بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لباسُ التقوى
◄ذكر القرآن الكريم أنّ لباس الإنسان لا يشتمل فقط على ما يستر البدن، وإنّما هناك لباس آخر يواري السوآت الباطنية التي يسوء الإنسان ظهورها، وهي رذائل المعاصي، فقال عزّ من قائل: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا[1] وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف/ 26)، وما يريده القرآن الكريم أن لباس التقوى خير عاصم يعصم الإنسان من ارتكاب الرذائل والمحرمات، فالتقوى هي خشية الإنسان من ربه بالغيب (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا[2] لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (الأنبياء/ 48-49). فالإنسان المتقي هو الإنسان الذي لا يدعُ الليل يمر إلا ويجعله نوراً يشعُ بذكر الله وبالاتصال به سبحانه فيتقلب بين أمواج الإيمان، فاتحاً قلبه للقرآن، وعقله للتفكير في خلق الله والكون والحياة، وروحه للرّحمن.. فينام هذا الإنسان على فراش الرحمة والسكينة (ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف/ 26).
إنّ من واجب الإنسان أن يجتهد في إسعاد حياته، ويختار الخير على الشر، ولا يمكن أن يرى طريق الخير إلّا عن طريق التقوى، فإنّ النفوس التقية تمتلك العقول السليمة، قال تعالى: (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة/ 100)، فتوجيه الخطاب بالتقوى إلى أولي الألباب (أي أصحاب العقول) يعني أن صاحب اللُب السليم أكثر تقبلاً لخشية الله من الجهلاء من الناس، فصاحب الفكر والعقل السليم يدرك بعقله أنّ الخالق عزّ وجلّ جدير بالخشية والعبادة ولذلك ذكر القرآن الكريم: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر/ 28)، أي أن أكثر الناس خشية من الله هم العلماء العارفون..
(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (الأنعام/ 32). إنّ الحياة الدنيا لعب ولهو، فهي تدور كما تدور الكرة في لعب الأطفال، وبذلك فهي شاغلة للإنسان عمّا يهمه من الحياة الأخرى، حيث الحياة الحقيقية الخالدة، وبالتأكيد فإنّ الحياة الحقيقية خيرٌ من حياة الوهم والخيال، والحياة الدائمة الباقية خير من الحياة القصيرة الفانية، ولذلك فإنّ الدار الآخرة خيرٌ للمتقين الذين عملوا الصالحات، وجاؤوا الله بقلبٍ سليم. يقول تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة/ 281)،وهو تذكير عام بيوم القيامة حتى ترجع النفوس لتقوى الله الورع عن محارمه.. إنّ أمامكم يوماً ترجعون فيه إلى الله فتوفى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون..
والتقوى إنّما تحصل بالتبصر في المناهي الإلهية والورع عن محارمه تعالى، ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف وهو المجزي عند الله فقد أمر باتباعه ونهى عن اتباع السبل والطرق الأخرى التي تهلك الإنسان في مسيرته الصاعدة في الحياة.. (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام/ 153-155).►
=======================
[1]- الريش: ما فيه الجمال مأخوذ من ريش الطائر لما فيه من أنواع الجمال والزينة، وربما يطلق على أثاث البيت ومتاعه.
[2]- الفرقان والضياء والذكر: التوراة آتاها الله موسى وأخاه هارون شريكه في النبوّة
المصدر: كتاب الأخلاق القُرآنية
الکاتب : زهير الأعرجي
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لباسُ التقوى
◄ذكر القرآن الكريم أنّ لباس الإنسان لا يشتمل فقط على ما يستر البدن، وإنّما هناك لباس آخر يواري السوآت الباطنية التي يسوء الإنسان ظهورها، وهي رذائل المعاصي، فقال عزّ من قائل: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا[1] وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف/ 26)، وما يريده القرآن الكريم أن لباس التقوى خير عاصم يعصم الإنسان من ارتكاب الرذائل والمحرمات، فالتقوى هي خشية الإنسان من ربه بالغيب (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا[2] لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (الأنبياء/ 48-49). فالإنسان المتقي هو الإنسان الذي لا يدعُ الليل يمر إلا ويجعله نوراً يشعُ بذكر الله وبالاتصال به سبحانه فيتقلب بين أمواج الإيمان، فاتحاً قلبه للقرآن، وعقله للتفكير في خلق الله والكون والحياة، وروحه للرّحمن.. فينام هذا الإنسان على فراش الرحمة والسكينة (ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف/ 26).
إنّ من واجب الإنسان أن يجتهد في إسعاد حياته، ويختار الخير على الشر، ولا يمكن أن يرى طريق الخير إلّا عن طريق التقوى، فإنّ النفوس التقية تمتلك العقول السليمة، قال تعالى: (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة/ 100)، فتوجيه الخطاب بالتقوى إلى أولي الألباب (أي أصحاب العقول) يعني أن صاحب اللُب السليم أكثر تقبلاً لخشية الله من الجهلاء من الناس، فصاحب الفكر والعقل السليم يدرك بعقله أنّ الخالق عزّ وجلّ جدير بالخشية والعبادة ولذلك ذكر القرآن الكريم: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر/ 28)، أي أن أكثر الناس خشية من الله هم العلماء العارفون..
(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (الأنعام/ 32). إنّ الحياة الدنيا لعب ولهو، فهي تدور كما تدور الكرة في لعب الأطفال، وبذلك فهي شاغلة للإنسان عمّا يهمه من الحياة الأخرى، حيث الحياة الحقيقية الخالدة، وبالتأكيد فإنّ الحياة الحقيقية خيرٌ من حياة الوهم والخيال، والحياة الدائمة الباقية خير من الحياة القصيرة الفانية، ولذلك فإنّ الدار الآخرة خيرٌ للمتقين الذين عملوا الصالحات، وجاؤوا الله بقلبٍ سليم. يقول تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة/ 281)،وهو تذكير عام بيوم القيامة حتى ترجع النفوس لتقوى الله الورع عن محارمه.. إنّ أمامكم يوماً ترجعون فيه إلى الله فتوفى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون..
والتقوى إنّما تحصل بالتبصر في المناهي الإلهية والورع عن محارمه تعالى، ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف وهو المجزي عند الله فقد أمر باتباعه ونهى عن اتباع السبل والطرق الأخرى التي تهلك الإنسان في مسيرته الصاعدة في الحياة.. (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام/ 153-155).►
=======================
[1]- الريش: ما فيه الجمال مأخوذ من ريش الطائر لما فيه من أنواع الجمال والزينة، وربما يطلق على أثاث البيت ومتاعه.
[2]- الفرقان والضياء والذكر: التوراة آتاها الله موسى وأخاه هارون شريكه في النبوّة
المصدر: كتاب الأخلاق القُرآنية
الکاتب : زهير الأعرجي
