السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال:
في الآية رقم 164 من سورة آل عمران: (( لَقَد مَنَّ اللّهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِّن أَنفُسِهِم... ))، وفي آية المباهلة: (( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم ))، وتفسير (( أَنفُسَنَا )) في آية المباهلة هو الإمام عليّ(عليه السلام).
سؤالي: ما هو معنى النفس في سورة آل عمران في الآية المذكورة، مع وجود من وهي التي تأتي بمعنى التبعيض في الكلمات أحياناً، فهل المقصود بأنفسهم هنا آل هاشم من المؤمنين وهم الذين حفظوا رسول الله والإمامة في أصلابهم، أم هم المؤمنين عامّة؟ فيكون رسول الله في هذه الحالة من أنفسهم، وما الفرق لغويا بين أنفسنا في المباهلة وأنفسكم في هذه الآية؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: إنّ معنى (( مِّن أَنفُسِهِم )) في سورة آل عمران الآية (164): (( لَقَد مَنَّ اللّهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِّن أَنفُسِهِم... )) هو أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) هو من نوع البشر ومثلهم ومن صنفهم وليس من الملائكة أو من المخلوقات الأخرى, كما أنّ الظاهر أنّ الخطاب عام ولا يختص ببني هاشم أو المؤمنين أو العرب.
قال السيد الطباطبائي في(تفسير الميزان): ((وقد وصفه بأنّه من أنفسهم، والظاهر أنّ المراد به أنّه بشر مثلكم ومن نوعكم، إذ لا دليل على تخصيص الخطاب بالعرب أو بقريش خاصّة, وخاصّة بالنظر إلى وجود رجال من الروم وفارس والحبشة بين المسلمين في حال الخطاب))(1).
أمّا الفرق اللغوي بين (( أَنفُسَنَا )) في آية المباهلة (( وأَنفُسِهِم )) في سورة آل عمران, هو أنّ كلمة (( أَنفُسَنَا )) وردت بصيغة الجمع، ولكن المقصود هو فرد واحد ومصداق واحد، وهو الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
قال الشيخ مكارم الشيرازي في تفسيره (الأمثل): (( (( أَنفُسَنَا )) ينحصر في عليّ(عليه السلام)، بينما كلمة أنفسهم هي صيغة جمع، وأيضاً استعملت للدلالة على الجمع لا على شخص واحد))(2).
ثانياً: انّ التبعيض بـ(من) في آية آل عمران يساعد على أرادة العموم من معنى النفس، أي جميع الناس بخلافه في آية المباهلة، مضافاً إلى أنّ الإضافة إلى ضمير المتكلم (نا) ساعد على التخصيص، وقطعاً ليس المقصود هو الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم)، لأنّ الإنسان لا يتعقل أن يدعو نفسه، فالمقصود هو الإمام عليّ(عليه السلام) بمساعدة الواقعة الخارجية، فتدل الآية على مساواة الإمام(عليه السلام) بالرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلّم) بجميع الصفات عدا ما خرج بالدليل.
قال الرازي في تفسيره نقلاً عن محمد بن الحسن الحمصي - وهو من أعلامنا صاحب كتاب المنقذ من التقليد -: ((ليس المراد بقوله (( أَنفُسَنَا )) نفس محمّد(صلى الله عليه وآله وسلّم)، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه، بل المراد غيرها، وأجمعوا على أنّ ذلك الغير كان عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)، فدلت الآية على أنّ ((نفس عليّ)) هي محمّد، ولا يمكن أن يكون المراد منه أنّ هذه النفس هي عين تلك النفس، فالمراد أنّ هذه النفس، مثل تلك النفس، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه، ترك العمل بهذا العموم في حق النبوّة، وفي حق الفضل، لقيام الدلائل على أنّ محمّداً(عليه السلام) كان نبيّاً وما كان عليّ كذلك، ولا نعقاد الإجماع على أنّ (عليه السلام) كان أفضل من عليّ(رضي الله عنه)، فيبقى فيما وراءه معمولاً به...))(3).
وهناك فرق دقيق لا يلحظ إلاّ بالتأمل التام! وهو أنّ الدلالّة التصديقية والمعنى المراد بين الإستعمالين يختلف من جهة اختلاف جهة التشبيه أو طرف التشبيه, فإنّ تشبيه العالي للداني بنفسه يفيد رفع درجة الداني إلى مستوى العالي، وهو المراد الجدي والتصديقي للعالي، كما في قول القرآن على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) (( وَأَنفُسَنَا ))، حيث أنّ العالي وهو رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) شبه الداني بنفسه فرفعه إلى مصاف نفسه.
وبالمقابل تشبيه العالي لنفسه بالداني يفيد مواساة الداني، وأنّ العالي يريد أن يجعل نفسه بمستوى الداني مواساة وترضية له، أو لغرض آخر عقلاني، كما في قوله (( مِّن أَنفُسِهِم )), ولا توجد دلالة تصديقية تفيد المساواة قطعاً، وإنّما العالي ينزل نفسه تواضعاً ويجعلها في مصاف الداني حتى يقبله الداني مثلاً، ولا ينفر منه أو لا يستغرب, ولذا قال علماء التفسير أنّ معنى (( مِّن أَنفُسِهِم )) أي منهم أو مثلهم أو بشر مثلهم، ولم يقولوا ذلك في تفسير (( وَأَنفُسَنَا )) وإنّما قالوا بالمساواة هنا، فلاحظ فإنّه دقيق.
