وَعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَاهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالاِنْسِ مِنَ ألاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْسَّلامِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الْلَّهِ وَبَرَكَاتَةَ
نقرأ في القرآن الكريم:
بسم الله الحمن الرحيم
طسم (١) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الأرض وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ.
الحديث عن الامام المهدي حديث العدل الالهي على الارض وحديث الخلافة العادلة لانسان أخلص العهد مع الله تبارك وتعالى واستحق القيادة العالمية كما هي القيادة العالمية اليوم للدولة ذات النفوذ والتأثير الدولي الكبير، مع الفارق الكبير ان الامام المهدي امام عادل ومبشر به يترقب ظهوره كل المستضعفين في الارض ليملأ الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا وان اختلف الطرح او تسمية المنقذ او المصلح هذا.
وحين نتحدث في هذا المقام فاننا نعتمد في الطرح على ماجاء في القرآن الكريم من قصص الانبياء والمرسلين عليهم السلام والذين كانوا نموذجا خلاقا وعظيما في تجسيد العدل بين الناس باعتبارهم يمثلون الخط الالهي وهم الهدف الاسمى من قول الله تبارك وتعالى { اني جاعل في الأرض خليفة } هذا المحور الأساسي لمهمة الانبياء والمرسلين ختمه نبي الرحمة محمد بن عبد الله من خلال خاتمة الاديان السماوية وكما هو النص الواضح في قوله تبارك وتعالى { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } فكان الظهور ظهور الدعوة الى التوحيد وهي مهمة شاقة مرت بمراحل متعددة من الجهاد في سبيل الله جهادا نفسيا واعدادا أخلاقيا عظيما من السماء ثم تحملا لكل المصاعب والآلام بكل صنوف الأذى من العتاة والطغاة الذين وقفوا بوجه من جاء محررهم من عبودية الوهم الى حقيقة الوجود الالهي، ومعلنا للأمة أن هناك خطا متمما للرسالة النبوية يمثل خط الانبياء والمرسلين وعليكم أن تترقبوا ظهوره لأنه سينتشلكم من مرحلة الظلم والطغيان الى مرحلة القسط والعدل وهذا هو نهج السماء والرسالة المكملة لرسالة التوحيد على الارض.
ان الذين لم يكن الايمان في قلوبهم ايمانا يقينيا لايصدقون مثل هذا الخطاب كما ان الله تبارك وتعالى قد أخبر نبيه المصطفى { نتلوا عليك من نبا موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون } لان مايأتي في قصة موسى من أحداث كان التدبير الالهي واضحا وعظيما وحكمته هي المدبرة للامور مايفوق عقل الانسان وهو يستمع الى القرآن الكريم مخبرا عن تلك الاحداث وكيف بلغت ذروتها الى انفلاق البحر باذن الله من خلال عصى موسى عليه السلام. { ان فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحي نساءهم انه كان من المفسدين } هناك الكثير من الطواغيت من كانوا على شاكلة فرعون في الافعال والجرائم التي ارتكبت بحق شعوبهم وكانوا من المفسدين في الارض كما قالت الملائكة { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } بل كان لهم أتباع من الذين يحاربون كل حركة اصلاحية في المجتمع تريد الخير والسلام للناس فهؤلاء الطواغيت يسخرون كل مالديهم من عناوين القوة والنفوذ والسلطة لاذلال الناس والشعوب وقد مرت الامم بتجارب قاسية في العبودية والتبعية الاقتصادية والسياسية وتحت عناوين كاذبة سخروا كل شئ لهم ولمصالحهم السيئة حتى بدات حركات تظهر في بقاع متعددة من العالم بعضها ينادي بحقوق الانسان وشكلوا منظمات ومؤسسات منها من تطالب بحقوق الطفل والمرأة والعامل الى حقوق الحيوان بعد ان تمادى الانسان من خلال الشركات المروجة للسلع ا لمنتجة من تلك الحيوانات ومنظمات حماية البيئة ومكافحة الاتجار بالجنس الابيض ونزع أسلحة الدمار الشامل ومعالجة النفايات السامة التي تلقى في مياه وشواطئ الدول الفقيرة أو ما يصطلح عليها بالدول النامية او العالم الثالث الى الكثير من الامثلة التي تعكس حالة الظلم والتخبط الذي يعيشه الانسان على مستوى الفرد او الجماعة.
بل هناك حالة من النظرة التشائمية أو الظلامية لدى المثقفين والفنانين حين يتحدثون عن مستقبل الارض وكيف سيؤل اليه مصير الانسان.
ان القرآن الكريم يقدم لنا صورة أخرى لتدبيره وعدله وحكمته حينما يقول { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين } فالارادة الالهية فوق كل الاعتبارات وسطوة الطواغيت والجبابرة كيف أذلهم الله وجعلهم عبرة لمن يأتي من بعدهم من خلال جسد فرعون الذي القى به اليم الى الساحل ليكون عبرة ودرسا بليغا لم يبق من هذا الذي قال ذات يوم أنا ربكم الأعلى لم يبق منه سوى جيفة ملقاة على شاطئ البحر.
