اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله تعالى: ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مسئولا) [الإسراء:64] .....
لاريب في أن الإنسان محاسب على جميع النعم التي وهبها الله له , ومن تلك النعم العظيمة نعمة البصر , هذه النعمة التي لا يشعر بقيمتها إلا الذي فقدها , لذا على الإنسان أن يحسن التصرف بهذه النعمة , ويشكر الله عليها , وشكره يكون بغض النظر عما حرمه تعالى ,إن غض النظر صفة من صفات الأنبياء والمرسلين والأئمة عليهم السلام , وهي من شيم الصفات وأفضلها , ولما كان الإفراط فيها موردا للتهلكة والتبعات ورد النهي منه عز وجل قال تعالى : ( قُلْ لِلمؤمِنينَ يَغُضُّوا من أبصَارِهِم ويَحفظُوا فُرُوجَهم ذلكَ أزكَى لَهُم إنَّ اللهَ خَبيرٌ بما يَصنَعُونَ * وَقُل لِلمؤمِنات يَغْضُضْنَ مِن أبصارِهِنَّ ويَحفظنَّ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبدِينَ زِينتَهُنَّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنها وليَضرِبنَ بِخُمرِهِنَّ على جيُوبهِنَّ... ) (1)
فأعلم عزيزي المؤمن عزيزتي المؤمنة , إن الخطاب موجه لكما , أن إطلاق العنان في النظر عما حرم الله هو أساس كل الفتن, فكم من شاب قد وقع في الهاوية بسبب النظر , وكم من شابة قد ضيعت حياتها ومستقبلها بسبب النظر بل حتى المؤمن المتراخي في النظر والمتهاون ينحدر تدريجيا إلى التهلكة , إن سلامة القلب هي أهم شيء ومنه منبع الإخلاص لله والإيمان, فغض النظر من الإيمان ,
فعن عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (ع) قال: وَ فَرَضَ عَلَى الْبَصَرِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَ أَنْ يُغَضَّ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ وَ هُوَ عَمَلُهُ وَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ (2)
ولما كانت العين هي مرآة للقلب , فتكرار النظر والإدمان يسود ه ويفقده بريقه , فالقلب كالصحيفة البيضاء , فعند النظر إلى ما حرم الله تنعكس هذه الصور في الذهن وتبقى لمدة زمنية كبيرة جدا , ربما لا تفارقه مدى الحياة , فيأخذ القلب في التلوث حتى ينطمس بالظلام .
إن النظرات المسمومة لها عدة جوانب وطرق فكم من فتاة قد ضيعت وقتها وأحاسيسها بالنظر إلى الشباب ظنا منها أنهم يبادلونها الشعور ذاته يا له من تصور خاطئ , وكذا كم شاب صرف نظراته إلى الفتيات ليعيش في لذة كاذبة وشهوة قاتلة عابرة , ومن طرقه أيضا ما يوجد من الصور المختلفة سواء في التلفاز وما يبث عبر بعض القنوات الفضائية أو مصادر الإنترنت متمثلة في المواقع الإباحية أو المجلات وغيرها ,
أن هذا الضمير الميت يجب أن يستيقظ ,وهذا القلب الذي عليه الرين يجب أن ينجلي , وهذه النفس يجب أن تطهر , فاسمع أهل بيت العصمة عليهم أفضل الصلاة والسلام ماذا قالوا , قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة » (3)
هذه النظرات تتراكم حتى تتولد الشهوة وهذه تولد الرغبة في قضائها بالزنا والانحراف , وأيضا عنه عليه السلام قال : « النظرة سهم من سهام إبليس مسموم ، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة » (4)
أن الشخص إذا ذكر عنده الزنا قال العياذ بالله , ولكنه لايدري أنه يرتكب الزنا بالنظر , قال الإمامان محمد الباقر وجعفر الصادق عليهما السلام : « ما من أحد إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا ، فزنا العينين النظر ، وزنا الفم القبلة ، وزنا اليدين اللّمس ، صدّق الفرج ذلك أم كذّب » (4)
قال الشاعر:
كل الحوادث مبدؤها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
كفتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلدها
في أعين الغير موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته
لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية الكريمة عن أبي جعفر (ع) قال (استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة , وكان النساء يتقنعن خلف آذانهم , فنظر إليها وهي مقبلة , فلما جازت نظر إليها , ودخل زقاق قد سماه ببني فلان , فجعل ينظر خلفها , واعترض وجهه عظم في الحائط , أو زجاجة , فشق وجهه , فلما مضت المرأة , نظر فإذا الدماء تسيل على صدره وثوبه , فقال :والله لآتين رسول الله (ص) و لأخبرنه . قال فأتاه, فلما رآه رسول الله (ص) , قال له : ما هذا ؟ , فأخبره , فهبط جبرائيل (ع) , بهذه الآية .(5).
