اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني

معطيات التدبر في القرآن

روضة تهتم بـ المعارف القرآنية، الفضائل، التفسير، القصص

المشرفون: أنوار فاطمة الزهراء،تسبيحة الزهراء

صورة العضو الرمزية
عشقِي الأبدي هو الله
عضو موقوف
مشاركات: 49213
اشترك في: السبت أكتوبر 04, 2008 5:03 pm
مكان: في قلب منتداي الحبيب

معطيات التدبر في القرآن

مشاركة بواسطة عشقِي الأبدي هو الله »

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

معطيات التدبر في القرآن

لماذا التدبر في القرآن؟

هكذا يتساءل البعض، ويضيفون:

إننا نقرأ القرآن، ونستمع إلى تساؤلاته كل صباح ومساء، أفلا يكفينا هذا؟!

والجواب:

1 - التدبر في القرآن، هو الطريق الوحيد للاستفادة من آياته، والتأثر بها.

إن القراءة الميتة للقرآن لا تعني أكثر من كلمات يرددها اللسان دون أن تؤثر في واقع الفرد التأثير المطلوب.

أما (التلاوة الواعية) فهي تتجاوز اللسان، لكي تنفذ إلى القلب، فتهزّه، وتؤثر في اتجاهه.

لقد كان أولياء الله العارفون يتلون القرآن بوعي، فكانت جلودهم تقشعر، وقلوبهم ترتجف حين يقرأون آية، بل ربما كانوا يُصعقون لعظمة وقع الآية في نفوسهم.

لقد تلا الإمام الصادق (عليه السلام) آية في صلاته وردّدها عدد مرات فصعق صعقة، ووقع مغشياً عليه، ولما أفاق سأل عن ذلك، فقال:

(لقد كررتها حتى كأني سمعتها من المتكلم بها، فلم يثبت لها جسمي، لمعاينة قدرته).

وكانت الآية هي قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

بل إن التدبر لحظات في القرآن الكريم، كان منعطفاً تغييرياً كبيراً، في حياة الكثير من العصاة والمجرمين.

فهذا (الفضيل بن عياض) كان في بداية حياته مجرماً خطيراً، وكان ذكر اسمه كافياً لإثارة الرعب في القلوب، لقد كان يقطع الطريق على القوافل، ويسلب المسافرين كل ما يملكون، وذات يوم وقعت نظراته على فتاة جميلة، فصمم في نفسه أمراً.

وفي نفس تلك الليلة، كان يتسلق جدار ذلك البيت الذي تسكن فيه الفتاة، وهو ينوي الاعتداء عليها واغتصابها، وفي هذه الأثناء، تناهى إلى مسامعه صوت يتلو هذه الآية الكريمة: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ)[1].

فأخذ يفكر في الآية بضع ثوان، وأخذ يردد مع نفسه: (يا رب، بلى قد آن)[2]. ثم هبط من الجدار، وتولى بوجهه شطر المسجد فاعتكف فيه إلى الأبد.

إن التدبر في آية واحدة، حوّل هذا الرجل من مجرم متمرس بالجريمة، إلى معتكف في محراب العبادة، فكيف إذا تدبر الإنسان في كل القرآن، أفلا يتحوّل من رجل إلى ملك، بل إلى من هو فوق درجات الملك؟!

2 - التدبر في القرآن هو الطريق الوحيد لفهم (قيم القرآن) و (أفكاره) و (مبادئه) كما أنزلها الله سبحانه.

إن هنالك خيارات صعبة وعديدة تطرح أمام الفرد، وأمام الأمة، كل يوم، ولاختيار الطريق السليم بين هذه الخيارات، لابد من الرجوع إلى القرآن، والتدبر في آياته.

ومن هنا، يقول الله سبحانه: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)[3].

ومن هنا أيضاً أطلق القرآن على نفسه اسم (الفرقان) ذلك لأنه يفصل ويفرّق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، ولكن، لمن؟!

الجواب: لمن يفهم آياته، ويتدبر فيها.

3 - هنالك مشاكل كثيرة يصطدم بها الإنسان في حياته، سواء المشاكل الفردية التي لا تتعدّى إطار الفرد ذاته، أو المشاكل الاجتماعية التي تصيب الجميع.

والقراءة الواعية للقرآن الكريم، والتدبر في آياته، يقومان بدور مزدوج في هذا المجال:

فهما يقومان من جانب، بتطهير ما علق في نفس الإنسان من سلبيات.

ومن هنا يقول الله سبحانه:

(قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ)[4].

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[5].

ويقومان من جانب آخر، بوضع البرامج السليمة، للخروج بحل ناجح لهذه المشاكل.

4 - وأخيراً، فإن التدبر في القرآن هو الطريق للعمل بما جاء فيه، وذلك لأن العمل بالقرآن يتوقف على فهمه، وفهم القرآن لا يمكن إلا بالتدبر في آياته.

ومن هنا، فإن الذين لا يتدبرون في القرآن سوف يفوتهم تطبيق الكثير من مبادئ الدين في حياتهم العملية، وهم لا يشعرون.

منهج التدبر في القرآن

قبل الحديث عن (منهج التدبر في القرآن)، لابد أن نعترف أن استعراضنا لهذا المنهج - هنا - هو استعراض ناقص، ويعود ذلك إلى عاملين:

أحدهما: صعوبة الإحاطة بالمنهج بشكله المتكامل.

فالقرآن بحر عميق، لا يدرك غوره ولا تفنى عجائبه، كما يقول الإمام علي (عليه السلام). ومن هنا فإن الإحاطة به أمر صعب، إن لم يكن أمراً مستحيلاً.

وثانيهما: إن بعض هذه المناهج قد تكون عسيرة الهضم على بعض القراء الكرام، ذلك لأن فهمها يرتبط باستيعاب علوم معينة، ومن هنا تركنا التعرض إلى تلك المناهج في هذا البحث.

وبعد معرفة هذه الحقيقة، ينتصب السؤال التالي:

ما هو منهج التدبر في القرآن؟

والجواب:

إن المنهج يعتد على طرح مختلف التساؤلات حول (الظواهر القرآنية)، فكل آية من القرآن الكريم مجال خصب لطرح تساؤلات عديدة، وعلى الفرد الذي يحاول التدبر في القرآن أن يستثير في عقله هذه التساؤلات، ومن ثم يحاول الإجابة عليها.

وهذه التساؤلات يجب أن تتناول ما يلي:

1 - معنى الكلمة.

2 - تخير الكلمة.

3 - موقع الكلمة.

4 - الشكل الخارجي.

5 - التسلسل المعنوي، والتناسب في الانتقال من غرض إلى غرض.

6 - التصنيف.

وسنشرح - فيما يلي - هذه الأمور:

أولاً: معنى الكلمة

يتكون القرآن الكريم من كلمات، تماماً كما يتكون البناء من لبنات، ولذلك فمن الطبيعي أن تكون الخطوة الأولى لفهم القرآن الكريم، هي التدبر في الكلمات القرآنية.

ومع الأسف، فإن كثيراً ممن يقرأون القرآن لا يقومون بهذه المهمة، ولذلك فهم:

1 - إما أن لا يفهموا معاني الكلمات.

2 - أو يفهمونها بشكل مغلوط.

3 - أو بشكل باهت، لا يعكس المدلول الدقيق للكلمة.

