الروايات المتضمنة لمفردة الحائر الحسيني
أن هناك جملة من الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم السلام تضمنت في متونها لفظة الحائر، وإليك بعضها:
1ـ ما رواه الحسين بن علي بن ثوير بن أبي فاختة، عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، حيث قال: ((قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا حسين، مَن خرج من منزله يريد زيارة الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام إن كان ماشياً كتب الله له بكل خطوة حسنة، وحط بها عنه سيئة، وإن كان راكباً كتب الله له بكل حافر حسنة، وحط عنه بها سيئة، حتى إذا صار بالحائر كتبه الله من الصالحين...)).
2ـ ما رواه أبو الصامت عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ـ في حديث طويل جاء فيه ـ: ((فإذا أتيت باب الحائر فكبّر أربعاً...)).
3ـ ما رواه الحسين بن ثوير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ـ في حديث طويل يتحدّث فيه الإمام عن كيفية زيارة الإمام الحسين عليه السلام ـ قال: ((...وعليك بالتكبير والتهليل، والتسبيح والتمجيد، والتعظيم لله كثيراً، والصلاة على محمد وأهل بيته حتى تصير إلى باب الحير...)).
4ـ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في جملة ما يستحب للزائر من الآداب ـ أنه قال: ((... ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحائر...)).
5ـ ما ورد مرسلاً عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ((من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: مكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، وحائر الحسين عليه السلام )). هذه بعض الروايات التي احتوت على مفردة الحائر، وهناك المزيد منها، يجدها المتتبِّع في مظانّها.
والذي نروم إثباته من هذه الروايات، هو أن إطلاق لفظ الحائر على المشهد المبارك كان أسبق زماناً من حادثة المتوكل، وهذا يعني أن منشأ التسمية لا يستند إلى الحادثة المذكورة، كما هو محتمل كلام الشهيد الأول على ما نقلناه عنه سابقاً. وعلى هذا الأساس؛ فالحادثة المذكورة ليست سبباً لتسمية المشهد الشريف بـالحائر.
ويبقى الاحتمال الأول صالحاً لكونه سبباً في التسمية، خصوصاً إذا أخذت كلمات بعض اللغويين المتقدمة بنظر الاعتبار، كقول الزبيدي في تاج العروس، وابن منظور في لسان العرب. وحينئذٍ، يكون إطلاق لفظ الحائر على المشهد الشريف من استعمال اللفظ في معناه الحقيقي، ثم بعد ذلك اختص به، وصار استعماله في غيره يحتاج إلى قرينة.
نعم، يمكن إبراز احتمالٍ ثالث كسبب للتسمية، فيقال: إن إطلاق لفظ الحائر على المشهد الشريف لا يستند إلى كون المكان مجمعاً للماء؛ بل السبب هو أن الإمام بعد دفنه في كربلاء مع أهل بيته وأصحابه عُمِلَ له قبرٌ، وأحيط بسور من قصب وخشب أو نحو ذلك، وجُعِل له باب ومداخل؛ ومن أجل ذلك سُمِّيَ بالحائر، ولمّا كان القبر المبارك محاطاً بسياج ـ التي هي من معاني الحائرـ أُطلق عليه الحائر. فيتحصل لنا ـ من هذا الاحتمال ـ أن العلاقة هي علاقة المشابهة. وهذا الاحتمال أيضاً لا مانع منه، ولكن يبقى الاحتمال الأول هو الأنسب؛ إذ إنه مؤيَّد بالأمور التالية:
أولها: ما ذكره أكثر اللغويين، من أن مستند التسمية هو تحيّر الماء وتردده، وهذا يعني كونه حائراً بالأصل ومكاناً تتجمّع فيه مياه السيول والأمطار.
ثانيها: ما ذكره الجوهري في الصحاح، من أن الحظيرة من معاني الحائر، ومنه الحائر بكربلاء، فيحتمل اتحاده مع ما ذكره أولاً، من أن الحائر مكان تجتمع فيه المياه؛ إذ الحظيرة ـ على ما تقدم ـ بمعنى المكان المُحاط بسور من القصب والخشب، لعله مكان يجتمع فيه الماء أيضاً، فليس هو معنى مغايراً للمعنى الأول.
