان. لا تتصور أن العلاقة العاطفية بين هذا المجموع يؤدّي باستمرار إلى السعادة والمحبة والحميمية،
فقد جاء في القرآن الكريم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التغابن:14)
وجاء في آية أخرى:
{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (التغابن: 15).
هنا يأتي التحذير من الله تعالى أن لا تظنّوا بأنّ الزوجة والولد يؤدّيان دائماً وبشكل مطلق إلى سعادة الإنسان. وهناك من الأشخاص من يقدّم منافعه الشخصية، ولذائذه المادية على منافع ولذائذ الزوجة والأبناء عند التزاحم. ويظهر ذلك بشكل واضح في المجتمعات الصناعية والمادية المعاصرة حيث ضعفت العواطف الإنسانية والوفاء للأب والأم والأبناء. وكان هذا الأمر يقع في الماضي، حيث نشاهد أنّ بعض الزوجات كنَّ عدوّات لأزواجهنّ والأبناء أعداء لآبائهم. فالمعيار في العلاقة بين أفراد العائلة، الوالدين والأبناء، الزوج والزوجة، الأخوة بين بعضهم بعضاً، المعيار هو الحق والباطل وأن لا تؤدي العلاقة معهم إلى التعارض مع الدين فتضطرون إلى الامتناع عن الحفاظ عليها.
وحتى في حال أصبح الوالدان مشركَين، على الشاب المسلم أن يكون تعامله مع والديه حسناً مع الانتباه، طبعاً، إلى مسألة عدم اتباعهم:
{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} (لقمان:15).
* مـهـارة عـظـيـمـة
من جهة أخرى، فإن من المهارات العظيمة أن يدرك الإنسان كيف يوجّه عواطفه وأين عليه إظهارها، لذا ينبغي له أن يمتلك قوّة كبيرة على ضبط عواطفه وأن يكون تابعاً في ذلك للعقل والشرع. فالذين يملكون علاقة عاطفية قوية مع الزوجة والولد أو الأب والأم، هؤلاء قد لا يلتفتون إلى أن هذه العلاقة قد تصل أحياناً إلى حدّ الإفراط، فيصبح هذا الحب مانعاً من القيام بالتكاليف الواجبة. مع العلم أن رضاهم ليس شرطاً ضرورياً عند وجود تكليف واجب، لذلك على هؤلاء السعي كي لا يكون الحب مانعاً أمام القيام بالتكليف الشرعي ويجب العمل أيضاً ليكون الحبّ والبغض حباً وبغضاً منطقياً، معقولاً ومشروعاً وأن لا يخرج عن حدّ الاعتدال. أما رعاية حدّ الاعتدال في الحب فهي مسألة لا يستهان بها وتحتاج إلى تعليم.
وقد كان عباد الله الصالحون يعملون دائماً على عدم ترجيح كفة حب الزوجة والأبناء على حب الله. ولعلّ أفضل مثال على ذلك ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين (ع) إذ قال:
«ولقد كنّا مع رسول الله (ص) نقتل آباءنا وأبناءنا وأخوالنا وأعمامنا» (2).
فعندما يوجب التكليف الديني ويتحرك بعض الأشخاص ضد الإسلام، يجب حينها مواجهة عدو الإسلام ولا يختلف الأمر سواء كان المعادي للإسلام أباً أم أخاً أم عماً، وليكن من يكون حيث يجب مواجهة عدو الإسلام
ثم يقول الإمام (ع):
«فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر» (3)
ثم يتابع قائلاً:
«ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم لما قام للدين عمود ولا اخضرّ للإيمان عود» (4).
وبما أن الدين ما زال باقياً وأن خيمة الإسلام ما زالت مشيدة، فهذا كله بسبب تلك التضحيات التي قدمناها، لقد حاربنا أعداء الدين حتى لو كانوا من الأقربين إلينا، حاربناهم لأنهم كانوا على باطل، هذا هو الصدق الذي أراده الله تعالى منا. أطعنا الله تعالى وعندما أثبتنا صدقنا نصرنا من عنده، لذلك فهذا الأمر يحتاج إلى أصلب الرجال الذين لا يخافون شيئاً عند القيام بالتكليف.
* خـلاصـة مـا تـقـدم
بناءً على ما تقدم، فإن حب الولد والأب والأخ والأخت أمر مطلوب ونعمة إلهية توجب بقاء البشر وبقاء العائلة، وبالتالي تأسيس مجتمع صحيح، ولكن إذا وصل هذا الأمر إلى حدود الإفراط ترك آثاراً عكسية.
إذاً، فحب الأولاد والزوجات والأصدقاء غير مطلوب إذا كان يمنع الإنسان عن القيام بالتكاليف الإلهية ويؤدي إلى سقوط الإنسان، ولو خرج هذا الحب الإلهي الذي هو نعمة إلهية عن حدّ الاعتدال، فسيترك آثاراً سلبية عديدة على حياة الإنسان.
الهوامش:
(2) مصباح البلاغة، الميرجهاني، ج 2، ص 267.
(3) م.ن.
(4) م.ن.
آية الله الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي