بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تتقدم بأحر التعازي والمواساة لمولانا صاحب العزاء عجل الله فرجه الشريف الإمام الخلف الحجة المهدي ابن الحسن سلام الله عليه في هذه الذكرى الأليمه ،، ذكرى وفاة والده الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه ،،ونعزي العترة الطاهرة بهذا المصاب العظيم ،، و نعزي مراجعنا العظام والمشايخ الكرام في جميع مشارق الأرض ومغاربها ,ونعزي جميع المؤمنين والمؤمنات ونعزيكم أيها الأحبة بهذه الفاجعة عظم الله اجورنا واجوركم جميعاً بهذا المصاب الجلل ورزقنا الله واياكم زيارة الإمام العسكري في الدنيا وشفاعتهم في الاخرة صلوات الله وملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمد وآل محمد والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وعلى أجسادهم ورحمة الله وبركاته
الإمام أبو محمد الحسن العسكري هو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين حملوا رسالة الإسلام، وتبنوا أهداف الدين الحنيف، ووهبوا حياتهم في سبيله، ووطّنوا أنفسهم لمواجهة الكوارث وتحدّي الصعاب والشدائد من أجل نشر قيمه وأهدافه، فما أعظم عائداتهم عليه، وما أكثر ألطافهم وأياديهم على المسلمين
لقد كان هذا الإمام العظيم فذّاً من أفذاذ العقل البشري بمواهبه وطاقاته الثقافية والعلمية، كما كان بطلاً من أبطال التاريخ، وذلك بصموده أمام الأحداث، وبإرادته الصلبة تجاه الحكم العباسي المنحرف، فقد تمرّد الإمام على نُظُمه الفاسدة، وسعى إلى تحقيق الحق والعدل بين الناس
لقد كان الإمام العسكري (عليه السلام) وحيد عصره في وفرة علومه، وأعلم الناس بشؤون الدين وأحكام الشريعة، وإن علماء عصره كانوا محتاجين إلى الانتهال من نمير علومه، ومن مُثُله البارزة
إنه كان أعبد الناس،وقد آثر طاعة الله على كل شيء، وكذلك كان أحلم الناس، وأكظمهم للغيظ، وقد قابل من أساء إليه بالصفح والعفو عنه، وظاهرة أخرى من نزعاته، أنه كان من أجود الناس، وأنداهم كفاً وأكثرهم إسعافاً للفقراء وإعانة للمحوجين، وقد قام بدور مهمّ في إنعاش الفقراء، فقد نصب له وكلاء في كثير من مناطق العالم الإسلامي، وعهد إليهم بتوزيع الحقوق التي ترد إليه، على فقراء المسلمين وضعفائهم مما أوجب إنعاشهم وإنقاذهم من البؤس والحرمان. في حين أنه كان يعيش عيشة الفقراء، فلم يحفل بأي شيء من متع الحياة وملاذّها، شأنه شأن آبائه الذين أعرضوا عن الدنيا وزهدوا فيها
وكان من الطبيعي تقدير الأمة بجميع طبقاتها للإمام أبي محمد (عليه السلام) وتعظيمها له، فقد وقفت على هديه وصلاحه، وعزوفه عن الدنيا، وإخلاصه للحق، وتفانيه في طاعة الله وعبادته، واستبان لها أنه بقية الله في أرضه، والممثل الوحيد كجدّه الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)، بالإضافة إلى ذلك فقد تبنى الإمام القضايا المصيرية للعالم الإسلامي، ونادى بحقوق المسلمين، ونعى على حكام عصره ظلمهم للرعية، واستهانتهم بحقوقها فلذا أجمعت الأمة على تعظيمه والولاء له، والاعتراف بقيادته الهامة لها
لقد أدى الإمام العسكري دوره القيادي في رعاية الأمة على الرغم من سياسة الخلفاء العباسيين في اضطهاد الإمام، فضيّقوا عليه غاية التضييق، كما فرضوا عليه الإقامة الجبرية في سامراء، وأحاطوه بقوى مكثفة من المباحث والأمن تُحصي عليه أنفاسه، وتسجّل كل من يتصل به، ولكن لم تُخفي هذه الممارسات التعسفية من ضوء وشعاع الإمام العسكري وظلّ يمارس دوره القيادي في حفظ الشريعة، وإحاطة الأمة بالعلم والمعرفة الصحيحة وانتشال الأمة من الواقع المرير الذي فرضته عليهم السلطات الجائرة في ذلك الزمان
شخصيّة الإمام وخصائصه الأخلاقيّة:
انّ الفضائل الخلقيّة والكمالات المعنويّة للإمام (عليه السلام) كانت راقية بحيث اضطّر الاعداء ـ فضلاً عن الاصدقاء ـ للاعتراف بعظمة الإمام وعلوّ شخصيّته فقد روى الحسن بن محمّد الأشعري ومحمّد بن يحيى وغيرهما قالوا: كان أحمد بن عبيدالله بن الخاقان على الضّياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلويّة ومذاهبهم وكان شديد النّصب(1) والانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) فقال:
ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى رجلاً من العلويّة مثل الحسن ابن علي بن محمّد بن علي الرّضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكببرته عند أهل بيته وبني هاشم كافّة وتقديمهم ايّاه على ذوي السّنّ منهم والخطر وكذلك كانت حاله عند القوّاد والوزراء وعامّة الناس فأذكر انيّ كنت يوماً قائماً على رأس أبي(2) وهو يوم مجلسه للنّاس اذ دخل حجابّه فقالوا أبو محمّد بن الرّضا (الإمام العسكري (عليه السلام)) بالباب، فقال بصوت عال ائذنوا له، فتعجّبت مما سمعت منهم ومن جسارتهم ان يكنّوا رجلاً بحضرة أبي ولم يكن يكنّى عنده إلاّ خليفة أو وليّ عهد أو من أمر السّلطان ان يكنَّى(3)، فدخل رجل اسمر حسن القامه جميل الوجه جيد البدن حديث السنّ له جلالة وهيئة حسنة، فلما نظر اليه أبي قام فمشى إليه خطاً ولا اعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواّد، فلّما دنى منه عانقه وقبّل وجهه وصدره وأخذ بيده واجلسه على مصّلاه الذي كان عليه وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه وجعل يكلّمه ويفديه بنفسه وانا متعجّب ممّا أرى منه، إذ دخل الحاجب فقال: الموفّق قد جاء، وكان الموفّق إذا دخل على أبي تقدّمه حجابّه وخاصّة قوّاده فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمّد (عليه السلام) يحدّثه حتّى نظر إلى غلمان الخاصّة فقال حينئذ له إذا شئت(4) جعلني الله فداك ثمّ قال لحجّابه: خذوا به خلف السّماطين لا يراه هذا، يعني الموفّق، فقام وقام أبي فعانقه ومضى، فقلت لحجّاب أبي وغلمانه: ويحكم من هذا الّذي كنيتموه بحضرة أبي وفعل به أبي هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علويّ يقال له الحسن بن علي يعرف بابن الرّضا، فازددت تعجّباً ولم ازل يومي ذلك قلقاً متفكّراً في امره وأمر أبي وما رأيته منه حتّى كان الّليل، وكانت عادته ان يصلّي العتمة (أي العشاء الآخرة) ثمّ يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤمرات وما يرفعه إلى السلطان. فلمّا صلّى وجلس جئت وجلست بين يديه وليس عنده أحد، فقال لي يا أحمد ألك حاجة؟ فقلت: نعم يا أبت فان أذنت سألتك عنها، فقال: قد أذنت. قلت يا أبت: من الرّجل الذي رايتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والكرامة والتّبجيل وفديته بنفسك وأبويك؟ فقال: يا بنيّ ذاك امام الرّافضة(5) الحسن بن علي المعروف بابن الرّضا(6)، ثمّ سكت ساعة وانا ساكت ثمّ قال: يا بنيّ هاشم غيره لفضله وعفافه وصيانته وزهده وعبادته وجميل اخلاقه وصلاحه ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً، فازددت قلقاً وتفكّراً وغيظاً على أبي وما سمعته منه فيه ورأيت من فعله به، فلم تكن لي همّة بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره والبحث عن امره فما سألت أحداً من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وساير الناس إلاّ وجدته عندهم في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرّفيع والقول الجميل والتّقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليّاً ولا عدوّاً إِلاّ وهو يحسن القول فيه والثّناء عليه
عبادته(عليه السلام)
إنّ أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) هم القدوة والأُسوة في عبادتهم لله وإخلاصهم له تعالى والتعلّق به دون غيره، وروي أنّ الإمام العسكري(عليه السلام) عندما أُودع في السجن وكّل به رجلان من الأشرار بقصد إيذائه، فتأثّرا به وأصبحا من الفضلاء، فقيل لهما: «ويحكما ما شأنكما في هذا الرجل؟ قالا: ما نقول في رجلٍ يصوم نهاره ويقوم ليله كلّه، ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، وإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا ودخلنا ما لا نملكه من أنفسنا؟»(1).
