بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من دعاء الندبة:
"بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا, بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نازِحٍ ما نَزَحَ عَنّا, بِنَفْسِي أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرا فَحَنَّا، بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ عَقِيدِ عِزٍّ لا يُسامَى, بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ أَثِيلِ مَجْدٍ لا يُجَارى, بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ تِلادِ نِعَمٍ لا تُضاهى, بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نَصِيفِ شَرَفٍ لا يُساوى.
إِلى مَتى أُحارُ فِيكَ يا مَوْلايَ؟ وَإِلى مَتى وَأَيُّ خِطابٍ أَصِفُ فِيكَ وَأيُّ نَجْوى؟". الغَيْبَةُ الكبرى هي حالةُ تواصُلٍ خاصّة بين القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف وبين المؤمنين، وهي علاقةٌ تُرسي الارتباط بين الإمام ورعيّته، ولذا يكون الشوق حاراًللِّقاء، وقد عبَّر دعاءُ الندبة عن هذه الحالة من الحبّ وعن رغبة لقاء المؤمنين بإمامهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
"بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يخْلُ مِنّا"
النفوس كلّها فداء للإمام ولو كان مغيّباً. أمَّا كيف يتحقَّق غياب الإمام جسدياً وحضوره معنوياً؟ فقد أجاب الإمام الصادق عليه السلام سليمانَ، أحد أصحابه، عندما سأله: فكيف ينتفعُ النَّاس بالحجة الغائب المستور؟ قال عليه السلام: كما ينتفعون بالشَّمس إذا سَتَرَها السَّحاب"(1). وكذا يكونُ دفء الإمام في القلوب.
وقد أخبرتنا الروايات بحضوره عجل الله تعالى فرجه الشريف بطرقٍ مختلفة, فيرانا ولا نراه, ويحضر في مواسم الحج، فعن زرارة قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم، فيراهم ولا يرونه"(2). فهو قريبٌ من قلوب مُحبِّيه ولو لم يروه.
*"بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نازِحٍ ما نَزَحَ عَنّا"
والنَّازحُ هو البعيد، ولكنَّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف قريبٌ ما نَزَحَ أو ابتعد عنَّا، فحبُّ الإمام عندنا ليس مُجرَّدَ علاقةٍ عاطفيّةٍ عابرة، بل هو بلسمُ الرّوح، ونُور الحياة، وعونُ الجوارح، ورضوان الآخرة، إنَّه خفقان القلب بحبِّ الولي.
وفيه: "بِنَفْسِي أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرا فَحَنَّا"، فالمشتاق يتمنَّى لقاءَ الحبيب، وأنت يا إمامي أمنيةُ المشتاق الذي لا أمنية له أسمى منها، وهي تُشعِلُ القلوب لهفةً وشوقاً، وتشمل المؤمن والمؤمنة ومَن يذكرك دائماً، ويلهج بالدعاء لظهورك، أوَلم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سلوا الله من فضله، فإنَّ الله عزَّ وجل يحبُّ أن يُسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج"(3)؟ حينها, يَعُمُّ حنانُك وعطفُك المؤمنين، فيستهدون بحضورك بينهم ولو لم يروك.
أفديك بنفسي يا عقيد العزّ، يا أصيلاً وثابتاً ملازماً للعزّ الذي لا يسمو ولا يصل إليه أحدٌ غيرك في مكانتك وعظمتك، "بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ عَقِيدِ عِزٍّ لا يُسامَى"، كيف لا يتعلَّق قلبي بكنفِك، وأنت العزيز السامي؟
*"بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ أَثِيلِ مَجْدٍ لا يُجَارى"
الأثيل هو المتأصّل في الشرف، وأثيل المجد بانيه، فيا إمامي الحبيب، أفديك بنفسي وأنتَ باني المجد الذي لا يجاريه أحد، فهو أحدُ كمالاتك يا صاحب المكانة العظيمة، ولطالما أفاضَ الكمالُ نورَ الحبّ في قلوب المؤمنين.
"بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ تِلادِ نِعَمٍ لا تُضاهى". تلادُ النِّعَم تعني توليد النِّعم أو إقامتها في المكان الذي يصبح مصدراً لها، والتي لا تُضاهى، فأنت تُعطي ولا تأخذ، وتُحسنُ ولا تنتظرُ ردَّ الإحسان، وتفيضُ ببركات غيبتك الكبرى، وإشعاع ظهورك المنتظر، بما يولِّدُ لهفةً في القلوب إلى لقياك، فمتى الفرج يا مولاي لقلوبٍ عاشقة ووالهة؟
ونَصيفَ الشَّرف. من يَعُمُّ الشرفُ منه فلا يساويه أحدٌ مكانةً ومحتداً، "بِنَفْسي أَنْتَ مِنْ نَصِيفِ شَرَفٍ لا يُساوى".
إنًّ انتظار المؤمنين يا سيدي هو انتظارُ العاشقين المحبِّين، وهو انتظارُ الدَّاعين لله تعالى بتعجيل الفرج، وهو انتظارُ من يلاحق الكلمة والإشارة التي تُنبئُ باحتمال الظهور، وهو خفقان القلب شوقاً للِّقاء، فـ: "إِلى مَتى أُحارُ فِيكَ يا مَوْلايَ؟"، وهي ليست حيرة التائهين عن الطريق، وإنما هي حيرة القلوب التي تنتظر استقرارها برؤية معشوقها لتكون في خدمته وتنفِّذ أوامره.
*كنت ضامناً له الجنة
عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عن الإمام الحسين عليه السلام, قال:
"قال لي أبي، قال أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سرَّه أن يلقى الله تعالى مقبلاً عليه غير مُعرِض عنه، فليوالِ علياً، ومن سرَّه أن يلقى الله تعالى وهو عنه راض، فليوالِ ابنه الحسن عليه السلام، ومن أحبَّ أن يلقى الله تعالى وهو لا خوفٌ عليه، فليوالِ ابنه الحسين عليه السلام،
(ثم ذكر الأئمة عليهم السلام) إلى أن قال: ومن أحبَّ أن يلقى الله وقد كَمُلَ إيمانه وحَسُنَ إسلامه، فليوالِ الحجَّة صاحب الزمان, القائم المنتظر, المهدي محمد بن الحسن، فهؤلاء مصابيحُ الدّجى، وأئمة الهدى، وأعلامُ التّقى، فمن أحبَّهم وتولّاَهم كنتُ ضامناً له على الله الجنة"(4).
كلماتي قاصرةٌ يا مولاي عن أن تُعبِّر عمَّا في قلبي، "وَإِلى مَتّى وَأَيُّ خِطابٍ أَصِفُ فِيكَ وَأيُّ نَجْوى؟"، فخطابي أتلوه على الملأ، وهو لا يعبِّر عمَّا يختلج في صدري، ولو استبدلته بمناجاتك بحيث لا يسمعني من البشر أحدٌ سواك، فلا أدري ماذا أقول، فأنا عاجزٌ عن شرح مرادي. يكفيني يا مولاي, مع ضعفي وعجزي, أنْ أُطلِق العنان لحبّي لك، فأنا أحبُّك، ولعلَّ مشاعر الحبّ تعفيني من التعبير العاجز، وأنت المتفضل بإحاطتك للمؤمنين. عجَّل الله تعالى فَرَجَك، فنحنُ بانتظارك يا مولاي، يا حبيب العاشقين.
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من دعاء الندبة:
"بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا, بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نازِحٍ ما نَزَحَ عَنّا, بِنَفْسِي أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرا فَحَنَّا، بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ عَقِيدِ عِزٍّ لا يُسامَى, بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ أَثِيلِ مَجْدٍ لا يُجَارى, بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ تِلادِ نِعَمٍ لا تُضاهى, بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نَصِيفِ شَرَفٍ لا يُساوى.
إِلى مَتى أُحارُ فِيكَ يا مَوْلايَ؟ وَإِلى مَتى وَأَيُّ خِطابٍ أَصِفُ فِيكَ وَأيُّ نَجْوى؟". الغَيْبَةُ الكبرى هي حالةُ تواصُلٍ خاصّة بين القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف وبين المؤمنين، وهي علاقةٌ تُرسي الارتباط بين الإمام ورعيّته، ولذا يكون الشوق حاراًللِّقاء، وقد عبَّر دعاءُ الندبة عن هذه الحالة من الحبّ وعن رغبة لقاء المؤمنين بإمامهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
"بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يخْلُ مِنّا"
النفوس كلّها فداء للإمام ولو كان مغيّباً. أمَّا كيف يتحقَّق غياب الإمام جسدياً وحضوره معنوياً؟ فقد أجاب الإمام الصادق عليه السلام سليمانَ، أحد أصحابه، عندما سأله: فكيف ينتفعُ النَّاس بالحجة الغائب المستور؟ قال عليه السلام: كما ينتفعون بالشَّمس إذا سَتَرَها السَّحاب"(1). وكذا يكونُ دفء الإمام في القلوب.
وقد أخبرتنا الروايات بحضوره عجل الله تعالى فرجه الشريف بطرقٍ مختلفة, فيرانا ولا نراه, ويحضر في مواسم الحج، فعن زرارة قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم، فيراهم ولا يرونه"(2). فهو قريبٌ من قلوب مُحبِّيه ولو لم يروه.
*"بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نازِحٍ ما نَزَحَ عَنّا"
والنَّازحُ هو البعيد، ولكنَّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف قريبٌ ما نَزَحَ أو ابتعد عنَّا، فحبُّ الإمام عندنا ليس مُجرَّدَ علاقةٍ عاطفيّةٍ عابرة، بل هو بلسمُ الرّوح، ونُور الحياة، وعونُ الجوارح، ورضوان الآخرة، إنَّه خفقان القلب بحبِّ الولي.