وعن هذه الظاهرة الثالثة، ننقل فقرات من كتاب (بحوث في القرآن الحكيم):

(بالرغم من أن اللغة العربية أشمل وأدق وأجمل اللغات في أنها تعطي لكل حقيقة لفظاً قريباً يتناسب معها تماماً، وبالرغم من أن العرب اختاروا لكل تطور ينشأ في شيء لفظاً يخصه، ويوحي إلى تلك الحقيقة متلبسة بذلك التطور.

بالرغم من هذا وذاك، فإن الكلمات العربية اكتنفها الغموض مما أفقد إيحاء اللفظ وظلاله. فلم نعد - نحن العرب - نملك رهافة الحس [لنعرف الفرق] الذي كان بين لفظتي (قرب - اقترب) أو (فكر - افتكر) حتى لو لم نعد نعرف الفرق بين كلمتي (سار) و (سارب) و (دلك) و (أولج) وما أشبه.

ويعود ذلك إلى:

أولاً: كثرة استعمال الألفاظ في غير معانيها الأدبية. فحينما يستعمل العربي كلمة (قرب) في المجال المحدد لـ (اقترب) أو حتى كلمة (سار) في موضع كلمة (سارب) تختلط ظلال الكلمتين مع بعضها وتضيع الإيحاءات الخاصة.

ثانياً: تعلقت أذهاننا بمعاني جامدة ومحددة كألفاظ عربية، وفقدنا الشعور بمحور شعاع الكلمة. فنحن حينما نستعمل كلمة (جن) يتبادر إلى أذهاننا المخلوق الغريب دون أن نفكر ولا لحظة حول ارتباط كلمة (ج ن ن) مع هذا المخلوق. ونستعمل كلمة (جنين) دون أن نعرف أن هناك علاقة تتناسب بين معنى الولد في بطن أمه (جنين) ومعنى المخلوق الغريب (جن) وهي أن كليهما مستور عن أعين الناس.

وكذلك نطلق لفظة (الخمر) للدلالة على السائل المسكر، ونطلق لفظة (الخمار) للدلالة على الساتر لوجه المرأة، ولا نلاحظ أن علاقة اللفظين ببعضهما إنما هي من ناحية الستر، فهذا يستر الوجه وتلك تستر العقل.

وهكذا تتداخل إيحاءات اللفظ العربي ببعضه، ونفقد بذلك فهم أهم سمة من سمات اللغة العربية التي لو فهمناها يسهل علينا فهم القرآن كثيراً.

من هنا يتوجب علينا الخروج من الفهم التقليدي للألفاظ العربية نحو أفق أسمى، يُستشمّ المعنى الإيحائي العام منها.

وهذا الخروج ضروري لفهم القرآن الحكيم، إذ أنه في قمة البلاغة التي تتلخّص في رعاية التناسب الشامل بين الموضوع واللفظ، وبين الواقع والتعبير، فيكون كشف المنحنيات التفسيرية والإيحاءات اللفظية ذا أهمية خاصة في القرآن أكثر من أي كتاب آخر، لأنها معنية فيه بشكل لا يوصف.

يبقى السؤال عن كيفية الخروج؟

والجواب: على الفرد:

1 - أن يتجرّد أولاً عن موحيات المناخ الفكري الذي يصور له معنى جامداً للفظ.

2 - ثم الرجوع إلى المادة الأساسية التي تجمع كل التصريفات للكلمة، والتفكير في المعنى المناسب لربط هذه المجموعات باللفظ، فمثلاً: نجمع معاني يعرشون، عرشاً، معروشات، ونعود إلى تصريفات اللفظ الأخرى، عريش، وعرش، وما أشبه لتنشيطها جميعاً من البناء الفوقي، لأنه يجمع معاني سرير الملك والبناء، والمرفوع، وسيباط الكرم والخيمة من الخشب، هذه المعاني التي ذكرتها العرب لهذه الألفاظ.

3 - قياس موارد استعمال اللفظ ببعضها، ليعرف المعنى المشترك الذي يمكن أن يتصور جامعاً بين هذه الموارد، ومن الطبيعي أن يعتبر في الاستعمال أن يكون على لسان أهل اللغة المعتنين بالبلاغة.

وإذا كان قياس موارد الاستعمال ببعضها أفضل السبل لمعرفة المعنى الحقيقي للفظ ما، فإن أفضل قياس من هذا النوع هو قياس موارد استعمال الكلمة في القرآن ذاته، إذ أنه ولا ريب ذروة البلاغة العربية التي عجز عن تحديها أبلغ فصحاء العرب.

من هنا، يجدر بالذي يريد التدبر في القرآن ذاته، أن يبحث عن المعنى المحدد للكلمة في آيات القرآن ذاته. ليجد - بقياس بعض المواضع المستعملة فيها الكلمة ببعضها - المعنى الدقيق الذي يقصده القرآن)[6].

وفيما يلي.

نستعرض بعض الأمثلة حول (التدبر في الكلمة القرآنية).

(1)

يقول القرآن الكريم: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً)[7].

ماذا تعني كلمة (حنيف) هنا؟

الكثيرون يتلون هذه الآية الكريمة، وعندما تمر أمام أعينهم كلمة (حنيف) فإنهم لا يفهمون منها شيئاً، أو يفهمون منها معنى خاطئاً.

ولكي نفهم معنى هذه الكلمة، نعود إلى اللغة، لنجد المواضع التي استخدمت فيها هذه الكلمة، ثم لنستنبط من هذا المجموع، المعنى العام.

فنجد في اللغة: (حنف: مال، وحنف رجله: جعلها حنفاء، وحنف: اعوجت رجله إلى داخل فهي حنفاء وحوانف، والحنفاء: القوس) وهكذا، ونستنتج من كل ذلك أن معنى (حنف) هو: مال.

ونعود إلى التفسير لنجده يؤكد المعنى ذاته[8].

وعلى هذا، فيكون معنى الآية: (إن إبراهيم كان مائلاً عن كل المبادئ الزائفة، مسلماً لله تعالى وحده). ونستنتج من ذلك أن للإيمان دعامتين:

رفض كل القيم، والأصنام، والمبادئ الزائفة.

والتسليم المطلق لله سبحانه، وحده لا شريك له.

فالإيمان يتلخّص في كلمة رفض، تشمل كل الإلهة والأصنام: (لا إله).

واستثناء واحد ينبثق من ضمير هذا الرفض المطلق: (إلا الله).

وبهذا، تنهار كل الحلول الوسطى، وكل المحاولات التوفيقية، بين الله، وبين الأصنام، مهما كان اسم هذه الأصنام أو شكلها.

وبهذا أيضاً نعرف خطأ أولئك الذين يحاولون الجمع بين الله، وسائر الآلهة.

(2)

يقول القرآن الكريم: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ)[9].

قد يبدو للنظرة العابرة أن كلمة (الملأ) في هذه الآية تعني (الجماهير)، وعلى هذا الأساس فإن الذين كفروا بـ (نوح) وغيره من الأنبياء، كانوا: عامة الناس[10].

وهنا قد يثار السؤال التالي:

لماذا كفرت الجماهير برسالات الأنبياء، ألم تكن رسالات الأنبياء تدعو الناس إلى فطرتهم، وضمائرهم؟!

والحقيقة: أننا لو فتشنا حول مدلول كلمة (الملأ) لوجدنا أنها تعني: (أشراف القوم الذين يملأون العيون والصدور هيبة)، كما تؤكده معاجم اللغة وكتب التفسير[11].

