وقد حصلت للسيد الله وردي پوشينه يوم كان عمره اثنين وخمسين عاماً وهو من اهالي مدينة (به شهر) في محافظة جيلان الايرانية وكان قد اصيب بسكتة دماغية، نشرت اصل قصته مجلة زائر الايرانية في عددها السابع الصادر في شهر رمضان المبارك سنة ۱٤۱۸ :
اسم المعانى: الله وردي بوشينه، ٥۲ سنة.
المهنة: سائق شاحنة.
المدينة: به شهر، محافظة كيلان.
المرض: سكتة دماغية.
الله وردي.. الله وردي!
كان «باشا» هو من ناداه. أبعد «الله وردي» ظهره عن المتكأ، واستند بكفيه على ركبتيه ليقوم، فنهض باتجاه النافذة يفتحها صاح من النافذة:
تفضل باشا، لا احد في المنزل... تفضل.
انداح صوت باشا في ممر باحة الدار. سعل وهو يهبط الدرجات القليلة نحو الباحة، وعبر تحت أشجار النارنج والبرتقال المثقلة بالثمر. كان (الله وردي) ينظر اليه من وراء زجاحة النافذة التي يكسوها البخار. دخل باشا الى الغرفة: وتقدم (الله وردي) لاستقباله:
- أهلاً بك باشا، اليوم من اين طلعت الشمس وتذكرتنا؟!
تعانقا وقبل احدهما الآخر. استجاب باشا لطلب (الله وردي) فجلس في صدر مستنداً الى المتكأ.
انا خجلان منك الله وردي، صارت مشاغلنا كثيرةً، وما عندي وقت لأحك رأسي! تناول الله وردي ابريق الشاي من السماور، وسكب شاياً لضيفه وقربه اليه.
دائماً هي المشاكل التي تبعد الناس عن بعضهم.
جلس الله وردي مقابل باشا: والآن قل لي... ما الشغل المهم الذي جرك الى هنا...؟!
سكب باشا الشاي في الصحن ليبرد:
عندي حمولة فاكهة. قلت اذا لم تكن مشغولاً...
قاطعه الله وردي، وكأنه كان يتوقع مثل هذا العرض: الى اي مكان؟
وضع باشا في طرف فمه مكعبة سكر، ورشف الشاي، ثم قال: الى مشهد ان شاء الله.
استأنس الله وردي، وابتسم قائلاً: هذه دعوة من الامام (عليه السلام) اتراني اقدر ان امانع؟! موافق طبعاً.
صاحت المرأة متضايقة: لا يا الله وردي. إنهم يأتون الخميس ليأخذوا الجواب.
قال الله وردي بأعصاب باردة: يأتون.. فيأتوا، ما علاقتهم بي؟! انت اعطيهم الجواب.
التفتت اليه المرأة بانفعال، وقالت: اتدري ماذا تقول يا رجل؟! هل تريد بيع بضاعة فتوافق على ما اوافق عليه؟! ما شاء الله تريد ان تزوج ابنتك! اما تريد ان ترى صهر المستقبل... يعجبك ام لا يعجبك؟!
قال وقد شعر بالضيق: قولي ماذا افعل؟!
اعطيت وعداً ولا يمكن ان اخالفه. قولي لهم يأتوا في الاسبوع القادم، لم ينزل الوحي ليقول انهم لابد ان ياتوا ليلة الجمعة!
سئمت المرأة من ضيق صدر زوجها. تناولت سماعة التلفون، ونظرت الى الرجل قائلة: انا اتصل به، باشا ليس غريباً عنا، أقول له يحول حمولته الى شخص آخر.. هل الدنيا في قحط سواق؟!
مضى الرجل الى المرأة، فأخذ سماعة التلفون من يدها، وقال منزعجاً:
مثلما قلت، اما ان تؤجلي.. او ان تعقدوا المجلس بدوني.
وافقت المرأة مكرهة. لم يكن لها بد مع كل هذا التعنت والعناد. ما عساها تستطيع ان تفعل؟!
حسناً... اذن اتصل انت واخبرهم.
كانت السماعة في يد الله وردي. ادار قرص ارقام التلفون. كان الخط مشغولاً وضع السماعة على التلفون باستياء، وقال: مشغول.. سيدتي!
كان الله وردي كمن يتمنى ذلك، فقد ابتعد فوراً عن التلفون وذهب الى ناحية من الغرفة، وجلس متكئاً.
سكبت المرأة فنجان شاي وقدمته الى زوجها، ثم جلست الى جنبه.
قالت بتودد: العن الشيطان يا رجل!
القى الرجل نظرة الى وجه المرأة الملتمس وقال: الرجل عند كلامه!
طأطأة المرأة رأسها وقالت: لا ادري لماذا قلبي يفور. قلبي غير راض عن هذه السفرة. فديت نفسي لغربة الامام الرضا (عليه السلام) ان شاء الله نذهب كلنا للزيارة في الصيف القادم.
نهض الله وردي من مكانه دون ان يشرب الشاي. اتجه صوب الباب وهو يقول:
لا تشغلي قلبك يا امراة. انا اعطيت وعداً، اذهب وارجع بسرعة. وان شاء الله نروح كلنا الى الزيارة في الصيف القادم.
لكن قلب المرأة لم يهدأ ولم يستقر. وشحن الله وردي الحمولة ثم مر بالمنزل قبل ان يمضي الى غايته. ودع زوجته وابنته، وانطلق بالشاحنة.
واجلت المرأة موعد المجلس، لكن القلق لم يغادر قلبها ولم يفارقه الاضطراب.
