بقلم : المولى الميرزا موسى الحائري الأحقاقي الأسكوئي (أعلى الله مقامه)
لاشك ولا ريب أن الحكمة الإلهية من أول الخلقة إلى زمان دولة الحق اقتضت امتحان الخلق في جميع الإعصار والأمصار ، واختبارهم حتى يميز الخبيث من الطيب ، والحق من الباطل ، والسعيد من الشقي . ومن ابتداء العالم إلى الآن كان يختبر الله الخلق بأنواع الامتحان حتى يخلص الحق من خلط الباطل ، ويصفي المذهب الصحيح عن القبيح الفضيح ، ويعرف غثه من السمين , وسرابه من الماء المعين ، وكان الاختبار والامتحان غالباً بنوعين : إرسال الرسل وتكذيب الخلق وتصديقهم إياهم ، أو خفاء الحجة من بينهم وغيبته حتى تظهر مكنونات الخواطر ومستجنات الضمائر ، إلى أن اقتضت المصلحة الإلهية ظهور نور وجود نبينا صلى الله عليه وآله وسلم على الوجود ، ومن الغيب إلى الشهود ، وحصون الامتحانات به ، وتمييز الإيمان المستودع عن مستقره ، فخرج من خرج من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم بتكذيبه ، وشقي ودخل من دخل في زمرة أهل الحق وسعد ، وانحصر الحق في المقر والمعتقد به (صلى الله عليه وآله وسلم) وتابعيه لساناً وجناناً ، ثم حصل الخلط والمزج بين المسلمين بالكثرة والتوالد ، واحتمل الإيمان المستودع والمستقر في كل فرد من أفرد من أفرادهم ، وأمكن النفاق والإخلاص في كل شخص من أشخاصهم ، واستقرت النطف الخبيثة في الأرحام والأصلاب الطيبة الطاهرة
وظهرت بصورة أهل الإيمان ولا إيمان لهم واقعاً ، واحتاجوا إلى الامتحان أيضا ً امتحنهم الله سبحانه بنائبة الأول ، والقائم مقامه صاحب الأزل الأول ، فمن اقر بع واعترف بولايته صار من المؤمنين الممتحنين ودخل في زمرة الفرقة الناجين ، ومن خالفه وأنكر ما خصه الله به من الولاية لعظمى كان من المشركين والمنافقين ، ودخل في زمرة الفرقة الهالكة الضالين ولم يبق في هذا الامتحان العظيم إلا القليل " ارتد الناس إلا أربعة " وفي رواية " إلا سبعة " ، وهكذا الأمر في زمن كل واحد من الأئمة الهداة (عليهم السلام والصلوات) كان يحصل الخلق اللطخ والمزج ، ثم يمتازون بالإيمان بإمام زمانهم والإنكار به ، وخرج بهم سلام الله عليهم عن جادة الحق فرق كثيرة ، وانحرفوا عنها إلى الضلال ، إلى أن وصلت النوبة إلى إمام زماننا بقية الله حجة ابن الحسن ( عجل الله فرجه وسهل له مخرجه ) ، امتحن الله سبحانه وتعالى أولاً بغيبته واستتاره عن الخلق ، ثم بوكلائه ونوابه الخاص
ثانياً : عثمان بن سعيد العمري ، ثم محمد بن عثمان ، ثم حسين بن روح ، ثم علي ابن محمد السيمري ، وأمر تمام الشيعة بمتابعتهم على الترتيب ، ونهى عن مخالفتهم ، وجعل طاعتهم طاعته ، ومعصيتهم معصيته ، وحصل بهم امتحان جمع كثير ، وخرج بهم عن جادة الحق جم غفير ، وهلكوا في وادي الضلالة ، وغرقوا في بحر الغاوية ، كأبي محمد المعروف بالشريعي ، وهو أول من ادعى النيابة والوكالة عن فيا الحجة عجل الله فرجة ، وتبعه جماعة وخرج التوقيع الشريف عن الناحية المباركة بلعنه والبراءة منه ، ولعنه الشيعة وتبرئوا منه ( لعنه الله ) ، ومحمد بن نصير النميري ، وهو أنكر وكالة محمد بن عثمان وادعاها لنفسه بعد أبي محمد الشريعي ، والحلاج والشلمغاني وأبي طاهر محمد بن علي بن بلال وأحمد بن هلال الكرخي و نظائرهم الذين ادعوا النيابة والوكالة عن طرف الحجة عجل الله فرجه ، وأنكروا وكالة الأربعة ونيابتهم ، وتبعهم جمع كثير ، ومال عن الحق إليهم جم غفير ، وحصل بإنكار أولئك والميل إلى هؤلاء امتحان عظيم ، وأخرجوهم وتابعوهم عن الفرقة الناجية الأمامية ، ولحقوا بالفرقة الهالكة الضالة .
