وَعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَاهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالاِنْسِ مِنَ ألاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْسَّلامِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الْلَّهِ وَبَرَكَاتَةَ

من بين أبناء المعصومين الأطهار سلام الله عليهم تميزت كريمة أهل البيت السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها بمجموعة من الخصائص المهمة التي قلما حاز عليها غيرها من ذرية أهل البيت سلام الله عليهم وهذا يدلّ على شرافة قدرها وعظم منزلتها وعلوّ مقامها الرفيع عند الله عزّوجلّ.
ومن أهم ما خُصّت به السيدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر سلام الله عليه زيارتها الشريفة الفريدة التي وردت بسند معتبر عن الإمام الرضا سلام الله عليه والتزم بها الموالون عبر العصور المختلفة حتى عصرنا الراهن، حيث يقصد مدينة قم المقدسة الملايين من الناس من مختلف أنحاء العالم لينالوا شرف زيارة هذه السيدة الجليلة سلام الله عليها.
وقبل أن نشير إلى بعض المطالب الشريفة المستوحاة من زيارتها المباركة لا بأس أن نذكر بعض الأخبار الواردة عن أهل البيت سلام الله عليهم المؤكدة استحباب زيارة كريمة أهل البيت السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها، ومنها: عن الإمام الصادق سلام الله عليه قال: «إن لله حرماً وهو مكة، وإن للرسول صلّى الله عليه وآله حرماً وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين سلام الله عليه حرماً وهو الكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم. وستُدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة». البحار ج60 ص216.
ولا يخفى ما في هذا الخبر من دلائل مهمة تشير إلى عِظم شأن السيدة فاطمة المعصومة وكرامتها عند الله عزّوجلّ وأهل البيت سلام الله عليهم، حيث بشَّر الإمام الصادق سلام الله عليه بها قبل ولادتها بسنين، وعبَّر عن البلدة التي تنزل فيها بحرم آل الرسول سلام الله عليهم مقابل حرم الله عزّوجلّ ورسوله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين سلام الله عليه. كما بشّر زعيم المذهب الإمام الصادق سلام الله عليه زائر السيدة المعصومة بالجنة وأخبر أنه ستكون لهذه السيدة الجليلة زيارة تكون وسيلة لتحصيل الجنة ورضا الله تعالى؛ ما يكشف عن عِظم مقام هذه الزيارة وجزيل ثوابها.
بالطبع ليس الإمام الصادق سلام الله عليه وحده أخبر عن هذه المنزلة في زيارة السيدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر سلام الله عليه بل وردت أخبار أخر عن غيره من الأئمة المعصومين سلام الله عليهم، فعن سعد بن سعد، قال: «سألت أبا الحسن الرضا سلام الله عليه عن زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر سلام الله عليهم، فقال: من زارها فله الجنة». (كامل الزيارات ص324).
وفي خبر آخر عنه سلام الله عليه أنه قال لسعد: «يا سعد لنا عندكم قبر؟
قال سعد: جعلت فداك، قبر فاطمة بنت موسى سلام الله عليه؟ قال: نعم، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنة». بحار الأنوار ج102 ص265.
وعن الإمام الجواد سلام الله عليه أنه قال: «من زار عمّتي بقم فله الجنة». كامل الزيارات ص324.
