بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الخربة
منطفئة ، ذابلة ، سحيقة العين ، متورمة الأطراف .
” رقية” تقتات الأسى و صابة اليتم ،دروب مديدة قطعتها و لوعات مرة سكنت فؤادها ،كم تشتاق لتلك الصباحات العذبة في دارها الزاكية برائحة الجريد ،حيث التراتيل العطيرة لوالدها الأحن وعبق كفيه اللتين تشمهما بحب و ود ،كم تشتاق لمقلته المتلألئة تشيع في أعماقها أغاريد السلام..
تدير عينيها فلا ترى إلا ” اليباب” يعج بالتنعاب ،وفاقدات كلهن حولها يبكين.
(2) ” عمتي ………..طال السفر !”
حَيِيَةٌ تلقيها على عمتها التي تباشر أخاها العليل..
بالأمس كانت تحب النظر لوجه عمتها الوضيء ،ثمة سر في قسماتها يستل الشجن استلالا ،و اليوم تحب ذلك أيضا ، لكن وجهها يشجيها . ،رغم أن السر تكشف وبدا ..
” عمتي… طال السفر !”
ترددها وتلقيها بالدمع هذه المرة ،لتضمها عمتها إلى صدرها ،تتذكر يوما هو الأطول في سنواتها الأربع،هو الأشرس،هو الأقذى!
يومُ رأت فيه دموع والدها سخينة ،لم تكن دموعا كالتي اعتادت عليها عقب خلواته في الأسحار كانت دموعا حمراء!
كشمس ذلك اليوم..
يوم غرس الظمأ أشجار حرائقه في قلبها وقلوب أبناء عمومتها،ما الذي يُنبئها أن فقدها سيكون أكثر صليا.
(3) في الخربة ،”رقية ” تغفو ،تتسول السلوى ليأتيها طيف والدها الحبيب، يمد ذراعيه لتدفن وجهها في فيحاء صدره ..
كم هي مشتاقة إليه.
رقية تصحو،مطعونة القلب ،فراغ ينهشها كفراغ أم موسى ساعة ألقته في اليم ..
” أريد أبي”
تصرخ وهي النسمة الرطيبة ..
” أريد أبي”
وليتها لم تنطقها !!
أم هو الدرب الذي لابد أن تسير فيه، فعلى طبق مغطى بالويل يُأتى برأسه المرفض مسكا ،تكشفه ،ليهدر الإرنان:
” أبتاه..من لليتيم حتى يكبر
من للنساء الحائرات
من للضائعات الغريبات”!!!
تبكي ..تموج .. تصمت..تسكن “رقية”..ولكن الخربة لا تسكن!