اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقام باء البسملة
(الباء) :
أن الحروف ليست حروف لفظية بل : " كل الحرف بإزاء مرتبة من مراتب العين" أي كل حرف له مرتبة وجودية ونقصد بالعين أي "الوجود" فكل حرف يقابله موجود فليس المقصود بالحروف أن نشكل جملاً إنما المقصود من الأحرف كحقائق وجودية.
فالنقطة إشارة الى "مقام الوحدة" للوجود الغيبي للحقيقة المحمدية العلوية فهو مقام الوحدة لغيب أهل البيت وهنا نتناول توضيح تلك المقاربة:
في عالم التدوين أصغر وأبسط ظهور هو "النقطة" ولكن النقطة إذا بقيت نقطة لا يمكننا أن نوجد منها أي كلمة إلا أن تتكثّر النقطة الى خط الذي هو مجموعة نقاط متصلة فنشكّل بالخط حرفاً عند ذلك يمكننا صنع الكلمات أي التكثرات. إذن الكلمات هي مجموعة أحرف والأحرف هي مجموعة نقاط والكل أصله "نقطة".
وبما أن عالم التدوين وعالم التكوين متطابقان كذلك عالم التكوين وجد من مقام الوحدة هو أصل الوجود الغيبي وهو مقام الحقيقة المحمدية العلوية ثم كما تكثّرت النقطة الى أحرف وكلمات هكذا في عالم التكوين تكثّر مقام الوحدة للحقيقة المحمدية العلوية الى نور محمد ونور علي ونور فاطمة ونور الحسن ونور الحسين الذين من أنوارهم خلق الوجود كلّه فالوجود خلق من نورهم وبهم يستمر وإليهم الوجود يرجع وهذا هو معنى الولاية.
في مقام التكثّر ورمزه الخط هو مقام الولاية، فهو في مقام الوحدة موجودون وفي مقام التكثّر موجودون وهذا تفسير قول أمير المؤمنين ((أنا الخط وأنا النقطة، وأنا النقطة وأنا الخط))
إذن أمير المؤمنين يقول أول مقام الوحدة غيبي "أنا" وفي مقام الكثرة "أنا" لإن الخط يبدأ بالنقطة ويستمر بها ويختتم بها وهذا تطبيق الحديث عن أهل البيت عليهم السلام "الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق" يعني هذا إشعار من الإمام أن لا يخلو منا لا عالم الوحدة ولا عالم الكثرة بل عالم الكثرة وعالم الوحدة حقائقهم وأنوارهم ولولا ذلك لما كان هناك أثر ولا عين ولا شيء أبداً في هذا الوجود.
فكل حرف يقصد به حقيقة، كلمة "بسم" أصلها "باسم" الألف اختفت إشارة الى اختفاء الذات عن الظهور. الذات الإلهية المطلقة يستحيل أن ترى بالعين ولا تدرك لا بالعقول ولا بالخيال ولا بالأوهام. وبما أنّ لا سبيل لمعرفة الذات بذاتها وحقيقتها أستدلّ عليها "بالباء"، والباء لولا "النقطة" لم تعرف أنها "باء" ، لأن كرسي الباء لوحدها ممكن تأويلها أنها "تاء" أو "نون" ، فلما وضعت النقطة عليها عرفت، ولذلك يقولون "بالنقطة تميّز العابد عن المعبود"، لأن مقام تعيّن الولاية هو مقام تعيين التوحيد الحق وظهور الحق.
فأمير المؤمنين مقامه أعلى من مقامات الأئمة لأنه نفس رسول الله ولذلك كانوا هم الهداة للناس في كل عصر ((إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)) فالمنذر هو رسول الله صلى الله عليه وآله والهادي هو علي صلوات الله عليه، وفي الزيارة الجامعة ((السلام على القادة الهداة والسادة الولاة)) فهم القادة وهم السادة فعليّ هو رسول الله من ثم بعد ذلك الحسن هو رسول الله في زمنه والحسين هو رسول الله في زمنه، لأنهم امتداده وهم حقيقته في عالم الباطن فصار أمير المؤمنين في مقام الظاهر والباطن فهو في مقام الوحدة وهو في مقام الكثرة.