ومن هنا، نستنتج: أن الذين كفروا برسالات الأنبياء لم يكونوا (الجماهير)، وإنما كانوا (الأشراف) و (الوجهاء).

كما نستنتج من ذلك أن رفضهم لرسالات الأنبياء لم يكن من أجل عدم اقتناعهم بها، وإنما من أجل الحفاظ على مصالحهم الاجتماعية.

ثانياً: تخيّر الكلمة

من نقاط الالتقاء بين (النظام القرآني) و (النظام الكوني): وضع كل شيء في محله الطبيعي المناسب له، بحيث يسبب أي تلاعب - ولو كان بسيطاً - خللاً في النظام وفساداً.

ففي النظام الكوني نجد أن كل ذرة من ذرات الوجود، وجدت لحكمة، ووضعت في مكانها الخاص بها لحكمة، بحيث لو حدث أي تغيير في ذلك، لاختل جانب من جوانب الحياة.

وفي النظام القرآني نجد أن كل كلمة في القرآن، وضعت في محلها الطبيعي، بحيث لا يمكن أن تسد أية كلمة أخرى مكانها، ولا أن تعطي نفس الأبعاد والظلال التي كانت تعطيها تلك الكلمة.

وهذا ما يدفعنا إلى البحث عن سر استخدام القرآن الكريم لهذه الكلمة لا غيرها، وبهذا الشكل لا غيره.

وفيما يلي، بعض النماذج الإيضاحية.

(1)

يقول القرآن الكريم: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)[12].

إن معنى الآية الكريمة واضح، وهو (على ما يعطيه السياق: شغلكم التكاثر في متاع الدنيا وزينتها، والتسابق في تكثير العدة والعدة عما يهمّكم وهو ذكر الله، حتى لقيتم الموت، فعمتكم الغفلة مدى حياتكم)[13].

ولكن السؤال هو:

لماذا يستعمل القرآن الكريم كلمة (زرتم)؟ لماذا لم يقل: حتى سكنتم المقابر، أو ملأتم المقابر، أو حللتم المقابر؟!

والجواب: ربما ليلفت الأنظار إلى أن المقام في القبر مقام مؤقت، وأن الدخول إلى القبر دخول زيارة لا دخول سكن. خلافاً للأفكار المادية الضيقة التي تعتبر الموت هو النهاية، والقبر هو آخر المطاف.

(2)

يقول القرآن الكريم، وهو يتحدث عن قصة زكريا بعد أن بشرته الملائكة بيحيى: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ)؟! (قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)[14].

وهنا، نجد القرآن يستخدم كلمة (يفعل): (كذلك الله يفعل ما يشاء).

ويقول القرآن الكريم، وهو يتحدث عن قصة مريم بعد أن بشرتها الملائكة بعيسى: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)؟! (قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[15].

وهنا، نجد القرآن يستخدم كلمة (يخلق): (كذلك الله يخلق ما يشاء).

فما هو الفرق بين الموضوعين؟!

والجواب: في قصة زكريا كانت عوامل الولادة الطبيعية (من وجود الزوج والزوجة وغيرهما) متوفرة، ولكن كانت هناك موانع في الطريق، والله سبحانه رفع هذه الموانع، ولذلك كان التفسير بـ (الفعل).

تماماً كما لو أن العلم توصل إلى علاج لرفع العقم، وإعادة الشيخ إلى صباه قوة وقدرة، فهذا لا يعتبر خلقاً للجنين، وإنما فعلاً) رفع العقبة عن الطريق.

أما في قصة مريم، فلم تكن عوامل الولادة الطبيعية متوفرة، وإنما كان تكويناً إعجازياً يرتبط بالغيب، ومن هنا كان التفسير عنه بـ (الخلق).

(3)

يقول القرآن الكريم: (وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)، (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً)[16].

عند النظرة السطحية العابرة قد يبدو أن الشكل الطبيعي للآية الكريمة كان يجب أن يكون: (وارزقوهم منها)، وليس (وارزقوهم فيها)، أليس كذلك؟!

ولكننا نستطيع أن نفهم من استبدال كلمة (منها) بـ (فيها): ضرورة استثمار الولي لمال السفيه، وعدم تجميدها على حالتها الأولى[17].

ذلك، لأنك قد تقول: (أكلت من الطعام)، وهذا يعني أن الطعام هو الذي أُكل. وأن النقص ورد عليه، لا على غيره.

أما عندما تقول: (أكلت في الصحن)، فهذا بالطبع، لا يدل على أنك أكلت الصحن، وإنما يعني أنك أكلت ما كان في الصحن.

وإذا كان القرآن الكريم يستخدم كلمة (منها) قائلاً: (وارزقوهم منها) لكان معناه: الأكل من نفس مال السفيه.

ولكن استخدام القرآن لكلمة (فيها) يدل على التوليد والتنمية المالية، فالمال هنا يظل محفوظاً، كما يظل الظرف محفوظاً في قولك (أكلت في الصحن). ولكن، ما تولد من هذا المال هو الذي ينفق منه على السفيه.

وهكذا، نستنتج من استبدال كلمة بسيطة مكان أخرى، هذه القاعدة الاقتصادية المهمة.

ثالثاً: موقع الكلمة

من نقاط الالتقاء بين (النظام الكوني) و (النظام القرآني): (الهدفية) التي تشمل جميع أنحاء كل واحد من النظامين.

ففي النظام الكوني نجد أن كل المخلوقات التي تسبح في هذا الكون الكبير - ابتداءً بالذرة وانتهاء إلى المجرة - كل هذه المخلوقات (مهدوفة)، ولا نجد كائنا واحداً وهو زائد على الحياة، أو طفيلي عليها.

وفي النظام القرآني نجد أن كل جملة، وكل كلمة، وكل حرف، جاء من أجل هدف معين، ولا نجد في القرآن الكريم حتى حرفاً واحداً يمكن الاستغناء عنه.

وحتى لو بدا للنظرة العابرة وجود شيء زائد - سواء في النظام الكوني أو في النظام القرآني - فإن البحث الدقيق يكشف عن ضرورة معينة تتطلب وجود ذلك الشيء[18].

من هنا، كان على من يحاول التدبر في القرآن الكريم أن يحاول اكتشاف (موقع الكلمة) أي الهدف التي جاءت من أجله هذه الكلمة، والمغزى الذي تشير إليه.

وسوف نستعرض فيما يلي بعض الآيات القرآنية. كنماذج لينطلق منها القارئ الكريم إلى سائر الآيات.

(1)

يقول القرآن الكريم، وهو يتحدث عن قصة زكريا بعد أن بشرته الملائكة بيحيى: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ)؟! (قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)[19].

ما هو موقع كلمة (كذلك) في هذه الآية الكريمة، ولماذا لم تكن الآية: (قال: الله يفعل ما يشاء) أو (قال: إن الله يفعل ما يشاء)؟!

والجواب: إن وجود كلمة (كذلك) في هذه الآية يضيف إليها بعداً جديداً، هو الدلالة على الدأب والاستمرارية.

فعندما تعجب زكريا (عليه السلام) من أن يهب الله له غلاماً وقد بلغه الكبر وامرأته عاقر، كان الرد أن هذه الولادة ليست بدعاً من الأمور، وإنما هي أمر مألوف ومكرر بالنسبة إلى مشيئة الله وفعله الذي يتم في أوقات كثيرة على هذا النحو. ولذلك فلا داعي للتعجب من أمر هذه الولادة.

