ذِكرَى وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ مُؤْمِنِ قُرَيْشٍ
السؤال:
مَتَى تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ عَمِّ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ)، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى كَوْنِهِ مَاتَ مُؤْمِنًا بِالرِّسَالَةِ النَّبَوِيَّةِ؟!!
الجواب :
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ مَنَافٍ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيِّ الْقَرَشِيِّ، هُوَ عَمُّ النَّبِيِّ ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ) وَكَافِلُهُ، وَالْمُدَافِعُ عَنْهُ إِلَى آخِرِ لَحْظَةٍ فِي حَيَاتِهِ، وَقَدْ رَوَى اِبْنُ إسحاقَ فِي سِيرَتِهِ أَنَّ قُرَيْشًا مَشَوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ تَارَةً أُخْرَى فَكَلَّمُوهُ وَقَالُوا مَا نَحْنُ يَا أَبَا طَالِب وَإِنْ كُنْتَ فِينَا ذَا مَنْزِلَةٍ بِسِنِّكَ وَشَرَفِكَ وَمَوْضِعِكَ بِتَارِكِي اِبْنِ أَخِيكَ عَلَى هَذَا حَتَّى نُهْلِكَهُ أَوْ يَكُفَّ عَنَّا مَا قَدْ أَظْهَرَ بَيْنَنَا مِنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا وَسَبِّ آبَائِنَا وَعَيْبِ دِينِنَا فَإِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ لِحَرْبِنَا وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْ فَقَدْ أَعْذَرْنا إِلَيْكَ وَطَلَبَنَا التَّخَلُّصَ مِنْ حَرْبِكَ وَعَدَاوَتِكَ فَكُلُّ مَا نَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مَخْلَصٌ فَاُنْظُرْ فِي أَمْرِكَ ثُمَّ اِقْضِ اليْنَا قَضَاءَكَ.
فَبَعَثَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَقَالَ لَهُ: يَا اِبْنَ أَخِي، إِنَّ قَوْمَكَ جَاءُونِي، وَقَالُوا كَذَا وَكَذَا، فَأَبْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ، وَلَا تُحَمِّلْني مَا لَا أُطِيقُ أَنَا وَلَا أَنْتَ.
فَاكْفُفْ عَنْ قَوْمِكَ مَا يَكرَهُونَ مِنْ قَوْلِكَ.
فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللهِ: وَاللهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي، مَا تَرَكْتُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ أهْلَكَ فِي طَلَبِهِ.
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:
وَاللهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ حَتَّى أَوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفينَا
فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ وَأَبْشِرْ وَقَرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيُونًا
وَعَرَضْتَ دِينًا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ خَيْرُ أَدْيَانِ الْبَرِّيَّةِ دِينًا
لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حَذَارِيّ سَبَّةً لَوَجَدْتَنِي سَمْحَاً لِذَاكَ مُبَيِّنا[ سَيْرَةُ اِبْنِ اسحاق: 136]
كَانَ أَبُو طَالِبٍ يَسْتَعْمِلُ التَّقِيَّةَ مَعَ قُرَيْشٍ حَتَّى يَحْمِي النَّبِيَّ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ) مِنْ بَطْشِهِمْ وَجَبَرُوتِهِمْ، وَهَذَا الْمَوْقِفُ مِنْهُ جَعَلَ الْبَعْضَ يَتَوَقَّفُ فِي إيمَانِهِ، وَزَادَ الْمَوْقِفُ غُمُوضًا بِمَا خَطَّتْهُ يَدُ الْوَضْعِ وَالنُّصْبِ مِنْ أَحادِيثَ كَاذِبَةٍ فِي كَوْنِهِ مِنْ أهْلِ النَّارِ نِكَايَةً بِاِبْنِهِ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) الَّذِي سَنُّوا لَعْنَهُ وَسَبَّهُ عَلَى الْمَنَابِرِ لِمُدَّةِ سَبْعِينَ عَامًا، وَإِلَيْكَ جُمْلَةً مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى إيمَانِهِ (رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ) وَإِسْلَامِهِ:
