أمّا أصناف العلوم التي ينبغي أل نعدّها علوماً فهي الفنون التي دعتها الرواية فضلاً و زيادة ، لا فضيلةً ، إذ الفضيلة تتضمّن قدراً من الكمال .
وهذا العلم الواجب هو الذي اعتبره القرآن الكريم الغاية من خلق السماوات السبع والارضين السبع وتنزّل أمر الله بينهنّ :
اللَهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَـ'وَ تٍ وَ مِنَ الارْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ المْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُو´ا أَنَّ اللَهَ عَلَي' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا .
وهو العلم النافع الذي عدّه أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة همّام من جملة صفات المتّقين :
وَوَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَي العِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ .
ويستنتج ممّا قيل أنّ أشرف العلوم هو علم بناء الاءنسان .
وَقَدِ اتَّفَقَ العُلَمَاءُ أَنَّ شَرَفَ كُلِّ عِلْمٍ بِشَرَفِ المَعْلُومِ . وَكُلُّ عِلْمٍ يَكُونُ مَعْلُومُهُ أَشْرَفُ المَعْلُومَاتِ يَكُونُ ذَلِكَ العِلْمُ أَشْرَفَ العُلُومِ .
فَأَشْـرَفُ العُـلُومِ العِـلْمُ الاءلَهِـيُّ ل نَّهُ مَعْـلُومَهُ وَهُوَ اللَهُ أَشْـرَفُ المَوْجُودَاتِ .
يقول الخواجه شمس الدين محمّد حافظ الشيرازيّ :
اي دل به هرزه ، دانش و عمرت به باد رفت صد مايه داشتي و نكردي كفايتي
ويقول الخـواجة الحـكيم ميـرفندرسـكي في قصـيدته الحـكميّة المعروفة :
هر چه بيرون است از ذاتت نيايد سودمند خويش را كن ساز اگر امروز اگر فرداستي
وما أبدع بيان الحكيم السنائيّ حين يقول :
اي هواهاي تو هوي أنگيز وي خدايان تو خدا آزار
ره رها كردهاي از آني گم عزّ ندانستهاي از آني خوار
علم كز تو تورا نه بستاند جهل از آن علم به بود صد بار
غول باشد نه عالِم آنكه ازو بشنوي گفت و نشنوي كردار
دِه بود آن نه دِل كه اندر وي گاو و خر باشد و ضياع و عقار
كي در آيد فرشته تا نكني سگ ز در دور و صورت ازديوار ؟
أفسري كان نه دين نهد بر سر خواهَش أفسر شمار و خواه أفسار
قائد و سائقِ صراط الله به ز قرآن مدان و به ز أخبار
وكم هو جميل ووافٍ ومتسامٍ شعر العارف الروميّ المل جلال الدين البلخيّ حيث يقول :
او ز حيوانها فزونتر جان كند در جهان باريك كاريها كند
مكر وتلبيسي كه او تاند تنيد آن ز حيوان دگر نايد پديد
جامههاي زركشي را بافتن دُرّها از قعر دريا يافتن
خرده كاريهاي علم هندسه يا نجوم و علم و طبّ و فلسفه
كان تعلّق با همين دنييستش ره به هفتم آسمان بر نيستش
اين همه علم بناي آخور است كه عِمادِ بود گاو و اُشتر است
بهر استبقاي حيوان چند روز نام آن كردند اين گيجان رموز
علم راه حقّ و علم منزلش صاحب دل داند آن را با دلش
فالعلوم الطبيعيّة والمعارف التجريبيّة تعُدّ ـ لهذا السبب جزءاً من العلوم الدنيويّة لا العلوم الاءنسانيّة ، إذ ليس من شأنها صياغة الاءنسان بالرغم من كون بعضها مفيداً للبشر ، لانّ هذه الفائدة تنحصر في بدنه وطبيعته ، شأنها شأن العلوم التي تمتلكها الحيوانات فتستفيد منها لاءدامة حياتها . فكلّ حيوان يعلم ماذا ينبغي أن يأكل ، وماذا ينبغي له أن يصطاد ، وكيف يتواري عن أعدائه ، وكيف يتناسل للحفاظ علي بقاء نوعه .
فهذه العلوم ليست علوماً عقليّة ، بل هي علوم حسّيّة مدبّرها القوي الخياليّة الموجودة في جميع الحيوانات . والاءنسان الذي ينحصر همّه وسعيه في الحصول علي العلاقات المادّيّة وحلّ المسائل الرياضيّة والتحقيق المعمّق في الفيزياء والكيمياء والفيزياء الكيميائيّة وعلوم الحياة والاجتماع والطبّ ، من أجل تأمين صحّته والمحافظة علي سلامة بدنه ، فيجول لاجلها البلدان ويطوي القارّات ، ويذهب إلي الجامعات فيستفيد من علومها ومكتباتها ؛ إنّما يسعي وراء العلوم الخياليّة التي تشاركه الحيوانات في امتلاكها ؛ وإنّ تغيير مستوي هذه العلوم لدي الاءنسان لن يغيّر حقيقته ولن يميّزه عن صفّ الحيوانات .
وباعتبار أنّ هدف وغاية هذه العلوم ليس كمال الاءنسان ونفسه الناطقة ، فيمكن تسميتها جميعاً بعلوم البطن والمعلف، كما صرّح ذلك مولانا في الابيات السابقة ؛
وقد أثار الاءعجاب حقّاً في هذا البيت لما فيه من حسن بيان وطراوة وجزالة معني ، فأعطي الموضوع حقّه بشكل رائع .
يقول : كما أ نّهم يضعون علي فم العجل وصغار الاغنام كمّامة تمنعها رضاع أُمّهاتها ، فإنّ العلوم التي يكتسبها الناس لاجل الدنيا ، والتي لا أثر لها في تكامل ورقيّ أنفسهم ، ولا في تحرير البشر من رقّ عبوديّة المادّة والطبيعة ، وسَوقه إلي العالم الواسع الفسيح للتجرّد والتقرّب وعرفان المعبود ، هي كذلك كمّامات وضعت علي الافكار والآراء والعقول لتحدّها وتمنعها وتكبحها عن الانطلاق والاستفادة من المعارف الحقيقيّة والعلوم السرمديّة ، وارتضاع ماء الحياة المعنويّة ولبن العلوم الحقيقيّة ، وتصدّها عن الانكباب حتّي الارتواء علي ثدي علوم العالم العلويّ التي تتكفّل ببناء الاءنسان وتربية البشريّة .
المصدر/ من مؤلفات لية الله السيد محمد الحسيني الطهراني