وهكذا، دلت كلمة (كذلك) في هذه الآية الكريمة على سنة قديمة لله سبحانه في هذا الكون، لا تدع مجالاً للاستغراب من ظواهرها الجديدة.

(2)

يقول القرآن الكريم: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ)[20].

في هذه الآية نجد القرآن الكريم يضيف إلى اسم المسيح نسبه (عيسى ابن مريم).

بينما في الآية السابقة يذكر القرآن اسم موسى بشكل مجرد فيقول: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ)[21]. وقد تكرر ذلك في آيات القرآن كثيراً[22].

فلماذا؟

والجواب: لقد تركز الضغط القرآني على كلمة (ابن مريم) تأكيداً على الجانب البشري في المسيح، ونفياً مشدداً لما ادعته النصارى من وجود جانب إلهي فيه.

وهكذا، يجمع القرآن الكريم بين استعراض الأفكار والمفاهيم الإلهية، وبين النفي الضمني للخرافات، والأباطيل.

(3)

يقول القرآن الكريم: (ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)[23].

هذه الآية الكريمة نزلت عندما اندحر الروم في أرض الشامات (وهي أقرب أرض إلى الجزيرة العربية) وانتصر الفرس عليهم، وهزموهم هزيمة ساحقة.

ولكن، ما هو مغزى ورود كلمة (في أدنى الأرض) في هذه الآية؟! مع أن موقع المعركة كان معروفاً لدى الجميع؟!

وحتى لو افترضنا أن موقع المعركة كان مجهولاً، فهل القرآن كتاب جغرافي حتى يتناول مثل هذه القضية؟ أم أن هنالك أمراً آخر؟!

والجواب:

قد يكون قوله سبحانه (في أدنى الأرض) من أجل توضيح حجم الهزيمة التي حلت بـ (الروم) ذلك لأن القضية لم تكن قضية جيشين يلتقيان في الصحراء ويمنى أحدهما بالفشل، فالقضية أكبر من ذلك، إنها قضية جيش غاز، يغزو عدوه في عقر داره، وينتصر عليه، ومن ثم يقيّده بالسلاسل، ويمتهن شرفه وكرامته[24].

إذن، فحجم الهزيمة كبير، والمصاب فادح، ولكن رغم ذلك تشاء إرادة الله أن تعكس الأمر، وتعيد للروم حريتهم واستقلالهم.

وهكذا، دل قوله تعالى (في أدنى الأرض) على تلك الهزيمة العظيمة، التي تدخل القدر الإلهي ليحولها إلى نصر عظيم!

رابعاً: الشكل الخارجي

إذا ألقيت نظرة عابرة على جسدك، تجد أن كل عضو، وكل جهاز في هذا الجسد له شكل معين. فاليد، والرجل، والأصابع، والكبد، والأمعاء، و، لها شكل خاص، يختلف عن شكل الأعضاء، والأجهزة الأخرى.

وهذه الشكلية المتنوعة لم تأت عبثاً، وإنما وفق حكمة إلهية معينة، ولتلبّي حاجات الإنسان ومتطلباته، على أفضل وجه. وكما جسد الإنسان، كذلك الكون كله.

هذه الحقيقة التي نلمسها في كتاب الله التكويني (الكون)، نستطيع أن نلمسها أيضاً في كتاب الله التشريعي (القرآن).

فالشكل الخارجي للآيات القرآنية، لم يأت عبثاً، وإنما وضع لحكمة معينة، وللدلالة على فكرة خاصة، من هنا كان علينا - حين نتدبر في القرآن الكريم - أن نكتشف الفلسفة الشكلية الخارجية للآيات القرآنية، والتدبر هذا ينبغي أن يشمل المجالات التالية:

أ - التقديم والتأخير.

ب - الأفراد والتثنية والجمع.

ج - المعلوم والمجهول.

د - وسائر الأشكال الأخرى.

وإليكم بعض النماذج.

(1)

يقول القرآن الكريم: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)[25].

بينما يقول في آية أخرى: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ)[26].

فلماذا في الآية الأولى قدم رزق المخاطبين على رزق أولادهم، وفي الآية الثانية قدم رزق الأولاد؟

هل جاءت المسألة عفوية، أو نوعاً من التفنن التعبيري؟ أم أن وراءها شيء آخر، وقد ترمز إلى حقيقة علمية أو واقعية؟

فباختلاف العبارتين يختلف معنى كل آية؟

المعنى قد يكون في الجملة واحداً، ولكن في التفصيل ونوع المخاطب به يختلف؟

لماذا؟ لأنك لو نظرت إلى عجز كل آية مع صدرها لوجدت أن العجز مناسب لذلك الصدر تماماً. لأنه في الآية الأولى يقول: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق).

فهذه العبارة (من إملاق) توحي بأن الفقر موجود بالفعل. وما دام الفقر موجوداً بالفعل فاهتمام الإنسان يكون برزق نفسه قبل أن يهتم برزق ولده، فهو يخاف أن يبقى جائعاً لو أراد أن يطعم أولاده. وهنا يطمئنه الله تعالى على نفسه أولاً، ورزق أولاده ثانياً فيقول: (نحن نرزقكم - يا أصحاب الإملاق - وإياهم).

بينما في الآية الثانية يقول الله: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) أي خوفاً من فقر يقع مستقبلاً، فكأن الفقر غير موجود، ولكن الأب يخاف إن جاءه أولاد أن يأتي الفقر معهم فيقول له الله تعالى: لا، أنا سأتكفل لهم برزقهم (نحن نرزقهم وإياكم).

إذن، فالمعنى ليس واحداً في الآيتين، وإن كان يبدو في ظاهره واحداً. لأن في قضية قتل الأولاد خوفاً من الفقر يكون المخاطب في كل آية مختلفاً عن الآخر.

فمرة يكون فقيراً بالفعل، وهنا يشغل برزقه قبل أن يشغل باله برزق ولده. فقتل الأولاد يكون نتيجة لوجود الفقر، وهنا تحمل العبارة ضماناً لرزقه أولاً، ثم رزق ولده ثانياً.

ومرة يكون غنياً، ولكنه يخاف أن يأتي الفقر إذا جاء الولد، فيكون باله مشغولاً برزق ولده، فيقتله تحسباً من الفقر المتوقع بمجيء الولد، وهنا تعطيه الآية بشارة برزق الولد مع مجيئه (نحن نرزقهم وإياكم)[27].

(2)

يقول القرآن الكريم: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[28].

هذه الآية الكريمة نزلت في شأن الإمام علي (عليه السلام) حينما تصدق بخاتمه وهو راكع، كما دلت عليه روايات الفريقين. وهذه الآية تثبت الولاية لكل من:

- الله سبحانه وتعالى.

- الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).

- الإمام علي (عليه السلام).

ولكن، لماذا اعتبرت الآية بكلمة (وليكم) بصيغة الإفراد؟ ولماذا لم تأت الآية هكذا: (إنما أولياؤكم الله ورسوله والذين آمنوا)؟!

والجواب:

إن التعبير بهذه الطريقة يشير إلى مفهوم هام هو أن الولاية هي لله سبحانه فالله هو الولي الحقيقي الذي لا ولي سواه، أما ولاية النبي والإمام، فهي مستمدة من ولاية الله سبحانه.

وهكذا، تكون ولاية الله، ولاية بالأصالة، وولاية النبي والإمام ولاية بالتبع.

