بسم الله الرحمن الر حيم
لا يصح أن يقال لفاطمة إنها امرأة عادية ، بل يجب أن يقال لها (حوراء إنسية) فهذه هي العبارة التي تعرف شخصيتها .أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما عرج به الى الملأ الأعلى رأى الجنة مكتوباً على بابها:
لا إله إلا الله، محمد رسول الله ، عليٌّ حزب الله، والحسن والحسين صفوة الله، فاطمة خيرة الله.
ولا بد للفقيه أن يفهم لماذا يجب أن يفتتح ما كتب على باب الجنة بـ (لا إله إلا الله) ويختم باسم (فاطمة) ! أن فاطمة الزهراء عليها السلام موجودٌ أبلغ من كل تعبيرنا ، وأن عباراتنا تبقى قاصرة عن قمة وجود فاطمة الزهراء عليها السلام ، ويفهم معنى اختيار الله اسم فاطمة لها: لأن الناس فطموا عن معرفتها !!.
عن الإمام الصادق عليه السلام : (كان رسول الله يكثر تقبيل فاطمة فعاتبته عائشة وقالت يارسول الله إنك تكثر من تقبيل فاطمة فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (إنه لما عرج بي الى السماء مر بي جبرئيل على شجرة طوبى، وناولني من ثمرها فأكلته، فحول الله ذلك ماء الى ظهري، فلما هبطت الى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبلتها إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها!). المحتضر للحلي ص135،
وفي المناقب:3/114 :(فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي). .
لقد عرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم الى الملأ الأعلى مرات عديدة وفي تلك المرة أخذ بيده جبرئيل فأدخله الجنة ، وأخذه الى شجرة طوبى!ولشجرة طوبى ميزات منها أن جذعها في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن الله تعالى غرسها بيده ،كناية عن أن ملائكة الله بمن فيهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، لايصلون الى مستوى غرسها !
إن خلق الزهراء عليها السلام من ثمرطوبى يفتح نافذة لفقهاءالبشر والمفكرين في إنسانية الإنسان، ويطرح عليهم سؤالاً:
إذا أخذت نطفة بدن إنسان من ثمرة شجرة طوبى، فما هو البدن الذي يتكون من تلك النطفة ؟
ثم ما هي تلكم الروح التي صنعت لتحل فيه، والتي أكرمها الله أن يصل بدنها الى مرحلة: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ، (سورة الحجر: 29 ) ،
والى أن يكتب الله تعالى على باب جنته: (فاطمة خيرة الله) ؟ ترى من كان بدنها كهذا البدن ، فما هو نوع روحها؟! ماذا في تلك الروح ، وما هو مقصدها في الوجود ؟!
إن المصنع الإلهي قائم على الحكمة ، والصانع هو ذلك الحكيم الذي يدير كل منظومة الوجود التي لا يحدها الحس البشري، ، فما غرضه سبحانه من خلق روح فاطمة الزهراء وبدنها؟! ما غرضه في أن يأخذ الإنسان الأول في الوجود الى شجرة طوبى التي تحدث عنها لعيسى في الإنجيل، وذكرها في القرآن فقال:
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ. (سورة الرعد: 29)،
ويطعمه من ثمرها فيتحول ثمرها الى نطفة في بدنه ، ثم يحل في رحم امرأة أعطت كل ما تملك لربها ، قالوا كانت تجمع ما عندها من حلي وزينة فيبلغ قامة الإنسان ولا يرى الواقف الى جنبه ! لكنها عندما حضرتها الوفاة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس عندي ثمن كفن، فأنزل الله تعالى لها كفناً مع جبرئيل عليه السلام !
أمٌّ كهذه ، وأبٌ كهذا ، وبدنٌ فاطمة من ثمار طوبى ، وروحها تلك الروح العليا.. فأي موجودة تكون فاطمة عليها السلام ؟!وردت هذه الرواية بمضامين مختلفة في مصادر الخاصة والعامة:
(خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخذ بيد فاطمة عليها السلام وقال: من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي الذي بين جنبيَّ ، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله جل وعلا ).
ما معنى أن يخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخذاً بيد فاطمة عليها السلام ؟!إن عمله هذا كعمله في حق عليٍّ يوم الغدير، حيث أصعد ذلك الرجل الفريد معه على المنبر، وأخذ بيده ورفعها !
وفي هذا اليوم عندما خرج آخذاً بيد فاطمة المرأة الفريدة في العالم، قال: من عرفها فقد عرفها...ومن لم يعرفها فليعرفها !لاحظوا كيف قدمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى الأمة ، وعرفهم مقامها درجةً درجة !
