[align=center][font=Traditional Arabic]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أواصل شرح الخطبة و أرجوا حضوركم
تفسير آية الله ناصر مكارم الشيرازي تفسير رائع ،
لنتوغل في كلام الإمام ليكن الأمير أستاذنا و مرشدنا لترى يا إمامنا بأننا جادون و نود أن ننهل من علمك نود أن تنور قلوبنا و نفوسنا :
القسم الثاني
«
أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ وَكَمالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَكَمالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ وَكَمالُ تَوْحِيدِهِ الاِْخْلاصُ لَهُ وَكَمالُ الاِْخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفاتِ عَنْهُ لِشَهادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّها غَيْرُ الْمَوْصُوفِ وَشَهادَةِ كُلِّ مَوْصُوف أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ، فَمَنْ وَصَفَ اللّه سُبْحانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنّاهُ وَمَنْ ثَنّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشارَ إِلَيْهِ وَمَنْ أَشارَ إِلَيْهِ فَقَدْ عَدَّهُ».
—–
الشرح والتفسير
توحيد الذات والصفاتتمثل هذه العبارات دورة تربوية تامة في المعرفة الإلهية. فقد اعتمد أمير المؤمنين(عليه السلام)عبارات مقتضبة عميقة المعنى بحيث قدم صورة عن الحق تبارك وتعالى لا يمكن الإتيان بأحسن منها حتى ولو جمعنا كافة دروس التوحيد والمعارف إليها وجعلنا بعضها إلى جانب البعض الآخر، فانّها تعجز عن رسم مثل تلك الصورة.
فقد ذكر(عليه السلام) في هذا الجانب من خطبته خمسة مراحل لمعرفة الله يمكن ايجازها في مايلي:
1 ـ المعرفة الإجمالية والناقصة
2 ـ المعرفة التفصيلية
3 ـ توحيد الذات والصفات
4 ـ الاخلاص
5 ـ نفي التشبيهفقد قال(عليه السلام) مبتدأ «أول الدين معرفته». لا شك أنّ الدين هنا يعني مجموعة العقائد
والواجبات والوظائف والأخلاق، ومن المعلوم أنّ دعامتها الأساسية هى «معرفة الله»، وعليه فمعرفة الله تمثل الخطوة الاولى على الطريق من جانب والمحور الرئيسي لكافة أصول الدين وفروعه، وليس لهذا الدين من حيوية دون هذه المعرفة ـ أمّا أولئك الذين يعتقدون بأنّ هناك شيئاً آخر قبل معرفة الله، إلاّ وهو النظر في طريق معرفة الله والتحقيق بشأن الدين ووجوب المطالعة، فهم على خطأ كبير. وذلك لأنّ وجوب التحقيق يمثل أول الواجبات، بينما تمثل معرفة الله أول دعامة للدين، أو بعبارة أُخرى فان التحقيق مقدمة ومعرفة الله أولى مراحل ذي المقدمة.(1)
والنقطة الاُخرى المفروغ منها هى أنّ المعرفة الإجمالية قد أودعت فطرة الإنسان ولا تتطلب أدنى تبليغ بهذا الشأن، وإنما بعث الأنبياء لاستبدال هذه المعرفة الإجمالية بتلك المعرفة التفصيلية الكاملة المتقنة وإغناء جوانبها وتطهير الفكر البشري من أدران الشرك وأرجاسه.
ثم قال(عليه السلام): «وكمال معرفته التصديق به». هنالك عدّة تفاسير للفارق بين التصديق والمعرفة. بادئ ذي بدء المراد هنا بالمعرفة هى المعرفة الفطرية، والمقصود بالتصديق المعرفة العلمية والاستدلالية. أو أنّ المراد بالمعرفة هنا المعرفة الإجمالية، والمقصود بالتصديق المعرفة التفصيلية. أو أنّ المعرفة تشير إلى العلم بالله، والتصديق يشير إلى الإيمان، لأنّ العلم لا يفارق الإيمان، فالإنسان قد يوقن بشيء إلاّ أنّه لا يؤمن به قلبياً ـ بمعنى التسليم له والاذعان به قلبياً، أو بتعبير آخر الاعتقاد به ـ. وأحياناً يضرب الفضلاء مثلاً لانفصال هذين الأمرين عن بعضهما، فيقولون: إنّ أغلب الأفراد يشعرون بالهلع ولا سيما في الليلة المظلمة حين البقاء إلى جانب ميت في غرفة خالية، رغم علمهم بانه ميت، لكن كأن العلم لم ينفذ إلى أعماقهم ويتسلل إلى قلوبهم، فلم يحصل ذلك الإيمان المطلوب وبالتالي فقد تمخض عن هذا الهلع والخشية.