ومن ذلك نستنتج أن النبي والإمام ليسا أكثر من ممثلين لله سبحانه في الأرض، ولذلك فلا يحق لهما أن يقوما بسن الأحكام، وتشريع القوانين وفقاً لأهوائهما الشخصية وإنما يجب أن يكون ذلك بقرار يهبط من السماء[29].

(3)

يقول القرآن الكريم: (يَهْدِي بِهِ - القرآن - اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[30].

في هذه الآية نجد أن القرآن الكريم يأتي بصيغة الجمع في كلمتي (سبل السلام) و (يخرجهم من الظلمات) بينما يأتي بصيغة الإفراد في قوله: (ويهديهم إلى صراط مستقيم)، فلماذا؟

والجواب:

إن الصراط المستقيم هو صراط واحد، ذلك لأن الحق واحد، من هنا فإن الطريق إلى الحق هو واحد أيضاً، ولذلك يقول القرآن الكريم في آية أخرى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)[31].

وعلى العكس من ذلك (الظلمات) والطرق المعوجة، فهي كثيرة ومتعددة.

أما بالنسبة إلى (سبل السلام)، فإن الحياة حقل ألغام، والمشاكل كثيرة: نفسية، وجسدية، واجتماعية، واقتصادية، و، والسلام هو التخلص من مجموعة هذه المشاكل، كما أن الصحة هي التخلص من مجموعة الأمراض، ولأن التخلص من كل واحد من هذه المشاكل يحتاج إلى طريقة وأسلوب لذلك جاء التعبير القرآني بـ (سبل السلام) وليس (سبيل السلام).

(4)

يقول القرآن الكريم: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[32].

وهنا نجد أن القرآن الكريم يبني فعل (يوق) للمجهول، فلماذا؟

والجواب:

إن (الشح) ملتصق بالنفس الإنسانية، فالإنسان بطبيعته يحب أن يستأثر بالمال ويكره أن يعطي للآخرين منه شيئاً، وهذا الالتصاق الطبيعي يمكن أن نستفيده من إضافة (الشح) لـ (النفس) في الآية الكريمة.

من هنا، فإن من العسير على الإنسان أن يقاوم شحّه بذاته، لأنه يصعب عليه أن يقاوم طبيعته، لذلك فهو يحتاج إلى إمداد غيبي، ووقاية خارجية، كما تعبر الآية بقولها: (ومن يوق شح نفسه).

وبالطبع، فإن هذه الوقاية الإلهية، لا تهبط من السماء في كيس على قلب الإنسان، وإنما يوفرها الإيمان الحقيقي بالله.

(5)

يقول القرآن الكريم، بعد أن يتحدث عن الصبر على المصيبة: (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ)[33]. ولكن القرآن يضيف حرف (اللام) للتوكيد حينما يتكلم عن الصبر على أذى الآخرين فيقول: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ)[34].

والسؤال: لماذا أضيف حرف (اللام) في الآية الثانية؟

والجواب - على ما قيل -:

إن الصبر على أذى الغريم الذي يستطيع الإنسان أن يردّ عليه بأذى مثله يحتاج من الإنسان إلى عزم أكبر، فالصبر هنا ليس كالصبر على مصيبة لا حيلة للإنسان فيها.

ومن هنا لم تجئ لام التوكيد في الآية الأولى، وجاءت في الآية الثانية[35].

خامساً: الارتباط والتسلسل

من أهم الشروط التي يجب توفرها في الكلام ليكون بليغاً، وأنيقاً: (الارتباط) و (التسلسل). فالكاتب الذي أبدع أفكاره يموّج بعضها في بعض، ويحشر المواضيع المختلفة بعضها ببعض حشراً. والخطيب الذي يقفز من موضوع إلى موضوع، كما يقفز الطائر من غصن إلى غصن. والمتحدث الذي تتزاحم على دماغه الأفكار، فيتحدث حولها جميعاً في وقت واحد. كل هؤلاء، ليسوا من البلاغة في شيء، بل كثيراً ما يحس من يستمع إليهم بالملل، والضيق، والانفجار!

ولأن القرآن الكريم هو قمة البلاغة والفصاحة، لذلك كان لابد من وجود روابط معينة بين آياته، بل وخيط خفي يربط بين آيات السورة الواحدة، كما يربط حبات المسبحة بعضها ببعض، خيط خفي، والعلاقة بين الآيات قد تكون:

- علاقة المسبب بالسبب.

- أو علاقة الاستدراك.

- أو علاقة التعليل.

- أو علاقة التشابه.

- أو علاقة التكميل.

- أو علاقة التفريع.

إلى غير ذلك من أنواع العلاقة[36].

والسؤال الآن هو:

لماذا محاولة اكتشاف الروابط بين الآيات القرآنية؟ هل هناك ضرورة تفرض ذلك؟ أم أنه يمكننا أن نفهم كل آية بشكل مستقل، ومنفصل عن الآيات الأخرى؟

والجواب:

أن لاكتشاف الروابط بين الآيات القرآنية فائدتين:

إحداهما: فهم المعنى الحقيقي للآية، إن فهم المعنى الحقيقي لكثير من الآيات يتوقف على اكتشاف (الارتباط بين الآيات)، ومن هنا نجد أن الذين حاولوا فهم القرآن بشكل تجزيئي أخطأوا في فهم الكثير من الآيات[37].

وثانيتهما: اكتشاف مفاهيم هامة وكثيرة، من خلال ذلك.

أما مجالات اكتشاف العلاقة فهي:

أولاً: العلاقة بين أجزاء الآية الواحدة، وهذا ما نسميه بـ (فهم الارتباط).

ثانياً: العلاقة بين الآيات - وهذا ما نسميه بـ (فهم التسلسل).

وفيما يلي، بعض الصور الإيضاحية.

(1)

يقول القرآن الكريم: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)[38].

هذه الآية الكريمة تبين أن الجنة هي من نصيب أفراد ملامحهم كالتالي:

1 - إنهم هاجروا.

2 - ولكن هذه الهجرة لم تأت عبثاً، أو من الراحة، أو السياحة، بل لأنهم عملوا، وجاهدوا حتى اضطرتهم القوى المعادية للخروج (وأخرجوا من ديارهم).

3 - بيد أنهم لم يهربوا بمجرد أن رأوا قليلاً من الأذى والاضطهاد، بل واصلوا الجهاد بقدر الإمكان (وأوذوا).

4 - وهذه المصاعب كلها لم تكن من أجل طموحات شخصية، وإنما من أجل الله، وفي سبيله (في سبيلي).

5 - وبعد أن سُدّت الأبواب كلها في وجوههم هاجروا إلى المنفى، ولكنهم لم يستسلموا في المنفى للهدوء والراحة، بل واصلوا مسيرة الجهاد والثورة (وقاتلوا).

6 - ثم، لم يكن الهدف من القتال الحصول على مكاسب دنيوية أو شخصية، فهم لم يحاربوا من أجل النصر، بل حاربوا بروحية المصمم على الموت، حتى استشهدوا في هذا الطريق (وقتلوا).

والسؤال الآن: ما هي النتيجة؟

والجواب يفصله لنا القرآن حين يقول: (.. لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار).

وكل ذلك (ثواباً من عند الله)، أي جزاءً لم يكن يعطى لهم إلا بذلك العمل.

إلا أن عطاء الله ليس عطاءً عادياً، أو محدداً، لأنه عطاء من الله (والله عنده حسن الثواب).

