اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
ابن السكيت موقفٌ وشهادة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين و اللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين.
وبعد: دأب أئمة الهدى عليهم السلام إتِّباعاً للرسول الاعظم صلى الله عليه وآله واقتداءاً بهداه على تربية اصحابهم وتأديبهم بل وايجاد منابع العظمة في نفوسهم والارتقاء بهم في درجات الكمال فكم من حواري ٍ لإمام بموقفٍ خلد صَدَرَ عن صَلدِ العقيدة والإيمان فغدا من الكُمَّلين معدوداً والى العظماء منسوب، فما إن نذكر عمّار حتى نذكر الإيمان الذي ملأه فلم يفارقه وابا ذر الغفاري صاحب الثورة الاجتماعية والعقيدية المعروفة حتى دفع حياته لقاء كلمات الحق فمات وحيداً في ارض الرَبَذَة وهكذا سلمان ومالك الاشتر وابا حمزة الثمالي وجابر الجعفي وهشام بن الحكم وغيرهم كثير جداً، دفعوا حياتهم واموالهم وكل ما يملكون فداءاً لولائهم وإمامهم ومن هؤلاء الافذاذ العالم النحوي المشهور ابن السكيت الذي قتله المتوكل العباسي في الخامس من شهر رجب سنة 224هـ.
ولأجل الوقوف على اسباب الشهادة لا بد من نظرة فاحصة موجزة حول عهد هذا الطاغية العباسي ليتبين الامر وتتضح الصورة.
محنة الشيعة في عصر المتوكل العباسي:
مرت شيعة اهل البيت عليهم السلام وأئمتهم بادوار ما بين محنة واخرى و لربما مرّو بدورٍ هو ربيعٌ بالنسبة اليهم كما هو الحال ابان عهد الامام الرضا عليه السلام حيث تنفسوا الصعداء الا ان الربيع لا يدوم وهكذا هم الشيعة ما ان تنفرج الامور قليلاً حتى تنقلب رأسا على عقب وتدور عليهم الدائرة فما بين معذب ومقتول وآخر سجين ورابع هارب يبتغي الامن في بلاد اخرى لا يجرأ ان يبوح بعقائده وفكره.
اشتد الامر وعظمت المحنة في ايام المتوكل العباسي فكان بغض الامام علي عليه السلام وشيعته يأكل قلبه كما تأكل النار يابس الحطب وكان لا يذوق طعم الراحة ولعلي عليه السلام ذكر في الوجود و لشيعته مجتمعٌ زاهرٌ بالعلم محتفظٌ بكرامته، مستقل بمواهبه منفصل عن الدولة وقد تتبع العلويين وحط من كرامة اهل البيت عليهم السلام ولم يسمح لأي احد ان يذكرهم بخير.
ويدلنا على شدة بغضه وتحامله ان نصر بن علي الجهضمي حدث بحديث عن النبي صلى الله عليه وآله انه أخذ بيد الحسن والحسين وقال:«من احبني واحب هذين وأباهما وامهما كان معي في درجتي يوم القيامة»، فأمر المتوكل بضربه ألف سوط الى ان كلمه جعفر بن عبد الواحد بأن نصراً لم يكن شيعياً وإنما هو من أهل السنة فضرب خمسمائة سوط وعفى عن الباقي. (الخطيب ج2 ص281)
ويحدثنا المقيرزي ان يزيد بن عبد الله أمير مصر امر بضرب جندي تأديبا لشيء صدر منه وعندما احس بألم الضرب اقسم على الأمير بحق الحسن والحسين ان يعفو عنه فامر الامير بضربه ثلاثين سوطا جزاء لهذا القسم وكتب الى المتوكل في بغداد. (الخطيب ج4 ص153)
ولعل النطع والسيف كانت خاتمة المطاف لذلك الجندي وامر بضرب احمد بن محمد بن عاصم صاحب خان عاصم الف الف سوط لاتهامه بسب الشيخين حتى مات قال في الحضارة الاسلامية نقلا عن المنتظم: وكانت الحكومة اذا ارادت ان تعاقب شيعياً لمذهبه لم تذكر اسم علي بل يجعل سبب العقوبة انه شتم ابا بكر وعمر.