(1) أَشْعَارُهُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي تُنْبِيءُ عَنْ إيمَانِهِ بِالْإِسْلَامِ، وَهَذَا جَانِبٌ مِنْهَا:
1 أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّا وَجَدْنَا مُحَمَّدًا*** نَبِيَّاً كَمُوسَى خُطَّ فِي أَوَّلِ الْكُتُبِ
2 نَبِيٌّ أَتَاهُ الْوَحْيُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ*** وَمَنْ قَالَ لَايَقْرَعُ بِهَا سِنَّ نَادِمِ
3 يَا شَاهِداً اللهَ عَلِّي فاشهدِ*** أَنّي عَلَى دِينِ النَّبِيِّ أَحْمَدِ
4 يَا شَاهِداً الْوَحْيَ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ*** أنّي عَلَى دِينِ النَّبِيِّ أَحْمَدِ
- قَالَ مُخَاطَبَاً مَلِكَ الْحَبَشَةِ وَيَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ:
لِيَعْلَمَ خَيْرُ النَّاسِ أَنَّ مُحَمَّدًا*** رَسُولٌ كَمُوسى وَالْمَسِيحِ بْنِ مَرْيَمِ
أَتَى بِالْهُدَى مِثْلَ الَّذِي أَتَيَا بِهِ*** فَكُلٌّ بحَمِدِ اللهِ يَهْدي وَيَعْصِم
وَإِنَّكُمْ تَتْلُوْنَهُ فِي كِتَابِكُمْ*** بِصِدْقِ حَديثٍ لَا حَديثَ المجمجمِ
فَلَا تَجْعَلُوا للهِ نَدًّا وَأَسْلِمُوا*** فَإِنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ لَيْسَ بِمُظْلِمِ»
(رَاجِعْ مَصَادِرَ هَذِهِ الْأَشْعَارِ وَغَيْرِهَا كَثِيرٌ فِي: إيمَانِ أَبِي طَالِبٍ لِلشَّيْخِ الْمُفِيدِ النُّسْخَةُ الْمُحَقَّقَةُ الْمَطْبُوعَةُ بِمُوَافَقَةِ اللَّجْنَةِ الخاصَّةِ لِلْمُؤْتَمَرِ الْعَالَمِيِّ لِأُلْفِيَّةِ الشَّيْخِ الْمُفِيدِ)
(فَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْعَارِ قَدْ جَاءَتْ مَجِيءَ التَّوَاتُرِ ؛ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ آحَادُهَا مُتَوَاتِرَةً، فَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ، وَهُوَ تَصْدِيقُ مُحَمَّدٍ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ)، وَمَجْمُوعُهَا مُتَوَاتِرٌ)[ اُنْظُرْ: شَرَحَ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ لِلْمُعْتَزِلِيِّ 14: 79]
(2) نُصْرَتُهُ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ) بِشَكْلٍ لَا نَظِيرَ لَهُ وَدِفَاعُهُ عَنْهُ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ النُّصْرَةُ بِدَافِعِ الْقَرَابَةِ وَالْحِسِّ الْعَشَائِرِيِّ لَظَهَرَتْ عِنْدَ أَبِي لَهَبٍ، عَمِّ النَّبِيِّ الْآخَرِ، الَّذِي حَارَبَ النَّبِيَّ (ص) جِهَارًا نَهَارًا حَتَّى جَاءَ الْقُرْآنُ بِذَمِّهِ وَتَقْريعِهِ.
وَفِي نُصْرَةِ الْمُصْطَفَى (ص) يَقُولُ أَبُو طَالِبٍ (رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ):
كَذَبْتُم وَبَيْتِ اللهِ نُبَزى مُحَمَّدًا* وَلَمَّا نُطَاعِنُ دونَهُ وَنُنَاضِلِ
وَنُسَلِّمُهُ حَتَّى نُصْرَعَ حَوْلَهُ* وَنُذْهَلَ عَنْ أبْنَائِنَا وَالْحَلَاَئِلِ [ تَارِيخُ الإِسلامِ لِلذَّهَبِيِّ 1: 162، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ لِاِبْنِ كَثِيرِ 3: 71]
فَهَذِهِ النُّصْرَةُ إِلَى حَدِّ التَّضْحِيَةِ وَالْفِدَاءِ بِالنَّفْسِ وَالْأهْلِ وَالْأَوْلَاَدِ - مَعَ الْأَشْعَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ - تَكْشِفُ بِشَكْلٍ صَرِيحِ عَنْ إيمَانٍ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلامُ).
