اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنّ مصيبة كربلاء جعلت الإمامَ زين العابدين عليه السلام من البكّائين الخمسة, وتركت في قلبه جرحاً عميقاً, وهذا ما أجاب به أهل الكوفة في قوله:
"فإنّ الجرح لمّا يندمل، قتل أبي (صلوات الله عليه) بالأمس وأهل بيته معه, ولم ينسني ثكل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم, وثكل أبي وبني أبي ووجده بين لهاتي, ومرارته بين حناجري وحلقي, وغصصه تجري في فراش صدري..".
واستمرّ حزن الإمام زين العابدين عليه السلام والبكاء على أبيه ولم يزل باكياً ليله ونهاره, حتَّى قال له بعض مواليه: إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين, فقال عليه السلام: يا هذا إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله, وأعلم من الله ما لا تعلمون, إنّ يعقوب كان نبيّاً فغيّب الله عنه واحداً من أولاده وعنده وةزوووعشر, وهو يعلم أنّه حيّ فبكى عليه حتَّى ابيضّت عيناه من الحزن, وإنّي نظرت إلى أبي وإخوتي وعمومتي وصحبي مقتولين حولي, فكيف ينقضي حزني؟! وإنّي لا أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني العبرة.
خصوصاً أنّ جميع السبايا رأوا مصارع بني فاطمة, ولكن مرّة واحدة, أمّا الإمام زين العابدين عليه السلام فقد رآهم مرّتين, الأولى عندما خرج السبايا من كربلاء, وأمّا الثانية فعندما رجع الإمام لدفن الجثث الطاهرة.
فقد روي أنّه لمّا ارتحل عسكر ابن سعد من كربلاء, وساروا بالسبايا والرؤوس, نزل بنو أسد إلى جسد الحسين عليه السلام وصار لهم بكاء وعويل، ثمّ إنّهم اجتهدوا على أن يحرّكوه من مكانه ليشقّوا له ضريحاً, فلم يقدروا, أن يحرّكوا عضواً من أعضائه..
فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم أَعرابي على متن جواده وقد ضيّق لثامه، فلمّا رأوه انكشفوا عن تلك الجثث الزواكي. فأقبل الأعرابي, ونزل عن جواده, وصار منحيناً كهيئة الراكع, حتّى أتى ورمى بنفسه على جسد الحسين عليه السلام فجعل يشمّه تارة ويُقبّله أُخرى وقد بلّ لثامه من دموع عينيه..فأقسموا عليه بحقّ هذا الجسد الطريح إلّا ما عرّفتنا عن نفسك, فكشف لثامه وإذا به الإمام زين العابدين عليه السلام، يقول بنو أسد ثمّ أقبلنا إليه لنعينه على جسد الحسين عليه السلام, فبكى بكاءاً شديداً، وقال: إنّ معي من يعينني عليه، ثمّ إنّه بسط كفّيه تحت ظهره الشريف وهو يقول: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم, هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله، ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، ثمّ أنزله وحده لم يشرك معه أحداً منّا فرأيناه قد وضع خدّه على نحره الشريف وهو يبكي.
تَرِيباً سَلِيباً يا عَزيزَ محمّدٍ وَلمَ يَأتِ مَن يَبكِي عَليكَ وَيَدْفنُ
م/ شبكة المنبر