السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1 - روى الشيخ الطوسي باسناده عن السيدة زينب بنت علي ـ عليهما السلام قالت :
صلّى أبي مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )صلاة الفجر ، ثم أقبل على علي ( عليه السلام ) فقال : هل عندكم طعام ؟
فقال : لم آكل منذ ثلاثة أيام طعاماً . فقال رسول الله: إمض بنا إلى إبنتي فاطمة .
فدخلا عليها وهي تَتَلوّى من الجوع ! وإبناها معها ، فقال رسول الله : يا فاطمة! فِداك أبوكِ ، هل عندك شيء من الطعام. فاستَحيَت فاطمةأن تقول لا ، وقامت واستقبلت القِبلة لِتُصلّي ركعتين .
فأحسّت بحَسيس ، فالتفَتَت وإذا بصفحة ملأى ثَريداً ولحماً ، فأتت بها ووضعتها بين يدي أبيها ، فدعى رسول الله بعليّ والحسن والحسين. ونظرعليّ إلى فاطمة متعجّباً وقال: يابنت رسول الله! أنّى لكِ هذا ؟ فقالت : هو من عند الله ، إنّ الله يرزقُ من يشاء بغير حساب .
فضحك النبي وقال : الحمد لله الذي جعل في أهلي نظيرزكريّا ومريم، إذ قال لها : أنّى لكِ هذا ؟ قالت : هو من عند الله ، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب (1).

2- وجاء في التاريخ : أنّ السيدة زينب ( عليها السلام ) كانت جالسة ذات يوم ، وعندها أخواها الإمامان الحسن والحسين ( عليهما السلام )وهما يتحدّثان في بعض أحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
فقالت السيدة زينب سمعتُكُما تقولان : إنّ رسول الله قال: « الحلال بَيّن ، والحرامُ بيّن ، وشُبُهاتٌ لا يعلمها كثير من الناس ».
ثمّ استمرّت السيدة زينب تُكمل الحديث وتقول « مَن تَركها ( أي : تَرَك الشبهات ) صَلُحَ له أمر دينه وصَلُحت له مُروءَته وعِرضه ، ومن تلبّس بها ووقع فيها واتّبعها كان كمن رعى غنمه قرب الحِمى(2) ومن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه أن يرعاها في الحمى ، ألا : وإنّ لكلّ مَلِكٍ حِمى ، وإنّ حمى الله محارمه » (3).
[align=center]

3- ثمّ رَوَت السيدة زينب ( عليها السلام ) حديثاً آخر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )]فقالت : « ألا : وإنّ في الجسد مُضغة (4) إذا صَلُحت صَلُح الجسد كلّه ، وإذا فَسَدت فسد الجسد كلّه ، ألا : وهي القَلب » (5).
ثمّ قالت السيدة :أما سمعتما رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي تأدّب بأدب الله ( عز وجل ) ـ ويقول : « أدَّبَني رَبّي فأحسن تأديبي » ـ يقول : « الحلالُ : ما أحلّه الله ( عز وجل ) في القرآن الكريم وبيّنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )مثل : البيع والشراء ، وإقام الصلاة في أوقاتها ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحجّ البيت لمن استطاع سبيلا ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وترك الكذب والنفاق والخيانة.
والحرام : ما حرّمه الله ( عز وجل ) وذكره في القرآن الكريم وبيّنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والحرام نقيضُ الحلال.
وأمّا الشبهات : فهي أمور لا يُعلَمُ حلالها وحرامها ، والمؤمن إذا لم يَعلم الشيء أنّه حلال أو حرام ، وكان يرجو سعادة الدنيا والآخرة ، فعليه أن لا يَتبَع الشُبُهات فالشبهات تَجُرّه إلى المُحرّمات ». فقال لهاالإمام الحسن ( عليه السلام ) : « زادَكِ الله كمالاً ، نعم ... إنّه كما تقولين ، إنّكِ حَقّاً من شجرة النبوة ومِن معدن الرسالة ».
[align=center]

4- وروى أحمد بن جعفر بن سليمان الهاشمي ، قال : كانت زينب بنت علي ( عليهما السلام ) تقول : « مَن أراد أن لا يكون الخَلقُ شُفعاءه إلى الله فليحمده ، ألم تسمع إلى قولهم :
« سمع الله لِمَن حمده » فَخِف الله ... لقُدرته عليك ، واستحِ منه لقُربه منك » (6)..
[align=center]

