ذكرى استشهاد الإمام باب الحوائج موسى الكاظم (ع)
مناظرات الإمام الكاظم عليه السلام
للإمام الكاظم (عليه السلام) مناظرات واحتجاجات هامة وبليغة مع خصومه المناوئين له، كما جرت له مناظرات أخرى مع علماء النصارى واليهود. وقد برع فيها جميعها وأفلج الجميع بما أقامه من الأدلة الدامغة على صحة ما يقول: وبطلان ما ذهبوا إليه. وقد اعترفوا كلهم بالعجز والفشل معجبين بغزارة علم الإمام وتفوقه عليهم
مع هارون الرشيد
دخل إليه وقد عمد على القبض عليه، لأشياء كذبت عليه عنده، فأعطاه طوماراً طويلاً فيه مذاهب وشنعة نسبها إلى شيعته فقرأه (عليه السلام) ثم قال له: يا أمير المؤمنين نحن أهل بيت منينا بالتقول علينا، وربنا غفور ستور، أبي أن يكشف أسرار عباده إلا في وقت محاسبته
يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
ثم قال حدثني أبي، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلوات الله عليهم الرحم إذا مست اضطربت ثم سكنت، فإن رأى أمير المؤمنين أن تمس رحمي رحمه ويصافحني فعل
فتحول عند ذلك عن سريره ومد يمينه إلى موسى (عليه السلام) فأخذ بيمينه ثم ضمه إلى صدره، فاعتنقه وأقعده عن يمينه وقال
أشهد أنك صادق وجدك صادق ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) صادق ولقد دخلت وأنا أشد الناس حنقاً وغيظاً لما رقي إليّ فيك فلما تكلمت بما تكلمت وصافحتني سرّي عني وتحول غضبي عليك رضى
وسكت ساعة ثم قال له أريد أن أسألك عن العباس وعلي بما صار عليّ أولى بميراث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من العباس، والعباس عم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصنو أبيه؟
فقال له الإمام (عليه السلام) أعفني قال والله لا أعفيتك، فأجبني
قال فإن لم تعفني فآمني قال آمنتك، قال موسى بن جعفر (عليه السلام)
إن النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، إن أباك العباس آمن ولم يهاجر، وإن علياً آمن وهاجر، وقال الله
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا
فتغيّر لون هارون
ثم تابع الرشيد فقال ما لكم لا تنسبون إلى عليّ وهو أبوكم وتنسبون إلى رسول الله وهو جدكم؟ فقال الكاظم (عليه السلام)
إن الله نسب المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) بأمه مريم البكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله تعالى
وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ
فنسبه لأمه وحدها إلى خليله إبراهيم (عليه السلام). كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون (عليه السلام) بآبائهم وأمهاتهم، فضيلة لعيسى (عليه السلام) ومنزلة رفيعة بأمه وحدها. وذلك قوله في قصة مريم (عليها السلام)
إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ
بالمسيح من غير بشر. وكذلك اصطفى ربنا فاطمة (عليها السلام) وطهرها وفضلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة فقال له هارون ـ وقد اضطرب وساءه ما سمع
من أين قلتم الإنسان يدخل الفساد من قبل النساء ومن قبل الآباء لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله، فقال الإمام الكاظم (عليه السلام)
هذه مسألة ما سئل عنها أحد من السلاطين غيرك، ولا تيم ولا عدي ولا بنو أمية ولا سئل عنها أحد من آبائي فلا تكشفني عنها قال الرشيد فإن بلغني عنك كشف هذا رجعت عما آمنتك. فقال موسى (عليه السلام)