(3) تَصْرِيحُ أَبِي طَالِبٍ الصَّرِيحُ- فِيمَا نَقَلَهُ أهْلُ السُّنَّةِ أَنْفُسُهُم- سَاعَةَ مَوْتِهِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ) بِقَلْبِهِ وَلَكِنَّهُ يُنْكِرُهُ بِلِسَانِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ مَحَلَّا لِبُغْضِ قُرَيْشٍ، فَهُوَ إِذَنْ كَانَ يَتَعَامَلُ بِالتَّقِيَّةِ مَعَ قُرَيْشٍ حَتَّى يَحْمِيَ النَّبِيَّ مُحَمَّداً (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ) مِنْ بَطْشِهِمْ وَجَبَرُوتِهِمْ، وَالدَّليلُ أَنَّهُ (ص) لَمَّا فَقَدَ عَمَّهُ أَبا طَالِبٍ سَمَّى ذَلِكَ الْعَامَ بِعَامِ الْحُزْنِ وَفَكَّرَ بِالْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ لِفُقْدَانِ نَاصِرِهِ فِيهَا، حَتَّى وَرَدَ التَّصْرِيحُ عَنْهُ (ص):( نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنِّي مِنَ الْأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ فِيهِ حَيَاةَ أَبي طَالِبٍ).
أَمَّا وَصِيَّتُهُ (رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ) حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَبِمَحْضَرِ وُجَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَقَدْ نَقَلَهَا الْحَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ سَيْرَتِهِ، جَاءَ فِيهَا:
( وإِنِّي أُوصِيكُمْ بِمُحَمَّدٍ خَيْرًا فَإِنَّهُ الْأَمينُ فِي قُرَيْشٍ إي وَهُوَ الصَّدِيقُ فِي الْعَرَبِ وَهُوَ الْجَامِعُ لِكُلِّ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَقَدْ جَاءَ بِأَمْرٍ قَبِلَهُ الجِنَانُ وَأَنْكَرَهُ اللِّسَانُ مَخَافَةَ الشَّنَآنِ أَيّ الْبُغْضِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الشَّنَآنِ وَأيِّمّ اللهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى صَعَالِيكِ الْعَرَبِ وَأهْلِ الْبِرِّ فِي الْأَطْرَافِ وَالْمُسْتَضْعِفِينَ مِنَ النَّاسِ قَدْ أَجَابُوا دَعْوَتَهُ وَصَدَّقُوا كَلَمَتَهُ وَعَظَّمُوا أَمْرَهُ فَخَاضَ بِهِم غَمرَاتِ الْمَوْتِ فَصَارَتْ رُؤَسَاءُ قُرَيْشٍ وَصَنَادِيدُهَا أَذْنَابًا وَدُورُهَا خَرَابًا وضُعَفاؤُها أَرَبَابًا وَإِذَا أَعْظَمُهُمْ عَلَيْهِ أَحْوَجُهُمْ إِلَيْهِ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْهُ أَحْظَاهُمْ عِنْدَهُ قَدْ مَحْضَتْهُ الْعَرَبُ وِدَادَهَا وَأَعْطَتْهُ قِيَادَهَا دونَكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ كُونُوا لَهُ وُلَاةً وَلِحِزْبِهِ حَمَاةً وَاللهِ لَا يَسْلُكُ أحَدٌ مِنْكُمْ سَبِيلَهُ إِلَّا رَشِدَ وَلَا يَأْخُذُ أحَدٌ بِهَدْيِهِ إِلَّا سَعِدَ).
اِنْتَهَى [السِّيَرَةُ الْحَلَبِيَّةُ 2: 50، تَارِيخُ الْخَمِيسِ 1: 339، السَّيْرَةُ لِزَيْنِيِّ دَحَلَانِ هَامِشِ الْحَلْبِيَّةِ 1: 93، الرَّوْضُ الْأُنُفُ لِلسُّهَيْلِيِّ 1: 259]
قَالَ السَّيِّدُ زَيْنِيُّ دَحَلَانٍ:( فَاُنْظُرْ وَاِعْتَبِرْ أَيَّهَا الْوَاقِفُ عَلَى هَذِهِ الْوَصِيَّةِ كَيْفَ وَقَعَ جَمِيعُ مَا قَالَهُ أَبُو طَالِبٍ بِطْريقِ الْفِرَاسَةِ الصَّادِقَةِ الدَّالَةِ عَلَى تَصْدِيقِهِ النَّبِيّ). اِنْتَهَى
(4) وَصِيَّتُهُ لِأَبْنَائِهِ وَبَنِي هَاشِمٍ بإتِّبَاعِ النَّبِيّ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ):
فَقَدْ أَخَرَجَ اِبْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى":( أَنَّ أَبَا طَالِبٍ دَعَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا سَمِعْتُم مِنْ مُحَمَّدٍ وَمَا اتَّبَعْتُم أَمْرَهُ فَاتَّبِعُوهُ وَأَعِينُوهُ تَرْشُدُوا)[ الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى 1: 123]
وَبِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ أَثْبَتَ البَرزَنجيّ (مِنْ عُلَمَاءِ أهْلِ السَّنَةِ) إيمَانَ أَبِي طَالِبٍ، حَيْثُ قَالَ:( قُلْتُ بَعِيدٌ جِدَاً أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الرَّشَادَ فِي اِتِّبَاعِهِ وَيَأْمُرَ غَيْرَهُ ثُمَّ يَترُكُهُ هُوَ).
