اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
بطولة علي (عليه السلام) في صفين
ولم يكن في منهجية الإمام علي (عليه السلام) طلب مبارزة أحد ، لكنّه لا يردّ طلب من يبارزه .ولم يذكر الزهري في المغازي النبوية ب
بطولات المسلمين كي لا يذكر علياً (عليه السلام)فلم يذكر اسمه ولا كيف كان القتال .
وقال الفضل بن العباس بن عبدالمطّلب في فضل علي (عليه السلام) :
وأوّل من صلّى وصنو نبيّه *** وأوّل من أردى الغُواة لدى بدر
وقد شاعت في جميع الأوساط شجاعته ، وراح الناس يتحدّثون عنها بإعجاب ، وقد قيل للنبيّ (صلى الله عليه وآله) إنّ أفرس الناس عَمرو بن معدي كرب ، فردّ عليهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «أنَّ أفرَسَ النَّاسِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبِ»
وقد شبّه السيد الحميري بطولة الإمام وشجاعته بالريح العاتية التي أخذت قوم عاد بقوله :
إذا أتى معشَراً يَوماً أنامَهُمُ *** إنامَةَ الرِّيحِ في تَدمِيرِها عادا
يقول ابن أبي الحديد : وأمّا الشجاعة فإنّه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله ، ومحا اسم من يأتي بعده ، ومقاماته في الحرب مشهورة تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة . وهو الشجاع الذي ما فرّ قطّ ، ولا ارتاع من كتيبة ، ولا بارز أحداً إلاّ قتله ، ولا ضرب ضربة قطّ فاحتاجت الاُولى إلى الثانية .
وفي الحديث : «كانَت ضَرَباتُهُ وَتَراً» . وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابله ، فأمّا قتلاه فافتخار رهطهم بأنّه (عليه السلام)قتلهم أظهر وقالت اُخت عمرو بن عبد ودّ ترثيه :
لَو كانَ قاتِلُ عَمر غَيرَ قاتِلِهِ *** بَكَيتُهُ ماأقامَ الرُّوحُ فِي جَسَدِي
لكِنَّ قاتِلَهُ مَن لا نَظِيرَ لَهُ *** وكانَ يُدعى أَبُوهُ بَيضَةَ البَلَدِ
ومن مظاهر شجاعته أنّه كان يخرج في أيام صفّين وحده بغير حماية فقيل له : تقتل أهل الشام بالغداة وتظهر بالعشي في إزار ورداء ؟ فقال (عليه السلام) :
«بِالمَوتِ تُخَوِّفُوني ؟ فَوَ اللهِ ما اُبالي سَقَطتُ عَلَى المَوتِ أم سَقَطَ عَلَيَّ !».
قال عبدالله بن عباس : لعلي (عليه السلام) أربع خصال لا يشاركه فيها أحد هو أوّل عربي وأعجمي صلّى مع النبي ، وهو الذي صبر معه يوم المهراس (أُحد) وقد انهزم الناس كلّهم غيره .عن عبد الله بن عباس في خبر طويل أنه قال خالد بن الوليد : رآني علي (عليه السلام)عند منصرفي من قتال أهل الردة في عسكري وهو في أرض له وقد ازدحم الكلام في حلقة كهمهمة الأسد وقعقعة الرعد ، قال لي : ويلك أو كنت فاعلاً ؟
فقلت : أجل .
فاحمرت عيناه وقال(عليه السلام) : يا ابن اللخناء أمثلك يقدم على مثلي أو يجسر أن يدير اسمي في لهواته . في كلام له ، ثم قال خالد : فنكسني والله عن فرسي ولايمكنني الامتناع منه ، فجعل يسوقني إلى رحاء للحارث بن كلدة ، ثم عمد إلى قطب الرحى الحديد الغليظ الذي عليه مدار الرحى ، فمده في عنقي بكلتا يديه ولواه في عنقي كما ينفتل الأديم ، وأصحابي كأنهم نظروا إلى ملك الموت ، فأقسمت له بحق الله ورسوله ، فاستحى وخلّى سبيلي .
قالوا : فدعى أبوبكر جماعة الحدادين فقالوا : إن فتح هذا القطب لا يمكننا إلاّ أن نحميه بالنار فبقي ذلك أياماً والناس يضحكون منه ، فقيل : إن عليا (عليه السلام)جاء من سفره ، فأتى به أبو بكر إلى علي يشفعه في فكه .