ودمتم برعاية الله
مركز الأبحاث العقائدية
السؤال:
في الآية رقم 164 من سورة آل عمران: (( لَقَد مَنَّ اللّهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِّن أَنفُسِهِم... ))، وفي آية المباهلة: (( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم ))، وتفسير (( أَنفُسَنَا )) في آية المباهلة هو الإمام عليّ(عليه السلام).
سؤالي: ما هو معنى النفس في سورة آل عمران في الآية المذكورة، مع وجود من وهي التي تأتي بمعنى التبعيض في الكلمات أحياناً، فهل المقصود بأنفسهم هنا آل هاشم من المؤمنين وهم الذين حفظوا رسول الله والإمامة في أصلابهم، أم هم المؤمنين عامّة؟ فيكون رسول الله في هذه الحالة من أنفسهم، وما الفرق لغويا بين أنفسنا في المباهلة وأنفسكم في هذه الآية؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: إنّ معنى (( مِّن أَنفُسِهِم )) في سورة آل عمران الآية (164): (( لَقَد مَنَّ اللّهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِّن أَنفُسِهِم... )) هو أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) هو من نوع البشر ومثلهم ومن صنفهم وليس من الملائكة أو من المخلوقات الأخرى, كما أنّ الظاهر أنّ الخطاب عام ولا يختص ببني هاشم أو المؤمنين أو العرب.
قال السيد الطباطبائي في(تفسير الميزان): ((وقد وصفه بأنّه من أنفسهم، والظاهر أنّ المراد به أنّه بشر مثلكم ومن نوعكم، إذ لا دليل على تخصيص الخطاب بالعرب أو بقريش خاصّة, وخاصّة بالنظر إلى وجود رجال من الروم وفارس والحبشة بين المسلمين في حال الخطاب))(1).
أمّا الفرق اللغوي بين (( أَنفُسَنَا )) في آية المباهلة (( وأَنفُسِهِم )) في سورة آل عمران, هو أنّ كلمة (( أَنفُسَنَا )) وردت بصيغة الجمع، ولكن المقصود هو فرد واحد ومصداق واحد، وهو الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
قال الشيخ مكارم الشيرازي في تفسيره (الأمثل): (( (( أَنفُسَنَا )) ينحصر في عليّ(عليه السلام)، بينما كلمة أنفسهم هي صيغة جمع، وأيضاً استعملت للدلالة على الجمع لا على شخص واحد))(2).
ثانياً: انّ التبعيض بـ(من) في آية آل عمران يساعد على أرادة العموم من معنى النفس، أي جميع الناس بخلافه في آية المباهلة، مضافاً إلى أنّ الإضافة إلى ضمير المتكلم (نا) ساعد على التخصيص، وقطعاً ليس المقصود هو الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم)، لأنّ الإنسان لا يتعقل أن يدعو نفسه، فالمقصود هو الإمام عليّ(عليه السلام) بمساعدة الواقعة الخارجية، فتدل الآية على مساواة الإمام(عليه السلام) بالرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلّم) بجميع الصفات عدا ما خرج بالدليل.
قال الرازي في تفسيره نقلاً عن محمد بن الحسن الحمصي - وهو من أعلامنا صاحب كتاب المنقذ من التقليد -: ((ليس المراد بقوله (( أَنفُسَنَا )) نفس محمّد(صلى الله عليه وآله وسلّم)، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه، بل المراد غيرها، وأجمعوا على أنّ ذلك الغير كان عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)، فدلت الآية على أنّ ((نفس عليّ)) هي محمّد، ولا يمكن أن يكون المراد منه أنّ هذه النفس هي عين تلك النفس، فالمراد أنّ هذه النفس، مثل تلك النفس، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه، ترك العمل بهذا العموم في حق النبوّة، وفي حق الفضل، لقيام الدلائل على أنّ محمّداً(عليه السلام) كان نبيّاً وما كان عليّ كذلك، ولا نعقاد الإجماع على أنّ (عليه السلام) كان أفضل من عليّ(رضي الله عنه)، فيبقى فيما وراءه معمولاً به...))(3).
وهناك فرق دقيق لا يلحظ إلاّ بالتأمل التام! وهو أنّ الدلالّة التصديقية والمعنى المراد بين الإستعمالين يختلف من جهة اختلاف جهة التشبيه أو طرف التشبيه, فإنّ تشبيه العالي للداني بنفسه يفيد رفع درجة الداني إلى مستوى العالي، وهو المراد الجدي والتصديقي للعالي، كما في قول القرآن على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) (( وَأَنفُسَنَا ))، حيث أنّ العالي وهو رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) شبه الداني بنفسه فرفعه إلى مصاف نفسه.
وبالمقابل تشبيه العالي لنفسه بالداني يفيد مواساة الداني، وأنّ العالي يريد أن يجعل نفسه بمستوى الداني مواساة وترضية له، أو لغرض آخر عقلاني، كما في قوله (( مِّن أَنفُسِهِم )), ولا توجد دلالة تصديقية تفيد المساواة قطعاً، وإنّما العالي ينزل نفسه تواضعاً ويجعلها في مصاف الداني حتى يقبله الداني مثلاً، ولا ينفر منه أو لا يستغرب, ولذا قال علماء التفسير أنّ معنى (( مِّن أَنفُسِهِم )) أي منهم أو مثلهم أو بشر مثلهم، ولم يقولوا ذلك في تفسير (( وَأَنفُسَنَا )) وإنّما قالوا بالمساواة هنا، فلاحظ فإنّه دقيق.
ودمتم برعاية الله
مركز الأبحاث العقائدية