اِنْتَهَى [ أُسْنَى الْمَطَالِبِ: 10]
(5) شَهَادَةُ أَبِي بَكْرٍ بِإِسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ:
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ " عَنْ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ جَاءَ أَبُو بِكْرٍ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ « صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ » يَقُودُهُ، وَهُوَ شَيْخُ أعْمَى، يَوْمَ فَتَحَ مَكَّةَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ»: أَلَا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى نَأْتِيَهُ؟!
قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يُؤجِرَهُ اللهُ، لِأَنَّي كُنْتُ بِإِسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ أَشَدَّ فَرَحَاً مَنِّي بِإِسْلَامِ أَبِي، أَلْتَمِسُ بِذَلِكَ قُرَّةَ عَيْنِكَ [ الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ 9: 40]
وَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنَ الْمُؤَيِّدَاتِ لِما ذُكِرَ سَابِقًا.
(6) الرِّوَايَاتُ الْمُتَظَافِرَةُ عَنْ أئِمَّةِ أهْلِ الْبَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ) الَّتِي تَشَهَدُ بِإيمَانِهِ:
قَالَ الْإمَامُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلامُ):(مَا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ حَتَّى أَعْطَى رَسُولَ اللهِ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ) مِنْ نَفْسِهِ الرِّضَا).
[شَرْحُ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ 14: 71]
وَوَاضِحٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ) لَا يَرْضَى إِلَّا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
وَقَالَ الْإمَامُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلامُ):(كَانَ وَاللهِ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ مُنَافٍ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مُؤْمِنًا مُسْلِمًا، يَكْتُمُ إيمَانَهُ مَخَافَةً عَلَى بَني هَاشِمٍ أَنْ تَنَابِذَهَا قُرَيْشٌ).
[وَسَائِلُ الشِّيعَةِ 16: 231]
وَعَنْ أَبِي بَصيرٍ لَيْثٍ الْمُرَادِيِّ: (قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلامُ): سَيَدِي، إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا طَالِبٍ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ ! فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلامُ): كَذَبُوا وَاللهِ، إِنَّ إيمَانَ أَبِي طَالِبٍ لَوْ وُضِعَ فِي كَفَّةِ مِيزَانٍ وَإيمَانُ هَذَا الْخَلْقِ فِي كَفَّةٍ لَرَجَحَ إيمَانُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى إيمَانِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ: كَانَ وَاللهِ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُ أَنْ يُحَجَّ عَنْ أَبِ النَّبِيِّ وَأُمِّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ) وَعَنْ أَبِي طَالِبٍ فِي حَيَاتِهِ، لَقَدْ أَوْصَى فِي وَصِيَّتِهِ بِالْحَجِّ عَنْهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِ).
[ بِحَارُ الْأَنْوَارِ 35: 112]
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلامُ) أَنَّهُ قَالَ:( يَا يُونُسُ، مَا تَقُولُ النَّاسُ فِي أَبِي طَالِبٍ ؟ قُلْتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ يَقُولُونَ: هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ مِنْ نَارٍ تَغْلِي مِنْهُمَا أُمُّ رَأْسِهِ ! فَقَالَ: كَذَبَ أَعْدَاءُ اللهِ ! إِنَّ أَبَا طَالِبٍ مِنْ رُفَقَاءِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحُسُنَ أُولَئِكَ رَفيقَاً).
[الْمَصْدَرُ السَّابِقُ: 111]
وَجَاءَ عَنِ الْإمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلامُ) قَوْلُهُ: (إِنَّ مَثَلَ أَبِي طَالِبٍ مَثَلُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ أَسَرُّوْا الْإيمَانَ وَأَظْهَرُوا الشِّرْكَ، فَآتاهُمُ اللهُ أَجْرَهُم مَرَّتَيْنِ).