فقال علي (عليه السلام) : إنه لما رأى تكاثف جنوده وكثرة جموعه أراد أن يضع مني في موضعي فوضعت منه عند ما خطر بباله وهمت به نفسه . ثم قال : وأما الحديد الذي في عنقه فلعله لا يمكنني في هذا الوقت فكّه ، فنهضوا بأجمعهم فأقسموا عليه ، فقبض علي (عليه السلام)رأس الحديد من القطب فجعل يفتل منه بيمينه شبرا شبرا فيرمي به . فهذه مضاهية لآية داود (عليه السلام)بقوله تعالى (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) .
وفى رواية : أن خالدا أحدث في ثيابه وصاح صيحة منكرة وجعل يضرب برجليه ، أعرض عن ذكرها اختصارا . وقال بعضهم :
يا خالد اذكر صنيعة حيدر *** لما بعثت إليه كي تدعوه
وأردت إظهار الشجاعة عند من *** أجدا الشجاعة جده وأبوه
واجتمع قادة جيش معاوية وهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط ومروان بن الحكم وعبدالله بن عامر وابن طلحة الطلحات وعتبة بن أبي سفيان .
فقال عتبة : إنّ أمرنا وأمر علي لعجب ليس منّا إلاّ موتور محاج ، أمّا أنا فقتل جدّي ، واشترك في دم عمومتي يوم بدر ، وأمّا أنت ياوليد فقد قتل أباك يوم بدر وأيتم اخوتك ، وأمّا أنت يامروان فكما قال الأوّل :
وأفلتهنّ علباء جريضاً *** ولو أدركته صفر الوطاب
فقال معاوية : هذا الإقرار فأين الغُير ؟
قال مروان : أبي غير تريد ؟
قال معاوية : أُريد أن يشجر بالرماح .
فقال مروان : والله إنّك لهازل ولقد ثقلنا عليك
هذه الحادثة تبيّن الخوف الشديد من مواجهة الإمام الشجاع والمقدام علي (عليه السلام)في ساحات الوغى
وكان فارس معاوية الذي يعده لكل مبارز ولكل عظيم ، حريث مولاه يلبس سلاح معاوية متشبها به فإذا قاتل قال الناس : ذاك معاوية .
وإن عمرو بن العاص دعاه ، فقال له : يا حريث ، إنك والله لو كنت قرشيا لاحب لك معاوية أن تقتل عليا ، ولكن كره أن يكون لك حظها ، فإن رأيت فرصة فاقتحم . فخرج علي (عليه السلام) في هذا اليوم أمام الخيل ، فحمل عليه حريث . قال نصر : فحدثني عمرو بن شمر ، عن جابر ، قال : برز حريث مولى معاوية هذا اليوم ، وكان شديدا أيدا ، فصاح : يا علي ، هل لك في المبارزة ؟ فأقدم أبا حسن إن شئت ، فأقبل علي (عليه السلام) ، وهو يقول : أنا علي وابن عبد المطلب نحن لعمر الله أولى بالكتب.
منَّا النبي المصطفى غير كذب أهل اللواء والمقام والحجب ـ نحن نصرناه على كل العرب ـ ثم خالطه فما أمهله أن ضربه ضربة واحدة ، فقطعه نصفين .
فجزع معاوية على حريث جزعا شديداً ، وعاتب عمرا في إغرائه إياه بعلي (عليه السلام) ، وقال في ذلك شعراً :
حريث ألم تعلم وجهلك ضائر *** بأن عليا للفوارس قاهر
وأن عليا لم يبارزه فارس *** من الناس إلا أقصدته الاظافر
أمرتك أمرا حازما فعصيتني *** فجدك إذا لم تقبل النصح عاثر
ودلاك عمرو والحوادث جمة *** غرورا ، وما جرت عليك المقادر
وظن حريث أن عمراً نصحه *** وقد يهلك الانسان من لا يحاذر
فكان الإمام علي (عليه السلام)يجندل الأبطال صغيراً وكبيراً ويفني غطرستهم حين كان في بدر وعمره 24 سنة ويوم حضر صفين وعمره واحد وستون سنة .