5- ورُويَ عن السيدة زينب ( عليها السلام ) أنّها قالت : « إنّ جدّي المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم شَرَّع لنا حُقوقاً لأزواجنا كما شَرّع على الرجال حقوقاً مفروضة ». (7)
[align=center]

6- ورُوي عنها ( عليها السلام ) أيضاً ـ : يقول جدّي الرسول الكريم : « إذا صلّت المرأةُ خَمسَها ، وصامَت شَهرها ، وحَفَظت فرجَها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها : أُدخُلي الجنّة من أيّ أبواب الجنّة شئتِ » (8) .
[align=center]

7- روَت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين ( عليهما السلام ) عن عمّتها زينب الكبرى ( عليها السلام ) أنّها قالت : رأيتُ أمّي فاطمة ( عليها السلام ) قامَت في محرابها ليلة جُمُعَتِها ، فلم تزل راكعة ساجدة ، حتى اتّضح عمود الصبح ، وسَمِعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات ، وتُسمّيهم وتُكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها شيء .
فقال لها أخي الحسين ـ ذات يوم ـ يا أُمّاه ! لِمَ لا تَدعين لنفسكِ كما تَدعين لغيركِ ؟!
قالت : بُنَي ! الجارُ ثمّ الدار. (9)
[align=center]

8 ـ ورُويَ عن السيدة زينب ( عليها السلام ) ـ أيضاً ـ أنّها قالت : كان آخرُ عهد أبي إلى أخَوَي ( عليهما السلام ) أنّه قال لهما : يا بنيّ إذا أنا متّ فغسّلاني ثمّ نشّفاني بالبُردة التي نُشِّف بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفاطمة ،وحَنّطاني وسَجّياني على سريري ، ثم انظرا حتى إذا ارتفعَ لكما مقدّم السرير ، فاحمِلا مُؤخّره .
قالت : فخَرجتُ أُشيّع جنازة أبي ، حتّى إذا كُنّا بظَهر الكوفة وقَدِمنا بظهر الغَري رُكزَ المُقدّم ، فوضعنا المُؤخّر ، ثمّ برزَ الحسن مرتدياً بالبُردة التي نُشِّفَ بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفاطمة وأمير المؤمنين ( عليهم السلام ) ثمّ أخذ المِعوَل فَضَرَب ضربَةً فانشقّ القبر عن ضريح (10) فإذا هو بساجَةٍ (11) مكتـوب عليهـا سطـران بالسريانية : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا قبرٌ حَفَره نوح النبي لعلي وصيّ محمد قبلَ الطوفان بِسَبعمائة عام (12).
[align=center]

9- ورَوَت السيدة زينب ( عليها السلام ) ـ أيضاً ـ عن أُمّها السيدة فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّها قالت : قال رسول الله ـ لعليّ عليه السلام - « أما إنّك يا علي وشيعَتُك في الجنّة » (13) .
[align=center]

10- ورَوىالإمام زين العابدين عن عمّته زينب ( عليهما السلام ) عن السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أنّها قالت : « دَخَلَ عليَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند ولادة إبني الحسين ، فناولتُه إيّاه ، ... ثم قال : خُذيه يا فاطمة ! فإنّه إمـام إبنُ إمـام ... أبو الأئمّة التِسعـة ، مـِن صُلبه أئمّة أبرار ، والتاسع قائمهم » (14) .
[align=center]

11- ونَختِمُ هذا الفَصل بهذه المقطوعة التاريخيّة المُهمّة : لقد رُويَ عن السيدة حكيمة بنت الإمام محد الجواد ( عليهما السلام ) أنّها قالت :إنّ الحسين بن علي ( عليه السلام ) أوصى إلى أخته زينب بنت علي ( عليهما السلام ) في الظاهر ، وكانَ ما يَخرجُ من علي بن الحسين من عِلمٍ يُنسَبُ إلى زينب سِتراً على علي بن الحسين ( عليهما السلام ) (15).
[align=center]