ثالثها: ما ذكره ابن إدريس الحلي؛ حيث قال: ((والمراد بالحائر: ما دار سور المشهد والمسجد عليه، دون ما دار سور البلد عليه؛ لأن ذلك هو الحائر حقيقة؛ لأن الحائر ـ في لسان العرب ـ الموضع المطمئن الذي يحار الماء فيه)).
كما ذكر العلامة المجلسي ـ وهو يتحدث عن حدود الصحن القديم ـ قائلاً: ((والذي ظهر لي من القرائن ـ وسمعت من مشايخ تلك البلاد الشريفة ـ أنه لم يتغيّر الصحن من جهة القبلة، ولا من اليمين، ولا من الشمال، بل إنما زِيد من خلاف جهة القبلة، وكل ما انخفض من الصحن، وما دخل فيه من العمارات فهو الصحن القديم، وما ارتفع منه فهو خارج عنه، ولعلهم إنما تركوه كذلك ليمتاز القديم عن الجديد، والتعليل المنقول عن ابن إدريس قدس سره منطبق على هذا)).
وبهذا يتضح أن أول الاحتمالات هو المناسب من بينها؛ فيكون الإمام الحسين عليه السلام قد دفن مع أهل بيته وأصحابه في مكان منخفض، تجتمع فيه مياه السيول والأمطار؛ ولهذا لمّا خرّب المتوكل العباسي عمارة القبر الشريف وأجرى عليه فرعاً من نهر الفرات، كان من الطبيعي أن يغرق المكان ويتحوّل إلى بركة ماء، ولكن الماء تحيّر في ذلك المكان وتردد، ولم يبلغ القبر الشريف، وقيل: إن القبر الشريف قد ارتفع فلم يصل إليه الماء. وهذا يدل على كرامة القبر الشريف عند الله تعالى وقدسيته ومكانته.
{ الشيخ إسكندر الجعفري } // مؤسسة وراث
أن هناك جملة من الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم السلام تضمنت في متونها لفظة الحائر، وإليك بعضها:
1ـ ما رواه الحسين بن علي بن ثوير بن أبي فاختة، عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، حيث قال: ((قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا حسين، مَن خرج من منزله يريد زيارة الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام إن كان ماشياً كتب الله له بكل خطوة حسنة، وحط بها عنه سيئة، وإن كان راكباً كتب الله له بكل حافر حسنة، وحط عنه بها سيئة، حتى إذا صار بالحائر كتبه الله من الصالحين...)).
2ـ ما رواه أبو الصامت عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ـ في حديث طويل جاء فيه ـ: ((فإذا أتيت باب الحائر فكبّر أربعاً...)).
3ـ ما رواه الحسين بن ثوير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ـ في حديث طويل يتحدّث فيه الإمام عن كيفية زيارة الإمام الحسين عليه السلام ـ قال: ((...وعليك بالتكبير والتهليل، والتسبيح والتمجيد، والتعظيم لله كثيراً، والصلاة على محمد وأهل بيته حتى تصير إلى باب الحير...)).
4ـ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في جملة ما يستحب للزائر من الآداب ـ أنه قال: ((... ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحائر...)).
5ـ ما ورد مرسلاً عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ((من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: مكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، وحائر الحسين عليه السلام )). هذه بعض الروايات التي احتوت على مفردة الحائر، وهناك المزيد منها، يجدها المتتبِّع في مظانّها.
والذي نروم إثباته من هذه الروايات، هو أن إطلاق لفظ الحائر على المشهد المبارك كان أسبق زماناً من حادثة المتوكل، وهذا يعني أن منشأ التسمية لا يستند إلى الحادثة المذكورة، كما هو محتمل كلام الشهيد الأول على ما نقلناه عنه سابقاً. وعلى هذا الأساس؛ فالحادثة المذكورة ليست سبباً لتسمية المشهد الشريف بـالحائر.
