بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى ال محمد
اللهم عجل فرج الحجه واجعلنا من انصاره والمستشهدين بين يديه
سلام الله عليكم
المصدر :
فهرس الياقوت الثمين في بيعة العاشقين
فراق الحبيب أليمٌ أليم *** وقلب المحبّ سقيمٌ سقيم
فمن كان في حبّه صادقاً *** بباب الحبيب مقيمٌ مقيم
وفي الحديث الشريف :
ألا إنّ لله شراباً لأوليائه ، إذا شربوا سكروا ، وإذا سكروا طربوا ، وإذا طربوا طابوا ، وإذا طابوا ذابوا ، وإذا ذابوا خلصوا ، وإذا خلصوا طلبوا ، وإذا طلبوا وجدوا ، وإذا وجدوا وصلوا ، وإذا وصلوا اتّصلوا ، وإذا اتّصلوا لا فرق بينهم وبين حبيبهم.
« لا فرق بينك وبينهم إلاّ أ نّهم عبادك ، فتقها ورتقها بيدك ».
وفى الحديث القدسي :
عبدي يتقرّب إليَّ بالنوافل حتّى اُحبّه ، فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به ، وسمعه الذي يسمع به ، ويده التي يبطش بها.
ولله المثل الأعلى ، ألا لله في أيام دهركم نفحات فتعرّضوا لها ، إنّي لأشمّ نفس الرحمن من جانب اليمن ، إنّي لأجد ريح يوسف ، هو معكم أينما كنتم.
عباراتنا شتّى وحسنك واحدٌ *** كلّ إلى ذاك الجمال يشيرُ
هذه شمّة من حالات العشق والعاشقين.
ويمرّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في واقعة صفّين بأرض كربلاء المقدّسة ، فتنهمر دموعه من عينيه على وجناته ، ويعلو بكاؤه ونحيبه ، فيسألونه عن السبب ، فيروي لهم قصّة الشهادة وواقعة الطف الأليمة التي أبكت من في السماء والأرض ، ويقول في وصف أنصار الحسين (عليه السلام) :
« ها هنا محطّ رحال العاشقين ».
إنّه (عليه السلام) قد وصف قافلة سيّد الشهداء ورحلهم بالعشق ، ومنذ ذلك اليوم عرف العشّاق دربهم ، ولا يزال يتجلّى العشق ويتبلور بمصاديق جديدة من شعوب وجماهير واُمم عشقت الحسين (عليه السلام).
وسيّد العاشقين ومولاهم أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) يناغي معشوقه ويناجيه في ساحات الوغى ، وهو على الرمضاء مقطّع بالسيوف والرماح ، نبت السهم المثلّث بقلبه ، وعلى وشك لقاء حبيبه ، فيترنّم ويتمتم بلغة العاشقين قائلا :
« رضىً بقضائك ، وتسليماً لأمرك ، لا معبود سواك ».
ولسان حاله :
تركت الخلق طرّاً في هواكا *** وأيتمتُ العيال لكي أراكا
فلو قطّعتني في الحبّ إرباً *** لما حنّ الفؤاد إلى سواكا
وما أروع لغة العشّاق ، فهذا عابس الشاكري ينزع لباس الحرب في أرض كربلاء ، ويقتحم ساحة المعركة.... ، فيقال له : ( أجُنِنْتَ يا عابس ؟ ).
فيعلنها صرخةً مدويّةً لا زال صداها يدوّي في التاريخ ليقتدي به العاشقون : ( إي والله ، لقد أجَنَّني حبّ الحسين ).
فهل للعقل والعقلانية مجال بعد حكومة العشق ؟ !
وإليكم من مناجاة زين العابدين ، يقول (عليه السلام) :
« من ذا الذي ذاق حلاوة محبّتك فرامَ منك بدلا ، ومن ذا الذي أنس بقربك فابتغى عنك حِوَلا »[1].
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
« يقول الله عزّ وجلّ : إذا كان الغالب على العبد الاشتغال بي جعلت بغيته ولذّته في ذكري ، فإذا جعلت بغيته ولذّته في ذكري عشقني وعشقته ، فإذا عشقني وعشقته رفعت الحجاب فيما بيني وبينه ، وصيّرت ذلك تغالباً عليه ، ولا يسهو إذا سها الناس ».
ولا يخفى أنّ ذكر النبيّ وآله الأطهار (عليهم السلام) إنّما هو من ذكر الله سبحانه ، كما أنّ حبّهم من حبّه ، وعشقهم من عشقه.
وإنّما يتبلور العشق العرفاني الإلهي لعشّاق الله وحزبه سبحانه ، في عشق وليّه وحبيبه الحسين (عليه السلام) ، ولا يرى عاشق الحسين إلاّ وجه معشوقه ، وإنّه ليقبّل الجدار والديار شوقاً وحبّاً ، ويطوي المنازل مشياً حتّى يتفطّر من قدمه دماً ، ولسان حاله :
وما حبّ الديار شغفن قلبي *** ولكن حبّ من سكن الديارا
إنّه يطوي البيداء ، غير مكترث بعذل عذول وبقيل قال وشتم شاتم ، بل ليعقد بيعته ( بيعة العاشقين ) مرّة اُخرى مع مواليه وأئمّته الأطهار ، مع صاحب عصره مولاه المنتظر بن فاطمة الزهراء (عليهما السلام).