عظمته(عليه السلام) في القلوب
لقد كان الإمام العسكري(عليه السلام) كآبائه أُستاذاً للعلماء وقدوة لسالكي طريق الحقّ، وزعيماً للسياسة، وعلماً يُشار إليه بالبنان، وتأنس له النفوس وتكنّ له الحبّ والموالاة، فكان من ذلك أن اعترف به حتّى خصماؤه.
امامته (عليه السلام):
انّ كل واحد من أئمّتنا المعصومين (عليهم السلام) لم يكتف بالرّوايات العامّة التي تذكر أسماء جميع الأئمة من أولهم إلى الإمام الثاني عشر في تنصيب الإمام الذي يأتي بعده، وانّما كان يعلن للشّيعة والخواصّ من اصحابه اسم الإمام الّذي يخلفه بصراحة تامّة حتّى يؤكّد الموضوع ويرفع أيّ ابهام أو لبس. وبالنّسبة للإمام العسكريّ فقد وردت روايات كثيرة في هذا المضمار نشير هنا إلى بعضها:
1 ـ يقول أبو هاشم الجعفري، وهو من اكبر رواة الشّيعة الموثّقين ومن أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) المقرّبين:
سمعت أبا الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟ فقال: لانّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه. قلت فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجّة من آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
2 ـ يقول الصقر بن أبي دلف:
« سمعت الإمام الهادي (عليه السلام) يقول: « ان الإمام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » (2).
3 ـ يقول النّوفليّ:
« كنت مع أبي الحسن (الإمام الهادي (عليه السلام)) في صحن داره فمّر بنا محمّد ابنه، فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا (امامنا) بعدك؟ فقال: « لا، صاحبكم من بعدي »(3).
4 ـ ويقول يحيى بن يسار القنبري:
« اوصى أبو الحسن (الإمام الهادي (عليه السلام)): إلى ابنه الحسن قبل مضيّ وفاته باربعة أشهر واشار إليه بالأمر (الإمامة والخلافة) من بعده، واشهرني على ذلك وجماعة من الموالي »(4).
5 ـ ويقول أبو بكر الفهفكي:
« كتب إليّ أبو الحسن الإمام الهادي (عليه السلام): أبو محمّد ابني (الإمام العسكري (عليه السلام)) اصحّ آل محمّد غريزة واوثقهم حجّة وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه تنتهي عرى الإمامة واحكامنا، فما كنت سائلي عنه فاسأله عنه فعنده ما تحتاج إليه »(5).
زهد الإمام:
يقول كامل بن ابراهيم المدني:
فلما دخلت على سيّدي أبي محمّد (الإمام العسكري (عليه السلام)) نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: وليّ الله وحجّته يلبس النّاعم من الثّياب ويأمرنا نحن بمواساة الاخوان وينهانا عن لبس مثله؟ فقال متبسّماً: يا كامل وحسر ذراعيه فاذا مسح اسود خشن على جلده، فقال: هذا لله وهذا لكم(1).