المن الالهي دائما يكون بلطفه وتدبيره دون ان نعي كما هو اللطف مع يوسف الصديق عليه السلام حينما القي به في البئر من قبل اخوته حسدا له وباعوه بثمن بخس دراهم معدودوة ليكون عبدا في مصر فتأتي الالطاف الالهية ليصبح يوسف وجيها ووزيرا ذا موقع قيادي في الدولة، هكذا يفترض ان نتأمل في قصة موسى ومنه ننطلق في التامل أيضا مع ملف الامام المهدي عجل الله ظهوره الشريف لانه أمل المحرومين والعنوان العالمي لكل من يتطلع الى عالم يسوده العدل والامان.
أعتقد في هذا السياق هناك لبس ممن قرأوا أو سمعوا عن الامام المهدي كما التبست عليهم الامور فيما يتعلق باحكام الله وشرائعه وهذا مما يصطلح عليه بالاختبار او الغربال الذي يمتحن من خلاله معدن وعقل الانسان الباحث فعلا عن الحياة الحرة الكريمة ولا أعتقد ان مفهوم الحياة الحرة يتوافق مع تبني الافكار التي تعرقل او تحد من حركة العقل فعلى سبيل المثال نسمع ونقرأ كثيرا عن الانتظار في زمن الغيبة دون أن نبحث جيدا عن مفهوم الانتظار كيف يكون وماهي أليات الانتظار كما نقرأ في القرآن الكريم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ } هناك مراحل متسلسلة لهؤلاء المؤمنين كي تتنزل عليهم بركات السماء و توفيقات الله عز وجل ومفهوم الانتظار ليس الجلوس والاعتزال انما هو الاعداد والتعبئة النفسية والاخلاقية كما لو نقرأ الدعاء ( اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام والله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك ) لايمكن ان يلتقي هذا المفهوم في الدولة الكريمة مع من يذلون الناس وفي نفس الوقت يدعون الاسلام.
ان من أهم ماينتظرنا من مواقف تعبوية لنا في هذا السياق ان نميز جيدا ونمحص الأمر بكل تدبير وتامل عقلي بين من يطابق فعله وقوله من موقع المسؤولية ومن أعلى المواقع القيادية كي لانكون فرائس او امعة نركب او نحلب وبذلك نكون جزءا من الفتن التي حذرنا منها القرآن {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} وفي آية أخرى { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } او ماورد عن النبي المصطفى صلى الله عليه وآله: منا مهدي هذه الامة اذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً، فيبعث الله عند ذلك مهدينا، التاسع من صلب الحسين عليه السلام، يفتح حصون الضلالة، وقلوباً غفلاً، يقوم في الدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، يملأ الارض عدلاً كما ملئت جورا.
قال رسول الله (ص): ستكون بعدي فتن لا خلاص منها، فيها هرب وحرب، ثم من بعدها فتن أشد منها، كلما انقضت تمادت حتى لايبقى بيت من العرب الا دخلته، ولا مسلم الا وصلته، حتى يخرج رجل من عترتي.
بهذا التوصيف والتحذير والتنبيه نجد القاسم المشترك فيما ورد هو فتن تسبق ظهور المهدي الموعود وبفرضية من يكون تابعا لقواعد الحكمة والتدبير الالهي اولا نجعل العقل في مقدمة من يزن الامور لكل مانسمع ونرى ونقرأ ونترك للحوار وطرح الاسئلة بلا تحفظ او خوف ممن يحجبون العقل تحت مسميات وهمية لنطوف بكل الارجاء والاحداث المحلية والدولية نحلل بكل تأني وتدقيق فكم من مدعي كذاب في الانتماء المذهبي أو الوطني وهو مكشوف وباطل عمله لانحتاج الى فتوى من مرجع لم نراه يوما يخاطب الامة أو نسمع له خطبة جمعة أو صلاة عيد، لانحتاج الى من يفكر ويتحدث نيابة عن الامة وكأنها ببغاوات تردد ماتلقن من صاحبها نحن أصحاب العقول حوارنا ومنطقنا القرآن وسيرة النبي المصطفى.
ان تحركنا بهذا الاتجاه سنكتشف حقيقة الثقل الثاني الذي تركه لنا الحبيب البشير(( اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي )) ليتنا نقرأ القرآن وسنة النبي لنعرف كم نحن بعيدين كل البعد عن العترة الطاهرة وسنكتشف ايضا ان المهدي هو ضرورة عصرنا الحاضر كما كانت عصور من سبقنا من الاجيال الراحلة، هو ضرورة لنا لنقوم اخلاقنا ونحصل على أجر عظيم ان رحلنا من هذه الحياة الدنيا نوفق بنعمة من شهد الامام ونصره هكذا نفهم معنى الامام المهدي ضرورة عصر طالما قرآنا القرآن وفهمنا منطق الرحمن في كتابه الذي فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقهم الرحمن ينفقون ويؤمنون بما انزل الى نبي الرحمة وما انزل من قبله وبالاخرة هم يوقنون.
فسلام على كل من فهم واستوعب نظرية الامام المهدي عجل الله ظهوره الشريف.
النبأ