وما أروع المشي على الأقدام في أيام وليال ، حتّى أصبح موكب المشاة رمزاً للعشق الحسيني في أيام أربعينه ، وما أصمد المشاة العشّاق ، فلا يثني عزيمتهم استهزاء المستهزئين ولوم اللائمين ، يل يزدادون عزيمة وبصيرة وشوقاً
واعتقاداً بصحّة المسير ، وثواب العمل.
فما أجمل مظاهر العشق ومواكب المشاة على حافّة الطرق في كلّ بقاع العالم ، فإنّ سُنّة المشي على الأقدام إلى وليّ الله من خير السنن ، فإنّ أفضل الأعمال أحمزها ، فأفواج العشق في كلّ بلدة تتوجّه في أربعين الحسين (عليه السلام)ـ إحياءً ونشراً للمذهب ـ من ديارها إلى وليّ من أولياء الله لتقول عملا لكلّ العالم : « ها هنا محطّ رحال العاشقين » ، وإنّهم ليشعرون في واقعهم قد سايروا الركب والضعن الحسيني مع الإمام زين العابدين (عليه السلام) والحوراء زينب سلام الله عليها وعقائل الرسالة ومخدّرات النبوّة ويتامى الحسين (عليه السلام).
إنّه يشارك الموكب حاسراً باكياً ناعياً لاطماً صارخاً ( أبد والله ما ننسى حسيناً ).
ألا يا أ يّها اللائمون في الحبّ ، العاذلون في العشق ، كفّوا عنّا اللّوم والعذل ، لقد أجنّنا حبّ الحسين (عليه السلام) ، فلكم عقلكم ودينكم ، ولنا عشقنا وديننا . ويوم الحساب وعلى الصراط يتميّز الأطيب من غيره.
قسماً بمكّة والحطيم وزمزم ، وإنّي على يقين أنّ عشّاق الحسين (عليه السلام)والحرارة الحسينية لن تنقطع ولن تبرد إلى يوم القيامة ، وإنّ الشعائر الحسينية تزداد يوماً بعد يوم في ربوع الأرض ، وإنّها لتستمرّ حتّى ظهور مولانا القائم من آل محمّد عليهم السلام وعجّل الله فرجه الشريف ، ولو كره الحاقدون والمنافقون ، فإنّ نور الله لا يُطفأ ، ولو كره المشركون.
فهذه المظاهر ومنها المشاة إلى العتبات المقدّسة ، سواء الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أو أولادهم الكرام كزينب الكبرى والسيّدة رقيّة (عليهما السلام) سوف تشقّ طريقها بجماهيرها الغفيرة الذين اصطفاهم الله لإحياء الإسلام بإحياء الأربعين الحسيني وواقعة الطف الحزينة ، وديمومية الإعلام الزينبي عبر القرون والأحقاب ، وما من قطرة دم تسقط في هذا الطريق إلاّ ويشتدّ أغصان وأوراق هذه الشجرة المباركة ، التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي اُكلها كلّ حين.
وختاماً :
لثمت أناملي الداثرة مخطوطة الجزء الثاني من كتاب ( بيعة العاشقين ) بقلم الاُستاذ الفاضل علي مجبل الساعدي دام مجده ، فسرحت بريد النظر وأجلت فيه البصر ، وطالعته في سويعات بعد منتصف الليل ، فشممت من نسيم أزهاره عطر الولاء والعشق الحسيني ، وأحبّ فضيلته أن اُشاركه في مقدّمة ، فأجبت سؤله الكريم ، ووددت أن اُضيف على كتابه القيّم ، فصلا جديداً سمّيته ( مناجاة المشاة العاشقين ) ، يحتوي على الدعاء ، والمناجاة اقتبستها من المناجات الخمس عشر لمولانا وجدّنا الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليّ بن الحسين (عليهما السلام) ، ومن أدعية اُخرى[2].
عسى أن يحضى برضا المشاة الكرام ، فيقرأونه برجاء المطلوبيّة تقرّباً إلى الله سبحانه ، لا سيّما في الصحارى والوديان بصوت حزين وأنين ، وكم تمنّيت أن أكون ذلك الغبار الطاهر المعلّق على أرجل المشاة العشّاق المخلصين ... وليتني كنت المنديل المتواضع لاُنشّف ندى جبين الساجدين ، لا سيّما بعد زيارة عاشوراء ، وأمسح دموع الباكين ، لا سيّما على سيّد الشهداء (عليه السلام).
فما أسعدكم أ يّها المشاة إلى الله وإلى وليّه ، يا عشّاق الحسين واُمّه الزهراء البتول وأبيه أمير المؤمنين وجدّه رسول الله وإخوته وأهل بيته (عليهم السلام).
هينئاً لكم ، هنيئاً لأرباب النعيم نعيمهم ... اُحبّكم واُحبّ الصالحين ولست منهم ، لعلّ الله يرزقني الصلاح.
يا إخوان الصّفا وأخلاّء الوفا ، أنا لا أنساكم من الدعاء ، وثقتي بكم أن لا تنسوا المؤمنين والمؤمنات من الدعاء والشفاعة ، وأملي فيكم أن لا تنسوا أيضاً خادمكم :
العبد
عادل العلوي
حوزة قم العلمية
25 ذو الحجّة 1421 هـ ق
[1]مناجاة المحبّين ، من المناجات الخمس عشر في مفاتيح الجنان للشيخ القمّي (قدس سره).
[2]وللعلماء والفقهاء العظام إنشاءات في الأدعية والمناجاة ، كآية الله العظمى المحقّق السيّد محمّد كاظم اليزدي (قدس سره) صاحب ( العروة الوثقى ) فيرسالة ( الأدعية والمناجاة الكاظميّة ) ، وهو مطبوع ، فراجع.