ثم لما كان الاختبار والامتحان بنص الآية الشريفة من بد والخلق إلى ظهور دولة الحق ، ورفع الباطل عن وجه الأرض بالكلية ، صار الامتحان بعد انقضاء مدة وكالة الوكلاء الأربعة الخاصة ووقوع الغيبة الكبرى بوجود النواب العامة ، الذين أمروا الخلق بالرجوع إليهم ، والأخذ عنهم معالم دينهم ، وإيصال الحقوق الراجعة للإمام إليهم ، والذين حكمهم حكم الله ، والمستخف بهم والراد عليهم مستخف بالله وراد عليه وعلى أوليائه الكرام عليهم الصلوات والسلام كما في مقولة عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد الله (عليه الصلاة والسلام) قال : " انظروا إلى رجل منكم قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فأرضوا به حكماً ، فأني قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمنا ولم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد ، والراد علينا كالراد على الله ، وهو على حد الشرك بالله الخ ... "[2] .
وفي التوقيع المبارك : " وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فأنهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله عليكم "[3] انتهى .
فالنائب العام في زمان الغيبة الكبرى : الذي هو حافظ لدينه وصائن لنفسه ، ومخالف على هواه ، ومتبع لأمر مولاه ، حكمه حكم النواب الأربع و الخاصة ، فمن رد عليه ولم يقبل قوله واستخف به فعل أورد قول أو افتراء أو بهتان ،خرج عن جادة الحق والطريقة المستقيمة ، وكان حكمه حكم أهل الضلال ، ألا أنه يتوب الله عليه . فويل الذي باع دينه بدنياه ، واستبدل الباقية الدائمة بالفانية الزائلة ، لأغراض فاسدة دنيوية ، كإقبال أشباه الناس الذين يوسوس في صدورهم الخناس إليه ، وتكثير السواد حوله ، واستماع صوت النعال خلفه ، وبالجملة يجب على كل واحد الاجتناب عن أمثال هؤلاء ، لأنهم سرقة الدين ، وعدم الاعتناء والاعتماد عليهم وعلى ونقلهم ونسبهم ألا بعد التجسس والتفحص ، { إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [4] ،
عدم الاغترار بهم وبتصنيفهم وتأليفهم ألا بعد الوثوق بهم ولاعتماد بقولهم :
لو كان في العلم غير التقى شرف لكان اشرف كل الناس إبليس
إذ ليس مقصدهم إلا الرياسة الدنيوية ، والوصول إلى مأربهم الدنيا ، والاكتساب بعلومهم الظاهرية ما هو شرف الدنيا الدنية ، والافتخار بها عند أبناء الزمان والارتفاع في هذا الدهر الخوان ، { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) } [5].
فأحفظ وصيتي وان من أفترى على احد من نوابه العامة ، وتجاسر عليه بما لا يليق حكمه حكم من استخف بالله وأوليائه الطاهرين ، وأنكر ولاية النواب المنصوصين والأربعة المخصوصين ، وأخرج عليه اللعنة من التوقيع المبارك ، وتبصر في أمر دينك وتكحل بنور الإيمان ، حتى تعرف سارق الدين في هذا الزمان ، فالقابض فيه على دينه كالقابض على جمرة غضاء ، وتنجو يوم القيامة عن لهبات لظى .
الهوامش
[1] سورة العنكبوت ، الآيات : 1-3
[2] عوالي اللآلي ج3 ص192 ح37
[3] بحار الأنوار ج53 ص181
[4] سورة الحجرات ، الآية :6.
[5] سورة النجم ، الآيتان : 29-30
بسم رب الزهراء عليها السلام
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام على من نرتجيها ليوم الفزع الأكبرالسلام على بديعة الوصف والمنظر
حبيبتي آم حنان بارك الله فيك وفي موضوعك المبارك
دمتم بحب ورعاية الزهراء
اللهم أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد
وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد
بسم رب الزهراء عليها السلام
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
سلمت اناملك طرح في غاية الرووووووووعة
دمتي ودام عطائك المشرق
تقبلي مروري
دمتي بحفظ الله ورعايته
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكراً لك .. طرح أكثر من رائع
بارك الله بكم وجزيتم
حفظكم الله تعالى من شر الجن والانس مع شيعة محمد وال محمد
وجعله الله في ميزان حسناتك