لك ذلك قال (عليه السلام) فإن الزندقة قد كثرت في الإسلام وهؤلاء الزنادقة الذين يرفعون إلينا في الأخبار، هم المنسوبون إليكم
فقال هارون فما الزنديق عندكم أهل البيت؟ فقال (عليه السلام): الزنديق هو الراد على الله وعلى رسوله وهم الذين يحادّون الله ورسوله قال تعالى
لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ
وهم الملحدون، عدلوا عن التوحيد إلى الإلحاد
فقال هارون أخبرني عن أول من ألحد وتزندق؟ فقال (عليه السلام) أول من ألحد وتزندق في السماء إبليس اللعين، فاستكبر وافتخر على صفي الله ونجيبه آدم (عليه السلام) فقال اللعين
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
فعتا عن أمر ربه وألحد فتوارث الإلحاد ذريته إلى أن تقوم الساعة فقال هارون ولإبليس ذرية؟ فقال (عليه السلام)
نعم ألم تسمع إلى قول الله عزّ وجلّ
إِلاَ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً * مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً
فهل عرف الرشيد من أي فريق هو؟
ثم قال له الرشيد بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه فقال (عليه السلام) نعم وأوتي بدواة وقرطاس فكتب
بسم الله الرحمن الرحيم، جميع أمور الأديان أربعة
أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها، الأخبار المجمع عليها وهي الغاية المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة وهو إجماع الأمة
وأمر يحتمل الشك والإنكار، فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع على تأويلها، وسنّة مجمع عليها لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله ولا يسع خاصة الأمة وعامتها الشك فيه والإنكار له. وهذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه وأرش الخدش فما فوقه. فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته، وما غمض عليك صوابه نفيته. فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بيّنها الله في قوله لنبيه (صلّى الله عليه وآله)
قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ
يبلغ الحجّة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه، لأن الله عدل لا يجور، يحتج على خلقه بما يعملون، ويدعوهم إلى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون وينكرون
فأجازه الرشيد وأحسن لقاءه. وانصرف الإمام (عليه السلام) وقد دلّ خصمه ـ المسمى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين ـ على أمور الدين كما أوضح له منزلة أهل البيت (عليهم السلام) وصحة أقوالهم ودعم ما ذهب إليه بأوثق الأدلة والبراهين ولا غرو فهذا الغصن الطيّب هو من تلك الشجرة الطيّبة التي غرسها الرسول (صلّى الله عليه وآله) وتعهّد سقايتها ورعايتها
مع الفضل بن الربيع
زار هارون الرشيد قبر النبي (صلّى الله عليه وآله) فاجتمع به الإمام (عليه السلام) وبعد انتهاء المقابلة، خرج (عليه السلام) فاجتاز على الأمين ابن الرشيد، فالتفت الأمين إلى الفضل بن الربيع قائلاً له
عاتب هذا، فقام الفضل إلى الإمام فقال له كيف لقيت أمير المؤمنين على هذه الدابة التي إن طُلبت عليها لم تسبق وإن طَلبت عليها تلحق؟
قال الإمام (عليه السلام): لست أحتاج أن أطلب، ولا أن أُطلب، ولكنها دابة تنحط عن خيلاء الخيل، وترتفع عن ذلة البعير، وخير الأمور أوسطها)فتركه الإمام (عليه السلام) وانصرف وبدا على الفضل الارتباك والعجز
مع أبي حنيفة
دخل أبو حنيفة على الإمام الصادق (عليه السلام) فقال له
رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه، فلم ينههم عن ذلك؟
فأمر أبو عبد الله (عليه السلام) بإحضار ولده فلما مثل بين يديه قال له
يا بني، إن أبا حنيفة يذكر إنك كنت تصلي والناس يمرون بين يديك؟
فقال (عليه السلام) نعم، يا أبتِ وإن الذي كنت أصلي له أقرب إليّ منهم، يقول الله عزّ وجلّ
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
عندها فرح الإمام الصادق (عليه السلام) وسرّ سروراً بالغاً لما أدلى به ولده من المنطق الرائع، فقام إليه وضمه إلى صدره وقال مبتهجاً
بأبي أنت وأمي يا مودع الأسرار
مناظرات الإمام الكاظم عليه السلام
مع علماء اليهود
قصد وفد من علماء اليهود الإمام الصادق (عليه السلام) ليحاججوه في الإسلام فلمّا مثلوا بين يديه انبروا إليه يطلبون منه الحجة والدليل على نبوة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قائلين
أي معجز يدل على نبوة محمد (صلّى الله عليه وآله)؟ أجابهم (عليه السلام)
كتابه المهمين، الباهر لعقول الناظرين، مع ما أعطي من الحلال والحرام وغيرهما ممّا لو ذكرناه لطال شرحه
كيف لنا أن نعلم هذا كما وصفت؟
فانطلق الإمام الكاظم (عليه السلام) وكان آنذاك صبياً قائلاً لهم
وكيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات الله لموسى على ما تصفون؟
علمنا ذلك بنقل الصادقين
فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه الله تعالى من غير تعليم ولا معرفة عن الناقلين
فبهروا وآمنوا بقول الإمام الكاظم الصبي (عليه السلام)، الذي هو المعجز بحق، وهتفوا معلنين إسلامهم قائلين نشهد أن لا اله إلا الله وإن محمداً رسول الله، وإنكم الأئمة الهادون والحجج من عند الله على خلقه. ولما أدلى الإمام (عليه السلام) بهذه الحجة وأسلم القوم على يده، وثب إليه والده أبو عبد الله فقبّل ما بين عينيه. وقال له: أنت القائم من بعدي ثم أمره بكسوة لهم وأوصلهم فانصرفوا وهم شاكرون
مع علماء النصارى
جاء قطب من أقطاب النصارى ومن علمائها النابهين يدعى (بريهة) كان يطلب الحق ويبغي الهداية. اتصل بجميع الفرق الإسلامية وأخذ يحاججهم فلم يقتنع ولم يصل إلى الهدف الذي يريده، حتى وصفت له الشيعة ووصف له هشام بن الحكم، فقصده ومعه نخبة كبيرة من علماء النصارى، فلما استقر به المجلس سأل بريهة هشام بن الحكم عن أهم المسائل الكلامية والعقائدية فأجابه عنها هشام ثم ارتحلوا جميعاً إلى التشرف بمقابلة الإمام الصادق (عليه السلام) وقبل الالتقاء به اجتمعوا بالإمام الكاظم فقصّ عليه هشام مناظراته وحديثه مع العالم النصراني (بريهة). فالتفت (عليه السلام) إلى بريهة قائلاً له
يا بريهة كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم
كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي به!!
فأخذ (عليه السلام) يقرأ عليه الإنجيل ويرتّل عليه فصوله فلما سمع ذلك بريهة آمن بأن دين الإسلام حق وإن الإمام من شجرة النبوة فانبرى إليه قائلاً: إيّاك كنت أطلب منذ خمسين سنة، أو مثلك!
ثم إنه أسلم وأسلمت معه زوجته وقصدوا جميعاً والده الإمام الصادق (عليه السلام) فحكى له هشام الحديث وإسلام بريهة على يد ولده الكاظم فسرّ (عليه السلام) بذلك والتفت قائلاً له
ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
وانبرى بريهة إلى الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً
جعلت فداك، أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟!!