وما اكثر من عوقب بهذه الوسيلة ولكن انصار المتوكل وحزبه الذين يرون البغض لعلي وشيعته يقربهم اليه زلفاً نالوا بذلك اربهم وعقابهم في الاخرة.
وخلاصة القول ان المتوكل اشتد في العداء لاهل البيت عليهم السلام والنيل منهم حتى دفعه حقده الى هدم قبر الامام الحسين وهدم مشهده الشريف واستقدم ابا الحسن الهادي عليه السلام من المدينة الى سامراء في سنة 236هـ وعامله بالشدة والاذى وتوصل المنحرفون عن آل علي الى اساءة الامام الهادي عليه السلام فسعوا به الى المتوكل واخبروه ان في منزله سلاحاً وكتباً من شيعته فهجموا على داره ليلا ولم يعثروا على أي شيء من ذلك وما زال الامام الهادي عليه السلام مقيماً في سامراء الى ان مات مسموما سنة 254هـ وكانت مدة اقامته فيها ثمان عشرة سنة.
شهادة ابن السكيت رحمه الله:
يعقوب بن اسحاق المعروف بأبن السكيت من افاضل الامامية قتله المتوكل لاجل تشيعه في ليلة الاثنين لخمس خلون من رجب سنة 224هـ ودفن في سامراء المقدسة القديمة وهو ابن 58 سنة. (تاريخ سامراء2/226، الكنى والالقاب1/314، بحار الانوار104/2، نهج السعادة7/387، تاريخ بغداد14/274)
وقيل له ابن السكيت لكثرة سكوته. (هدية الاحباب ص89)
قال النجاشي رحمه الله يعقوب بن اسحاق السكيت ابو يوسف كان متقدماً عند ابي جعفر الثاني وابي الحسن عليهما السلام وله عن ابي جعفر عليه السلام رواية ومسائل وقتله المتوكل لاجل التشيع وامره مشهور وكان وجها في علم العربية واللغة ثقة مصدقا لا يطعن عليه وله كتب منها: «اصلاح المنطق» و«ما اتفق لفظه واختلف معناه» وكتاب «الاضداد». (رجال النجاشي 449، معجم رجال الحديث21/138)
وقال بعض العلماء ما عبر على جسر بغداد كتاب من اللغة بمثل اصلاح المنطق ولا نعرف في حجمه مثله في بابه. (تاريخ سامراء 2/231، الكنى والالقاب1/314، الذريعة2/173)
المتوكل وابن السكيب:
اتفق ان المتوكل العباسي الزمه تأديب ولديه المعتز والمؤيد فقال له يوماً ايما احب اليك ابناي هذان ام الحسن والحسن؟ فقال والله ان قنبراً خادم علي عليه السلام خيرٌ منك ومن ابنيك فقال المتوكل للاتراك سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات رحمه الله شهيدا. (الكنى والالقاب 1/314، تاريخ سامراء2/232، مواقف الشيعة 2/337، الاعلام للزركلي8/195)
وقيل فامر الاتراك فداسوا بطنه حتى مات. (سفينة البحار 2/314، الكنى والالقاب1/314، تاريخ الخلفاء139، الاعلام للزركلي8/195، سير اعلام النبلاء12/18)
الوجه في ترك التقية:
نقل عن المجلسي الاول رحمه الله انه قال:اعلم ان امثال هؤلاء الاعلام كانوا يعلمون وجوب التقية ولكنهم كانوا لا يصبرون غضباً لله تعالى بحيث لا يبقى لهم الاختيار عند سماع هذه الأباطيل كما هو الظاهر لمن كان له قوة في الدين. (الكنى والالقاب1/315)
والحمد لله رب العالمين.