ويبقى الاحتمال الأول صالحاً لكونه سبباً في التسمية، خصوصاً إذا أخذت كلمات بعض اللغويين المتقدمة بنظر الاعتبار، كقول الزبيدي في تاج العروس، وابن منظور في لسان العرب. وحينئذٍ، يكون إطلاق لفظ الحائر على المشهد الشريف من استعمال اللفظ في معناه الحقيقي، ثم بعد ذلك اختص به، وصار استعماله في غيره يحتاج إلى قرينة.
نعم، يمكن إبراز احتمالٍ ثالث كسبب للتسمية، فيقال: إن إطلاق لفظ الحائر على المشهد الشريف لا يستند إلى كون المكان مجمعاً للماء؛ بل السبب هو أن الإمام بعد دفنه في كربلاء مع أهل بيته وأصحابه عُمِلَ له قبرٌ، وأحيط بسور من قصب وخشب أو نحو ذلك، وجُعِل له باب ومداخل؛ ومن أجل ذلك سُمِّيَ بالحائر، ولمّا كان القبر المبارك محاطاً بسياج ـ التي هي من معاني الحائرـ أُطلق عليه الحائر. فيتحصل لنا ـ من هذا الاحتمال ـ أن العلاقة هي علاقة المشابهة. وهذا الاحتمال أيضاً لا مانع منه، ولكن يبقى الاحتمال الأول هو الأنسب؛ إذ إنه مؤيَّد بالأمور التالية:
أولها: ما ذكره أكثر اللغويين، من أن مستند التسمية هو تحيّر الماء وتردده، وهذا يعني كونه حائراً بالأصل ومكاناً تتجمّع فيه مياه السيول والأمطار.
ثانيها: ما ذكره الجوهري في الصحاح، من أن الحظيرة من معاني الحائر، ومنه الحائر بكربلاء، فيحتمل اتحاده مع ما ذكره أولاً، من أن الحائر مكان تجتمع فيه المياه؛ إذ الحظيرة ـ على ما تقدم ـ بمعنى المكان المُحاط بسور من القصب والخشب، لعله مكان يجتمع فيه الماء أيضاً، فليس هو معنى مغايراً للمعنى الأول.
ثالثها: ما ذكره ابن إدريس الحلي؛ حيث قال: ((والمراد بالحائر: ما دار سور المشهد والمسجد عليه، دون ما دار سور البلد عليه؛ لأن ذلك هو الحائر حقيقة؛ لأن الحائر ـ في لسان العرب ـ الموضع المطمئن الذي يحار الماء فيه)).
كما ذكر العلامة المجلسي ـ وهو يتحدث عن حدود الصحن القديم ـ قائلاً: ((والذي ظهر لي من القرائن ـ وسمعت من مشايخ تلك البلاد الشريفة ـ أنه لم يتغيّر الصحن من جهة القبلة، ولا من اليمين، ولا من الشمال، بل إنما زِيد من خلاف جهة القبلة، وكل ما انخفض من الصحن، وما دخل فيه من العمارات فهو الصحن القديم، وما ارتفع منه فهو خارج عنه، ولعلهم إنما تركوه كذلك ليمتاز القديم عن الجديد، والتعليل المنقول عن ابن إدريس قدس سره منطبق على هذا)).
وبهذا يتضح أن أول الاحتمالات هو المناسب من بينها؛ فيكون الإمام الحسين عليه السلام قد دفن مع أهل بيته وأصحابه في مكان منخفض، تجتمع فيه مياه السيول والأمطار؛ ولهذا لمّا خرّب المتوكل العباسي عمارة القبر الشريف وأجرى عليه فرعاً من نهر الفرات، كان من الطبيعي أن يغرق المكان ويتحوّل إلى بركة ماء، ولكن الماء تحيّر في ذلك المكان وتردد، ولم يبلغ القبر الشريف، وقيل: إن القبر الشريف قد ارتفع فلم يصل إليه الماء. وهذا يدل على كرامة القبر الشريف عند الله تعالى وقدسيته ومكانته.
{ الشيخ إسكندر الجعفري } // مؤسسة وراث