[الْكَافِّيّ 1: 448]
** قيل توفى في شهر رجب وقيل في شهر رمضان
مركز الرصد العقائدي التابع للعتبة الحسينية
السؤال:
مَتَى تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ عَمِّ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ)، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى كَوْنِهِ مَاتَ مُؤْمِنًا بِالرِّسَالَةِ النَّبَوِيَّةِ؟!!
الجواب :
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ مَنَافٍ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيِّ الْقَرَشِيِّ، هُوَ عَمُّ النَّبِيِّ ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ) وَكَافِلُهُ، وَالْمُدَافِعُ عَنْهُ إِلَى آخِرِ لَحْظَةٍ فِي حَيَاتِهِ، وَقَدْ رَوَى اِبْنُ إسحاقَ فِي سِيرَتِهِ أَنَّ قُرَيْشًا مَشَوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ تَارَةً أُخْرَى فَكَلَّمُوهُ وَقَالُوا مَا نَحْنُ يَا أَبَا طَالِب وَإِنْ كُنْتَ فِينَا ذَا مَنْزِلَةٍ بِسِنِّكَ وَشَرَفِكَ وَمَوْضِعِكَ بِتَارِكِي اِبْنِ أَخِيكَ عَلَى هَذَا حَتَّى نُهْلِكَهُ أَوْ يَكُفَّ عَنَّا مَا قَدْ أَظْهَرَ بَيْنَنَا مِنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا وَسَبِّ آبَائِنَا وَعَيْبِ دِينِنَا فَإِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ لِحَرْبِنَا وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْ فَقَدْ أَعْذَرْنا إِلَيْكَ وَطَلَبَنَا التَّخَلُّصَ مِنْ حَرْبِكَ وَعَدَاوَتِكَ فَكُلُّ مَا نَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مَخْلَصٌ فَاُنْظُرْ فِي أَمْرِكَ ثُمَّ اِقْضِ اليْنَا قَضَاءَكَ.
فَبَعَثَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَقَالَ لَهُ: يَا اِبْنَ أَخِي، إِنَّ قَوْمَكَ جَاءُونِي، وَقَالُوا كَذَا وَكَذَا، فَأَبْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ، وَلَا تُحَمِّلْني مَا لَا أُطِيقُ أَنَا وَلَا أَنْتَ.
فَاكْفُفْ عَنْ قَوْمِكَ مَا يَكرَهُونَ مِنْ قَوْلِكَ.
فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللهِ: وَاللهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي، مَا تَرَكْتُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ أهْلَكَ فِي طَلَبِهِ.
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:
وَاللهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ حَتَّى أَوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفينَا
فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ وَأَبْشِرْ وَقَرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيُونًا
وَعَرَضْتَ دِينًا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ خَيْرُ أَدْيَانِ الْبَرِّيَّةِ دِينًا
لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حَذَارِيّ سَبَّةً لَوَجَدْتَنِي سَمْحَاً لِذَاكَ مُبَيِّنا[ سَيْرَةُ اِبْنِ اسحاق: 136]
كَانَ أَبُو طَالِبٍ يَسْتَعْمِلُ التَّقِيَّةَ مَعَ قُرَيْشٍ حَتَّى يَحْمِي النَّبِيَّ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ) مِنْ بَطْشِهِمْ وَجَبَرُوتِهِمْ، وَهَذَا الْمَوْقِفُ مِنْهُ جَعَلَ الْبَعْضَ يَتَوَقَّفُ فِي إيمَانِهِ، وَزَادَ الْمَوْقِفُ غُمُوضًا بِمَا خَطَّتْهُ يَدُ الْوَضْعِ وَالنُّصْبِ مِنْ أَحادِيثَ كَاذِبَةٍ فِي كَوْنِهِ مِنْ أهْلِ النَّارِ نِكَايَةً بِاِبْنِهِ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) الَّذِي سَنُّوا لَعْنَهُ وَسَبَّهُ عَلَى الْمَنَابِرِ لِمُدَّةِ سَبْعِينَ عَامًا، وَإِلَيْكَ جُمْلَةً مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى إيمَانِهِ (رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ) وَإِسْلَامِهِ:
(1) أَشْعَارُهُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي تُنْبِيءُ عَنْ إيمَانِهِ بِالْإِسْلَامِ، وَهَذَا جَانِبٌ مِنْهَا:
1 أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّا وَجَدْنَا مُحَمَّدًا*** نَبِيَّاً كَمُوسَى خُطَّ فِي أَوَّلِ الْكُتُبِ
2 نَبِيٌّ أَتَاهُ الْوَحْيُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ*** وَمَنْ قَالَ لَايَقْرَعُ بِهَا سِنَّ نَادِمِ
3 يَا شَاهِداً اللهَ عَلِّي فاشهدِ*** أَنّي عَلَى دِينِ النَّبِيِّ أَحْمَدِ
4 يَا شَاهِداً الْوَحْيَ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ*** أنّي عَلَى دِينِ النَّبِيِّ أَحْمَدِ
- قَالَ مُخَاطَبَاً مَلِكَ الْحَبَشَةِ وَيَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ:
لِيَعْلَمَ خَيْرُ النَّاسِ أَنَّ مُحَمَّدًا*** رَسُولٌ كَمُوسى وَالْمَسِيحِ بْنِ مَرْيَمِ
أَتَى بِالْهُدَى مِثْلَ الَّذِي أَتَيَا بِهِ*** فَكُلٌّ بحَمِدِ اللهِ يَهْدي وَيَعْصِم
وَإِنَّكُمْ تَتْلُوْنَهُ فِي كِتَابِكُمْ*** بِصِدْقِ حَديثٍ لَا حَديثَ المجمجمِ
فَلَا تَجْعَلُوا للهِ نَدًّا وَأَسْلِمُوا*** فَإِنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ لَيْسَ بِمُظْلِمِ»
(رَاجِعْ مَصَادِرَ هَذِهِ الْأَشْعَارِ وَغَيْرِهَا كَثِيرٌ فِي: إيمَانِ أَبِي طَالِبٍ لِلشَّيْخِ الْمُفِيدِ النُّسْخَةُ الْمُحَقَّقَةُ الْمَطْبُوعَةُ بِمُوَافَقَةِ اللَّجْنَةِ الخاصَّةِ لِلْمُؤْتَمَرِ الْعَالَمِيِّ لِأُلْفِيَّةِ الشَّيْخِ الْمُفِيدِ)
(فَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْعَارِ قَدْ جَاءَتْ مَجِيءَ التَّوَاتُرِ ؛ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ آحَادُهَا مُتَوَاتِرَةً، فَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ، وَهُوَ تَصْدِيقُ مُحَمَّدٍ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ)، وَمَجْمُوعُهَا مُتَوَاتِرٌ)[ اُنْظُرْ: شَرَحَ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ لِلْمُعْتَزِلِيِّ 14: 79]
(2) نُصْرَتُهُ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ) بِشَكْلٍ لَا نَظِيرَ لَهُ وَدِفَاعُهُ عَنْهُ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ النُّصْرَةُ بِدَافِعِ الْقَرَابَةِ وَالْحِسِّ الْعَشَائِرِيِّ لَظَهَرَتْ عِنْدَ أَبِي لَهَبٍ، عَمِّ النَّبِيِّ الْآخَرِ، الَّذِي حَارَبَ النَّبِيَّ (ص) جِهَارًا نَهَارًا حَتَّى جَاءَ الْقُرْآنُ بِذَمِّهِ وَتَقْريعِهِ.
وَفِي نُصْرَةِ الْمُصْطَفَى (ص) يَقُولُ أَبُو طَالِبٍ (رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ):
كَذَبْتُم وَبَيْتِ اللهِ نُبَزى مُحَمَّدًا* وَلَمَّا نُطَاعِنُ دونَهُ وَنُنَاضِلِ
وَنُسَلِّمُهُ حَتَّى نُصْرَعَ حَوْلَهُ* وَنُذْهَلَ عَنْ أبْنَائِنَا وَالْحَلَاَئِلِ [ تَارِيخُ الإِسلامِ لِلذَّهَبِيِّ 1: 162، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ لِاِبْنِ كَثِيرِ 3: 71]
فَهَذِهِ النُّصْرَةُ إِلَى حَدِّ التَّضْحِيَةِ وَالْفِدَاءِ بِالنَّفْسِ وَالْأهْلِ وَالْأَوْلَاَدِ - مَعَ الْأَشْعَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ - تَكْشِفُ بِشَكْلٍ صَرِيحِ عَنْ إيمَانٍ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلامُ).