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا اَبا مُحَمَّد الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْهادِيَ الْمُهْتَدِيَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَابْنَ اَوْلِيآئِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ وَابْنَ حُجَجِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفِيَّ اللهِ وَابْنَ اَصْفِيآئِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خَليفَةَ اللهِ وَابْنَ خُلَفائِهِ وَاَبا خَليفَتِهِ
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تتقدم بأحر التعازي والمواساة لمولانا صاحب العزاء عجل الله فرجه الشريف الإمام الخلف الحجة المهدي ابن الحسن سلام الله عليه في هذه الذكرى الأليمه ،، ذكرى وفاة والده الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه ،،ونعزي العترة الطاهرة بهذا المصاب العظيم ،، و نعزي مراجعنا العظام والمشايخ الكرام في جميع مشارق الأرض ومغاربها ,ونعزي جميع المؤمنين والمؤمنات ونعزيكم أيها الأحبة بهذه الفاجعة عظم الله اجورنا واجوركم جميعاً بهذا المصاب الجلل ورزقنا الله واياكم زيارة الإمام العسكري في الدنيا وشفاعتهم في الاخرة صلوات الله وملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمد وآل محمد والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وعلى أجسادهم ورحمة الله وبركاته
الإمام أبو محمد الحسن العسكري هو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين حملوا رسالة الإسلام، وتبنوا أهداف الدين الحنيف، ووهبوا حياتهم في سبيله، ووطّنوا أنفسهم لمواجهة الكوارث وتحدّي الصعاب والشدائد من أجل نشر قيمه وأهدافه، فما أعظم عائداتهم عليه، وما أكثر ألطافهم وأياديهم على المسلمين
لقد كان هذا الإمام العظيم فذّاً من أفذاذ العقل البشري بمواهبه وطاقاته الثقافية والعلمية، كما كان بطلاً من أبطال التاريخ، وذلك بصموده أمام الأحداث، وبإرادته الصلبة تجاه الحكم العباسي المنحرف، فقد تمرّد الإمام على نُظُمه الفاسدة، وسعى إلى تحقيق الحق والعدل بين الناس
لقد كان الإمام العسكري (عليه السلام) وحيد عصره في وفرة علومه، وأعلم الناس بشؤون الدين وأحكام الشريعة، وإن علماء عصره كانوا محتاجين إلى الانتهال من نمير علومه، ومن مُثُله البارزة
إنه كان أعبد الناس،وقد آثر طاعة الله على كل شيء، وكذلك كان أحلم الناس، وأكظمهم للغيظ، وقد قابل من أساء إليه بالصفح والعفو عنه، وظاهرة أخرى من نزعاته، أنه كان من أجود الناس، وأنداهم كفاً وأكثرهم إسعافاً للفقراء وإعانة للمحوجين، وقد قام بدور مهمّ في إنعاش الفقراء، فقد نصب له وكلاء في كثير من مناطق العالم الإسلامي، وعهد إليهم بتوزيع الحقوق التي ترد إليه، على فقراء المسلمين وضعفائهم مما أوجب إنعاشهم وإنقاذهم من البؤس والحرمان. في حين أنه كان يعيش عيشة الفقراء، فلم يحفل بأي شيء من متع الحياة وملاذّها، شأنه شأن آبائه الذين أعرضوا عن الدنيا وزهدوا فيها
وكان من الطبيعي تقدير الأمة بجميع طبقاتها للإمام أبي محمد (عليه السلام) وتعظيمها له، فقد وقفت على هديه وصلاحه، وعزوفه عن الدنيا، وإخلاصه للحق، وتفانيه في طاعة الله وعبادته، واستبان لها أنه بقية الله في أرضه، والممثل الوحيد كجدّه الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)، بالإضافة إلى ذلك فقد تبنى الإمام القضايا المصيرية للعالم الإسلامي، ونادى بحقوق المسلمين، ونعى على حكام عصره ظلمهم للرعية، واستهانتهم بحقوقها فلذا أجمعت الأمة على تعظيمه والولاء له، والاعتراف بقيادته الهامة لها
لقد أدى الإمام العسكري دوره القيادي في رعاية الأمة على الرغم من سياسة الخلفاء العباسيين في اضطهاد الإمام، فضيّقوا عليه غاية التضييق، كما فرضوا عليه الإقامة الجبرية في سامراء، وأحاطوه بقوى مكثفة من المباحث والأمن تُحصي عليه أنفاسه، وتسجّل كل من يتصل به، ولكن لم تُخفي هذه الممارسات التعسفية من ضوء وشعاع الإمام العسكري وظلّ يمارس دوره القيادي في حفظ الشريعة، وإحاطة الأمة بالعلم والمعرفة الصحيحة وانتشال الأمة من الواقع المرير الذي فرضته عليهم السلطات الجائرة في ذلك الزمان
شخصيّة الإمام وخصائصه الأخلاقيّة:
انّ الفضائل الخلقيّة والكمالات المعنويّة للإمام (عليه السلام) كانت راقية بحيث اضطّر الاعداء ـ فضلاً عن الاصدقاء ـ للاعتراف بعظمة الإمام وعلوّ شخصيّته فقد روى الحسن بن محمّد الأشعري ومحمّد بن يحيى وغيرهما قالوا: كان أحمد بن عبيدالله بن الخاقان على الضّياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلويّة ومذاهبهم وكان شديد النّصب(1) والانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) فقال:
ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى رجلاً من العلويّة مثل الحسن ابن علي بن محمّد بن علي الرّضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكببرته عند أهل بيته وبني هاشم كافّة وتقديمهم ايّاه على ذوي السّنّ منهم والخطر وكذلك كانت حاله عند القوّاد والوزراء وعامّة الناس فأذكر انيّ كنت يوماً قائماً على رأس أبي(2) وهو يوم مجلسه للنّاس اذ دخل حجابّه فقالوا أبو محمّد بن الرّضا (الإمام العسكري (عليه السلام)) بالباب، فقال بصوت عال ائذنوا له، فتعجّبت مما سمعت منهم ومن جسارتهم ان يكنّوا رجلاً بحضرة أبي ولم يكن يكنّى عنده إلاّ خليفة أو وليّ عهد أو من أمر السّلطان ان يكنَّى(3)، فدخل رجل اسمر حسن القامه جميل الوجه جيد البدن حديث السنّ له جلالة وهيئة حسنة، فلما نظر اليه أبي قام فمشى إليه خطاً ولا اعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواّد، فلّما دنى منه عانقه وقبّل وجهه وصدره وأخذ بيده واجلسه على مصّلاه الذي كان عليه وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه وجعل يكلّمه ويفديه بنفسه وانا متعجّب ممّا أرى منه، إذ دخل الحاجب فقال: الموفّق قد جاء، وكان الموفّق إذا دخل على أبي تقدّمه حجابّه وخاصّة قوّاده فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمّد (عليه السلام) يحدّثه حتّى نظر إلى غلمان الخاصّة فقال حينئذ له إذا شئت(4) جعلني الله فداك ثمّ قال لحجّابه: خذوا به خلف السّماطين لا يراه هذا، يعني الموفّق، فقام وقام أبي فعانقه ومضى، فقلت لحجّاب أبي وغلمانه: ويحكم من هذا الّذي كنيتموه بحضرة أبي وفعل به أبي هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علويّ يقال له الحسن بن علي يعرف بابن الرّضا، فازددت تعجّباً ولم ازل يومي ذلك قلقاً متفكّراً في امره وأمر أبي وما رأيته منه حتّى كان الّليل، وكانت عادته ان يصلّي العتمة (أي العشاء الآخرة) ثمّ يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤمرات وما يرفعه إلى السلطان. فلمّا صلّى وجلس جئت وجلست بين يديه وليس عنده أحد، فقال لي يا أحمد ألك حاجة؟ فقلت: نعم يا أبت فان أذنت سألتك عنها، فقال: قد أذنت. قلت يا أبت: من الرّجل الذي رايتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والكرامة والتّبجيل وفديته بنفسك وأبويك؟ فقال: يا بنيّ ذاك امام الرّافضة(5) الحسن بن علي المعروف بابن الرّضا(6)، ثمّ سكت ساعة وانا ساكت ثمّ قال: يا بنيّ هاشم غيره لفضله وعفافه وصيانته وزهده وعبادته وجميل اخلاقه وصلاحه ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً، فازددت قلقاً وتفكّراً وغيظاً على أبي وما سمعته منه فيه ورأيت من فعله به، فلم تكن لي همّة بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره والبحث عن امره فما سألت أحداً من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وساير الناس إلاّ وجدته عندهم في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرّفيع والقول الجميل والتّقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليّاً ولا عدوّاً إِلاّ وهو يحسن القول فيه والثّناء عليه
عبادته(عليه السلام)
إنّ أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) هم القدوة والأُسوة في عبادتهم لله وإخلاصهم له تعالى والتعلّق به دون غيره، وروي أنّ الإمام العسكري(عليه السلام) عندما أُودع في السجن وكّل به رجلان من الأشرار بقصد إيذائه، فتأثّرا به وأصبحا من الفضلاء، فقيل لهما: «ويحكما ما شأنكما في هذا الرجل؟ قالا: ما نقول في رجلٍ يصوم نهاره ويقوم ليله كلّه، ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، وإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا ودخلنا ما لا نملكه من أنفسنا؟»(1).