ذكر القمي عن الصادق عليه السلام كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر فلا يحل لرجل مؤمن أن ينظر إلى فرج أخيه ولا يحل للمرأة أن تنظر إلى فرج أختها ( 6)
في الحقيقة أنه إدمان وربما أعظم من المخدرات, ولاشك في وجود أسباب وراء ذلك , لقد وجد بعض العلماء الباحثين بعد دراسة له لمجموعة كبيرة ممن ابتلوا بهذا الداء أن تواجد المواد الإباحية بسهولة أمام الناس من غير حجب أو تصفية يشكل إغراء شديدا يصعب على الأفراد عليهم مقاومته حتى لو كلف ذلك فقدان مبالغ ضخمة من المال, كما وجد أن تواجد القنوات الفضائية الإباحية في المنزل يؤدي إلى نتائج وخيمة , كالإعتداء , أن أمثال هؤلاء المعتدين ربما لا يُعرف عنهم سوء الخلق أو فعل الشر مثل ذلك الرجل المتفوق دراسيا والرئيس لشركته والفاعل للخير الذي ظهر بعد ذلك أنه كان يغتصب النساء بحد السكين أو المسدس في وكان الدافع الوحيد لهذه الأعمال الذي وجدوه هو سهولة حصوله على المواد الإباحية في صباه وتشبعه بها منذ الصغر,(7) ,
ولكن ربما ذلك يكون أحد الوسائل وليس الأسباب الحقيقية , إذ أن الأسباب وراء ذلك ترجع إلى ضعف الوازع الديني , المشاكل الاجتماعية , المشاكل الزوجية وعدم الانسجام ,الفراغ ورفقاء السوء ,العزوبية وعدم الزواج .
حينما حرم الشرع ذلك كان المقصد منه هو الحفاظ على الفرد والمجتمع , لذا تذكر هناك عدة أخطار تأتي جراء النظر المحرم منها :
1- الاضطراب النفسي وتعب القلب لكثرة ورود الأسهم المسمومة من النظرات الشيطانية .
2- تشتت البال وعدم التركيز وتدني التحصيل العلمي .
3- الابتعاد عن الله والعبادات والانزواء بعيدا عن المجتمعات الإيمانية .
4- يبعث الغفلة
5- هدر الأموال والنفس إذا استلزم المال الحصول على مايريد
6- خلل العلاقة الزوجية واضطرابها , وتفكك الأسرة وتشتت الأولاد.
7- من أسباب الحشر في النار والعذاب الأليم .
وغيرها , وكما أنه للنظر المحرم مساوئ وأخطار , لاشك في وجود محاسن الالتزام بالشرع وغض النظر نذكر منها :
1- من تركه لله لا لغيره أعقبه الله أمنا وإيمانا يجد طعمه (8)
2- صفاء القلب وإقباله على الطاعات .
3- الإطمئنان الأسري ووجود العلاقة الطيبة بين الزوجين .
4- تفرغ القلب من الإنشاغلات الباطلة وتفرغه للتفكر والتدبر في شؤون الدين والآخرة
5- تنزل على القلب الحكمة والعلم والطمأنينة.
يتأكد هذا النهي ,فقد ورد في الصَّحِيفَةُ السَّجَّادِيَّةُ، قَالَ الإمام السجاد عليه السلام فِي دُعَائِهِ عِنْدَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ( وَ أَعِنَّا عَلَى صِيَامِهِ بِكَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيكَ ) .
وايضا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع قَالَ وَ لَا تَجْعَلُوا يَوْمَ صَوْمِكُمْ كَيَوْمِ فِطْرِكُمْ وَ أَنَّ الصَّوْمَ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ وَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ فَصَامَ نَهَارَهُ وَ أَقَامَ وِرْداً فِي لَيْلِهِ وَ حَفِظَ فَرْجَهُ وَ لِسَانَهُ وَ غَضَّ بَصَرَهُ وَ كَفَّ أَذَاهُ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَهَيْئَةِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَقِيلَ لَهُ مَا أَحْسَنَ هَذَا مِنْ حَدِيثٍ فَقَالَ مَا أَصْعَبَ هَذَا مِنْ شَرْطٍ (9)
والحمد لله رب العالمين .
المصادر :
1- سورة النور : 24 | 30 ـ 31 .
2- مستدركالوسائل ج1- ص 246
3- من لا يحضره الفقيه الصدوق 4 : 18
4- الكافي ج 5 - ص 559
5- الكافي ج5 – ص521
6- تفسير الصافي ص 429
7- منقول
8- الوسائل ج2-ص 544 باب 80 ح 1
9- الوسائل ج7 - ص