(3) تَصْرِيحُ أَبِي طَالِبٍ الصَّرِيحُ- فِيمَا نَقَلَهُ أهْلُ السُّنَّةِ أَنْفُسُهُم- سَاعَةَ مَوْتِهِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ) بِقَلْبِهِ وَلَكِنَّهُ يُنْكِرُهُ بِلِسَانِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ مَحَلَّا لِبُغْضِ قُرَيْشٍ، فَهُوَ إِذَنْ كَانَ يَتَعَامَلُ بِالتَّقِيَّةِ مَعَ قُرَيْشٍ حَتَّى يَحْمِيَ النَّبِيَّ مُحَمَّداً (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ) مِنْ بَطْشِهِمْ وَجَبَرُوتِهِمْ، وَالدَّليلُ أَنَّهُ (ص) لَمَّا فَقَدَ عَمَّهُ أَبا طَالِبٍ سَمَّى ذَلِكَ الْعَامَ بِعَامِ الْحُزْنِ وَفَكَّرَ بِالْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ لِفُقْدَانِ نَاصِرِهِ فِيهَا، حَتَّى وَرَدَ التَّصْرِيحُ عَنْهُ (ص):( نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنِّي مِنَ الْأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ فِيهِ حَيَاةَ أَبي طَالِبٍ).
أَمَّا وَصِيَّتُهُ (رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ) حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَبِمَحْضَرِ وُجَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَقَدْ نَقَلَهَا الْحَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ سَيْرَتِهِ، جَاءَ فِيهَا:
( وإِنِّي أُوصِيكُمْ بِمُحَمَّدٍ خَيْرًا فَإِنَّهُ الْأَمينُ فِي قُرَيْشٍ إي وَهُوَ الصَّدِيقُ فِي الْعَرَبِ وَهُوَ الْجَامِعُ لِكُلِّ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَقَدْ جَاءَ بِأَمْرٍ قَبِلَهُ الجِنَانُ وَأَنْكَرَهُ اللِّسَانُ مَخَافَةَ الشَّنَآنِ أَيّ الْبُغْضِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الشَّنَآنِ وَأيِّمّ اللهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى صَعَالِيكِ الْعَرَبِ وَأهْلِ الْبِرِّ فِي الْأَطْرَافِ وَالْمُسْتَضْعِفِينَ مِنَ النَّاسِ قَدْ أَجَابُوا دَعْوَتَهُ وَصَدَّقُوا كَلَمَتَهُ وَعَظَّمُوا أَمْرَهُ فَخَاضَ بِهِم غَمرَاتِ الْمَوْتِ فَصَارَتْ رُؤَسَاءُ قُرَيْشٍ وَصَنَادِيدُهَا أَذْنَابًا وَدُورُهَا خَرَابًا وضُعَفاؤُها أَرَبَابًا وَإِذَا أَعْظَمُهُمْ عَلَيْهِ أَحْوَجُهُمْ إِلَيْهِ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْهُ أَحْظَاهُمْ عِنْدَهُ قَدْ مَحْضَتْهُ الْعَرَبُ وِدَادَهَا وَأَعْطَتْهُ قِيَادَهَا دونَكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ كُونُوا لَهُ وُلَاةً وَلِحِزْبِهِ حَمَاةً وَاللهِ لَا يَسْلُكُ أحَدٌ مِنْكُمْ سَبِيلَهُ إِلَّا رَشِدَ وَلَا يَأْخُذُ أحَدٌ بِهَدْيِهِ إِلَّا سَعِدَ).
اِنْتَهَى [السِّيَرَةُ الْحَلَبِيَّةُ 2: 50، تَارِيخُ الْخَمِيسِ 1: 339، السَّيْرَةُ لِزَيْنِيِّ دَحَلَانِ هَامِشِ الْحَلْبِيَّةِ 1: 93، الرَّوْضُ الْأُنُفُ لِلسُّهَيْلِيِّ 1: 259]
قَالَ السَّيِّدُ زَيْنِيُّ دَحَلَانٍ:( فَاُنْظُرْ وَاِعْتَبِرْ أَيَّهَا الْوَاقِفُ عَلَى هَذِهِ الْوَصِيَّةِ كَيْفَ وَقَعَ جَمِيعُ مَا قَالَهُ أَبُو طَالِبٍ بِطْريقِ الْفِرَاسَةِ الصَّادِقَةِ الدَّالَةِ عَلَى تَصْدِيقِهِ النَّبِيّ). اِنْتَهَى
(4) وَصِيَّتُهُ لِأَبْنَائِهِ وَبَنِي هَاشِمٍ بإتِّبَاعِ النَّبِيّ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ):
فَقَدْ أَخَرَجَ اِبْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى":( أَنَّ أَبَا طَالِبٍ دَعَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا سَمِعْتُم مِنْ مُحَمَّدٍ وَمَا اتَّبَعْتُم أَمْرَهُ فَاتَّبِعُوهُ وَأَعِينُوهُ تَرْشُدُوا)[ الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى 1: 123]
وَبِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ أَثْبَتَ البَرزَنجيّ (مِنْ عُلَمَاءِ أهْلِ السَّنَةِ) إيمَانَ أَبِي طَالِبٍ، حَيْثُ قَالَ:( قُلْتُ بَعِيدٌ جِدَاً أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الرَّشَادَ فِي اِتِّبَاعِهِ وَيَأْمُرَ غَيْرَهُ ثُمَّ يَترُكُهُ هُوَ).