وربما لاحظ القارئ الكريم أن العلاقة بين أجزاء هذه الآية الكريمة هي علاقة (استدراكية).

(2)

يقول القرآن الكريم: (.. فَنَادَتْهُ - زكريا - الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ)[39].

ربما يبين الارتباط بين أجزاء هذه الآية على الشكل التالي:

لقد بشرت الملائكة نبي الله زكريا بابنه يحيى، وذكرت له ثلاث مواصفات:

1 - أن يكون المبادر إلى تصديق عيسى المسيح (عليه السلام).

2 - ولكن ذلك لا يعني أنه سيكون فرداً عادياً مثل سائر المؤمنين بالمسيح، كلا! إن له دوره الهام، وشخصيته المتميزة (وسيداً).

3 - الوجهاء والسادة عادة يستغلون مراكزهم لإشباع غرائزهم، وإرواء شهواتهم، ولكن يحيى (عليه السلام) ليس فقط يتجنب ذلك، وإنما أيضاً يحصر نفسه حتى عن اللهو البريء، والشهوات المحللة (وحصوراً)[40].

4 - وبعدئذ، يبلغ قمة الكمال الإنساني، فيصبح (نبياً من الصالحين).، وهل هنالك أعظم من هذه البشارة؟!

(3)

يقول القرآن الكريم: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[41].

في هاتين الآيتين الكريمتين مبحثان:

1 - علاقة (ذرية بعضها من بعض) بما سبق.

2 - علاقة (والله سميع عليم) بما سبق.

أما بالنسبة للمبحث الأول: فيبدو أن قوله تعالى: (ذرية بعضها من بعض) بمنزلة التعليل للاصطفاء، العمومي الذي شمل (آل إبراهيم) و (آل عمران)، فهي ذرية متماثلة، وبعضها يشبه البعض في صفات الفضيلة والكمال.

ومن هنا كان اختيار هاتين الأسرتين (اختياراً مجموعياً)، بينما كان اختيار (آدم) و (نوح) اخيتاراً فردياً حيث فقدت ذرياتهما تلك المواصفات.

أما بالنسبة إلى المبحث الثاني: فإن قوله تعالى: (والله سميع عليم) بمنزلة التحليل لأصل (الاصطفاء). فالاصطفاء الإلهي ليس اصطفاءً كيفياً، بل هو اصطفاء دقيق، يكفي في دقته: أن الله (السميع) (العليم) هو الذي يقوم به.

ومن هنا نستنتج أن اختيار الله لرسله، وصفوته من خلقه، إنما يعود إلى مؤهلات وكفاءات توفرت فيهم، وليس اختيارا فوضوياً، أو عشوائياً[42].

(4)

يقول القرآن الكريم: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى)[43].

ما هي العلاقة بين قوله: (من لا يؤمن بها) وقوله: (واتبع هواه)؟

والجواب:

إنها علاقة سببية، بمعنى أن اتباع الهوى هو السبب وراء الكفر بيوم القيامة.

إن أغلب الذين لا يؤمنون بالآخرة لا ينطلقون في موقفهم هذا من (شبهات عقلية)، بل من (شهوات نفسية)، إنهم يجدون أن الإيمان بالآخرة يعني الحجر على أهوائهم الطائشة، ولذلك يريحون أنفسهم برفض الآخرة من الأساس.

وربما كان في إتيان لفظة (اتبع) بصيغة الماضي، مع أن المعطوف عليه وهو (من لا يؤمن بها) قد أتى بصيغة المضارع، ربما كان في ذلك إشارة إلى تقدم مرحلة (اتباع الهوى) على (إنكار الآخرة).

(5)

يقول القرآن الكريم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ)[44].

هنالك ثلاثة حواجز تقف أمام إنزال العقوبة بالمتمردين، وهي:

1 - الضعف، فعندما يكون الفرد ضعيفاً، وعندما تكون الدولة ضعيفة. فإنهما لن يستطيعا - بالطبع - عقاب المتمردين.

2 - الشفقة المفرطة، فقد يكون الفرد قوياً، إلا أن شدة شفقته تقف حاجزاً أمام عقاب من يستحق العقاب، مثلاً: الآباء الذين تغمرهم العاطفة أكثر من اللازم، فيدعون أبناءهم يفعلون ما يشاءون، من دون أن يستخدموا لغة (العصا) معهم.

3 - الجهل، وهو قد يكون جهلاً بوقوع الجريمة، أو جهلاً بالذين ارتكبوا الجريمة، وطبعاً في هذه الحالات لن يستطع الفرد أو الدولة أن يقوما بأي إجراء مضاد.

أما الله سبحانه وتعالى فلا تقف أمامه هذه الحواجز، كما تشرحه لنا هاتان الآيتان، فهو:

1 - العزيز، أي القوي الذي لا يعجزه شيء.

2 - ذو انتقام، فهو ينتقم من خصومه وأعدائه، وليس رحمة مطلقة، كما يتصوره البعض، إنه (أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة) ولكنه أيضاً: (أشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة)، كما جاء في دعاء الافتتاح.

3 - وهو مطلع على كل شيء، ولا يمكن أن يفلت شيء من علمه (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء).

إذن، فليحذر الكفار، وليستعدوا لذلك اليوم الرهيب، حيث ينتظر الذين كفروا بآيات الله عذاب شديد.

(6)

يقول القرآن الكريم: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)[45].

في النظرة العابرة قد يبدو وجود فجوة بين الآيتين الأوليتين اللتين تتحدثان عن سلطة الله، وبين الآية الأخيرة التي تنهى المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياءً وأنصاراً. ولكن الواقع أن الارتباط بين هذه الآيات قوي جداً، ولتوضيح هذا الارتباط نذكر ما يلي:

هنالك بعض المؤمنين - من ضعاف الإيمان - يمدّون الجسور بينهم وبين الجهات المضادة، ويقيمون معها علاقات متينة، وذلك يعود إلى أن هؤلاء يتصورون أن التحالف مع هذه الجهات سوف يمنحهم بعض المكاسب الدنيوية التي يلهثون وراءها.

ولمواجهة هذا الطراز، يؤكد القرآن الكريم أن الله سبحانه هو المتصرف في الكون وهو المتصرف في الحياة، إن كل شيء يرتبط بإرادة الله، فالملك، والعزة، والرزق، والامتيازات الدنيوية الأخرى، كلها بيد الله تعالى، وليست بيد أي واحد من المخلوقين.

إذن، فما بال هؤلاء، يبحثون عن هذه الأمور عند غير الله؟!

أم انهم لا يكادون يفقهون حديثاً؟

سادساً: التصنيف

والتصنيف يعني: تقسيم ما ورد في الآيات القرآنية، وفقاً للأبعاد الزمنية، أو المواقف الاجتماعية، أو الصفات النفسية، أو غير ذلك.

والأمثلة التالية هي الكفيلة بتوضيح ذلك:

(1)

يقول القرآن الكريم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[46].

هناك ثلاث طوائف يقدم إليها الإنسان الحمد والشكر:

1 - الذين قدموا للإنسان خدمة، في الزمن الغابر، كالأب والأم اللذين تحمّلا العناء لتربية الابن عندما كان صغيراً.

ب - الذين يقدمون للإنسان الخدمات في الوقت الراهن.

ج - الذين يحتاج إليهم الإنسان في المستقبل.

والله سبحانه، هو المستحق للحمد، لأنه:

أ - خلقنا من العدم، وقام بتربيتنا وتنميتنا، في الماضي (ربّ العالمين).