الآلوسي من مفسري أهل السنّة قال : علامة الكسرة التي تحت الباء التي في عالم التدوين إشارة الى الخضوع أي خضوع ما بعد النقطة لمقام "النقطة والباء والألف الخفيّ" في عالم التكوين.
لذا تكتب الباء بشكل منكسر (مع كسرة) لأنه في قبال النقطة انكسر كل جبّار وخضع كل عتيد " كما في الزيارة الجامعة الكبيرة "طأطأ كل شريف لشرفكم وخضع كل جبّار لفضلكم وبخع كل متكبّر لطاعتكم وذلّ كل شيء لكم".
إذاً القرآن التــدويني بجميع خصائصه هو عين الكتاب التكـــويني.
وقوله عليه السلام: " أنا النقطة تحت الباء" جاء بصورة مبتدأ وخبر. ففي إعراب (أنا النقطة) نجد أن أنا مبتدأ والنقطة خبر، فإن باء "بسم الله" تساوي علي بن ابي طالب عليه السلام، بل هي عينه، لأن الخبر هو دائماً عين المبتدأ، وهو لا يخبر عن نفسه بل عن مقامه في كتابي التكوين والتدوين ففي كتاب التكوين هو في مقام الوحدة وفي كتاب التدوين هو في مقام النقطة ولذلك نجد في الأحاديث أن البسملة هي عين وجود أمير المؤمنين سلام الله عليه وهي أقرب إلى الاسم الأعظم من سواد العين إلى بياضها لما احتوت عليه من مقامات ومعارف لأهل البيت
اليقين أن هذا الكلام أصله لأمير المؤمنين عليه السلام حيث قال عليه السلام بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تبين العابد عن المعبود، وقال علي عليه السلام: أنا النقطة، أنا الخط، أنا الخط وأنا النقطة، أنا النقطة والخط، وإن شئت قلت هي إشارة إلى قاعدة الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة المحررة في الفلسفة العليا، فإن الخط هي الكثرة الحاصلة من تجليات النقطة، والنقطة هي الخط في مرحلة البساطة والوحدة... إلى أن قال: وبالجملة هو باطن الألف وقيل هو سرّ الوجود، وتصريفها قائم إلى يوم القيامة، وإشارة إلى جميع العوالم علويها وسفليها، وقد شرّفها الله وجعلها أول البسملة وأول صحيفة آدم وللمسمّيات.
وقد اعتقد بعض السلاّك أن الله تعالى لما أنزل القرآن على النبي قال له جبرائيل: إقرأ يا محمد باسم ربك، ولما خلق الباء خلق معها 24 ملكاً يسبحون الله، ولأجلها كانت مفتاحاً لكنوز الكتب، وفيها سرّ البسط وهي من أشكال الألف. وجحد من ألحد، وعرف من اعترف، بسم الله لإستصغاء القلوب من العلائق واستخلاص من الأسرار عن العوائق ليكون ورود الله على قلب نقيّ وسـرّ مصفّي يتذكـّرون من الباء برّه ومن السين سـرّه ومن الميم منّه، وأنهم ببـرّه عرفوا سـرّه.
كذلك عن أحد العلماء، الباء للإلصاق باعتبار لصوق ابتداء القراءة باسمه تعالى، أو للمصاحبة أو للاستعانة أو للسببية للفعل الذي يقع بعده مثل أقرأ وأقوم وأقعد بالإستعانة بالله.
كما روي عن الرضا عليه السلام أنه قال: يعني وسم نفسه بسمة من سمات الله وهي العبادة، قيل له ما السمة؟ قال: العلامة.
وفي هذا الخبر تنبيه على أن القائل بسم الله الرحمن الرحيم، ينبغي أن يجتهد حتى يجد هذا القول أنموذجاً من صفات الله في وجوده حقيقة وفي قوله وهي العبادة إشارة إلى أن العبد عند هذا القول ينبغي أن يخرج من أنانيته التي هي خروج من العبادة والعبودية، ويخرج من مالكيته واختياره، ويدخل تحت أمر ربه ويجد ذلك من نفسه حتى تكون منه هذه الكلمة صادقة ولا يكون كاذباً بينه وبين ربه.
تحياتي لكم