___________________________________________
(1) الثاقب في المناقب ، ص 221 ـ 222 و 295.
(2) الحِمى : موضعٌ فيه كَلأٌ يُحمى من الناس مِن أن يَدخل قطيع غنمهم فيه ، وهو بمنزلة السور ... سواء كان مِن حائط أو شجر ، وفي الحديث « ومَن حامَ حول الحمى أوشك أن يقع فيها ».كما يُستفاد من كتاب « العَين » للخليل . المحقق
(3) يُعَبّر عن المكان القريب لدار مَلِك أو رئيس ، أو لمنطقة مخطورة بكلمة « حمى » ، وفي عالم اليوم ... نَجِدُ أنّ إدارة البلديّة تجعل سياجاً أو حزاماً أحمر حول المناطق المخطورة ، كالأراضي المزروعة بالألغام أو المتفجّرات ، أو الغابات التي تتواجد فيها الحيوانات المفترسة. وهذا السياج : هو علامة تَعني : أيها الإنسان ! لا تدخل هذه المنطقة ، بل لا تقترب منها ، فإنّ اللازم عليك أن تبتعد عن المكان القريب من المنطقة المخطورة ، إذ مِن الممكن أن يكون المكان القريب منها مزروعاً ـ أيضاً ـ بالألغام مثلاً .
مِن هنا ... فقد جعل الله تعالى حول المعاصي والمحرّمات حِمىً وحَظراً دينيّاً كي يُساعد الانسان على الوقاية من التلوّث بالذنوب ، وعدم الإقتراب من أجواء الحرام. ومنها الابتعاد عن الشبهات ، أي : الأمور او الأطعمة أو الأعمال التي لا يُعلَم ـ بالضبط ـ هل هي حرام أو حلال ؟ فإذا لم يُراعِ الإنسان الإحتياط اللازم ، فسوف يكون مٍن السَهل عليه إرتكاب المحرّمات ، لأنّ مِن آثار الشبهات : هو حصول الجُرأة على الحرام.
وقد رُويَ عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ما مضمونه : لا تُفكّر في الحرام ، فإن ذلك ـ يجُرّك إلى التخطيط لإرتكابه ، وإذا بدأت بالتفكير فسوف تُفكّر في لذة الحرام ، وتَغفل عن العقوبات والمضاعفات الناتجة عن ذلك.ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى : « وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى .... » وهذا يعني وَضع « حمى » حول هذه الجريمة ، ويوضّح هذا الحِمى قول الشاعر : نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامُ فكـلامٌ فمـوعدٌ فلِقاءُ
(4) المُضغة : قِطعة لحم ، وقلب الإنسان مُضغة من جسده ، كتاب « العَين » للخليل بن أحمد.
(3) وهي القلب : لعلّه كناية عن محلّ إصدار الأوامر في المُخ ، حيث جاء التعبير عن الفِكر والمُخ بالقلب في كثير من الروايات.
المحقق
(6) كتاب « زينب الكبرى » للشيخ النقدي ص 34 ، وهو ينقل ذلك عن كتاب « بلاغات النساء » لإبن طيفور .
(7) كتاب « عقيلة الطُهر والكَرم السيدة زينب » لموسى محمد علي ، وهو ينقل ذلك عن إبن الأنباري.
(8) نفس المصدر.
(9) كتاب « رياحين الشريعة » للمحلاتي ، ج 3 ، ص 73.المحقق
(10) ضريح : لَحد : أي قبر جاهز .
(11) ساجَة : قطعة من خشب مُعيّن ، الساج : نوع من الشجر ،
لا تَنبُتُ إلا ببلاد الهِند ، لا تُبليه الأرض ... حتى لو بَقِيَ تحت التُراب مدةً طويلة ، كما يُستفاد من كتاب « مجمع البحرين » للطريحي . المحقق
(12) كتاب « زينب الكبرى » للشيخ جعفر النَقدي ، ص 37.
(13) كتاب « الخصائص الزينبيّة » للسيد الجزائري ، ص 92 ، وهو ينقل ذلك عن كتاب « دلائل الإمامة » للطبري.
(14) كتاب « كفاية الأثر » ، ص 193 ـ 194. المحقق
(15) كتاب ( الغيبة ) للشيخ الطوسي ، ص 138. المحقق
____________________________________
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد للسيد مصطفى القزويني: الفصل التاسع عشر (3) متفرّقات ص 577- 584