قال هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرأوها، ونقولها كما قالوها: إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول: لا أدري
وبعدها لزم بريهة الإمام الصادق (عليه السلام) وصار من أخلص أصحابه، ولما انتقل الإمام إلى دار الخلود اتصل بالإمام الكاظم (عليه السلام) حتى توفي في عهده
ولا عجب فالإمام المعصوم هو الحجة
قال أبو الحسن (عليه السلام) إن الأرض لا تخلو من حجة وأنا والله ذلك الحجة
مع المهدي العباسي
قال علي بن يقطين سأل المهدي أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمر، هل هي محرمة في كتاب الله عزّ وجلّ، فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم؟ فقال له أبو الحسن
بل هي محرمة في كتاب الله عزّ وجلّ يا أمير المؤمنين قال المهدي
في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عزّ وجلّ يا أبا الحسن؟
فقال (عليه السلام) قول الله عزّ وجلّ
إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
فأما قوله (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) يعني الزنا المعلن، ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواحش في الجاهلية
وأما قوله عزّ وجلّ (وَمَا بَطَنَ) يعني ما نكح الآباء، لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي (صلّى الله عليه وآله) إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه الأكبر من بعده إذا لم تكن أمه، فحرّم الله عزّ وجلّ ذلك
وأما (الإثم) فإنها الخمرة بعينها، وقد قال الله تعالى في موضع آخر
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ
فأما الإثم في كتاب الله فهو الخمر والميسر، فإثمهما كبير كما قال عزّ وجل
فقال المهدي يا علي بن يقطين هذه والله فتوى هاشمية
قال فقلت له صدقت والله يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت
قال فوالله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي
مع أبي أحمد الخراساني
سأله أبو أحمد الخراساني الكفر أقدم أم الشرك؟
فقال (عليه السلام) ما لك ولهذا، ما عهدي بك تكلّم الناس؟
قال أمرني هشام بن الحكم أن أسألك
فقال (عليه السلام) قل له الكفر أقدم، أول من كفر إبليس
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
ولا يخفى أن الكفر شيء واحد، والشرك يثبت واحداً ويشرك معه غيره
مع المهدي العباسي أيضاً
أمر المهدي بتوسعة المسجد الحرام مع الجامع النبوي، فسأل فقهاء العصر عن جواز إجبارهم على ذلك، فأشار عليه علي بن يقطين أن يرفع استفتاءً في المسألة إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) فاستصوب رأيه فردّ الإمام على سؤاله وكتب له: بعد البسملة: إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس، فالناس أولى ببنائها وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها
ولما انتهى الجواب إلى المهدي أمر بهدم الدور وأضافها إلى ساحة المسجدين ففزع أصحابها إلى الإمام (عليه السلام) والتمسوا منه أن يكتب لهم رسالة إلى المهدي ليعوضهم عن ثمن دورهم، فأجابهم وكتب إلى المهدي رسالة في ذلك فلما وصلت إليه أوصلهم وأرضاهم
ولم يكن ذلك من الاستملاك الذي يعبر عنه في الوقت الحاضر بالاستملاك للمصلحة العامة كما فهمه بعض المعاصرين بل إن هذا حكم شرعي يتبع أدلته الخاصة التي نصت على أن للجامع فناءً وإن من نزل به لا حرمة لما يقيمه فيه من بناء
وعن داود بن قبيصة قال سمعت الرضا (عليه السلام) يقول سئل أبي (عليه السلام) هل منع الله ما أمر به، وهل نهى عما أراد، وهل أعان على ما لم يرد؟
فقال (عليه السلام) أما ما سألت هل منع الله عما أمر به؟ فلا يجوز ذلك، ولو جاز لكان قد منع إبليس عن السجود لآدم، ولو منع إبليس لعذره ولم يلعنه
وأما ما سألت هل نهى عما أراد؟
فلا يجوز ذلك، ولو جاز لكان حيث نهى آدم عن أكل الشجرة أراد منه أكلها، ولو أراد منه أكلها لما نادى صبيان الكتاتيب
وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى
والله تعالى لا يجوز عليه أن يأمر بشيء ويريد غيره
وأما ما سالت عنه من قولك هل أعان على ما لم يرد؟
ولا يجوز ذلك، وجلّ الله تعالى عن أن يعين على قتل الأنبياء وتكذيبهم وقتل الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) والفضلاء من ولده، وكيف يعين على ما لم يرد؟ وقد أعد جهنم لمخالفيه، ولعنهم على تكذيبهم لطاعته، وارتكابهم لمخالفته، ولو جاز أن يعين على ما لم يرد لكان أعان فرعون على كفره وادعائه أنه رب العالمين، أفترى أراد الله من فرعون أن يدّعي الربوبية؟ يستتاب هذا القول فإن تاب من كذبه على الله وإلا ضربت عنقه
نسألكم الدعاء