وفيه: "بِنَفْسِي أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرا فَحَنَّا"، فالمشتاق يتمنَّى لقاءَ الحبيب، وأنت يا إمامي أمنيةُ المشتاق الذي لا أمنية له أسمى منها، وهي تُشعِلُ القلوب لهفةً وشوقاً، وتشمل المؤمن والمؤمنة ومَن يذكرك دائماً، ويلهج بالدعاء لظهورك، أوَلم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سلوا الله من فضله، فإنَّ الله عزَّ وجل يحبُّ أن يُسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج"(3)؟ حينها, يَعُمُّ حنانُك وعطفُك المؤمنين، فيستهدون بحضورك بينهم ولو لم يروك.
أفديك بنفسي يا عقيد العزّ، يا أصيلاً وثابتاً ملازماً للعزّ الذي لا يسمو ولا يصل إليه أحدٌ غيرك في مكانتك وعظمتك، "بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ عَقِيدِ عِزٍّ لا يُسامَى"، كيف لا يتعلَّق قلبي بكنفِك، وأنت العزيز السامي؟
*"بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ أَثِيلِ مَجْدٍ لا يُجَارى"
الأثيل هو المتأصّل في الشرف، وأثيل المجد بانيه، فيا إمامي الحبيب، أفديك بنفسي وأنتَ باني المجد الذي لا يجاريه أحد، فهو أحدُ كمالاتك يا صاحب المكانة العظيمة، ولطالما أفاضَ الكمالُ نورَ الحبّ في قلوب المؤمنين.
"بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ تِلادِ نِعَمٍ لا تُضاهى". تلادُ النِّعَم تعني توليد النِّعم أو إقامتها في المكان الذي يصبح مصدراً لها، والتي لا تُضاهى، فأنت تُعطي ولا تأخذ، وتُحسنُ ولا تنتظرُ ردَّ الإحسان، وتفيضُ ببركات غيبتك الكبرى، وإشعاع ظهورك المنتظر، بما يولِّدُ لهفةً في القلوب إلى لقياك، فمتى الفرج يا مولاي لقلوبٍ عاشقة ووالهة؟
ونَصيفَ الشَّرف. من يَعُمُّ الشرفُ منه فلا يساويه أحدٌ مكانةً ومحتداً، "بِنَفْسي أَنْتَ مِنْ نَصِيفِ شَرَفٍ لا يُساوى".
إنًّ انتظار المؤمنين يا سيدي هو انتظارُ العاشقين المحبِّين، وهو انتظارُ الدَّاعين لله تعالى بتعجيل الفرج، وهو انتظارُ من يلاحق الكلمة والإشارة التي تُنبئُ باحتمال الظهور، وهو خفقان القلب شوقاً للِّقاء، فـ: "إِلى مَتى أُحارُ فِيكَ يا مَوْلايَ؟"، وهي ليست حيرة التائهين عن الطريق، وإنما هي حيرة القلوب التي تنتظر استقرارها برؤية معشوقها لتكون في خدمته وتنفِّذ أوامره.
*كنت ضامناً له الجنة
عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عن الإمام الحسين عليه السلام, قال:
"قال لي أبي، قال أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سرَّه أن يلقى الله تعالى مقبلاً عليه غير مُعرِض عنه، فليوالِ علياً، ومن سرَّه أن يلقى الله تعالى وهو عنه راض، فليوالِ ابنه الحسن عليه السلام، ومن أحبَّ أن يلقى الله تعالى وهو لا خوفٌ عليه، فليوالِ ابنه الحسين عليه السلام،
(ثم ذكر الأئمة عليهم السلام) إلى أن قال: ومن أحبَّ أن يلقى الله وقد كَمُلَ إيمانه وحَسُنَ إسلامه، فليوالِ الحجَّة صاحب الزمان, القائم المنتظر, المهدي محمد بن الحسن، فهؤلاء مصابيحُ الدّجى، وأئمة الهدى، وأعلامُ التّقى، فمن أحبَّهم وتولّاَهم كنتُ ضامناً له على الله الجنة"(4).
كلماتي قاصرةٌ يا مولاي عن أن تُعبِّر عمَّا في قلبي، "وَإِلى مَتّى وَأَيُّ خِطابٍ أَصِفُ فِيكَ وَأيُّ نَجْوى؟"، فخطابي أتلوه على الملأ، وهو لا يعبِّر عمَّا يختلج في صدري، ولو استبدلته بمناجاتك بحيث لا يسمعني من البشر أحدٌ سواك، فلا أدري ماذا أقول، فأنا عاجزٌ عن شرح مرادي. يكفيني يا مولاي, مع ضعفي وعجزي, أنْ أُطلِق العنان لحبّي لك، فأنا أحبُّك، ولعلَّ مشاعر الحبّ تعفيني من التعبير العاجز، وأنت المتفضل بإحاطتك للمؤمنين. عجَّل الله تعالى فَرَجَك، فنحنُ بانتظارك يا مولاي، يا حبيب العاشقين.