ولا يخفى أن الروايات المطلقة الدالة على أن من زارها له الجنة تُخصِّص بقول الإمام الرضا سلام الله عليه حيث قال: عارفاً بحقّها، ولكن يبقى السؤال هنا: ما معنى قوله سلام الله عليه (عارفاً بحقّها)؟ فهي ليست من المعصومين الأربعة عشر حتى نقول: المراد من العبارة أن يعرف أنها مفترضة الطاعة كما في بقية الأئمة المعصومين سلام الله عليهم، فما المراد من هذه العبارة؟ نقول في الجواب:
إن هذه العبارة أيضاً من خصائص السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها، فمن بين بنات المعصومين ـ كما هو معروف ـ لم تصل إلينا زيارة حتى تشترط زيارتهن مع المعرفة ليشاركن السيدة المعصومة بهذه الخصوصية، ولذا نضطر حتى نفهم المراد من هذه العبارة إلى طرح الاحتمالات القريبة من هذه العبارة ومنها أن يكون المراد منها عارفاً بمكانتها الرفيعة ومنزلتها العظيمة عند الله تعالى وأهل البيت سلام الله عليهم وبأنها من أبواب الله التي يتوجه إليها العباد في التوسل إليه في شتى أمور دنياهم وآخرتهم. ويؤيد هذا المعنى ما ورد في زيارتها سلام الله عليها من القول: «يا فاطمة اشفعي لي في الجنة، فإن لك عند الله شأناً من الشأن»، فمن يزورها ويعتقد أنها شفيعة في الجنة ولها من الشأن ما لا يدركه إلا أهله ويقدّمها بين يدي الله عزّ وجلّ وأهل البيت سلام الله عليهم كشفيعة له في الدخول إلى الجنة فإنه لا ريب يدخل جنة عدن التي وعدها الله تعالى عباده المكرمين.
وعلى كل لنقتصر على هذا المقدارمن الحث على زيارتها ونشرع بالتأمل في بعض النكات المهمة في زيارتها سلام الله عليها لندرك عظم ما ورد في حق هذه السيدة الجليلة على لسان سلطان الدنيا والدين أبي الحسن الرضا سلام الله عليه، ومن ذلك:
الإمتداد الرسالي:
فقد بدئت الزيارة الشريفة بالسلام على صفوة من الأنبياء وهم: أبو البشر آدم، وشيخ الأنبياء نوح، وخليل الله إبراهيم، والكليم موسى والمسيح عيسى، وهذا إنما يشير إلى تأكيد العلقة وإثباتها بين سلسلة الأنبياء على نبينا وآله وعليهم السلام وبين هذه السيدة الكريمة، فهي من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي، وإلا فما معنى تقديم السلام على الأنبياء عند زيارة هذه السيدة الجليلة؟ وما علاقتها بهم؟
والملفت للانتباه أنه بعد السلام على هؤلاء الصفوة من الأنبياء بلُغة الغائب يتغيّر لحن الخطاب إلى الخطاب المباشر، حيث نقول بعد ذلك: السلام عليكَ يا رسول الله، السلام عليك يا خير خلق الله، السلام عليك يا صفيَّ الله، السلام عليك يا محمد بن عبدالله خاتم النبيين.... إلى بقية الأئمة الأطهار سلام الله عليهم الذين نسلّم عليهم واحداً بعد الآخر بلسان المخاطب، وهذا إنما يشير إلى أن المسلَّم عليها هي من هذا البيت نفسه، ولذلك نسلّم عليهم بلسان المخاطب، فالمزور هومن هذا البيت الطاهر الذي اصطفاه الباري تعالى لنفسه واختاره مهبطاً لوحيه وانتخب أهله خزنة لعلمه وتراجمة لوحيه ووكلاء عنه في أرضه.
بعبارة أخرى: إننا عندما نزور هذه السيدة الجليلة فإنما نزور شخصية لها ارتباط عظيم بالرسول الأكرم وأمير المؤمنين وبقية الأئمة الأطهار سلام الله عليهم لذلك نسلم عليهم جميعاً بلسان المخاطب.
كما أن الملاحظ في زيارتها أن كل معصوم عندما نسلم عليه في زيارة السيدة المعصومة سلام الله عليها نسلم عليه بلقب من ألقابه المباركة ومن ذلك: السلام عليك يارسول الله؛ السلام عليك يا أمير المؤمنين؛ السلام عليك يا فاطمة سيدة نساء العالمين، إلى سائر الأئمة الأطهار ما خلا الإمام العسكري سلام الله عليهم أجمعين، فلما تصل النوبة إليه يكون السلام خالياً من اللقب فنقول: السلام عليك يا حسن بن علي؛ الأمر الذي يثير التعجب والاستغراب ، فلماذا لم يرد السلام على الإمام العسكري بألقابه كما ورد لجميع الأئمة الأطهار سلام الله عليهم؟ هذا مما لم نصل إليه حسب تتبعنا البسيط إلى جواب وافٍ يزيح هالة التعجب عن أذهاننا.