نص الحديث قال الامام علي (عليه السَّلام): الكرم، اعطف من الرحم.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم: يجسد صورة بلاغية فائقة، من حيث كونه:
اولاً: يعتمد تشبيهاً واقعياً وليس تخيلياً.
وثانياً: يتسم بكونه واضحاً من حيث الدلالة ونحدثك اولاً عن دلالته، حيث يشير بوضوح الی ان الكريم هو اشد عطفاً وحناناً واحساناً الی الغير من قرابة الغير، اي: لو واجهنا رجلاً كريماً من حيث تركيبه: لرأيناه من حيث تركيبته المذكورة اشد عطفاً من الاخرين من حيث تركيبتهم العضوية المرتبطة بالقرابة أو بحس القرابة او بغريزة القرابة. والسؤال: ما هي الاسرار الكامنة وراء هذا النمط من الشخصيات المتسمة بسمة (الكرم) مع ان المفروض بالاقرباء ان يكون بعضهم للبعض الاخر متسماً بالعطف فيساعد القريب ويقضي حاجاته ويشبع رغباته؟
بلاغة الحديث الجواب: نتلمسه في الدلالة البلاغية، وهي علی النحو الآتي:
لقد اعتمد الحديث المذكور علی ما نسميه بالتشبيه المتفاوت، اي: الناطر الی طرفي التشبيه: من حيث الاعلی او الادنی، فالتشبيه المتقدم ينظر الی ما هو (اعلی) حيث يقول (الكرم) اكثر عطفاً او احساناً من حسن القرابة او غريزة القربی، والسؤال من جديد: لماذا يتسم الكريم بحس انساني اعلی من الحس النسبي؟
الجواب: الكريم: سواء اكان قد ورث طابع الكرم من خلال النسب أو التربية البيئية؟ يظل حاملاً لمسة انسانية تحمله علی ممارسة ما هو انساني كالكرم وسواه، اي: ان انفتاحه علی الاخر يظل في مقدمة سماته النفسية وهي: سمة الشخصية السوية، مقابل الشخصية الدنيئة او العصابية المتسمة بالانغلاق علی ذاتها، وهذا من اوضح مبادئ الصحة النفسية التي يقر بها علماء النفس، هذا من جهة.
من الزاوية الاخری: ثمة نكتة بلاغية هي: ان الامام علياً (عليه السَّلام)، ذكر الشخصية ذات سمة (الكرم) ولم يقل: ذات سمة (الجود)، حيث نعرف ان الجود والكرم مصطلحان متماثلان في دلالتهما، الا ان اللغويين يفرقون بين المصطلحين بأن (الكريم) هو: من يتسم بالغطاء قبل ان يسأل، اي: يقدم مساعدته او احسانه أو ماله من دون السؤال، اما (الجواد) فهو: يقدم مساعدته بعد ان يسأل وهذا الفارق هو النكتة الكامنة وراء التشبيه المذكور، حيث شبه الكريم الذي هو أوسع انسانية بأنه أشد عطفاًَ.
طبيعياً: أن كلاَ من الكريم او الجواد له سمته الانسانية، حيث ان المطلوب هو: المساعدة، كل ما في الامر ان الموقف يفرضه السؤال حيناً وحيناً اخر يفرضه عدم السؤال.
*******
الى متى يا مهدينا الى متى هذا الغياب عجل على ظهورك إذا كنا مع الحق فلا نبالي