إن لكلامه صلى الله عليه وآله وسلم في أنفس مستمعيه وقارئيه جاذبيةً خاصة منوعة ! في المرتبة الأولى قال: بضعةٌ مني. ثم انتقل الى الأعلى الى المرتبة الثانية فقال: (وهي قلبي الذي بين جنبي)! وعندما يقول النبي(أنا) فالأنا هنا غير كلمة بدني، فالبدن مضاف وضمير المتكلم مضاف اليه. هنا تعابير خاصة: بضعةٌ مني، وهي أبلغ من بضعة من بدني، وقلبي الذي بين جنبي غير قلبي، إنها قلب بين جنبي الشخص الذي (إنيته) مبدأ ومنشأ لكل الفضائل البشرية !الشخص الذي قال وهو الصادق الأمين: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) !
معنى أن فاطمة قلب إنسان بهذه الصفة ، أنه لو أخذت مني فاطمة فسأبقى بدناً بلا روح ! فالى أين وصلت الصديقة الزهراء عليها السلام حتى بلغت مقاماً كهذا ، وصارت قلباً بين جنبي علم وعمل ! فجنب النبي الأيمن علم ، والأيسر عمل!علمٌ عنده تتلاشى كل علوم الأنبياء عليهم السلام ! وعملٌ عنده تتلاشى كل أعمال الأولياء!! والقلب الذي بين هذين الجنبين هو الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام !!
وهنا يتضح سر الحديث القدسي في النبي والعترة صلى الله عليه وآله وسلم :
(هم فاطمة وأبوها .. وبعلها وبنوها ) !
سيدتي ، ما ذا فعلت حتى صرت المحور والقطب و قلب عالم الوجود وحتى صرت في مقام قال عنك خاتم النبيين صلوات الله عليه: (من صلى على فاطمة فهو معي أينما كنت في الجنة) !
إن العمل الذي عملته لايعرف كنهه وقيمته إلا الله تعالى ومن هم خزائن أسرار الله تعالى.. فأنت تلك العظيمة التي يقول فيك الإمام الصادق عليه السلام لو حاول الناس جادين أن يعرفوا كنه فاطمة ما عرفوه: لأنهم فطموا عن معرفتها!
وهنا نصل الى مرحلة من كلام الإمام الصادق عليه السلام : (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها ، وبعلها وبنيها ) !
. فالسؤال بفاطمة، وأب فاطمة، وبعل فاطمة، وأبناء فاطمة، وختام هذا الدعاء: والسر المستودع فيها !! فأي سر هذا ، السر الذي كان لابد له من مقدمات ، معراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن يتناول من ثمار شجرة طوبى، ليتكون البدن الذي يكون محلاً لهذا السر ! .
إنها سر الله الأعظم .. فقد كان قلبها وما فيه سراً.. ألمها كان سراً ، لونها كان سراً..ما تحملته كان سراً..قدرها كان سراً ، مقامها ما زال سراً..
سرٌّفي سر ، وحتى القبر التي حوى جثمانها كان سراً ! ماذا فعلت يا بنت رسول الله حتى صرت سر الله ؟! والى أي مقام وصلت؟!
إن العمل الذي قامت بها فاطمة عليها السلام أحيت به قيم الأنبياء عليهم السلام من آدم الى النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ! . به أحيت اسم الله تعالى.. أحيت كل حرمات الله تعالى..
عندما يموت المؤمن.. أول تحفة يقدمونها له في الجنة أنهم يقولون له: كل من شارك في تشييع جنازتك مغفور له. وفاطمة تعرف ذلك ولذا قالت: يا علي لا تُعلم بموتي أحداً منهم !هذا العمل وما أحدثه ، جدير بأن نفكر فيه كثيراً ، لنعرف ماذا حدث؟!
عندما غادر النبي الدنيا صلى الله عليه وآله وسلم كانت فاطمة في كامل النشاط وغاية السلامة ، وبعد مضي خمس وسبعين يوماً لحقت به!وفي الليلة التي غسلوا جثمانها قالوا إنها كانت من ضعفها كالخيال! وأن جسدها على المغتسل كان كالشبح!
لم يبق إلا نفَسٌ خافتُ أو مقلةٌ إنسانها باهتُ
________________________________
موقع سماحة الشيخ الكوراني
ولولا فاطمة لما خلقتكما
(حديث قدسي)