حيرة الأمم في عصر الغيبة روى الشيخ الصدوق في كتاب كمال الدين بسنده عن الصحابي الجليل جابر الأنصاري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله –: " المهدي من ولدي إسمه إسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيه الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ويملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجورا ".
وروى رحمه الله أيضاً في الكتاب نفسه هذا الحديث بسنده عن الإمام الصادق عن آبائه الأئمة – عليهم السلام – عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – وصدر الحديث متفق مع سابقه الى أن قال: "... تكون له غيبة وحيرة حتى يضل الخلق عن أديانهم فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجورا ".
وروى الشيخ الصدوق أيضاً بسنده عن الإمام الباقر عن أبائه عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – قال: " المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم يأتي بذخيرة الأنبياء فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ".
كما تلاحظون فان النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – يبين في النصوص المتقدمة خصوصية مهمة من خصوصيات عصر غيبة سليله الإمام المهدي – عجل الله فرجه –، وهي أن هذه الغيبة تشتمل على حالة ( الحيرة ) العامة.
وحالة ( الحيرة ) ذكرتها عدة من الأحاديث الشريفة كأحدى سمات عصري غيبتي المهدي الموعود الصغرى والكبرى، ولكن ما يميز الحديث النبوي المتقدم هو أن رسول الله – صلى الله عليه وآله – يتحدث عن حيرة تصيب (الأمم) وتؤدي الى أن تضل هذه الأمم أو تضل الخلق عن أديانها حسب تعبير الرواية الثانية، وهذا يعني أن هذه الحيرة تشمل أتباع الديانات الأخرى وليس المسلمين أو على الأقل ليس المسلمين وحدهم، فما معنى هذه الحيرة ؟ وكيف تؤدي الى ضلال الأمم عن أديانها أوتركها لها نظرياً أو عملياً ؟
في الإجابة عن الأسئلة المتقدمة ننطلق من قول رسول الله – صلى الله عليه وآله – عن ظهور المهدي بأنه – عجل الله فرجه – (يأتي بذخيرة الأنبياء) كما ورد في النص الثالث من النصوص المتقدمة والمروي عن الإمام الباقر عن آبائه عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – ؛ فما الذي نستفيده من هذه الإشارة ؟
لعل من الواضح أن في هذه الإشارة تنبيها الى أن ما يأتي به الإمام المهدي عند ظهوره – عجل الله فرجه – هو جوهر وخلاصة جميع الرسالات السماوية خالية من جميع أشكال التحريفات الكثيرة التي ألصقت بها...
وعليه يكون ظهوره – عليه السلام – إنقاذياً لأتباع جميع الديانات السماوية التي توقعها تلك التحريفات في حالة الحيرة المشار اليها وهذا ما يشير اليه النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – عندما يذكر ظهور الإمام كالشهاب الثاقب بعد ذكره مباشرة لضلال وإعراضها عن أديانها أي المحرفة بقرينة قوله صلى الله عليه وآله أن المهدي يأتي بذخيرة الأنبياء – عليهم السلام –.
وعلى ضوء ما تقدم نفهم المقصود من الحيرة التي تضل الأمم في عصر غيبة خاتم الأوصياء المهدي الموعود – عجل الله فرجه –.
أي أن عصر الغيبة المهدوية يشتمل على حدوث كثير من الأزمات في المجتمع البشري برمته، وهذه الأزمات تعجز الديانات المحرفة عن حلها، فيحصل اليأس منها في نفوس أتباعها، ولذلك تتركها وتعرض عنها وتقع في ضلال يؤدي بها الى ترقب ظهور مصلح إلهي عالمي يحل تلك الأزمات وحينئذ تتهيأ الأرضية لظهور مهدي آل محمد – صلى الله عليه واله – فيظهر كالنجم الثاقب ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ملئت ظلماً وجوراً كما ورد في الحديث النبوي المتقدم.
شمس خلف السحاب
الى متى يا مهدينا الى متى هذا الغياب عجل على ظهورك إذا كنا مع الحق فلا نبالي