ب - يغمرنا بوابل من رحمته وإحسانه، في الحاضر (الرحمن الرحيم).

ج - ومصيرنا بيده، في المستقبل، عندما ينفخ في الصور، ويقوم الناس لرب العالمين (مالك يوم الدين).

إذن، فهل هناك أحق بالحمد والشكر من الله سبحانه؟!

ولكن الإنسان جهول كفار!

(2)

يقول القرآن الكريم: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَ نَعْبُدَ إِلاَ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)[47].

في البداية، يقرر القرآن مبدأ (التوحيد)، القاعدة الأساسية التي يقوم على أساسها الإسلام كله، ثم يبين القرآن، أن هنالك عدوين للتوحيد:

أ - الأهواء والشهوات النفسية والكائنات التي تُتخذ آلهةً مع الله، وفي ذلك يقول: (ولا تشرك به شيئاً).

ب - الأصنام الاجتماعية، والطواغيت، التي تتخذ شركاء مع الله، وفي ذلك يقول: (ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله).

وهكذا، يجب أن لا يشرك الإنسان مع الله (شيئاً) ولا (شخصاً) حتى يكون موحداً حقيقياً.

(3)

يقول القرآن الكريم: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ)[48].

في هذه الآية يستعرض القرآن الكريم دليلين يعتبران من أهم الأدلة على وجود الله:

أ - دليل (الوجود).

إن وجود ساعة يدوية صغيرة، يدل على وجود خبراء، ومعامل، وتخطيط، فكيف بالأرض والسماوات العظيمة؟

ب - دليل (الحركة).

إن تحرك عقارب تلك الساعة اليدوية، ودورانها بشكل منتظم يكشف عن وجود (محرّك) وذلك لأنه من غير المعقول أن تحدث الحركة من تلقاء نفسها.

وإذا كان ذلك أمراً طبيعياً في تحرك ساعة يدوية، فكيف بـ (اختلاف الليل والنهار).

وهكذا ينهض كل من (الوجود) و (الحركة) دليلاً على وجود الله تعالى.

هذه كانت بعض عناصر: (منهج التدبر القرآني)، وظلت هناك عناصر أخرى، مثل: (الحكمة) و (التصوير) و (المفارقات) وغير ذلك، تركناها في هذا الكتاب، وسنتحدث عنها في مجال آخر بإذن الله.


[1]سورة الحديد: 16.

[2]سفينة البحار - المجلد الثاني - ص369.

[3]سورة الإسراء: 9.

[4]سورة يونس: 57.

[5]سورة الإسراء: 82.

[6]بحوث في القرآن الحكيم: ص35 - 38.

[7]سورة آل عمران: 67.

[8]راجع تفسير (الصافي) المجد الأول، ص270.

[9]سورة الأعراف: 59 - 60.

[10]استخدمت كلمة (الملأ) حوالي (30) مرة في القرآن الكريم، خلال استعراض قصص الأنبياء، وطبيعة مواجهتهم مع المشركين، وغير ذلك.

[11]راجع: المنجد، مادة (ملأ). و (الصافي) المجلد الأول ص588. و (الميزان) ج8 ص174. ومن الجدير أن نشير هنا إلى ما قاله الفخر الرازي في تفسيره: والملأ: الكبراء والسادات الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء. والدليل عليه أن قوله (من قومه) يقتضي أن ذلك الملأ بعض قومه، وذلك البعض لابد أن يكونوا موصوفين بصفة استحقوا لأجلها هذا الوصف، وذلك بأن يكونوا هم الذين يملأون صدور المجالس، وتمتلئ القلوب من هيبتهم، وتمتلئ الأبصار من رؤيتهم، وتتوجه العيون في المحافل إليهم، وهذه الصفات لا تحصل إلا في الرؤساء، وذلك يدل على أن المراد من الملأ الرؤساء والأكابر) راجع: التفسير الكبير: ج 14 ص150.

[12]سورة التكاثر: 1 - 2.

[13]الميزان ج 20 ص351.

[14]سورة آل عمران: 40.

[15]سورة آل عمران: 47.

[16]سورة النساء: 5.

[17]ليس المقصود بـ (الضرورة) هنا الوجوب الشرعي، بل الأولوية أو الاستحباب.

[18]كان دارون يعتقد أن (الزائدة الدودية) هي جهاز زائد في الجسم الإنساني، وكان يستند إلى ذلك في دعم نظريته الشهيرة. إلا أن التطور العلمي أثبت مدى احتياج الجسد إلى هذا الجهاز، وكان ذلك بعد تجارب علمية طويلة. راجع (بين الإسلام ودارون) للإمام الشيرازي.

[19]سورة آل عمران: 40.

[20]سورة الصف: 6.

[21]سورة الصف: 5.

[22]ورد اسم المسيح في القرآن الكريم مقروناً بكنيته (ابن مريم) حوالي (20) مرة.

[23]سورة الروم: 1 - 3.

[24]يقول المؤلف الشهير (وحيد الدين خان): وأغار (كسرى ابرويز) على بلاد الروم، زحفت جحافله عابرة نهر الفرات إلى الشام. ولم يتمكن (فوكاس) ملك الروم من مقاومة جيوش الفرس التي استولت على مدينتي (أنطاكية والقدس) فاتسعت حدود الإمبراطورية الفارسية إلى وادي النيل، وتقلصت الإمبراطورية الرومانية في عاصمتها، وسدت جميع الطرق في حصار اقتصادي قاس، وعم قحط، وفشت الأمراض الوبائية، ولم يتبق من الإمبراطورية غير جذور شجرها العملاق. وكان الشعب في العاصمة خائفاً يترقب ضرب الفرس للعاصمة، ودخولهم فيها، وترتب على ذلك أن أغلقت جميع الأسواق، وكسدت التجارة وتحولت معاهد العلم والثقافة إلى مقابر موحشة مهجورة (وبدأ عباد النار يستبدون بالرعايا الروم للقضاء على المسيحية، فبدأوا يسخرون علانية من الشعائر الدينية المقدسة، ودمروا الكنائس، وأراقوا دماء ما يقرب من (100. 000) مائة ألف إنسان من المسيحيين المسالمين وأقاموا بيوت عبادة النار في كل مكان، وأرغموا الناس على عبادة الشمس والنار. راجع الإسلام يتحدى ص183 - 184، ط7.

[25]سورة الأنعام: 151.

[26]سورة الإسراء: 31.

[27]القرآن كتاب حياة، ص149 - 151.

[28]سورة المائدة: 55.

[29]في هذا المجال يقول القرآن الكريم: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) (سورة الحاقة: 44 - 47).

[30]سورة المائدة: 16.

[31]سورة الأنعام: 153.

[32]سورة الحشر: 9.

[33]سورة لقمان: 17.

[34]سورة الشورى: 43.

[35]هذا الاستنباط مبني على إعادة (ذلك) في الآية الأولى إلى الصبر على المصيبة - كما هو مقتضى أحد التفسيرين - وليس إلى كل ما سبق.

[36]سوف نضرب فيما يلي بعض الأمثلة على ذلك.

[37]راجع - للمزيد من التفاصيل - الفصل الثاني من هذا الكتاب: (الفهم الشمولي للقرآن).

[38]سورة آل عمران: 195.

[39]سورة آل عمران: 39.