انها لا تدري ما هذا القلق الذي لا يدعها تهدأ وتستكين، كأنما هي تتوقع ان تسمع خبراً سيئاً في اية لحظة.
قالت: استغفر الله!
واخرجت من جانب عصابتها ورقة نقدية من فئة العشرين توماناً، والقتها في الصندوق المعد للصدقات. ثم توجهت الى المطبخ، فوضعت مقداراً من الفحم على الطباخ، وذرت حبات من الحرمل على النار، وكانت تتمتم بالدعاء وهي تحمل مجمر الحرمل وتدور به في الغرفه.
كان الله وردي - وقد جلس باشا الى جواره- يتقدم بسيارته سريعاً في الجادة المعبدة السوداء. وكان المطر ينزل رذاذاً، وقد مد الليل رداءه الاسود على السهل الفسيح. ولما انعطف الله وردي في منعطف من الطريق توقف امام مقهى محاط بالاشجار. التفت الى باشا يسأله: ما رأيك في فنجان شاي؟
اعرب باشا عن موافقته، وفتح باب السيارة ونزل، ومضي الاثنان باتجاه المقهى.
ولكن الله وردي ما ان وضع قدمه على اولى الدرجات الصاعدة الى المقهى حتى انشب الم مفاجيء اظفاره في خاصرته وصدره وراسه، فهوى بلا إرادة على الدرجات. لطم باشا رأسه بيده، وهرع الى الله وردي: يا ابا الفضل العباس! ماذا جرى الله وردي؟!
كان باشا، ومعه امرأة الله وردي وابنته، عند سرير الله وردي. هم الراقد في السرير ان ينهض، لكنه لم يوفق. كان كمن فقد السيطرة على حركة ظهره ورجله ويدور استعبر باكياً، وتذكر كلمات امرأته: لا ادري لماذا قلبي يفور. قلبي غير راض عن هذه السفرة!
شعر الله وردي بانكسار حزين، وتغرغرت عيناه بالدموع، وسأل بنظرة مستعطفة باكية: ما الذي اصابني؟!
وبكى باشا ايضاً. لقد مر اسبوع على رقاد الله وردي في المستشفى، وقد نقل توا من غرفة الانعاش الى الردهة، فاستطاع باشا مواجهته من قرب... فبماذا يمكن لباشا ان يجيبه غير الاعتصام بالصمت والبكاء؟!
عند انتهاء وقت المواجهة قال باشا لزوجة الله وردي: الاطباء يقولون انه مصاب بالشلل ولم يعد قادراً على الحركة، لكن يجب الا يفقد الامل.
وفي اللحظه اتخذت المرأة قراراً. التفتت الى باشا وقالت: الله وردي فضل هذه السفرة رغبة في زيارة الامام (عليه السلام) واريد ان احقق رغبة زوجي. سآخذه الى مشهد ليزور الامام الرضا.
الحضرة مزدحمة كالعادة. والزائرون يطوفون في شوق ووجد طواف الفراشات حول الشمعة. كان الله وردي جالساً في جوار النافذة الفولاذية في الصحن العتيق، وقد امتد حبل من عنقه الى نافذة الحضرة. حبل معقود بينه وبين النافذة.. يدرك رائيه ان الله وردي جاء «دخيلاً» مستجيراً طالباً بلوغ امنيته.
ثلاث ليال وهو دخيل، لكنه لم ير الى الآن ما يدل على ان الامام (عليه السلام) قد من عليه بما يأمله ويرجوه باذن الله تعالى. لم يكن الرجل فاقداً الامل... لكنه كان في قلق واضطراب. ترى.. ما الذي سيكون لم يتفضل عليه الامام؟! كيف يطيق التكور على نفسه في زاوية داره كنبتة مرمية، وهو السائق الذي تعود ان يجوب الطرق الطويلة بين المدن جيئة وذهاباً؟!
كان مأخوذاً بهمومه مستغرقاً في هواجسه، عندما دنا منه سيد فارع الطول بهي الطلعة. جلس الى جنبه، ومسح يده على وجهه. كان الله وردي يذرف الدموع والسيد يمسح دموع عينيه.
خاطبه السيد بعطف وحنان: لا تبك. اذهب الى الحرم، وستنال الشفاء. ان شاء الله.
حل الله وردي الحبل من عنقه، واخذ يسحب نفسه على الارض... حتى استطاع بعد عسر ومشقه ان يدخل الى الحضرة. العابرون يمرون من حوله، فتصطدم به ارجل بعضهم او ترفسه، لكنه لم يكن يحس بألم.
وصل في زحفه العسير الى الضريح، وأقدام الزائرين المزدحمين ما تفتأ ترفس رجليه او تدوس عليهما. الصق جسمه بالضريح، فانتبه الى احساس بالحركة في رجليه، واستيقظت مشاعره.. فركز الانتباه. تململ ليحرك رجليه، فاستطاع تحريكهما حركة يسيرة. تململ مرة اخرى برجاء غامر.. فكان بوسعه ان يسحبهما ويحميهما من ارجل الحاضرين. جمع ساقيه وجلس بجنب الضريح جلسة القرفصاء. امسكت قبضته بمشبك الضريح، وحاول ان يقوم. قام واقفاً على قدميه، وبلا اختيار... ندت منه صيحة ملأت المكان. كانت صيحة مفعمة بالسرور والرضى، طافحة بالامل. انها صيحة الفوز بالشفاء «المستحيل» بعد ان جنى «غير الممكن» بيديه.
(ترجمة واعداد من مجلة الزائر، ص ۷- ۸، العدد ۷، رمضان ۱٤۱۸هـ)
برامج الاذاعة الفائزون بالشفاء