
[align=center]ينقل المرحوم صدرا رضوان الله عليه مطالب في « الاسفار » في عقائد الناس المختلفة في كيفيّة المعاد، وهي مطالب تستحقّ التأمّل، يقول فيها:[/align]
[align=center]إنّ من الاوهام العامّيّة والآراء الجاهليّة رأي من ذهب إلی استحالة النفوس والاجساد وامتناع أن يتحقّق في شيء منهما المعاد، وهم الملاحدة و الطباعيّة و الدهريّة وجماعة من الطبيعيّين و الاطبّاء الذين لااعتماد عليهم في الملّة، ولا اعتداد برأيهم في الحكمة. زعماً منهم أنّ الإنسان ليس إلاّ هذا الهيكل المحسوس حامل الكيفيّة المزاجيّة وما يتبعها من القوي والاعراض، أنّ جميعها ممّا يعدم بالموت ويفني بزوال الحياة ولايبقي إلاّ الموادّ المتفرّقة، فالإنسان كسائر الحيوان والنبات إذا مات فات، وسعادته وشقاوته منحصرتان فيما له بحسب اللذّات والآلام البدنيّة الدنيويّة. وفي هذا تكذيب للعقول علي ما رآه المحقّقون من أهل الفلسفة، وللشرع علي ما ذهب إلیه المحقّقون من أهل الشريعة.[/align]
[align=center]والمنقول من جإلینوس في أمر المعاد هو التردّد والتوقّف بناءً علي توقّفه في أمر النفس أ نّه هل هي المزاج فتفني بالموت ولايعاد، أم هي جوهر مجرّد فهو باقٍ بعد الموت فلها المعاد. ثمّ من المتشبّثين بأذيال العلماء من ضمّ إلی هذا أنّ المَعْدوم لاَ يُعَادُ، فإذا انعدم الإنسان بهيكله لميمكن إعادته وامتنع الحشر.
والمتكلّمون منعوا هذا بمنع امتناع إعادة المعدوم تارةً، وبمنع فناء الإنسان بفساد هيكله أُخري. فقالوا: إنّ للإنسان أجزاء باقية إمّا متجزّية أو غيرمتجزّية، ثمّ حملوا الآيات والنصوص الواردة في بيان الحشر علي أنّ المراد جمع الاجزاء المتفرّقة الباقية التي هي حقيقة الإنسان. والحاصل أنّ أصحاب الكلام ارتكبوا في تصحيح المعاد أحد الامرين المستنكرين المستبعدين عن العقل بل النقل، ولا يلزم شيء منها. بل العقل والنقل حاكمان بأنّ المُعاد في الآخرة هو الذي كان مصدر الافعال ومبدأ الاعمال مكلّفاً بالتكإلیف والواجبات والاحكام العقليّة والشرعيّة. ثمّ لايخفي أنّ الشهبة لاتنقلع عن أراضي أوهام الجاحدين المنكرين للحشر والقيامة، إلاّ بقطع أصلها. وهو أنّ الإنسان بموته يفني ويبطل ولا يبقي، لا نّه ليس إلاّ الهيكل مع مزاج أو صورة حالّة فيه. وقد مرّ قطع هذا الاصل مستقصي.[/align]
[align=center]وقد اتّفق المحقّقون من الفلاسفة والملّيّين علي حقّيّة المعاد وثبوت النشأة الباقية، لكنّهم اختلفوا في كيفيّته، فذهب جمهور الإسلاميّين وعامّة الفقهاء وأصحاب الحديث إلی أ نّه جسمانيّ فقط بناءً علي أنّ الروح عندهم جسم سارٍ في البدن سريان النار في الفحم والماء في الورد والزيت في الزيتونة، وذهب جمهور الفلاسفة وأتباع المشّائين إلی أ نّه روحانيّ، أي عقليّ فقط، لانّ البدن ينعدم بصوره وأعراضه لقطع تعلّق النفس عنها. فلايُعاد بشخصه تارة أُخري، إذ المعدوم لا يعاد. والنفس جوهر مجرّد باق لاسبيل إلیه للفناء، فتعود إلی عالم المفارقات لقطع التعلّقات بالموت الطبيعيّ.[/align]
[align=center]وذهب كثير من أكابر الحكماء ومشايخ العرفاء وجماعة من المتكلّمين، كحجّة الإسلام الغزّإلیّ و الكعبيّ و الحليميّ و الراغب الإصفهانيّ، وكثير من أصحابنا الإماميّة كالشيخ المفيد وأبي جعفر الطوسيّ والسيّد المرتضي والعلاّمة الحلّيّ والمحقّق (الخواجة نصيرالدين الطوسيّ) رضوان الله تعإلی عليهم أجمعين إلی القول بالمعادين جميعاً ذهاباً إلی أنّ النفس مجرّدة تعود إلی البدن، وبه يقول جمهور النصاري والتناسخيّة، إلاّ أنّ الفرق بأنّ محقّقي المسلمين ومن يحذو حذوهم يقولون بحدوث الارواح وردّها إلی البدن لا في هذا العالم، بل في الآخرة، والتناسخيّة بقدمها وردّها إلی البدن في هذا العالم، ويُنكرون الآخرة والجنّة والنار الجسمانيّتين. ثمّ إنّ هؤلاء القائلين بالمعادين جميعاً اختلفت كلماتهم في أنّ المعاد من جانب البدن، أهو هذا البدن بعينه أو مثله، وكلّ من العينيّة أو المثليّة أيكون باعتبار كلّ واحد من الاعضاء والاشكال والخطوط أم لا، والظاهر أنّ هذا الاخير لم يوجبه أحد، بل كثير من الإسلاميّين مال كلامهم إلی أنّ البدن المُعاد غير البدن الاوّل بحسب الخلقة والشكل.[/align]
[align=center]وربّما يستدلّ عليه ببعض الاخبار المذكورة فيها صفات أهل الجنّة والنار ككون أهل الجنّة جرداً مرداً، وكون ضرس الكافر مثل جبل أُحد.[/align] وبقوله تعإلی:[align=center]كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـ'هُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ[/align].
[align=center]وبقوله تعإلی: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَمَـ'و تِ وَالاْرْضَ بِقَـ'دِرٍ عَلَي'´ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ.[/align]
[align=center]فإن قُلت: فعلي هذا يكون المثاب والمعاقب باللذات والآلام الجسمانيّة غير مَن عمل الطاعة وارتكب المعصية.
قيل في الجواب: العبرة في ذلك بالإدراك وإنّما هو للروح ولو بواسطة الآلات وهو باقٍ بعينه، ولهذا يُقال للشخص من الصبا إلی الشيخوخة إنّه هو بعينه وإن تبدّلت الصور والمقادير والاشكال والاعراض، بل كثير من الاعضاء والقوي، ولا يُقال لمن جني في الشباب فعوقب في المشيب إنّها عقاب لغير الجاني، هذا تحرير المذاهب والآراء، والحقّ كما ستعلم أنّ المُعاد في المعاد هو هذا الشخص بعينه نفساً وبدناً، فالنفس هذه النفس بعينها، والبدن هذا البدن بعينه، بحيث لو رأيته لقلت رأيته بعيني فلان الذي كان في الدنيا. وإن وقعت التحوّلات والتقلّبات إلی حيث يُقال هذا ذهب وهذا حديد، وربّما ينتهي في كلاهما إلی حيث يتّحدان ويصيران عقلاً محضاً واحداً، ومن أنكر ذلك فهو مُنكر للشريعة ناقص في الحكمة، ولزمه إنكار كثير من النصوص القرآنيّة.[/align]
[align=center]المصدر/ المعاد[/align]