[40]قال في الصافي: (مصدقاً بكلمة من الله يعني عيسى، وسيدا: يسود قومه، ويفوقهم، وحصوراً: مبالغاً في حصر النفس عن الشهوات والملاهي، روي أنه مرّ في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال: ما للعب خلقت، وعن الصادق (عليه السلام): هو الذي لا يأتي النساء). (الصافي - المجلد الأول - ص 260) وربما يقال: أن تفسير الحصور بعدم الزواج هو من باب المصداق.

[41]سورة آل عمران: 33 - 34.

[42]قال في الصافي: (والله سميع بأقوال الناس (عليم) بأعمالهم، فيصطفي من كان مستقيم القول والعمل). الصافي: المجلد الأول، ص257.

[43]سورة طه: 15 - 16.

[44]سورة آل عمران: 4 - 5.

[45]سورة آل عمران: 26 - 28.

[46]سورة الحمد: 1 - 3.

[47]سورة آل عمران: 64.

[48]سورة آل عمران: 190.
[/align]


[align=center]منقول من كتاب - كيف نفهم القران آية الله السيد محمد رضا الشيرازي[/align]
( حسبي الله ونعم الوكيل )
صورة العضو الرمزية
راية زينب
فـاطـمـيـة
مشاركات: 5686
اشترك في: الاثنين يونيو 22, 2009 12:50 am

Re: معطيات التدبر في القرآن

مشاركة بواسطة راية زينب »

[align=center][font=Traditional Arabic]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ياكريم
جزاكم الله خير الجزاء أختي عاشقة الله
موضوع جدا قيم
اللهم اجعلنا من المتدبرين لكتابك العزيز[/font]
[/align]
صورة العضو الرمزية
راية المهدي
فــاطــمــي
مشاركات: 9197
اشترك في: السبت فبراير 23, 2008 3:04 pm

Re: معطيات التدبر في القرآن

مشاركة بواسطة راية المهدي »

[align=center][font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين المنتجبين
بارك الله فيكم في ميزان حسناتكم يارب
جزيتم الف خير وقضى الله حاجاتكم بالدنيا والاخرة
اللهم صل على محمد وال محمد[/font]


راية المهدي
[/align]
صورة
اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ الَّذى خَلَقَكِ فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً اَنَا لَكِ مُصَدِّقٌ صابِرٌ عَلى ما اَتى بِهِ اَبُوكِ وَوَصِيُّهُ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِما وَاَنَا أَسْأَلُكِ اِنْ كُنْتُ صَدَّقْتُكِ إلاّ اَلْحَقْتِنى بِتَصْديقى لَهُما لِتُسَرَّ نَفْسى فَاشْهَدى اَنّى ظاهِرٌ بِوَلايَتِكِ وَوَلايَةِ آلِ بَيْتِكِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ اَجْمَعينَ.
صورة العضو الرمزية
نسيم الحوراء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 10284
اشترك في: الجمعة يونيو 05, 2009 12:09 am

Re: معطيات التدبر في القرآن

مشاركة بواسطة نسيم الحوراء »

[align=center][font=Arial]#5d005fبسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
جزاك الله كل خير على هذا الطرح الرائع
وبارك الله بكم وحشركم الله مع محمد وال محمد
ودمتم سالمين[/font]
[/align]
اتَّقُوا ظُنُونَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ.
صورة العضو الرمزية
خادمة خدام الحسين(ع)
فـاطـمـيـة
مشاركات: 33196
اشترك في: السبت أغسطس 15, 2009 6:47 pm
مكان: قلب هجــر الحبيبة

Re: معطيات التدبر في القرآن

مشاركة بواسطة خادمة خدام الحسين(ع) »

[align=center]اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واهلك اعداءهم يا كريم

أختي الغالية : عاشقة الله
شكراً جزيلاً على الطرح الجميــــــــــــــــل جداً ، في ميزان حسناتكِ ان شاء الله

دمتِ بخير[/align]
[align=]يا غياث المستغيثين أغثني بـ قالع باب خيبر علي بن أبي طالب أدركني[/align]
صورة العضو الرمزية
صرخة الزهراء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 23718
اشترك في: الأربعاء ديسمبر 10, 2008 4:13 am
مكان: في مملكة الزهراء

Re: معطيات التدبر في القرآن

مشاركة بواسطة صرخة الزهراء »

[align=center][font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ال بيته الغر الميامين
السلام على ام ابيها السلام على الصديقة الطاهرة
حبيبتي عاشقة الله اسال الله لكم التوفيق على الطرح الموفق
دمتم برعاية الزهراء[/font][/align]
صورة
اللهم أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد
وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد
صورة العضو الرمزية
امل الزهراء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 7513
اشترك في: الثلاثاء فبراير 10, 2009 6:25 pm

Re: معطيات التدبر في القرآن

مشاركة بواسطة امل الزهراء »

[align=center]اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم

جزاك الله أختي الكريمة عاشقة الله

أثابك الله على هذا المجهود.
[/align]
صورة العضو الرمزية
ناصرة الزهراء
فـاطـمـيـة
مشاركات: 26879
اشترك في: الجمعة أكتوبر 24, 2008 1:16 am
مكان: بين الرياحين

Re: معطيات التدبر في القرآن

مشاركة بواسطة ناصرة الزهراء »

[align=center][font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد

الفاطمية الكريمة عـــــاشقة الله....
ربي يبارك فيكم ويحفظكم على هذا الطرح القيم
الذي يشمل الكثير من المواضيع كـــ تفسير الآيات الشريفة والفُروقات وغيرها
ربي يجعلنا وإياكم من المتدبرين لآيات القرآن العظيم
أحسنتم كثيراً وَ ربي يعطيكم ألفين عافية
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين[/font]
[/align]
صورة العضو الرمزية
عشقِي الأبدي هو الله
عضو موقوف
مشاركات: 49213
اشترك في: السبت أكتوبر 04, 2008 5:03 pm
مكان: في قلب منتداي الحبيب

Re: معطيات التدبر في القرآن

مشاركة بواسطة عشقِي الأبدي هو الله »

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين


صورة

مشكورين على المرور العطر
[/align]
( حسبي الله ونعم الوكيل )
صورة العضو الرمزية
أم فاطمة البتول
مشاركات: 12197
اشترك في: الأحد أكتوبر 12, 2008 12:45 am

Re: معطيات التدبر في القرآن

مشاركة بواسطة أم فاطمة البتول »

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد
يعطيك الف الف عافية اخيتي على هذا الطرح الاكثر من رائع

حقا يحتاج الانسان الى الكثير منالتدبر في ايات الله عز وجل، وهناك اساله كانت تراودني اثناء قرائتي للقران وجدت الاجابة عليها هنا
سلمت يداكي عزيزتي
جعله الله في ميزان حسناتك ان شاء الله
اخذ روحي ونظرعيني لبو السجاد وديني يسجلني
عبير اترابه اشتمه واريد بدفتر الخدمة يسجلني
صورة العضو الرمزية
عشقِي الأبدي هو الله
عضو موقوف
مشاركات: 49213
اشترك في: السبت أكتوبر 04, 2008 5:03 pm
مكان: في قلب منتداي الحبيب

Re: معطيات التدبر في القرآن

مشاركة بواسطة عشقِي الأبدي هو الله »

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين


صورة

مشكورة اختي على المرور العطر
[/align]
( حسبي الله ونعم الوكيل )

العودة إلى ”روضــة الــنـفـحـات الـقـرآنـيـة“