الفرسان تتساقط بين يديه وتكشف الابطال عوراتها ولما نادى علي (عليه السلام)معاوية للمبارزة بال معاوية على نفسه من شدة الخوف .
وبعث علي (عليه السلام)يوماً من تلك الأيام إلى معاوية : لمَ نقتل الناس بيني وبينك ؟ ابرز إلي ، فأينا قتل صاحبه تولى الأمر .
فقال معاوية لعمرو : ماترى ؟ .
قال : قد أنصفك الرجل ، فابرز إليه .
فقال معاوية : أتخدعني عن نفسي ، ولم أبرز إليه ، ودوني عك والأشعرون .
ثم قال : ما للملوك وللبراز وإنما حظ المبارز خطفه من باز ووجد من ذلك على عمرو ، فهجره أياما ، فقال عمرو لمعاوية : أنا خارج إلى علي غدا . فلما أصبحوا بدر عمرو حتى وقف بين الصفين ، وهو يرتجز : شدا على شكتي لا تنكشف يوم لهمدان ويوم للصدف ولتميم مثله أو تنحرف والربعيون لهم يوف عصف إذا مشيت مشية العود النطف اطعنهم بكل خطي ثقف (عليه السلام) ثم نادى : يا أبا الحسن ، اخرج إلي ، أنا عمرو بن العاص . فخرج إليه علي ، فانتضى علي (عليه السلام)سيفه ، فحمل عليه ، فلما أراد أن يجلله رمى بنفسه عن فرسه ، ورفع إحدى رجليه ، فبدت عورته ، فصرف علي (عليه السلام) وجهه ، وتركه ، وانصرف عمرو إلى معاوية .
فقال له معاوية : أحمد الله وسوداء إستك يا عمرو
كان الإمام علي (عليه السلام)كرسول الله لا ينظر إلى عورة ولا يتبع فاراً ولا يقتل جريحاً ولا امرأة ولا طفلاً ولا يأخذ لباس قتيله على عكس أخلاق الناس جميعاً .
فابن العاص كشف عورته ليستر بها نفسه عن القتل المحتم فتركه علي (عليه السلام) .
فبقي معاوية يضحك على عمرو بن العاص في كل جلسه سمر يجلسانها .
والامام علي (عليه السلام)مع قدراته الفذَّة لا يحب الترف بل عاش ومات زاهداً، اذ لما وصل (عليه السلام)الكوفة مع أصحابه من اشراف المسلمين استقبلهم الناس استقبالاً مشهوداً فقالوا له هل تنزل القصر (الذي بناه سعد بن أبي وقاص) ؟
فقال : لا ولكني أنزل الرحبة وذكر المتخلفين عنه في حرب الجمل قائلاً :
إلاّ أنه قد قعد عن نصرتي منكم رجال فأنا عليهم عاتب زار فاهجروهم واسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة .
فقام إليه مالك بن اليربوعي ـ وكان صاحب شرطته ـ فقال : والله إني لارى الهجر واسماع المكروه لهم قليلاً والله لئن أمرتنا لنقتلهم .
فقال الإمام علي (عليه السلام) : سبحان الله يا مال جزت المدى وعدوت الحد واغرقت في النزع .وشكك البعض فى قتال المسلمين فكان أبو بردة بن عوف الازدي ممن تخلف عنه في الجمل فقال للإمام : يا أمير المؤمنين أرأيت القتلى حول عائشة والزبير وطلحة بم قتلوا ؟قال (عليه السلام) : قتلوا شيعتي وعمالي وقتلوا أخا ربيعة العبدي رحمه الله تعالى في عصابة من المسلمين قالوا : لا ننكث كما نكثتم ولا نغدر كما غدرتم فوثبوا عليهم فقتلوهم .فسألتهم أن يدفعوا إليّ قتلة اخواني أقتلهم بهم ثم كتاب الله حكم بيني وبينهم فأبو عليَّ . فقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي ، ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي فقتلتهم بهم ، أفي شك أنت من ذلك ؟
قال : قد كنت في شك فأما الآن فقد عرفت وأستبان لي خطأ القوم وأنت أنت المهدي المصيب
ولا ادرى كيف قتل الزبير وطلحة وعائشة ألف شخص فى البصرة تعاقدوا
معهم على الصلح والامان الى مجىء الامام علي(عليه السلام) .
منقول من كتاب سيرة الإمام علي (عليه السلام) / ج 5