وبعبارة اُخرى فانّ العلم هو تلك المعرفة القطعية بالشيء، إلاّ أنّها قد تكتسب صبغة سطحية فلا تنفذ إلى أعماق وجود الإنسان وروحه، فاذا نفذت إلى أعماقه وبلغت مرحلة اليقين بحيث أذعن الإنسان بذلك قلبياً، فان ذلك العلم يكتسب صفة الإيمان.
ثم قال(عليه السلام) في المرحلة الثالثة «وكمال التصديق به توحيده». فمما لاشك فيه أنّ الإنسان لم يبلغ مرحلة التوحيد الكامل على أساس معرفته التفصيلية لله أو بتعبير آخر بالمعرفة القائمة على أساس الدليل والبرهان. فالتوحيد التام في أن ينزه الذات الإلهية عن كل شبه ومثيل ونظير. وذلك لأنّ من جعل له شبيه وصنو لم يعرفه، فالله وجود مطلق غنى بالذات عمّا سواه وليس كمثله شيء، ومن طبيعة الاشياء التي لها أشباه وأمثال أن تكون محدودة، لأنّ أي من الشبيهين منفصل عن الآخر وفاقد لكمالاته.
إذن فالإنسان لا يبلغ مرحلة الكمال إلاّ بالتصديق بذاته المنزهة في أنّه واحد; واحد لا عن عدد، بل واحد بمعنى خلوه من الشبيه والمثيل.
مفهوم عظيم وسامي لا ينسجم وما أورده الشرّاح في هذه العبارات، ومن المستبعد أن يكون هذا هو المراد به. أمّا المفهوم الوحيد الذي يناسبه هو تنزيه الاعتقاد بالله تبارك وتعالى; أي تنزيهه في وحدته عن كل شبيه ومثيل، إلى جانب تقديسه عن التركيب من الأجزاء.
وقد أشار الإمام(عليه السلام) إلى هذا المعنى في المرحلة الخامسة حين قال: «وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه». وبعبارة اخرى فان الحديث في المرحلة السابقة قد تناول الاخلاص على نحو الإجمال، فلما بلغ الاخلاص هنا مرحلة الكمال غاص في التفاصيل، ليتضح من ذلك أنّ الاخلاص في التوحيد يتطلب تنزيهه عن كافة الصفات التي يتصف بها المخلوق، سواء كانت هذه الصفات بمعنى التركب من الأجزاء أم غيرها، وذلك لأننا نعلم بأنّ جميع الممكنات بما فيها العقول والنفوس المجردة هى في الواقع مركبة (على الأقل مركبة من الوجود والماهية) وحتى المجردات; أي الموجودات الخارجة عن المادة هى الاُخرى ليست مستثناة من هذا التركب، أمّا الموجودات المادية فكلها متركبة من الأجزاء الخارجية، لكن الذات الإلهية المقدسة لا تشتمل على الأجزاء الخارجية ولا الأجزاء العقلية، لايمكن تجزأته في الخارج ولا في إدراكنا وفهمنا. وكل من غفل عن هذه الحقيقة لم يظفر بالتوحيد الخالص، ومن هنا يتضح بأنّ مراده(عليه السلام) بقوله «كمال توحيده نفي الصفات عنه» ليس الصفات الكمالية; لأنّ كافة الصفات الكمالية من قبيل العلم والقدرة والحياة وما إلى ذلك من الصفات ثابتة له، بل المراد الصفات التي ألفناها وتعرفنا عليها وهى صفات المخلوقين المشوبة بالنقص. فالمخلوقات لها حظ من علم وقدرة، غير أنّ علمها وقدرتها محدودة ناقصة مشوبة بالجهل والضعف والعجز، بينما الذات الإلهية منزهة عن مثل هذا العلم والقدرة وأفضل دليل على ذلك ما أورده الإمام(عليه السلام)في ذيل هذه الخطبة بشأن الملائكة فوصفهم بقوله: «لا يتوهمون ربهم بالتصوير ولا يجرون عليه صفات المصنوعين». أضف إلى ذلك فان صفات المخلوقات منفصلة دائماً عن ذواتها، أو بعبارة اُخرى فانّ صفاتها زائدة على ذواتها. فالإنسان شيء وعلمه وقدرته آخر، وبناءً على هذا فوجوده مركب من هذين الشيئين، والحال أنّ صفات الله عين ذاته وليس هنالك من سبيل لهذا التركب. والواقع أنّ أعظم عقبة تعترض مسيرة التوحيد إنّما تكمن في قضية «القياس»; أي قياس صفات الله بصفات المخلوقات المفعمة بأنواع النقص والعيب، أو الاعتقاد بالصفات الزائدة على الذات; الورطة التي وقعت فيها الأشاعرة «فرقة من المسلمين».(1)
للحديث بقية —–[/font][/align]