اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم يا كريم
حكم تدرجّ تنزيل القرآن
لم يكن التدرجّ في نزول القرآن الكريم إلا لِحِكَمٍ إلهيّة بالغة أحاط بها علمه تعالى, ونحن وإن كنا نجهل تلك الحكم بحقائقها إلا إنّا نذكر ما أدركته أفكارنا من حكم راجحة ظاهرة.
ويمكن تصنيف هذه الحِكم إلى ثلاثة أصناف:
أولاً: حِكم تخصّ الرسول الأعظم (ص).
1-إظهار عظمة الرسول (ص):
إن نزول القرآن الكريم جملة واحدة على الرسول (ص), ثم نزوله عليه إلى آخر حياته لهو دليل على منزلته (ص), وجليل رعاية الله له, وعنايته له, لآن الحبيب يكثر من ملاقاة حبيبه.
2-تثبيت فؤاد الرسول (ص):
إن الرسول (ص) بشر أنيطت به دعوة عظيمة, ومهمة كبيرة تقتضي تحويل مجرى الإنسانية, ومع عظيم هذه المسئولية نجده عديم المال, فاقد الأنصار, لا يملك إلا أصالة الرسالة, وقوة الإيمان, والصفوة القليلة من أهله وعشيرته.
أما بقية الناس, فيقفون وجهاً لوجه أمام دعوته بكلّ شراسة, وضراوة.
وهذه المهمة فوق طاقة البشر, فلابد من إمداد غيبيّ حتى يكمل الدين, ويسود الإسلام, وكان هذه الإمداد إسعافاً, ونجدة إلهية تربط على جِنان الرسول, وتؤكد النصر له كلما ادلهم الخطب, واعصوصب (1) الأمر.
ومن أمثلة هذه الآيات:
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} (المزمل 10)
{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} (33-34 الأنعام)
3-تيسير حفظ القرآن:
إن الرسول (ص) كان أمياً لا يقرأ, ولا يكتب وإن تدرج تنزيل القرآن الكريم يسر عليه حفظه بخلاف غيره من الأنبياء, فإنهم كانوا يقرءون, ويكتبون, فيمكنهم حفظ ما يُنزل عليهم.
والآمية في رسول الله (ص) صفة تُعلي شأنه, وتُظهر إعجاز القرآن بجلاء حيث إن القراءة, والكتابة وسيلة للعلم لا غاية بذاتها, فلو تحصل على المعارف من سبب آخر لأغنى عن القراءة, والكتابة.
وإتيان النبيّ بهذه الشريعة الشاملة, والسامية مع عدم القراءة هو أقوى في الحجة, وأبعد عن التهمة.
بقية الحكم ستأتي قريباً إن شاء الله
(1)العصب: الطيّ الشديد, ورجل معصوصب الخلق, كأنما لوي ليّاً. كتاب العين 1/308, الخليل الفراهيدي, الطبعة الثانية 1409هـ, مؤسسة دار الهجرة.