اِنْتَهَى [ أُسْنَى الْمَطَالِبِ: 10]
(5) شَهَادَةُ أَبِي بَكْرٍ بِإِسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ:
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ " عَنْ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ جَاءَ أَبُو بِكْرٍ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ « صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ » يَقُودُهُ، وَهُوَ شَيْخُ أعْمَى، يَوْمَ فَتَحَ مَكَّةَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ»: أَلَا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى نَأْتِيَهُ؟!
قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يُؤجِرَهُ اللهُ، لِأَنَّي كُنْتُ بِإِسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ أَشَدَّ فَرَحَاً مَنِّي بِإِسْلَامِ أَبِي، أَلْتَمِسُ بِذَلِكَ قُرَّةَ عَيْنِكَ [ الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ 9: 40]
وَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنَ الْمُؤَيِّدَاتِ لِما ذُكِرَ سَابِقًا.
(6) الرِّوَايَاتُ الْمُتَظَافِرَةُ عَنْ أئِمَّةِ أهْلِ الْبَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ) الَّتِي تَشَهَدُ بِإيمَانِهِ:
قَالَ الْإمَامُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلامُ):(مَا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ حَتَّى أَعْطَى رَسُولَ اللهِ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ) مِنْ نَفْسِهِ الرِّضَا).
[شَرْحُ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ 14: 71]
وَوَاضِحٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ) لَا يَرْضَى إِلَّا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
وَقَالَ الْإمَامُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلامُ):(كَانَ وَاللهِ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ مُنَافٍ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مُؤْمِنًا مُسْلِمًا، يَكْتُمُ إيمَانَهُ مَخَافَةً عَلَى بَني هَاشِمٍ أَنْ تَنَابِذَهَا قُرَيْشٌ).
[وَسَائِلُ الشِّيعَةِ 16: 231]
وَعَنْ أَبِي بَصيرٍ لَيْثٍ الْمُرَادِيِّ: (قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلامُ): سَيَدِي، إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا طَالِبٍ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ ! فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلامُ): كَذَبُوا وَاللهِ، إِنَّ إيمَانَ أَبِي طَالِبٍ لَوْ وُضِعَ فِي كَفَّةِ مِيزَانٍ وَإيمَانُ هَذَا الْخَلْقِ فِي كَفَّةٍ لَرَجَحَ إيمَانُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى إيمَانِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ: كَانَ وَاللهِ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُ أَنْ يُحَجَّ عَنْ أَبِ النَّبِيِّ وَأُمِّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ) وَعَنْ أَبِي طَالِبٍ فِي حَيَاتِهِ، لَقَدْ أَوْصَى فِي وَصِيَّتِهِ بِالْحَجِّ عَنْهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِ).
[ بِحَارُ الْأَنْوَارِ 35: 112]
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلامُ) أَنَّهُ قَالَ:( يَا يُونُسُ، مَا تَقُولُ النَّاسُ فِي أَبِي طَالِبٍ ؟ قُلْتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ يَقُولُونَ: هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ مِنْ نَارٍ تَغْلِي مِنْهُمَا أُمُّ رَأْسِهِ ! فَقَالَ: كَذَبَ أَعْدَاءُ اللهِ ! إِنَّ أَبَا طَالِبٍ مِنْ رُفَقَاءِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحُسُنَ أُولَئِكَ رَفيقَاً).
[الْمَصْدَرُ السَّابِقُ: 111]
وَجَاءَ عَنِ الْإمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلامُ) قَوْلُهُ: (إِنَّ مَثَلَ أَبِي طَالِبٍ مَثَلُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ أَسَرُّوْا الْإيمَانَ وَأَظْهَرُوا الشِّرْكَ، فَآتاهُمُ اللهُ أَجْرَهُم مَرَّتَيْنِ).
[الْكَافِّيّ 1: 448]
** قيل توفى في شهر رجب وقيل في شهر رمضان
مركز الرصد العقائدي التابع للعتبة الحسينية