الرحيل الأليم
بعد فترة من الزمن وفي حشد من الناس، دخل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد، وقد كانت علامات المرض بادية على وجهه الكريم، حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه قائلًا: "إن عبدًا من عباد الله خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله"(١)، ثم سكت وقد طأطأ الحضور رؤوسهم، بعدها تابع خطابه حيث جال في باله ما خططه لحرب الروم وجهزه من جيش كبير آمرًا أصحابه بالامتثال تحت راية القائد الشاب أسامة بن زيد والبالغ عمره ثمانية عشر عامًا، وأردف قائلًا: "أيها الناس! انفذوا جيش أسامة ..."(٢)، بعد ذلك سكت ولهيب الحمى يزداد شيئًا فشيئًا، ثم تابع كلامه: "أيها الناس! إني أحمد إليكم الله، لقد دنا مني خفوق من بين أظهركم، فمن كنت جلدت له ظهرًا فهذا ظهري فليستقض منه، ومن كنت أخذت له مالًا فهذا مالي فليأخذ منه ... ولا يقل رجل إني أخاف الشحناء من رسول الله، ألا وإن الشحناء _ أي العداوة _ ليست من طبيعتي ولا من شأني، ألا وإن أحبكم إلي من أخذ مني حقًا إن كان له، أو حللني فلقيت الله وأنا طيب النفس ..."(٣).
بعدها نزل عن المنبر وأتم صلاته وانتظر إجابات الحاضرين الذين أثقلهم سؤاله، فجأة نهض رجل مضطرب من بينهم وأخبره بأن سوطه وقع يومًا على بطنه بالخطأ، فإذا بالنبي صلى الله عليه وآله يكشف عن بطنه طالبًا منه أن يقتص منه، فلم يتردد الرجل بالتقدم مع ذهول الناس وقام بتقبيل جسمه الشريف حتى يكون آخر العهد من جسمه لملامسة جسم أفضل خلق الله، بعد ذلك دخل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله إلى بيته حيث كان الرحيل الأليم الذي أُصيب به الناس، وقد دعانا أهل البيت عليهم السلام أن نتذكره عندما نصاب بمصيبة تخصنا كما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: "إن أصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك، فاذكر مصابك برسول الله، فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط"(٤)، وجاء في استحباب زيارته هذا القول: "إنا لله وإنا إليه راجعون، أُصبنا بك يا حبيب قلوبنا، فما أعظم المصيبة بك، حيث انقطع الوحي، وحيث فقدناك، فإنا لله وإنا إليه راجعون"(٥).
١. تاريخ الطبري ٤٣٤
٢. القيادة في الإسلام ٣٨٥
٣. شرح نهج البلاغة ٢٨:١٣
٤. الكافي ٢٢٠:٣
٥. بحار الأنوار ٢١٢:٩٩
العتبة الرضوية المقدسة
بعد فترة من الزمن وفي حشد من الناس، دخل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد، وقد كانت علامات المرض بادية على وجهه الكريم، حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه قائلًا: "إن عبدًا من عباد الله خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله"(١)، ثم سكت وقد طأطأ الحضور رؤوسهم، بعدها تابع خطابه حيث جال في باله ما خططه لحرب الروم وجهزه من جيش كبير آمرًا أصحابه بالامتثال تحت راية القائد الشاب أسامة بن زيد والبالغ عمره ثمانية عشر عامًا، وأردف قائلًا: "أيها الناس! انفذوا جيش أسامة ..."(٢)، بعد ذلك سكت ولهيب الحمى يزداد شيئًا فشيئًا، ثم تابع كلامه: "أيها الناس! إني أحمد إليكم الله، لقد دنا مني خفوق من بين أظهركم، فمن كنت جلدت له ظهرًا فهذا ظهري فليستقض منه، ومن كنت أخذت له مالًا فهذا مالي فليأخذ منه ... ولا يقل رجل إني أخاف الشحناء من رسول الله، ألا وإن الشحناء _ أي العداوة _ ليست من طبيعتي ولا من شأني، ألا وإن أحبكم إلي من أخذ مني حقًا إن كان له، أو حللني فلقيت الله وأنا طيب النفس ..."(٣).
بعدها نزل عن المنبر وأتم صلاته وانتظر إجابات الحاضرين الذين أثقلهم سؤاله، فجأة نهض رجل مضطرب من بينهم وأخبره بأن سوطه وقع يومًا على بطنه بالخطأ، فإذا بالنبي صلى الله عليه وآله يكشف عن بطنه طالبًا منه أن يقتص منه، فلم يتردد الرجل بالتقدم مع ذهول الناس وقام بتقبيل جسمه الشريف حتى يكون آخر العهد من جسمه لملامسة جسم أفضل خلق الله، بعد ذلك دخل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله إلى بيته حيث كان الرحيل الأليم الذي أُصيب به الناس، وقد دعانا أهل البيت عليهم السلام أن نتذكره عندما نصاب بمصيبة تخصنا كما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: "إن أصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك، فاذكر مصابك برسول الله، فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط"(٤)، وجاء في استحباب زيارته هذا القول: "إنا لله وإنا إليه راجعون، أُصبنا بك يا حبيب قلوبنا، فما أعظم المصيبة بك، حيث انقطع الوحي، وحيث فقدناك، فإنا لله وإنا إليه راجعون"(٥).
١. تاريخ الطبري ٤٣٤
٢. القيادة في الإسلام ٣٨٥
٣. شرح نهج البلاغة ٢٨:١٣
٤. الكافي ٢٢٠:٣
٥. بحار الأنوار ٢١٢:٩٩
العتبة الرضوية المقدسة