عظمته(عليه السلام) في القلوب
لقد كان الإمام العسكري(عليه السلام) كآبائه أُستاذاً للعلماء وقدوة لسالكي طريق الحقّ، وزعيماً للسياسة، وعلماً يُشار إليه بالبنان، وتأنس له النفوس وتكنّ له الحبّ والموالاة، فكان من ذلك أن اعترف به حتّى خصماؤه.
امامته (عليه السلام):
انّ كل واحد من أئمّتنا المعصومين (عليهم السلام) لم يكتف بالرّوايات العامّة التي تذكر أسماء جميع الأئمة من أولهم إلى الإمام الثاني عشر في تنصيب الإمام الذي يأتي بعده، وانّما كان يعلن للشّيعة والخواصّ من اصحابه اسم الإمام الّذي يخلفه بصراحة تامّة حتّى يؤكّد الموضوع ويرفع أيّ ابهام أو لبس. وبالنّسبة للإمام العسكريّ فقد وردت روايات كثيرة في هذا المضمار نشير هنا إلى بعضها:
1 ـ يقول أبو هاشم الجعفري، وهو من اكبر رواة الشّيعة الموثّقين ومن أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) المقرّبين:
سمعت أبا الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟ فقال: لانّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه. قلت فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجّة من آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
2 ـ يقول الصقر بن أبي دلف:
« سمعت الإمام الهادي (عليه السلام) يقول: « ان الإمام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » (2).
3 ـ يقول النّوفليّ:
« كنت مع أبي الحسن (الإمام الهادي (عليه السلام)) في صحن داره فمّر بنا محمّد ابنه، فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا (امامنا) بعدك؟ فقال: « لا، صاحبكم من بعدي »(3).
4 ـ ويقول يحيى بن يسار القنبري:
« اوصى أبو الحسن (الإمام الهادي (عليه السلام)): إلى ابنه الحسن قبل مضيّ وفاته باربعة أشهر واشار إليه بالأمر (الإمامة والخلافة) من بعده، واشهرني على ذلك وجماعة من الموالي »(4).
5 ـ ويقول أبو بكر الفهفكي:
« كتب إليّ أبو الحسن الإمام الهادي (عليه السلام): أبو محمّد ابني (الإمام العسكري (عليه السلام)) اصحّ آل محمّد غريزة واوثقهم حجّة وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه تنتهي عرى الإمامة واحكامنا، فما كنت سائلي عنه فاسأله عنه فعنده ما تحتاج إليه »(5).
زهد الإمام:
يقول كامل بن ابراهيم المدني:
فلما دخلت على سيّدي أبي محمّد (الإمام العسكري (عليه السلام)) نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: وليّ الله وحجّته يلبس النّاعم من الثّياب ويأمرنا نحن بمواساة الاخوان وينهانا عن لبس مثله؟ فقال متبسّماً: يا كامل وحسر ذراعيه فاذا مسح اسود خشن على جلده، فقال: هذا لله وهذا لكم(1).
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا اَبا مُحَمَّد الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْهادِيَ الْمُهْتَدِيَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَابْنَ اَوْلِيآئِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ وَابْنَ حُجَجِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفِيَّ اللهِ وَابْنَ اَصْفِيآئِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خَليفَةَ اللهِ وَابْنَ خُلَفائِهِ وَاَبا خَليفَتِهِ
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين